مصعب بن عمیر

أبوه: عمیر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصی البدری القرشی العبدری.. أمه: خناس بنت مالک بن المضرب العامریة، وهی من نساء بنی مالک.. له أخ اسمه أبوعزیز، ولمصعب موقف منه فی معرکة بدر الکبرى، وهناک شخص من بنی عبد الدار بن قصی، اسمه أبو الروم بن عمیر

أبوه: عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي البدري القرشي العبدري..

أمه: خناس بنت مالك بن المضرب العامرية، وهي من نساء بني مالك.. له أخ اسمه أبوعزيز، ولمصعب موقف منه في معركة بدر الكبرى، وهناك شخص من بني عبد الدار بن قصي، اسمه أبو الروم بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار، كان مع الوجبة الثانية من المهاجرين التي التحقت بالوجبة الأولى التي هاجر فيها مصعب إلى الحبشة، ولم أجد من أشار إلى هذه العلاقة، أو أنه عاقبته أمه كما عاقبت مصعباً..، ولا أدري قد يكون أخاً لمصعب من أبيه.. لهذا لم تستطع خناس أن تنال منه.. وله أخت تدعى هند بنت عمير، وهند هي أم شيبة بن عثمان حاجب الكعبة، جد بني شيبة...

كنيته: كان مصعب يكنى «أبوعبد الله».

لقبه: «مصعب الخير» وهو ما أراده له المسلمون، وأحبوا أن يلقبوه به.

مصعب واحد من فضلاء الصحابة وخيارهم، بعد أن منّ الله تعالى عليه أن يكون من السابقين إلى الإسلام، ثم من منتسبي مدرسة الصحبة الواعية المباركة لرسولالله(صلي الله عليه و آله) امتلأ إيماناً ورسالية ووعياً فريداً، وحلماً كبيراً.. جعله ذلك يتدفق حيوية، وحركة دؤوبة، ونشاطاً كبيراً في كل مواقفه الإيمانية والتبليغية والجهادية..

لقد تمثلت في شخصيته رجولة وشجاعة وإباء، وتجسد في قلبه يقين ثابت، وفي نفسه إرادة مبدعة، وفي سلوكه سيرة حسنة، وأخلاق فاضلة .. فغدا يستقبل المسؤوليات العظيمة بكل ما فيها من مصاعب ومتاعب ومخاطر، دون أن يتطرق الخور إلى نفسه، أو يحلّ الإعياء في عزيمته، بفضل ما يتحلى به من الحكمة التي افتقدها الكثيرون، حتى الكبار ممن هم حوله.. وبفضل إيمانه الواعي، وعشقه لرسالة الدين الجديد، الذي حمله رسولالله(صلي الله عليه و آله) إليهم، وتعلقه بالرسالة والرسول(صلي الله عليه و آله) وعمق صدقه وإخلاصه.. فقدم ما قد يعجز عنه الآخرون، وهم مجتمعون، فنال ذكراً طيباً في الدنيا، وخلوداً في جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.

يقولون عنه

إنه كان فتى قريش، وقد أوتي من الجمال والأناقة ما جعله شاباً يافعاً، وضيء الطلعة، مليح الهيئة، فريداً بين أقرانه، وأوتي من المال ما جعله مترفاً متنعماً مدللاً محبباً إلى والديه الثريين اللذين راحا يغدقان عليه بما يشاءا، ويحققان له كل ما يريد من أسباب الحياة الفارهة.

 كانت أمه تكسوه من الثياب أحسنها وأرقها، وتطيبه بأطيب العطور لتجعله كما تتمنى أعطر شباب أهل مكة، بل أعطر أهلها، وخير دليل على هذا ما كان يقوله رسولالله(صلي الله عليه و آله) حين يذكره:

«ما رأيت بمكة أحسن لمة، ولا أرق حلة، ولا أنعم نعمة من مصعب بن عمير» و «لقد رأيت مُصعباً هذا وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه».

واللمة بتشديد اللام وكسرها: شعر الرأس الذي يتجاوز شحمة الأذن.

الحلة بضم الحاء: الثوب الجديد وقد تكون ثوبين أو ثلاثة أثواب قميصاً وإزاراً ورداء.

حقاً لقد كان من أنعم أهل مكة وأجمل فتيانها، وأكثرهم شباباً.

ولكن لم يمنع مصعباً كل تلك الفتوة الفائقة، وذاك النعيم، وهذا الترف، من الانضمام إلى قافلة المؤمنين، حين طرق سمعه دين السماء الجديد الذي يحمله رسول الرحمة محمد بن عبدالله(صلي الله عليه و آله).

لم يمنعه كل ذلك ولا حتى غيره من أن يسلم ويصدق في إسلامه، ويؤمن ويخلص في إيمانه.

سمع عن الإسلام والمسلمين في مكة، وأنهم يجتمعون برسولالله(صلي الله عليه و آله) في دار الأرقم بن أبي الأرقم، فلم يتأخر طويلاً بل أطلق ساقيه ليسجل سبقاً عظيماً، وهو يعلم جيداً بحكم ذكائه ومعرفته بوالديه، وبالذات أمه صاحبة الكلمة والسطوة، أنه سيسلب النعيم الذي هو فيه، وسيتبدل حاله من السعة إلى الضيق، ومن الراحة إلى التعب، ومن الغنى إلى الفقر، ومن الترف إلى الحرمان إن هو آمن.

ولكنه ـ وكما يصفه المسلمون ـ مصعب الخير، آثر الحياة الآخرة ونعيمها الخالد على الدنيا ونعيمها الزائل، بعيداً عن الزهو والدلال وما يتركانه من تعال وكبرياء وطغيان.

{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً}.

لقد انطلق مسرعاً في ذلك الصباح إلى حيث دين الله، وآياته التي تتلى ورسوله الكريم إلى الصفا، إلى دارالأرقم، حيث كان له اللقاء المبارك مع الإسلام.

فما أن وقع نظره على رسولالله(صلي الله عليه و آله) حتى بسط يده مبايعاً، وما إن لامست يده بل يداه يد رسول الرحمة والبركة، حتى تهلل وجهه، وأشرق جبينه، ووضح البشر بين عينيه، وهو يعلن الشهادتين لينضم إلى إخوانه، فينال وسام السابقين الأولين إلى الإسلام، حتى نزلت السكينة عليه والحكمة، وحتى غدت العيون لتزداد له هيبة وتمتلأ القلوب إعجاباً به، وإكباراً له كلما رأته، واطلعت على سيرته العطرة الواعية الواعدة.

آمن بالله تعالى وصدق دينه ونبيه متحدياً بذلك قريشاً بعتادها وقوتها وجبروتها وعنادها، وهو يرى تعذيبها لمن آمن من قبله من المستضعفين في رمضاء مكة.

مصعب وأمه

كانت أم مصعب تتمتع بقوة وصلابة ومهابة، لهذا حين أسلم مصعب اتخذ قراراً أن يكتم إسلامه حتى يقضي الله أمراً، إلا أنها علمت بعد حين بإسلامه فقد أبصره عثمان بن طلحة مرة، وهو يدخل إلى دارالأرقم، ورآه أخرى وهو يؤدي الصلاة، فأسرع إليها ينقل لها نبأ إسلام مصعب الذي كانت تحبه حباً شديداً، وتحرص عليه حرصاً كبيراً، وقد أفقدها هذا الخبر صوابها، فحاولت أن تثنيه عن الإسلام، إلا أنها لم تجد عنده ضعفاً أو تنازلاً أو ميلاً لما تريده منه، بل لم تحدثه نفسه بخيار يكون بديلاً لإيمانه، فراحت تشتد في معاملتها له، وتقسو عليه وتضيق في عيشته وحركته أكثر فأكثر، ومنعته من كل نعيم كانت تقدّمه له.

نعم، لقد ضيقت عليه وحبسته وبذلت كل ما تستطيعه من جهد لترده عن دينه، لكنها واجهت من ابنها مصعب إصراراً أكبر على الإيمان؛ فلما آيست منه طردته من بيتها، ثم حرمته من المال كثيره وقليله.

أما مصعب فقد واجه أمه وعشيرته وأشراف مكة المجتمعين يتلو عليهم آيات من القرآن الكريم، فهمّت أمه أن تسكته بلطمة، ولكنها لم تفعل، وإنما حبسته في زاوية من زوايا دارها وأحكمت عليه الغلق، حتى علم أنّ هناك من المسلمين من يخرج إلى الحبشة، فاحتال على أمه ومضى إلى الحبشة وعاد إلى مكة، ثم هاجر الهجرة الثانية إلى الحبشة، ولقد منعته أمه حين يئست من استجابته لها كل ما كانت تفيض عليه من النعم، وحاولت حبسه مرات بعد رجوعه من الحبشة، فآلى على نفسه لئن فعلت ليقتلن كل من تستعين به على حبسه، وإنها لتعلم صدق عزمه، فودعته باكية مصرّة على الكفر، وودعها باكياً مصراً على الإيمان، فقالت له وهي تخرجه من بيتها:

إذهب لشأنك، لم أعد لك أماً.

فاقترب منها وقال:

يا أمه إني لك ناصح، وعليك شفوق، فاشهدي بأنه لا إله إلا الله، وأنّ محمداً عبده ورسوله.

أجابته غاضبة

قسماً بالثواقب، لا أدخل في دينك، فيزرى برأيي، ويضعف عقلي.

ثم قررت سجنه وهو مع هذا كله كلما ازدادت عليه أمه ضيقاً وشدة ازداد ثباتاً ورسوخاً على دينه، وحرصاً على آخرته، ولقد عانى معاناة شديدة، وشعر بالأذى يتضاعف عليه يومياً، وهو يحرم مما تعود عليه من نعيم، وأخيراً لم يكن أمامه إلا أن ترك النعمة الوارفة التي كان يعيش فيها مؤثراً الشظف والفاقة، وأصبح الفتى المتأنق المعطر، لا يُرى إلا مرتدياً أخشن الثياب، يأكل يوماً، ويجوع أياماً؛ ومع هذا الألم المضاعف عليه صبر وصابر، وهو يرى نفسه يعذب ويحجر عليه، وآلامه تتضاعف، لأنه عاش حياة الرفاهية والراحة، بعيداً عن أسباب الألم والتعب، وهو الشاب الترف الناعم الطري، الذي نشأ في أحضان النعمة والعيش الرغيد، قبل أن تبدأ مرحلة أخرى تغير فيها الحال، وكان أمراً غريباً عليه، لما تعرض له بعد إيمانه، لأنه لم يعش حياة الخشونة والأذى، لكنه لم يثنه شيء من ذلك عن دينه.

يقول عنه سعد بن أبي وقاص:

«وأما مصعب بن عمير، فإنه كان أترف غلام بمكة بين أبويه فيما بيننا، فلما أصابه ما أصابنا من شظف العيش، لم يقو على ذلك، فلقد رأيته وإن جلده ليتطاير عنه تطاير جلد الحيّة، ولقد رأيته ينقطع به، فما يستطيع أن يمشي، فنعرض له القسي ثم نحمله على عواتقنا».

ترك نعيم الدنيا، وخرج مصعب من النعمة الوارفة التي كان يعيش فيها مؤثراً الفاقة، وأصبح الفتى المعطر المتأنق لا يرى إلا مرتدياً أخشن الثياب، يأكل يوماً ويجوع أياماً، وقد بصره بعض الصحابة يرتدي جلباباً مرقعاً بالياً، فحنوا رؤوسهم وذرفت عيونهم دمعاً شجياً.

ورآه الرسول(صلي الله عليه و آله) وتألقت على شفتيه ابتسامة جليلة وقال:

«لقد رأيت مصعباً هذا، وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه، ثم ترك ذلك كله حباً لله ورسوله».

وحين نظر رسولالله(صلي الله عليه و آله) إلى مصعب وقد جاء مقبلاً وعليه إهاب كبش قال:

«أنظروا إلى هذا الرجل الذي قد نوّر الله قلبه، لقد رأيته بين أبوين يغدوان بأطيب الطعام والشراب، فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون».

لقد ظلّ مصعب محتسباً كل آلامه عندالله العلي القدير ينتظر منه الفرج والنجاة والأجر والثواب.

هجرته

ولما اشتد أذى المشركين لمصعب ولإخوته المسلمين، وضاق بهم أسياد مكة ذرعاً، أذن لهم رسولالله(صلي الله عليه و آله) بالهجرة إلى الحبشة، وهي الهجرة الأولى لهم بعد إسلامهم.

يقول ابن إسحاق: فلما رأى رسولالله(صلي الله عليه و آله) ما يصيب أصحابه من البلاء، وما هو فيه من العافية بمكانه من الله ومن عمه أبي طالب، وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء، قال لهم:

«لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإنّ بها ملكاً لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه».

فخرج عند ذلك جمع من المسلمين من أصحاب رسولالله(صلي الله عليه و آله) إلى أرض الحبشة، مخافة الفتنة، وفراراً إلى الله بدينهم، فكانت أول هجرة كانت في الإسلام، ثم ذكر أسماء من هاجروا ونسب كل واحد منهم إلى قبيلته حتى وصل إلى: ومن بني عبد الدار بن قصي: مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، ثم واصل ذكر غيره، فكان عدد الرجال عشرة ومعهم أربعة نساء، ومصعب كان سادسهم.

وقد خرجوا متسللين سراً حتى انتهوا إلى الشعيبة، منهم الراكب والماشي، ووفق الله المسلمين ساعة جاؤوا سفينتين للتجار، حملوهم فيهما إلى أرض الحبشة بنصف دينار، وكان مخرجهم في رجب في السنة الخامسة من حين نبئ رسولالله(صلي الله عليه و آله) وخرجت قريش في آثارهم حتى جاؤوا البحر فلم يدركوا منهم أحداً.[1]

وفي قول: إنهم أمروا عليهم عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح.. ثم تواصلت هجرتهم فالتحق من قبيلة مصعب عدد آخر، وهم سويبط بن سعد، وجهم بن قيس، ومعه امرأته أم حرملة من خزاعة، وابناه عمرو وخزيمة، وأبو الروم بن عمير ـ وهو أخ لمصعب كما يبدو لي ـ وفراس بن النضير، فكانوا كلهم سبعة رجال من قبيلة عبد الدار، قبيلة مصعب بن عمير.[2]

فهاجر مصعب الهجرة الأولى إلى الحبشة مع من هاجر، وكان عددهم اثني عشر رجلاً وأربع نسوة، ثم تكاثر عدد المهاجرين الذين تعاقبوا على الحبشة، حتى وصل جميع من لحق بأرض الحبشة، وهاجر إليها من المسلمين، سوى أبنائهم الذين خرجوا معهم صغاراً وولدوا بها، ثلاثة وثمانين رجلاً.

وكان مما قيل من شعر في الحبشة وهو يصور معاناتهم، وما تعرضوا من عذاب وهوان كانت السبب في هجرتهم وترك بلادهم:

كل امرئ من عباد الله مضطهد

 
ببطن مكة مقهور ومفتون

إنا وجدنا بلاد الله واسعة

 
تنجي من الذل والمخزاة والهون

فلا تقيموا على ذل الحياة وخز

 
ي في الممات وعيب غيرمأمون

إنا تبعنا رسولالله واطرحوا

 
قول النبي وعالوا في الموازين[3]


لكن مصعب لم يبق طويلاً في هجرته إلى الحبشة، إذ رجع بعد هجرته بعدة أشهر عندما أشيع في الحبشة أن قريشاً قد أسلمت، وكان الأمر غير ذلك.

قال ابن إسحاق: وبلغ أصحاب رسولالله(صلي الله عليه و آله)الذين خرجوا إلى أرض الحبشة إسلام أهل مكة، فأقبلوا لما بلغهم من ذلك حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن ما كانوا تحدثوا به من إسلام أهل مكة كان باطلاً، فلم يدخل منهم أحد إلا بجوار أو مستخفياً.. وسجل ابن هشام في سيرته العائدين من المهاجرين، حتى وصل إلى من عاد من بني عبد الدار: ومن بني عبد الدار بن قصي: مصعب بن عمير بن هشام بن عبد مناف، وسويبط بن سعد بن حرملة.[4]

وتمر الأيام العصيبة على المسلمين في مكة، ويأتي عام الحزن العام الذي توفيت فيه خديجة أم المؤمنين زوجة رسولالله(صلي الله عليه و آله) وكانت له وزير صدق على الإسلام يشكو إليها، ووفاة عمه أبي طالب، وكان له عضداً وحرزاً في أمره، ومنعة وناصراً على قومه، وذلك قبل مهاجره إلى المدينة بثلاث سنين، وينتهي عام الحزن هذا.[5]

ولما أراد الله عزّوجل إظهار دينه وإعزاز نبيه(صلي الله عليه و آله) راح رسولالله(صلي الله عليه و آله) يعرض نفسه على قبائل العرب، تأتي منهم في موسم الحج طلائع، وقد جاء من أهل يثرب سنة 11 من البعثة النبوية رهط، والتقوا بالرسول(صلي الله عليه و آله) عند العقبة ستة نفر من الخزرج، وأسلموا على يديه، وواعدوا رسولالله(صلي الله عليه و آله) إبلاغ رسالته إلى قومهم؛ وفعلاً ما إن عادوا إلى يثرب إلى قومهم حتى أفشوا الأمر، وكان من جراء ذلك أن جاء في الموسم التالي اثنا عشر رجلاً، اجتمع هؤلاء مع النبي(صلي الله عليه و آله) عند العقبة بمنى، فبايعوه بيعة العقبة الأولى، وكانت بيعتهم كبيعة النساء خالية من البيعة على القتال.

يقول ابن هشام: فبايعوا رسولالله(صلي الله عليه و آله) على بيعة النساء [وقد ذكر الله تعالى بيعة النساء في القرآن، قال: {يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً} فأراد ببيعة النساء أنهم لم يبايعوه على القتال، وكانت مبايعة النساء أنه يأخذ عليهن العهد والميثاق فإذا أقررن بألسنتهن، قال: قد بايعتكن].

عن عبادة بن الصلت قال: كنت فيمن حضر العقبة الأولى، وكنا اثني عشر رجلاً، فبايعنا رسولالله(صلي الله عليه و آله) على بيعة النساء، وذلك قبل أن تفترض الحرب، على أن لا نشرك بالله شيئاً، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف، فإن وفيتم فلكم الجنة، وإن غشيتم من ذلك شيئاً فأمركم إلى الله عزّوجل إن شاء عذب وإن شاء غفر.[6]

سفير الرسول والرسالة

لقد شاءت له السماء أن يكون من أولئك الذين شيّدوا أساس الإسلام ومجده وعزته ومنزلته في المدينة المنورة، بلد الهجرة والنور والعطاء، بين أهليها من الأوس والخزرج، وليجعل منهم دعاة إلى دين الله وأنصاراً لرسوله(صلي الله عليه و آله) وأن يكون في إيمانه وحركته وجهاده واستشهاده قدوة صالحة، لأنه من {أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ} وحقاً كان كما لقبه المسلمون «مصعب الخير».

يأتي دور الصحابي الشاب مصعب بن عمير بعد أن تمت البيعة، وقد عرف بنودها وحفظها وانتهى الموسم، بعثه النبي(صلي الله عليه و آله) مع هؤلاء المبايعين أول سفير في الإسلام، ليعلّمهم والمسلمين في يثرب مفاهيم الإسلام وأحكامه، ويقرئهم القرآن، ويفقههم في الدين، وليقوم بنشر الإسلام بين الذين لم يزالوا على الشرك، لقد اختار رسولالله(صلي الله عليه و آله) لهذه المهمة الشاقة مصعب بن عمير رضوان الله تعالى عليه، وهو فتى من شباب الإسلام، من السابقين الأولين الصادقين المخلصين المتحمسين بوعي وحيوية وقدرة.

قال ابن إسحاق في السيرة النبوية:فلما انصرف عنه القوم، بعث رسولالله(صلي الله عليه و آله) معهم مصعب بن عمير، وأمره أن يقرئهم القرآن، ويعلّمهم الإسلام، ويفقّههم في الدين، فكان يسمى المقرئ في المدينة: مصعب، وكان منزله على أسعد بن زرارة بن عدس، أبي أمامة.

ثم يواصل ابن إسحاق كلامه قائلاً: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أنه كان يصلي بهم، وذلك أنّ الأوس والخزرج كره بعضهم أن يؤمه بعض.

وقال البراء بن عازب: أول من قدم علينا المدينة من المهاجرين مصعب بن عمير، فهو أول مهاجر إلى المدينة حرسها الله.

إذن قبل أن يهم المبايعون من سادات الأوس والخزرج ونقبائهم بالرجوع إلى مدينتهم يثرب، طلبوا من الرسول(صلي الله عليه و آله) أن يبعث معهم معلّماً يعلّمهم الإسلام وأحكامه، ويدرّسهم القرآن ويفقّههم في الدين، وهذا دليل وعيهم وشوقهم لمعرفة هذا الدين الذي آمنوا به، وتمسّكهم والتزامهم بما عاهدوا الله تعالى عليه، وبايعوا عليه رسوله(صلي الله عليه و آله).

وكانوا يتوقعون أن يرسل(صلي الله عليه و آله) معهم ما هم بحاجته من أصحابه المعلّمين إلا أنه(صلي الله عليه و آله) اكتفى بواحد منهم، ولم ينتدب لهذه الوظيفة إلا مصعباً المتدفق حيوية ونشاطاً وذكاء، المشع وجهه جمالاً وبهاء، ليضطلع بمسؤولية كبيرة وجديدة.

اختاره الرسول أن يكون سفيره إلى يثرب، يفقه الأنصار الذين آمنوا وبايعوا الرسول عند العقبة، ويدخل غيرهم في دين الله، ويعدّ يثرب ويهيؤها ليوم هجرة النبي(صلي الله عليه و آله) إليها.

إن رجاحة عقل مصعب، وكريم خلقه وصبره ونشاطه وزهده، جعله موضع تشريف رسولالله(صلي الله عليه و آله) له، ليسجل بذلك أول مبعوث للنبوة والرسالة وأول سفير للإسلام.

وكم كانت فرحة مصعب عظيمة وهو يتلقى أمر الرسول(صلي الله عليه و آله): اذهب يا مصعب على بركة الله.

فراح يردد كلمات الشكر لله تعالى ويتمتم بها، وهو يرى ما أولاه الرسول(صلي الله عليه و آله) من الثقة العالية به، ومن فوره راح يغذ السير مع من أسلم من يثرب، لينطلق بأشرف الأعمال وأحسنها:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ولسانه يردد:

{قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي* وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي* وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي* يَفْقَهُوا قَوْلِي}.

وحتى نعرف عظم المسؤولية الملقاة على عاتقه وخطورتها، أنه دخلها ولا يوجد في يثرب إلاّ اثنا عشر مسلماً.. وأجواؤها كانت مشحونة بالعداوة التأريخية المريرة بين قبيلتي الأوس والخزرج اللتين خاضتا معارك دامية مليئة بالأحقاد والثارات، وخصوصاً إذا عرفنا أنّ في يثرب عدواً متربصاً بهم، ويسوؤه وفاقهما ووحدتهما، ويؤلمه اجتماعهما واتفاقهما، وهو يواصل إذكاء تلك العداوات بكل ما أوتي من قوة ومال وخبث، إنهم يهود بني قريظة وبني النضير.

لقد كان هذا الشاب رضوان الله تعالى عليه، يقدر المسؤولية التي أنيطت به، ويعلم أنه يجب عليه أن ينهي مهامه خلال سنة حتى يوافي رسولالله(صلي الله عليه و آله) في الموسم القادم، ومعه الكثير من الأوس والخزرج، لكي تبايعه على نصرة الإسلام، فعليه إذاً أن يجتهد في الدعوة، وأن لا يهنأ بطعام، ولا يغمض له جفن، حتى يدخل الناس في دين الله أفواجاً.

وأما أسعد بن زرارة الذي نزل عنده مصعب، فقد كان من أوائل من أسلم من الأنصار، ولأنه توفي بعد هجرة الرسول(صلي الله عليه و آله) بقليل، فإننا لا نجد له ذكراً كثيراً في كتب السيرة، وأخذ كل من مصعب وأسعد بن زرارة يبثان الإسلام بين الأوس والخزرج بجد وحماس، حتى صار يدعى مصعباً بالقارئ والمقرئ.

وهو ما حصل بالفعل؛ فقد طفق هذا الصحابي الشاب منذ أن وطأت قدماه تراب يثرب يوصل ليله بنهاره، ولا يعرف الهدوء والاستقرار حتى استطاع ـ بتسديد من الله تعالى ودعم من رسوله(صلي الله عليه و آله) وخلال سنة ـ أن يجعل شبابها ورجالها ونساءها ينعمون بأجواء إسلامية قرآنية، وحقاً ما ذكروه عنه أنه:

«لم يزل يدعو للإسلام حتى لم يبق دار من دور الأنصار الأوس والخزرج إلا وفيها رجال ونساء مسلمون»، إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف، وتلك أوس الله وهم من أوس بن حارثة، وذلك أنه كان فيهم أبوقيس بن الأسلت وهو صيفي، وكان شاعراً لهم، وقائداً يسمعون منه ويطيعونه، فوقف بهم عن الإسلام، فلم يزل على ذلك حتى هاجر رسولالله(صلي الله عليه و آله) إلى المدينة ومضى بدر وأحد والخندق.

 وفي رواية: إنّ هناك رجلاً واحداً، وهو الأصيرم، تأخر إسلامه إلى يوم أحد.[7]

لقد أثبت الشاب الصالح مصعب بن عمير، أنه خير سفير للإسلام، اعتمده الرسول الكريم(صلي الله عليه و آله) لأهل يثرب، فقد قام بما عهد إليه من مهمة ومسؤولية خير قيام، إذ استطاع بدماثة خلقه وصفاء نفسه أن يجمع كثيراً من أهل يثرب على الإسلام، حتى أن قبيلة من أكبر قبائل يثرب وهي قبيلة بني عبد الأشهل، قد أسلمت جميعها على يده بقيادة رئيسها سعد بن معاذ رضوان الله تعالى عليه، ومن أروع ما يروى من نجاحه في الدعوة هذه القصة، التي جاء فيها:

إنّ أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير، يريد به دار بني عبد الأشهل، ودار بني ظفر، وكان سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس ابن خالة أسعد بن زرارة، فدخلا في حائط من حوائط بني ظفر، وجلسا على بئر يقال لها: بئر مرق، واجتمع إليهما رجال ممن أسلم؛ وسعد بن معاذ وأسيد بن خضير يومئذ سيدا قومهما من بني عبد الأشهل، وكلاهما مشرك على دين قومه ـ فلما سمعا بذلك قال سعد بن معاذ لأسيد بن خضير: لا أبا لك! انطلق إلى هذين اللذين قد أتيا دارنا، ليسفها ضعفاءنا فازجرهما وانههما أن يأتيا دارنا، فإنه لولا أن أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت، كفيتك ذلك، هو ابن خالي ولا أجد عليه مقدماً.

فأخذ أسيد بن خضير حربته ثم أقبل إليهما، فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب: هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق الله فيه.

قال مصعب: إن يجلس أكلمه، قال: وجاء أسيد فوقف عليهما متشتماً، فقال: ما جاء بكما إلينا؟ تسفهان ضعفاءنا! اعتزلانا إن كانت لكما في أنفسكما حاجة.

فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته كفّ عنك ما تكره؟

قال: أنصفت.

ثم ركز حربته وجلس إليهما فكلمه مصعب عن الإسلام، وقرأ عليه القرآن.

فقالا فيما يذكر عنهما: والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم، في إشراقه وتسهله أو وتهلله، ثم قال: ما أحسن هذا وأجمله! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا له: تغتسل فتطهر ثوبك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلي ركعتين.

فقام فاغتسل، وطهر ثوبيه، وشهد شهادة الحق، ثم قام فركع ركعتين، ثم قال لهما: إنّ ورائي رجلاً إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه، وسأرسله إليكما الآن سعد بن معاذ، ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه، وهم جلوس في ناديهم، فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلاً قال: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بن خضير بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم.

 فلما وقف على النادي قال له سعد: ما فعلت؟ قال: كلمت الرجلين فوالله ما رأيت بهما بأساً، وقد نهيتهما فقالا: نفعل ما أحببت، وقد حدثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليخفروك، قال: فقام سعد مغضباً مبادراً تخوفاً للذي ذكر له من بني حارثة، فأخذ الحربة من يده، ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئاً ثم خرج إليهما فلما رآهما سعد مطمئنين، عرف أن أسيداً إنما أراد أن يسمع منهما فوقف عليهما متشتماً، ثم قال لأسعد بن زرارة: يا أبا أمامة لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني، تغشانا في دارنا بما نكره! وقد قال أسعد لمصعب: أي مصعب! جاءك والله سيد من وراءه من قومه إن يتبعك لم يخالف عليك منهم اثنان فقال له مصعب: أو تقعد فتسمع فإن رضيت أمراً ورغبت فيه قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره؟ قال سعد: أنصفت ثم ركز الحربة فجلس فعرض عليه الإسلام، وقرأ القرآن، قالا: فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم به في إشراقه وتسهله.

ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم، ودخلتم في هذا الدين؟

قالا: تغتسل فتطهر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلي ركعتين.

فقام فاغتسل، وطهر ثوبيه، وشهد شهادة الحق، وركع ركعتين، ثم أخذ حربته فأقبل عامداً إلى نادي قومه، ومعه أسيد بن خضير، فلما رآه قومه مقبلاً قالوا: نحلف بالله لقد رجع سعد إليكم بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم، فلما وقف عليهم قال:

يا بني عبدالأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا رأياً، وأيمننا نقيبة، قال: فإنّ كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله.

يقول الراوي: فوالله ما أمسى في دار عبدالأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلماً أو مسلمة.

والذي يبدو لي أنّ مصعباً حينما عرض الإسلام على سعد، وقرأ عليه القرآن، انشرح صدر سعد، لأن سعداً كان صاحب ضالة، أو كان من الذين يبحثون عن الحقيقة بجد، وما أن وجدها في هذا الدين، حتى تمسك بها، وأخلص لها أيما إخلاص، وهو ما تشهد به سيرته ومواقفه فيما بعد.

وأقام مصعب يدعو إلى الله، حتى أنه لم يترك بيتاً للأوس والخزرج إلا وقد دخله صوت لا إله إلا الله.

إمامة مصعب لصلاة الجمعة

هناك من يذهب إلى أنّ صلاة الجمعة أول ما عقدت في يثرب، بعد أن وصلها الصحابي مصعب بن عمير مبلّغاًلله ولرسوله(صلي الله عليه و آله) وحين كتب(صلي الله عليه و آله) إليه، وهو أول من أوفده من مكة مع المسلمين من الأنصار ليعلمهم، ثم قدم بعده عبدالله بن أم مكتوم:

«أما بعد، فانظر اليوم الذي تجهر فيه اليهود بالزبور لسبتهم، فاجمعوا نساءكم وأبناءكم، فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة، فتقربوا إلى الله بركعتين».

 وعلى هذا يكون مصعب أول من صلى بهم الجمعة في المدينة، وكان عددهم اثني عشر رجلاً.

وفي خبر عن أبي مسعود الأنصاري، بأن أول من جمع بهم، هو أبو أمامة أسعد بن زرارة الذي نزل عليه مصعب بن عمير.

يقول عبدالرحمن بن كعب بن مالك ـ الذي كان يقود أباه كعباً إلى المسجد ـ : كنت أقود أبي، كعب بن مالك، حين ذهب بصره، فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة، فسمع الأذان بها صلى على أبي أمامة، أسعد بن زرارة، ومكث حيناً على ذلك لا يسمع الأذان للجمعة إلا صلى عليه واستغفر له، فقلت في نفسي: والله إنّ هذا بي لعجز، ألا أسأله ما له إذا سمع الأذان للجمعة صلى على أبي أمامة أسعد بن زرارة؟

فخرجت به في يوم جمعة كما كنت أخرج، فلما سمع الأذان للجمعة صلى واستغفر له، فقلت له: يا أبت، مالك إذا سمعت الأذان للجمعة صليت على أبي أمامة؟

فقال: أي بني، كان أول من جمع بنا بالمدينة في هزم النبيت من حرة بني بياضة، يقال له: نقيع الخضمات؛ قلت: وكم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلاً. [هزم النبيت: جبل على بريد من المدينة، أو أنه في قول آخر: المكان المطمئن من الأرض.. والنبيت أبو حي من اليمن اسمه عمرو بن مالك، وحرة بني بياضة قرية على ميل من المدينة، وبنو بياضة بطن من الأنصار والنقيع بطن من الأرض، يستنقع فيه الماء مُدة فإذا نضب نبت الكلأ].[8]

ويبدو أنّ الجمعة نسبت إلى أسعد لأنه أمير القوم، ومصعب كان في ضيافته، وأنه أطعم المُصلين غذاء وعشاء، فنسب الأمر إليه.

وهناك من يقول: إنّ اجتماع المسلمين في يوم من أيام الأسبوع كان باجتهادهم قبل أن تفرض عليهم صلاة الجمعة، فقد جاء في حديث مرسل عن ابن سيرين قال: جمع أهل المدينة قبل أن يقدم النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) المدينة، وقبل أن تنزل الجمعة، قالت الأنصار: لليهود يوم يجمعون فيه كل أسبوع وللنصارى مثل ذلك، فهلمّ فلنجعل يوماً نجمع فيه فنذكر الله تعالى ونصلي ونشكره، فجعلوه يوم العروبة، واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة، فصلّى بهم يومئذ ركعتين وذكرهم، فسموا الجمعة حين اجتمعوا إليه، فذبح لهم شاة فتغدوا وتعشوا منها، وذلك لقلتهم.

الموسم التالي

في موسم الحج التالي عاد هذا الصحابي المؤمن، والداعية الواعي، والشاب القرآني، وكان معه سبعون رجلاً من القبيلتين الأوس والخزرج، وهم مستخفون لا يشعر بهم أحد، ومعهم امرأتان: نسيبة بنت كعب «أم عمارة» المرأة التي عرفت بثباتها يوم أحد، حينما فرّ الرجال، ولم يبق معه إلا قليل؛ وأسماء بنت عمرو بن عدي.

وما أن وقعت عينا رسولالله(صلي الله عليه و آله و سلم) عليه حتى راح يقبله ويضمّه إلى صدره الحبيب:

كيف تركت يثرب يا مصعب؟

تركتها إسلاماً والحمد لله، يا رسولالله!

وأخذت الدهشة بعض الحضور!!!

وراح يبين لهم دوره، وما بذله من الجهود الكبيرة ليسلم عدد على يديه، كأسيد بن خضير سيد بني عبد الأشهل بالمدينة، الذي جاء شاهراً حربته، ويتوهج غضباً وحنقاً على هذا الذي جاء يفتن قومه عن دينهم، فلما أقنعه أن يجلس ويستمع، فأصغى لمصعب واقتنع وأسلم، وجاء سعد بن معاذ فأصغى لمصعب واقتنع، وأسلم ثم تلاه سعد بن عبادة، وأسلم كثيراً من أهل المدينة، فقد نجح أول سفراء الرسول(صلي الله عليه و آله) نجاحاً منقطع النظير.

حقاً هذا هو مصعب فقد قام بمهمته خير قيام وقبل حلول موسم الحج عاد إلى مكة يحمل إلى رسولالله(صلي الله عليه و آله و سلم) بشائر النصر والفوز ويقص عليه خبر قبائل يثرب، وما فيها من مواهب الخير، وما لها من قوة ومنعة لنصرة هذا الدين، فسر النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) وبايع الأنصار في هذا الموسم في السنة الثالثة عشرة من النبوة، وكانوا ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتين، وبايعوه على أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأموالهم وأولادهم، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى نصرة رسولالله(صلي الله عليه و آله و سلم) النصرة التامة، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال قائل منهم:

فما لنا يا رسولالله؟

قال: «لكم الجنة».

قالوا: رضينا، ثم انتهت البيعة.

وأذن الرسول(صلي الله عليه و آله و سلم) لأصحابه الذين بقوا في مكة بالهجرة إلى يثرب، وسماها بعد ذلك المدينة النبوية.

وفي تعداد منازل المهاجرين على الأنصار بعد هجرة المسلمين من مكة إلى يثرب، ذكر ابن هشام في سيرته: ونزل مصعب بن عمير بن هاشم أخو بني عبد الدار، على سعد بن معاذ بن النعمان، أخي بني عبد الأشهل في دار بني الأشهل.

وكان مصعب أول المهاجرين إلى يثرب، كما سيكون أول مبعوث لنبي الله(صلي الله عليه و آله و سلم) إليها، ليبشر أهلها بالإسلام، وقد تعرض لمخاطر كادت أن تطيح به أثناء مهمته الرسالية التبليغية التعليمية، لولا فطنته وذكاؤه وحكمته.

قال عنه البراء بن عازب: «أول المهاجرين مصعب بن عمير».

المؤاخاة

راح رسولالله(صلي الله عليه و آله و سلم) حين وصوله يثرب التي غيّر اسمها إلى المدينة المنورة يؤاخي بين المهاجرين والأنصار.

قال ابن إسحاق: وآخى رسولالله(صلي الله عليه و آله و سلم) بين أصحابه من المهاجرين والأنصار فقال فيما بلغنا، ونعوذ بالله أن نقول عليه ما لم يقل: تآخوا في الله أخوين أخوين، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال: هذا أخي، فكان رسولالله(صلي الله عليه و آله و سلم) سيد المرسلين، وإمام المتقين، ورسول رب العالمين، الذي ليس له خطير ولا نظير من العباد، وعلي بن أبي طالب، أخوين.[9]

وبعد هذه المؤخاة التي ابتدأها رسولالله(صلي الله عليه و آله و سلم) بنفسه وعلي(عليه السلام) راح يؤاخي بين المهاجرين والأنصار حتى وصل إلى الصحابي:

«مصعب بن عمير بن هاشم وأبو أيوب خالد بن زيد أخو بني النجار: أخوين».

معركة بدر

وبعد هجرة الرسول(صلي الله عليه و آله و سلم) وصحبه إلى المدينة، وكان هذا بعد بيعة العقبة الثانية، وقعت أولى معارك الإسلام الكبرى معركة بدر، وقد حمل مصعب بن عمير فيها راية المسلمين، وللراية في أي معركة ـ كما هو معروف ـ دور عظيم وخطير فما دامت مرفوعة تدل على صلابة وثبات وقوة من ينضوون تحتها، ولهذا تكون هدفاً أساسياً لكلا المتحاربين.

لقد دفع رسولالله(صلي الله عليه و آله و سلم) اللواء إلى مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار وكان أبيض؛ فيما كانت أمام رسولالله(صلي الله عليه و آله و سلم) رايتان سوداوان: إحداهما مع علي بن أبي طالب يقال لها: العقاب، والأخرى مع بعض الأنصار.[10]

ودافع مصعب عنها وقاتل قتال الأبطال حتى انتصر المسلمون في هذه المعركة انتصاراً ساحقاً.

موقفه من أخيه

وبعد انتهاء المعركة سمع مصعب بن عمير بأنّ أخاه عزيز بن عمير، وكان هذا يحمل راية المشركين وقع أسيراً بيد أنصاري.

تقول الرواية:

لما جاءوا بالمشركين الذين وقعوا أسرى بيد المسلمين في معركة بدر الكبرى، فرقهم رسولالله(صلي الله عليه و آله و سلم) بين أصحابه وقال:

«استوصوا بالأسارى خيراً».

يقول أحد أولئك الأسارى وهو أبو عزيز بن عمير بن هاشم أخو مصعب بن عمير لأبيه وأمه:

مرّ بي أخي مصعب بن عمير ورجل من الأنصار يأسرني، فقال: شدّ يديك به، فإنّ أمه ذات متاع، لعلها تفديه منك؛ قال: وكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصّوني بالخبز، وأكلوا التمر، لوصية رسولالله(صلي الله عليه و آله و سلم) إياهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها، فأستحي فأردها على أحدهم فيردها علي ما يمسها.

وكان أبو عزيز صاحب لواء المشركين ببدر بعد النضر بن الحارث، فلما قال أخوه مصعب بن عمير لأبي اليسر، وهو الذي أسره، ما قال، قال له أبو العزيز: يا أخي، هذه وصاتك بي، فقال مصعب: إنه أخي دونك، فسألت أمه عن أغلى ما فدي به قرشي، فقيل لها: أربعة آلاف درهم، فبعثت بأربعة آلاف درهم ففدته بها، وقد أسلم أبو عزيز هذا الذي كان إسمه زرارة.[11]

غزوة أحد

وبعد معركة بدرالكبرى وقد أبلى فيها مصعب بلاءً حسناً.. تلتها معركة أحد، وقد حمل رايتها مصعب بأمر من رسولالله(صلي الله عليه و آله و سلم) كما حمل راية بدر من قبل... ويحتدم القتال بين الفريقين المتحاربين المسلمين بقيادة رسولالله(صلي الله عليه و آله و سلم) ومشركي مكة، وراح المسلمون يجولون في ميدان المعركة، وكلما ازدادت المعركة شدة ازداد مصعب ثباتاً وصموداً وبيده اللواء رغم استهدافه من الأعداء؛ وفي ساعة اشتداد التلاحم هذا وكاد النصر أن يكون حليف المؤمنين إذ بالرماة الذين أمرهم رسولالله(صلي الله عليه و آله و سلم) بعدم مغادرة مواقعهم في أعلى الجبل مهما كانت نتيجة المعركة.

قال ابن اسحاق «... وتعبى رسولالله(صلي الله عليه و آله و سلم) للقتال، وهو في سبعمائة رجل، أمر على الرماة عبد الله بن جبير، أخا بني عمرو بن عوف، وهو معلم يومئذ بثياب بيض، والرماة خمسون رجلاً، فقال: انضح الخيل عنا بالنبل، لا يأتونا من خلفنا، إن كانت لنا أو علينا، فاثبت مكانك، لا نؤتين من قبلك، وظاهر رسولالله(صلي الله عليه و آله و سلم) بين درعين، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير، أخي بني عبد الدار».

وإذا بأكثرهم يخالف أمر الرسول(صلي الله عليه و آله و سلم) ويترك مواقعه فيما استشهد من ثبت منهم وهم قلّة، وكان من بين الشهداء عبدالله بن جبير أمير الرماة، بعد أن انسحب أكثر الرماة ظناً منهم أنّ المعركة حسمت لصالح المسلمين، وشاهدوا المشركين يجرّون أذيال الهزيمة، وأنّ عليهم المبادرة للحصول على الغنائم، وإلا أفلسوا منها، ولم يدركوا أنّ عملهم هذا حوّل النصر إلى هزيمة، وكاد أن يروح فيها رسولالله(صلي الله عليه و آله و سلم) وفعلاً فوجئ المسلمون بفرسان قريش تغشاهم من أعلى الجبل، وحلت الفوضى بين صفوف المسلمين وراح الذعر يشتتهم، وكان تركيز المشركين على رسولالله(صلي الله عليه و آله و سلم) لينالوا منه.

وختمت فتوته بالشهادة

لقد أدرك مصعب بن عمير ذلك كله، فحمل اللواء عالياً، وكبّر ومضى يصول ويجول، وكان همه أن يشغل المشركين عن رسولالله(صلي الله عليه و آله و سلم) فأقبل ابن قميئة وهو فارس في جيش المشركين، فضرب مصعباً على يده اليمنى فقطعها، ومصعب يردد:

{وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ}.

وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه، فضرب يده اليسرى فقطعها، فحنا على اللواء وضمّه بعضديه إلى صدره وهو يقول:

{وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ}.

ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه وأندق الرمح، ووقع مصعب، وسقط اللواء واستشهد مصعب الخير كما يلقبه المسلمون، وهو يتمتم:

{وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ}.

وقد نزل هذا المقطع فيما بعد ضمن آية كريمة:

{وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}.[12]

وهو ما ذكره أيضاً ابن سعد عن إبراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري، عن أبيه.

ولما قتله كان يظن كما في خبر أنه قتل رسولالله(صلي الله عليه و آله و سلم) حتى أنه لما رجع إلى قريش قال لهم: قتلت محمداً.[13]

قال ابن إسحاق: فلما قتل مصعب بن عمير أعطى رسولالله(صلي الله عليه و آله و سلم) اللواء علي بن أبي طالب(عليه السلام) وقاتل علي بن أبي طالب ورجال من المسلمين.

وفيما ذكرته الصحابية الجليلة أم عمارة، وهي تروي معركة أحد: «... فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسولالله(صلي الله عليه و آله) فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف، وأرمي عن القوس حتى خلصت الجراح إلي..

ولما سألتها أم سعد بنت سعد بن الربيع الناقلة لهذا الخبر، وقد رأت على عاتقها جرحاً أجوف له غور عمّن أصابها بهذا..

قالت: ابن قمئة، قمأه الله! لما ولى الناس عن رسولالله(صلي الله عليه و آله) أقبل يقول: دلوني على محمد، فلا نجوت إن نجى، فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير، وأناس ممن ثبت مع رسولالله(صلي الله عليه و آله) فضربني هذه الضربة، ولكن فلقد ضربته على ذلك ضربات، ولكن عدو الله كانت عليه درعان».[14]

وبعد انتهاء المعركة جاء الرسول وأصحابه يتفقدون أرض المعركة ويودعون شهداءهم، ووجدوا جثمان مصعب، وقد مثل به المشركون تمثيلاً أفاض دموع رسولالله(صلي الله عليه و آله) وأوجع فؤاده، وقال وهو يقف عنده:

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ...}

ثم ألقى بأسـى نظرةً على بردة كفن فيها مصعب وقال:

«لقد رأيت بمكـة وما بها أرق حلّة ولا أحسن لمة منك، ثم ها أنت ذا شعث الرأس في بردة..».

 وقد وسعت نظرات رسولالله(صلي الله عليه و آله) الحانية أرض المعركة بكل من عليها من رفاق مصعب الشهداء وقال مؤبّناً:

«إن رسولالله يشهد أنكم الشهداء عندالله يوم القيامة».

ثم أقبل على أصحابه الأحياء حوله وقال:

«أيها الناس! زوروهم، وأتوهم وسلموا عليهم، فوالذي نفسي بيده لا يسلم عليهم مُسَلِّم إلى يوم القيامة، إلا ردّوا عليه السلام».

يقول خباب بن الأرت:

هاجرنا مع رسولالله(صلي الله عليه و آله) في سبيل الله، نبتغي وجه الله، فوجب أجرنا على الله.. فمنا من مضى، ولم يأكل من أجره في دنياه شيئاً، منهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد، فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة، فكنا إذا وضعناها على رأسه تعرت رجلاه، وإذا وضعناها على رجليه برز رأسه، فقال لنا رسولالله(صلي الله عليه و آله):

«اجعلوها مما يلي رأسه، واجعلوا على رجليه من نبات الأذخر» وهو نبات معروف طيب الريح.

 وقال عنه أبوهريرة: «رجل لم أرَ مثله كأنه من رجال الجنة».

ولما تم دفن الشهداء، انصرف رسولالله(صلي الله عليه و آله) راجعاً إلى المدينة، فلقيته حمنة بنت جحش؛ فلما لقيت الناس نعي إليها أخوها عبدالله بن جحش، فاسترجعت واستغفرت له، ثم نعي لها خالها حمزة بن عبدالمطلب فاسترجعت واستغفرت له، ثم نعي لها زوجها مصعب بن عمير، فصاحت وولولت!

فقال رسولالله(صلي الله عليه و آله): «إنّ زوج المرأة منها لبمكان»!

لما رأى من تثبتها عند أخيها وخالها، وصياحها على زوجها.[15]

لقد صارت قصة مصعب بن عمير في تاريخنا الإسلامي درساً بليغاً من دروس المؤمنين الصادقين، التي تعلّمنا حياة الرجال الصادقين وولاءهم لمبادئهم واستعلاءهم على الدنيا بما فيها من متاع مبهر أخّاذ، إنه لنموذج رائع من أولئك الذين تركوا كل ما توفر عندهم، ولهم من غال ونفيس وراحة في سبيل الله، والإيمان بدينه، فصدقوا ما عاهدوا الله عليه، فكان لهم من الله الرضا والفوز بجنات عدن تجري من تحتها الأنهار مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً... لقد أبى هذا المؤمن الشاب إلاّ أن يعيش للإسلام وحده، وأن يموت لا كما يموت الآخرون، بل وأن ينال وسام الشهادة، ويختم بها حياته ونشاطه الدؤوب، فمضى كبيراً، عزيزاً، مسروراً، قد أعذر إلى الله بإيمانه وجهاده وأعماله، فكانت فرحته عند الله تعالى كبيرة، وكان ابتهاجه عظيماً حينما قال فيه وفي إخوانه الذين استشهدوا معه:

{وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}.

 

 

 
 


[1]. السيرة النبوية، الهجرة إلى الحبشة ؛ تاريخ الطبري 1 : 546.

[2]. السيرة النبوية، لابن هشام 1 : 322 ـ 325 ؛ تاريخ الطبري.

[3]. المصدر نفسه 1 : 330 ـ 331.

[4]. أنظر السيرة النبوية 1 : 365.

[5]. المصدر نفسه 2 : 416.

[6]. أنظر السيرة النبوية، لابن هشام 2 : 431.

[7]. الكامل في التاريخ 1 : 512 ؛ تاريخ الطبري 1 : 561.

[8]. أنظر: السيرة النبوية لابن هشام 2 : 435 ؛ والطبراني؛ وأبو داود؛ وابن حِبان؛ وابن ماجة، والبيهقي وابن حجر.

[9]. أنظر السيرة النبوية لابن هشام 2 : 505 ـ 506.

[10]. أنظر السيرة النبوية 2 : 612.

[11]. أنظر: السيرة النبوية 2: 645 ؛ وتاريخ الطبري، معركة بدر ؛ والروض.

[12]. آل عمران : 144.

[13]. تاريخ الطبري 2 : 66.

[14]. أنظر: السيرة النبوية لابن هشام 3 : 87 .

[15]. أنظر السيرة النبوية 3 : 105.


| رمز الموضوع: 12706