4 ذی الحجة الحرام 1429 هـ 4 ذی الحجة الحرام 1429 هـ 4 ذی الحجة الحرام 1429 هـ بعثه مقام معظم رهبری در گپ بعثه مقام معظم رهبری در سروش بعثه مقام معظم رهبری در بله
4 ذی الحجة الحرام 1429 هـ 4 ذی الحجة الحرام 1429 هـ 4 ذی الحجة الحرام 1429 هـ 4 ذی الحجة الحرام 1429 هـ 4 ذی الحجة الحرام 1429 هـ

4 ذی الحجة الحرام 1429 هـ

بسم الله الرحمن الرحیم     إن أرض الوحی قد جمعت، مرة أخری، حشود المؤمنین فی ضیافتها السنویة. و قد جاءت النفوس التواقة من أرجاء العالم إلی مهد الإسلام و القرآن بهدف أداء المناسک التی تجسد وجهاً للدرس الأبدی الذی یعلمه الإسلام و

بسم الله الرحمن الرحيم
 
 
إن أرض الوحي قد جمعت، مرة أخري، حشود المؤمنين في ضيافتها السنوية. و قد جاءت النفوس التواقة من أرجاء العالم إلي مهد الإسلام و القرآن بهدف أداء المناسك التي تجسد وجهاً للدرس الأبدي الذي يعلمه الإسلام و القرآن للبشرية ـ إذا أمعِن النظرُ فيها. كما أن تلك المناسك تشكل بدورها خطيً رمزية لترجمة هذا الدرس إلي حيّز العمل و التطبيق.
 إن الهدف من هذا الدرس العظيم، هو فلاح الإنسان و عزته الأبدية؛ و طريق تحقيق ذلك  يتمثل في تربية الإنسان الصالح و تكوين المجتمع الصالح :
ـ ذلك الإنسان الذي يعبد الله الواحد الأحد بقلبه و سلوكه، و يطهر نفسه من الشرك و الأدران الأخلاقية و الأهواء المنحرفة، 
ـ و ذلك المجتمع الذي يعتمد ـ في تكوينه ـ علي العدالة و الحرية و الإيمان و الحيوية و النشاط  و جميع معالم الحياة و التقدم.
إن العناصر الرئيسية لتحقيق هذه التربية الفردية و الإجتماعية مُدرَجة و مضمَّنة في فريضة الحج؛ فمنذ لحظة الإحرام و الخروج من حيّز المميزات الفردية و ترك الكثير من اللذائذ و الأهواء النفسانية، ... إلي عملية الطواف حول رمز التوحيد، و إقامة الصلوة في مقام إبراهيم المضحّي  و محطّم الأصنام، ... و من السعي المتسارع بين الجبلين، إلي الإستقرار والإطمئنان في رحاب وادي عرفات بين حشد كبير من الموحدين من كل لون و عرق، ... إلي قضاء ليلة مصحوبة بالذكر و الإبتهال في المشعر الحرام حيث يأنس كل قلب إلي الله بانفراد،  رغم تواجده بين ذلك الحشد المكثف، ... ثم الحضور في مني و رجم رموز الشيطان، ثم تجسيد عملية التضحية المفعمة بالمعاني العميقة ، و إطعام الفقير و ابن السبيل، ...كل ذلك يشكل عملية تعليم و تدريب وتذكار.
و تنطوي هذه المجموعة المتكاملة علي الإخلاص و الصفاء و الإنقطاع عن الشواغل المادية من جهة، و علي السعي و الجهد و المثابرة من جهة أخري؛ كما تنطوي علي الأنس إلي الله و الإختلاء لذكره من جهة، و علي التلاحم و الإخلاص و التناغم مع المخلوق من جهة؛  ... علي الإهتمام بتنقية القلب و الروح من جهة، و تعليق الأمل علي انسجام الأمة الإسلامية بكيانها العظيم من جهة؛ ... علي الخشوع أمام الحق جل و علا من جهة، و الوقوف بعزيمة صلبة أمام الباطل من جهة؛ ... وعلي العروج  شوقا إلي نعيم الآخرة من جهة و العزيمة الراسخة لإضفاء الجمال و الحلاوة علي الحياة الدنيا من جهة أخري . إن كل تلك الأمور الشائكة يتم تعليمها و التدريب عليها جملةً واحدةً :
« وَ مِنهُم مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيا حَسَنَةً و في الآخرةِ حَسَنَةً و قِنا عَذَابَ النَّارِ».
و هكذا تكون الكعبة المشرفة و مناسك الحج مصدراً لقوام المجتمعات البشرية     و قيامها، كما أنها مفعمة بالمنافع و المكاسب للناس: « جَعَلَ اللهُ الكعبةَ البَيـــتَ الحَرَامَ قِياماً لِلنَّاسِ » و « ليَشهَدُوا مَنَافِعَ لَهُم و يَذكرُوا اسمَ اللهِ فِي أيَّامٍ مَعلُومَاتٍ » .
علي المسلمين ـ من أي بلد وأي عرق كانوا ـ أن يقدّروا اكثر من أي وقت مضي هذه الفريضة الكبري حق قدرها، و أن يستفيدوا منها. إذ إن الأفق اليوم قد أصبح أكثر وضوحاً و إشراقاً من أي وقت مضي أمام الأمة الإسلامية، كما أن الأمل في تحقيق الأهداف التي رسمها الإسلام للمسلمين ـ أفراداً و مجتمعات - قد ازداد أكثر من أي وقت مضي. فإذا كانت الأمة الإسلامية تعاني خلال القرنين الماضيين من الإنهيار و الهزيمة أمام الحضارة المادية الغربية و المدارس الإلحادية بنوعيها اليميني و اليساري ، فإن المدارس السياسية و الاقتصادية الغربية هي التي باتت اليوم ـ في القرن الخامس عشر الهجري ـ متورطة في الأوحال و معرّضة للضعف و الإنهيار و الهزيمة. و إن الإسلام قد بدأ مرحلة جديدة من ازدهاره و عزته بفضل صحوة المسلمين و استعادتهم هويتهم، و من خلال طرح الفكر التوحيدي و منطق العدالة و القيم الروحية.
إن الذين كانوا في الماضي القريب يعزفون علي وتر اليأس ، معتبرين أنه قد ضاع الإسلام و المسلمون ،  بل ضاع أساس التديّن و القيم الروحية ، أصبحوا اليوم يرون بأم أعينهم  انتعاش الإسلام      و عودة حياة القرآن و الإسلام ، كما يرون بالمقابل ما يعتري تدريجياً أولئك المهاجمين من ضعف و زوال. إنهم يصدّقون فعلاً هذه الحقيقة باللسان كما بالقلب.
إنني أقول و بكل ثقةٍ إن هذا ليس إلا بداية الطريق، فإن الوعد الإلهي ـ أي انتصار الحق علي الباطل  و إعادة بناء أمة القرآن و الحضارة الإسلامية الحديثة ـ علي وشك التحقق بصورة كاملة‌ :
« وَعَدَ اللهُ الذِينَ آمَنُوا مِنكم وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم فِي الأرضِ كمَا استَخلَفَ الّذِينَ مِن قَبلِهِم وَ لَيُمَكنَنَّ لَهُم دِينَهُمُ الّذِي ارتَضَي لَهُم وَ لَيُبَدِّلَنَّهُم مِن بَعدِ خَوفِهِم أمناً يَعبُدُونَنِي لايُشرِكونَ بِي شَيئاً وَ مَن كفَرَ بَعدَ ذَلِك فَأولئِك هُمُ الفَاسِقُونَ » .
إن انتصار الثورة الإسلامية في إيران  و تشييد صرح النظام الإسلامي الذائع الصيت، كان دليلاً علي تحقق هذا الوعد المحتوم و ذلك في أول مرحلة له و أهمها، ما حوّل أيران إلي قاعدة متينة لفكرة سيادة الإسلام و الحضارة الإسلامية. فقد انبعث أمل جديد في العالم الإسلامي و اندفع  حماس في النفوس مع بزوغ هذه الظاهرة الشبيهة بالمعجزة، سيما في ذروة صخب المادّية وتعرض الإسلام لمهاجمة اليمين    و اليسار ـ الفكري منهما و السياسي ـ ثم صمود هذه الظاهرة و صلابتها أمام الضربات السياسية و العسكرية و الاقتصادية و الإعلامية الموجَّهة إليها من كل حدب و صوب. و كلما مرت الأيام،  ازدادت هذه الصلابة ، بحول الله و قوته، و تجذر ذلك الأمل أكثر فأكثر. فخلال العقود الثلاثة التي مرت علي هذا الحدث، ظلت منطقة الشرق الأوسط و البلدان الإسلامية في آسيا و أفريقيا مسرحاً لهذه المواجهة الظافرة. فإن في كل من :
  فلسطين و الإنتفاضة الإسلامية و تشكيل الحكومة الفلسطينية المسلمة؛ 
ولبنان و الإنتصار التاريخي الذي سجله حزب الله و المقاومة الإسلامية ضد الكيان الصهيوني المستكبر السفاح؛
 و العراق و إرساء أسس حكومة مسلمة شعبية علي أنقاض حكم الطاغية صدام و نظامه الدكتاتوري الملحد؛
و أفغانستان و الهزيمة المخزية للمحتلين الشيوعيين و النظام المحلي العميل لهم؛
و فشل جميع المشاريع  الاستكبارية الأمريكية الرامية إلي السيطرة علي الشرق الأوسط؛
و ما يشهده الكيان الصهيوني الغاصب من تورط و اضطراب لاعلاج لهما في داخله؛
و الإنتشار الواسع للمد الإسلامي في معظم دول المنطقة أو جميعها، و بوجه خاص بين الشباب و المثقفين؛
و التقدم الهائل الذي أحرزته إيران الإسلامية في المجالات العلمية و التقنية علي الرغم من تعرضها للمقاطعة و الحصار الإقتصادي؛
و هزيمة الذين يدقون طبول الحرب في أمريكا سياسياً و اقتصادياً؛
 و الشعور بالهوية و التمايز بين الأقليات المسلمة في غالب الدول الغربية ... 
... في كل ذلك أدلة واضحة علي انتصار الإسلام وتقدمه  في ساحة مواجهة الأعداء خلال هذا القرن ، أي القرن الخامس عشر الهجري. 
أيها الإخوة و الأخوات، إن هذه الانتصارات كلها حصيلة الجهاد والإخلاص. فعندما سُمع صوت الله من حناجر عباده، و عندما دخلت المعادلة هممُ مجاهدي سبيل الحق و قوتُهم، و عندما وَفي المسلمُ بعهده مع الله، ... عندئذ حقق العليّ القديرُ وعده و تغيَّر مسار التأريخ : « أوفوا بِعَهدِي أوفِ بِعَهدِكم » . « إن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُركم و يُثَبِّت أقدامَكم » « و لَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصرُهُ إنَّ اللهَ لَقَويٌّ عَزِيز » « إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا و الَّذين آمنوا في الحَياةِ الدُّنيَا و يَومَ يَقُومُ الأشهَادُ ».
إن هذا ليس إلا بداية الطريق، فهناك عقبات كأداء مازالت تعترض طريق الشعوب المسلمة. 
و إن اجتياز هذه العقبات لن يكون ممكناً إلا بالإيمان و الإخلاص، و بالأمل و الجهاد، و بالبصيرة و الصبر و الصمود. فلا يمكن طيّ هذا الطريق باليأس و التعامل السلبي، أو باللامبالاة و ضعف الهمة، أو من خلال التسرّع و التهور، أو إساءة الظنّ بصدق ما وعد به الله تعالي.
إن العدوّ المنكوب قد دخل الساحة  بكل ما لديه و بما سيعدّ من قوة. فلابد من يقظة و عقلانية و شجاعة  مع معرفة بالفرص المتاحة. و في هذه الحالة ســـــتبوء كل محاولات العدو بالفشــــل. كما أن خلال هذه العقود الثـــلاثة ، ظل العدو ـ المتمثـــل بشكل رئيسي في أمريكا و الصهيونية ـ  يمارس التحديات في الساحة  مستخدماً كل ما كان بحوزته من حول و قوة . و لكن لم يكن نصيبه سوي الفشل. كما أنه سيفشل في المستقبل أيضاً، إن شاء الله.
إن قسوة العدو تنم في أغلب الأحيان عن ضعفه و عدم حكمته. أنظروا إلي الساحة الفلسطينية و إلي قطاع غزة خاصة. إن التحركات الهمجية الفظيعة التي يقوم بها العدو هناك، والتي قل مثيلها في تاريخ الإضطهاد البشري، إنما تدل علي ضعفه و عجزه عن التغلب علي الإرادة الصلبة لدي أولئك الرجال و النساء و الشباب و الأطفال الذين وقفوا ـ و بأيدٍ خالية من السلاح ـ بوجه الكيان الغاصب و حاميته أمريكا     و هي قوة عظمي، وداسوا بأقدامهم إرادة هؤلاء الأعداء الذين يريدون منهم الإعراض عن حكومة حماس. سلام الله علي هذا الشعب الصامد العظيم.  لقد فسّر أهالي غزة و حكومة حماس عملياً هذه الآيات القرآنية الخالدة :
« وَ لَنَبلُوَنَّكم  بِشَيءٍ مِنَ الخَوفِ وَ الجُوعِ و نَقصٍ مِنَ الأَموالِ و الأنفُسِ و الثَّمَرَاتِ و بَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الذينَ إذا أصابَتهُم مُصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ و إنّا إلَيهِ رَاجِعُونَ* أولَئِك عَلَيهِم صَلَوَاتٌ مِن رَبِّهِم و رَحمَةٌ و أولَئِك هُمُ المُهتَدُونَ » و « وَ لَتُبلَوُنَّ فِي أَموَالِكم و أنفُسِكم و لَتَسمَعُنَّ مِنَ الّذِينَ أوتُوا الكتَابَ مِن قَبلِكم و مِنَ الّذينَ أشرَكوا أذيً كثيراً و إن تَصبِرُوا و تَـتَّقُوا فَإنَّ ذَلِك مِن عَزمِ الأمُورِ ».
و لن يكون المنتصر النهائي في هذا الصراع القائم بين الحق و الباطل إلا الحق.  إن الشعب الفلسطيني الصابر المظلوم هو الذي سينتصر علي العدو في نهاية المطاف. « وَكانَ اللهُ قَويّاً عَزيزا » .
و حتي في يومنا هذا، يُلاحَظ أنه بالإضافة إلي فشل هؤلاء في تحطيم مقاومة الفلسطينيين، تعرضت مصداقية النظام الأمريكي و معظم الأنظمة الأوروبية لهزيمة نكراء في الساحة السياسية بعد ما انكشف زيف مزاعم تلك الأنظمة في دعم  الحرية و الديمقراطية و شعارات حقوق الإنسان، حيث لايمكنها تدارك هذه الهزيمة بسهولة. إن الكيان الصهيوني المفضوح، بات مسودّ الوجه اكثر من أي وقت مضي، كما أن بعض الأنظمة العربية قد خسرت في هذا الإختبار الغريب ما كان قد تبقّي لها من مصداقية ـ إن كانت تملكها أصلاً.
وَ سَيَعلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ. و السلام علي عباد اللهِ الصَّالِحينَ
السيّد علي الحسيني الخامنئي
4 ذي الحجة الحرام 1429 هـ


| شناسه مطلب: 11403







نظرات کاربران