أبوسعید الخدری
مازال حدیثنا عن مدرسة الصحبة المبارکة لرسول الله(صلی الله علیه و آله) من خلال الترجمة لرموزها، الذین خلد ذکرهم بعد أن صدقوا ما عاهدوا الله علیه، فما أن ننتهی من رمز حتى ندخل مع رمز آخر، ونموذج رائع لها؛ مع صحابی وابن صحابی، إنه هذه المرة الصحابی الجلیل ال
مازال حديثنا عن مدرسة الصحبة المباركة لرسول الله(صلي الله عليه و آله) من خلال الترجمة لرموزها، الذين خلد ذكرهم بعد أن صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فما أن ننتهي من رمز حتى ندخل مع رمز آخر، ونموذج رائع لها؛ مع صحابي وابن صحابي، إنه هذه المرة الصحابي الجليل الخدري الخزرجي الأنصاري، المولود في السنة العاشرة قبل الهجرة النبوية الشريفة، والمعروف بكنيته أبوسعيد الخدري، ولشهرته بها طغت على اسمه، وهو سعد بن مالك بن سنان بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر، وهو خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج الأنصاري.
وعن ابن هشام اسمه سنان، وخدرة وخدارة بطنان من الأنصار، وهما ابنا عوف بن الحارث بن الخزرج، وزعم بعض الناس أنّ خدرة هي أم الأبجر.
أما أمه، فهي أنيسة بنت أبي حارثة من بني عدي بن النجار.
وأخوه لأمه قتادة بن النعمان.[1]
لقد كان هذا الصحابي وجهاً بارزاً مشهوراً من الأنصار ومن أفاضلهم، وكان من المحدِثين الكبار، وكان ذا علم ومعرفة وفقه، وله من الروايات الكثيرة مستقلاً في روايتها أو مشاركاً مع غيره، و رواياته وأقواله تميزت بأنها جاءت في أمهات الأمور التي شكلت أساساً عظيماً، وصرحاً كبيراً في البناء العقائدي والتشريعي في الإسلام، وتاريخه ومبادئه وقيمه.
ممن شهد بيعة الرضوان
{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً}.[2]
في السنة الثامنة للهجرة النبوية وقعت البيعة المعروفة ببيعة الرضوان انطلاقاً من الآية المباركة، وما تحمله من رضاء الله تعالى عمن بايع رسوله(صلي الله عليه و آله) في الحديبية تحت الشجرة، وهي شجرة السمرة، ولهذا تسمى بيعة الحديبية وبيعة الشجرة، وقلوبهم مملوءة بصدق النية، واليقين، والصبر، والوفاء بما عقدوا البيعة عليه، فكان هذا الصحابي الجليل أبوسعيد الخدري واحداً من أولئك الصادقين، حين شهد بيعة الرضوان، حين جاء رسول الله(صلي الله عليه و آله) إلى الشجرة، فاستند إليها، وبايع الناس على أن يقاتلوا المشركين ولا يفروا؛ وكان قد أرسل رسول الله(صلي الله عليه و آله) عثمان بن عفان إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب، وإنما جاء زائراً البيت معظماً لحرمته، فاحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) والمسلمين أنّ عثمان قد قتل، فأطلق رسول الله(صلي الله عليه و آله) قوله: «لا نبرح حتى نناجز القوم».
وهذا سبب البيعة ونصها، كما قال ابن اسحاق في السيرة: فحدثني عبدالله بن أبي بكر أنّ رسول الله(صلي الله عليه و آله) قال حين بلغه أنّ عثمان قد قتل: «لا نبرح حتى نناجز القوم»، فدعا رسول الله(صلي الله عليه و آله) الناس إلى البيعة، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة، فكان الناس يقولون، بايعهم رسول الله(صلي الله عليه و آله) على الموت، وكان جابر بن عبدالله يقول: إنّ رسول الله(صلي الله عليه و آله) لم يبايعنا على الموت، ولكنا بايعنا على أن لا نفرّ.
لقد كان أبوسعيد ممن بايعوا رسول الله(صلي الله عليه و آله) على أن لا تأخذهم في الله لومة لائم، كما يحدثنا سهل بن سعد عن أبيه عن جده قال: بايعت النبي(صلي الله عليه و آله) أنا، وأبوذر، وعبادة بن الصامت، ومحمد بن مسلمة، وأبوسعيد الخدري، وسادس على أن لا تأخذنا في الله لومة لائم، فاستقال السادس فأقاله.[3]
يوم أحد
رغبته في أن يكون مقاتلاً في معركة أحد حال دونها رفض رسول الله(صلي الله عليه و آله) لأنه استصغره، يقول أبوسعيد: عرضت يوم أُحد على النبي(صلي الله عليه و آله) وأنا ابن ثلاث عشرة، فجعل أبي يأخذ بيدي ويقول: يا رسول الله! إنّه عبل ضخم العظام، و جعل نبي الله(صلي الله عليه و آله) يصعِّد في النظر ويصوِّبه، ثم قال(صلي الله عليه و آله): رُدَّهُ، فردَّني.[4]
وإن حرمه صغر سنّه عن وسام المشاركة في هذه المعركة، فقد نال أبوه وسام الشهادة الكبير، وأنه بعيد عن النار، ففي خبر كما في السيرة النبوية لابن هشام أنّ رسول الله(صلي الله عليه و آله) يوم أحد وقع في حفرة من الحفر التي عمل أبوعامر ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون، فأخذ علي بن أبي طالب(عليه السلام) بيد رسول الله(عليه السلام) ورفعه طلحة بن عبيدالله، حتى استوى قائماً، ومص مالك بن سنان أبوسعيد الخدري الدم عن وجه رسول الله(صلي الله عليه و آله) ثم ازدرده أي ابتلعه، فقال رسول الله(صلي الله عليه و آله): «من مس دمي دمه لم تصبه النار»، وقد استشهد مالك بن سنان في هذه الواقعة.
ابن الشهيد!
وإن لم يمنحه سنه فرصة قتال المشركين في معركة أحد إلا أنه وتكريماً لمالك بن سنان ولابنه أبي سعيد أيضاً كان يدعوه رسول الله(صلي الله عليه و آله) وبعض الصحابة: «ابن الشهيد»، كما ورد في رواية طويلة يتحدث فيها أبوسعيد عن صحبته لعلي(عليه السلام) إلى اليمن، ورفض علي(عليه السلام) استعمال إبل الصدقة من قبل أبي سعيد ومن معه، ممن كان في رفقة الإمام علي(عليه السلام) قائلاً لهم:
«إنما لكم منها سهم كما للمسلمين».
إنه الحق والعدل والمساواة التي تميزت بها شخصية علي(عليه السلام) ولم يدركها، ويقدرها هؤلاء الأصحاب؛ مما جعل أبا سعيد يشكو ما يسمّونه غلظة علي(عليه السلام) وتضييقه عليهم إلى رسول الله(صلي الله عليه و آله) وهو ما تضمنه قوله: يا رسول الله(صلي الله عليه و آله) ما لقينا من علي(عليه السلام) من الغلظة، وسوء الصحبة، والتضييق؛ وهنا يقول سعيد: فانتبذ أي اعتزل ناحية رسول الله(صلي الله عليه و آله) وجعلت أنا أعدد ما لقينا منه حتى إذا كنت في وسط كلامي ضرب رسول الله(صلي الله عليه و آله) على فخذي، وكنت منه قريباً، وقال:
«سعد بن مالك ابن الشهيد، مه بعض قولك لأخيك علي، فوالله، لقد علمت أنه أخشن في سبيل الله».
قال: فقلت في نفسي: ثكلتك أمك، سعد بن مالك، ألا أراني كنت فيما يكره منذ اليوم وما أدري؟ لا جرم، والله لا أذكره بسوء أبداً سرّاً وعلانيةً.[5]
وإن استصغر أبوسعيد الخدري يوم أحد فرد، إلا أنه شارك بعد ذلك مع رسول الله(صلي الله عليه و آله) في اثنتي عشرة غزوة، بدءاً بمعركة الخندق التي كانت أول مشاهده وبيعة الرضوان.[6]
وعن الخدري كما جاء في أمالي الطوسي: أخبرنا الشيخ أبوجعفر الطوسي، عن أبي عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد [النعمان] عن أبي الحسن مُحَمَّد بن المظفر البزاز، عن أحمد بن عبيد العطاردي، عن أبي بشر بن بكير، عن زياد بن المنذر، عن أبي عبد الله مولى بني هاشم، عن أبي سعيد الخدري، قال:... لما كان يوم أحد شجَّ النبيُّ(صلي الله عليه و آله) في وجهه وكُسِرت رباعيته، فقام(صلي الله عليه و آله) رافعاً يديه يقول:
إنَّ الله اشتدَّ غضبه على اليهود أن قالوا: عزيرٌ ابن الله، واشتدَّ غضبه على النصارى أنْ قالوا: المسيح ابن الله، واشتدَّ غضبه على من أراق دمي، وآذاني في عترتي.[7]
ومما رواه أبو سعيد عن مجريات معركة أحد، كما في مختصر تاريخ دمشق تفاصيل إصابة رسول الله(صلي الله عليه و آله) كما في الخبر عنه:
كان أبو سعيد الخدري يحدث أنّ رسول الله(صلي الله عليه و آله) أصيب وجهه يوم أحد، فدخلت الحلقتان من المغفر في وجنته، فلما نزعتا جعل الدم يسرب كما يسرب الشن، فجعل أبي مالك بن سنان يملج الدم بفيه، ثم ازدرده، فقال رسول الله(صلي الله عليه و آله): من أحب أن ينظر إلى من خالط دمه دمي فلينظر إلى مالك بن سنان، فقيل لمالك: تشرب الدم؟ فقال: نعم أشرب دم رسول الله(صلي الله عليه و آله) فقال رسول الله(صلي الله عليه و آله): من مس دمه دمي لم تصبه النار، قال أبوسعيد: فكنا ممن رد من الشيخين لم نجز مع المقاتلة، فلما كان من النهار، وبلغنا مصاب رسول الله(صلي الله عليه و آله) وننظر إلى سلامته، فنرجع بذلك إلى أهلينا، فلقينا الناس منصرفين ببطن قناة، فلم يكن همة إلا النبي(صلي الله عليه و آله) ننظر إليه، فلما نظر إلي قال: سعد بن مالك؟ قلت: نعم بأبي وأمي، فدنوت منه فقبلت ركبته، وهو على فرسه، ثم قال: آجرك الله في أبيك، ثم نظرت إلى وجهه فإذا في وجنتيه مثل موضع الدرهم في كل وجنة، وإذا شجة في جبهته عند أصول الشعر، وإذا شفته السفلى تدمى، وإذا رباعيته اليمنى شظية، وإذا على جرحه شيء أسود؛ فسألت: ما هذا على وجهه؟ فقالوا: حصير محرق، وسألت: من دمى وجنتيه؟ فقيل: ابن قميئة . فقلت: من شجّه في جبهته؟ فقيل: ابن شهاب. فقلت: من أصاب شفته؟ فقيل: عتبة؛ فجعت أعدو بين يديه حتى نزل ببابه، فما نزل إلا حملاً، وأرى ركبتيه مجحوشتين، يتكئ على السعدين: سعد بن عبادة، وسعد بن معاذ، حتى دخل بيته.
فلما غربت الشمس وأذن بلال بالصلاة، خرج رسول الله(صلي الله عليه و آله) على مثل تلك الحال، يتوكأ على السعدين، ثم انصرف إلى بيته، والناس في المسجد يوقدون النيران، يتكمدون بها من الجراح،ثم أذن بلال بالعشاء حين غاب الشفق، فلم يخرج رسول الله(صلي الله عليه و آله) وجلس بلال عند بابه حتى ذهب ثلث الليل، ثم ناداه: الصلاة يا رسول الله، فخرج رسول الله(صلي الله عليه و آله) وقد كان نائماً، قال: فرمقته فإذا هو أخف في مشيته منه حين دخل بيته، فصليت معه العشاء، ثم رجع إلى بيته، وقد صف له الرجال ما بين بيته إلى مصلاه يمشي وحده حتى دخل، ورجعت إلى أهلي فخبرتهم بسلامة رسولالله(صلي الله عليه و آله) فحمدوا الله على ذلك وناموا، وكانت وجوه الخزرج والأوس في المسجد على باب النبي(صلي الله عليه و آله) يحرسونه فرقاً من قريش أن تكر.[8]
عفته وطاعته!!
عرف هذا الصحابي بعفة النفس، وشدة الامتثال لأمر رسول الله(صلي الله عليه و آله) والأخذ بنصحه، وإرشاده، ولثقته المطلقة بوعد الله ورسوله(صلي الله عليه و آله) لما سمع رسول الله(صلي الله عليه و آله) يعد المتعففين عن المسألة بأنّ الله تعالى سيغنيهم من فضله وإحسانه، وقد جاء يسأل الرسول(صلي الله عليه و آله) وقد بلغت به الحاجة مبلغاً عظيماً، حتى أنه ربط على بطنه الحجر من شدة الجوع، إلا أنه آثر الصبر والاحتمال، رجاء ما عندالله تعالى، وقد تحقق له ما وعد به رسول الله(صلي الله عليه و آله) فأغناه الله من فضله.
ومما قاله أبوسعيد نفسه بعد استشهاد أبيه، وبعد ما ألم بأهله العوز: استشهد أبي يوم أحد، وتركنا بغير مال، فأصابتنا حاجة شديدة، قال: فقالت لي أمي: أي بني! ائت النبي(صلي الله عليه و آله) فاسأله لنا شيئاً ، فجئته فسلمت وجلست، وهو في أصحابه جالس فقال واستقبلني: إنه من استغنى أغناه الله، ومن استعف أعفه الله، ومن استكف أكفه الله،قال: قلت: ما يريد غيري، فانصرفت ولم أكلمه في شيء، فقالت لي أمي: ما فعلت؟ فأخبرتها الخبر، قال: فصبّرنا الله عزّوجل ورزقنا شيئاً؛ فبلغنا، حتى ألحت علينا حاجة شديدة أشدّ منها، فقالت لي أمي: ائت النبي(صلي الله عليه و آله) فاسأله لنا شيئاً، قال: فجئته وهو في أصحابه جالس، فسلمت وجلست، فاستقبلني وعاد بالقول الأول وزاد فيه: ومن سأل وله قيمة أوقية فهو ملحف، قال: قلت: الياقوتة ناقتي خير من أوقية، فرجعت ولم أسأله، فرزق الله تعالى حتى ما أعلم أهل بيت من الأنصار أكثر أموالاً منا.[9]
وعن هلال بن حصن قال: نزلت على أبي سعيد الخدري فضمني وإياه المجلس؛ قال: فحدث أنه أصبح ذات يوم وقد عصب على بطنه حجراً من الجوع، فقالت له إمرأته أو أمه: ائت النبي(صلي الله عليه و آله) فاسأله، فقد أتاه فلان فسأله فأعطاه، وأتاه فلان فسأله فأعطاه، فقال: قلت: حتى ألتمس شيئاً، قال: فالتمست فأتيته، قال حجاج: فلم أجد شيئاً فأتيته، وهو يخطب فأدركت من قوله وهو يقول:
«مَنِ اسْتَعَفَّ يُعِفَّهُ اللهُ وَمَنِ اسْتَغْنَى يُغْنِهِ اللهُ وَمَنْ سَأَلَنَا إمَّا أنْ نَبْذُلَ لَهُ وَ إمَّا أنْ نُوَاسِيَهُ... وَمَنْ يَسْتَعِفُّ عَنَّا أوْ يَسْتَغْنِي أحَبُّ إلَيْنَا مِمَّنْ يَسْألُنَا».
قال: فرجعت فما سألته شيئاً، فما زال الله تعالى يرزقنا، حتى ما أعلم في الأنصار أهل بيت أكثر أموالاً منا.[10]
جرأته في الحق!!
عمَّار والفئة الباغية: الخدري يعرف جيداً أنّ معاوية وجنده وأتباعه هم أهل الباطل، كيف لا وهو الذي روى ما ذكره رسول الله(صلي الله عليه و آله) بحق عمار بن ياسر، أنه هو الذي تقتله الفئة الباغية، وهو ما حدث بالفعل في معركة صفين، حينما كان عمار يحمل راية الحق التي يمثلها أميرالمؤمنين علي(عليه السلام) ويخوض غمار معركة ضارية ضد جند الشام، ومعاوية يقدمهم، فعن أبي سعيد الخدري قال:... كنا نعمر المسجد، وكنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين، فرآه النبي(صلي الله عليه و آله) فجعل ينفض التراب عنه [عن رأس عمار خ ل] ويقول: [يا عمار] ألا تحمل كما يحمل أصحابك؟
قال: إني أريد الأجر من الله تعالى.
قال: فجعل ينفض التراب عنه ويقول: ويحك تقتلك الفئة الباغية، تدعوهم إلى الجنة، ويدعونك إلى النار.
قال عمار: أعوذ بالرحمن ـ أظنه قال ـ : من الفتن.[11]
ولأن أبا سعيد الخدري كان قوالاً بالحق، لا يخاف في الله لومة لائم، كان لا يضنّ بكلمة نصح حتى للظالمين، أو كلمة حق يقولها في ساحتهم وفي بلاطهم، ومن مواقفه وأقواله التي هي مصداق لهذا:
موقفه من معاوية زعيم الفئة الباغية التي قتلت الصحابي الكبير عمار بن ياسر رضوان الله تعالى عليه، فقد ذهب إلى معاوية بن أبي سفيان ليوصل إليه صوت الحق، ولا يخاف لومة لائم، قال شعبة عن أبي سلمة: سمعت أبا نضرة عن أبي سعيد رفعه: لا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يتكلم بالحق إذا رآه؛ وفي رواية: إذا شهده أو علمه؛ وقال أبو سعيد: فحملني ذلك على أن ركبت إلى معاوية فملأت أذنيه ثم رجعت؛ وفي رواية أخرى: دخل أبوسعيد الخدري على معاوية فسلم ثم جلس فقال: الحمد لله الذي أجلسني منك هذا المجلس، سمعت رسول الله(صلي الله عليه و آله) يقول: «لا يمنعن أحدكم، إذا رأى الحق أن يقول به»، وإنه بلغني عنك يا معاوية كذا وكذا، وفعلت كذا وكذا. فعدد عليه أشياء من فعاله ومما بلغه عنه.
فقال له معاوية: أفرغت؟ قال: نعم؛ قال: فانصرف؛ فخرج أبوسعيد من عنده وهو يقول: الحمدلله، الحمد لله.
موقفه من مروان بن الحكم: كان له موقف من الرجل الذي أنكر على مروان بن الحكم تقديم خطبة العيد على الصلاة، يشهد بذلك، فلم يكتف أبوسعيد الخدري بتعضيده، بل أنكر بيده حيث جذب مروان محاولاً منعه من صعود المنبر، لأداء الخطبة قبل الصلاة، غير أنّ مروان تغلب عليه، وصعد المنبر وخطب قبل الصلاة، كما جاء ذلك في صحيح مسلم.
ولم يكتف أبوسعيد الخدري بتعضيد الذي أنكر على مروان، بل أنكر أبو سعيد الخدري على مروان بن الحكم تقديم الخطبة على الصلاة، ولم يكتف أبو سعيد بالإنكار باللسان، بل أنكر بيده؛ حيث جذب مروان محاولاً منعه من صعود المنبر لأداء الخطبة قبل الصلاة، وكانا قد جاءا معاً، غير أنّ مروان تغلب عليه وصعد المنبر، وخطب قبل الصلاة، كما جاء ذلك فى الصحيحين.[12]
ما حدث له في واقعة الحرة
في مدينة رسول الله(صلي الله عليه و آله) وبعد أن أباحها مسلم بن عقبة ثلاثاً يقتلون الناس، ويأخذون الأموال، فأفزع ذلك من كان بها من الصحابة، فخرج أبوسعيد الخدري حتى دخل في كهف في الجبل، فبصر به رجل من أهل الشام، فجاء حتى اقتحم عليه الغار.
قال أبو مخنف: فحدثني الحسن بن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري، قال: دخل إليّ الشامي يمشي بسيفه، قال: فانتضيت سيفي فمشيت إليه لأرعبه لعلّه ينصرف عني، فأبى إلا الإقدام علي، فلما رأيت أن قد جد شمت سيفي ثم قلت له:
{لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ}.[13]
فقال لي: من أنت لله أبوك! فقلت: أنا أبوسعيد الخدري، قال: صاحب رسول الله(صلي الله عليه و آله)؟ قلت: نعم، فانصرف عني.[14]
ومن طريق يزيد بن عبد الله بن الشخير، قال: خرج أبوسعيد يوم الحرة، فدخل غاراً فدخل عليه شامي فقال: أخرج، فقال: لا أخرج وإن تدخل علي أقتلك، فدخل عليه فوضع أبوسعيد السيف وقال: بؤ بإثمك قال: أنت أبوسعيد الخدري؟ قال: نعم، قال: فأستغفر لي.
وتعرض للضرب والاعتداء على يد جيش يزيد بن معاوية بعد واقعة الحرة.. يقول عن ذلك: لزمت بيتي ليالي الحرة فلم أخرج، فدخل عليّ نفر من أهل الشام فقالوا: أيها الشيخ! أخرج ما عندك، فقلت: ما عندي مال، قال: فنتفوا لحيتي وضربوني ضربات، ثم عمدوا إلى بيتي، فجعلوا ينقلون ما خفّ لهم من المتاع، حتى أنهم عمدوا إلى الوسادة والفراش، فينفضون صوفهما، ويأخذون الظرف، حتى لقد رأيت بعضهم أخذ زوج حمام كان في البيت، ثم خرجوا.[15]
مما قاله علماء الرجال في توثيقه وعلمه واستقامته
الخدري والذي كان أحد الثابتين فكرياً على معرفة الحق، وأحد الراسخين فى دعم الحقيقة، له في كتب الرجال مكانة مرموقة، واحتل منزلة كبيرة في أقوالهم، ونحن هنا نتطرق باختصار إلى ما تيسر لنا من كل ذلك.
و قبل أن نذكر أقوال العلماء فيه نذكر ما قاله الإمام الصادق(عليه السلام) عنه حيث ذكره بتبجيل وتكريم، ونصّ على استقامته في طريق الحق: «كان من أصحاب رسول الله(صلي الله عليه و آله) وكان مستقيماً».
من أصحاب رسول الله(صلي الله عليه و آله) رجال الشيخ؛ وعدّه في أصحاب أميرالمؤمنين(عليه السلام) قائلاً: سعد بن مالك الخزرجي، يكنى أبا سعيد الخدري الأنصاري العربي المدني؛ وعده البرقي في أصحاب رسول الله(صلي الله عليه و آله) قائلاً: «وأبوسعيد الخدري الأنصاري: عربي مدني، واسمه سعد بن مالك، خزرجي».
وفى الأصفياء من أصحاب أميرالمؤمنين(عليه السلام) قائلاً: «أبوسعيد الخدري عربي أنصاري».
وقال الكشي في ترجمة أبي أيوب الأنصاري: «قال الفضل بن شاذان: هو من السابقين الذين رجعوا إلى أميرالمؤمنين(عليه السلام)».
وتقدم في ترجمة جندب بن جندب الغفاري في رواية العيون عن الرضا(عليه السلام) عدّه من الذين مضوا على منهاج نبيهم(عليه السلام) ولم يغيروا ولم يبدلوا؛ وقال الكشي في ترجمته: أبوسعيد الخدري: حمدويه، قال: حدثنا أيوب عن عبدالله بن المغيرة، قال: حدثني ذريح عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: ذكر أبوسعيد الخدري فقال: كان من أصحاب رسول الله(صلي الله عليه و آله) وكان مستقيماً، فقال: فنزع ثلاثة أيام، فغسله أهله ثم حملوه إلى مصلاه، فمات فيه.
محمد بن مسعود، قال: حدثني الحسين بن أشكيب، قال: أخبرنا محسن بن أحمد، عن أبان بن عثمان، عن ليث المرادي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «إنّ أبا سعيد الخدري كان قد رزق هذا الأمر، وإنه اشتدّ نزعه فأمر أهله أن يحملوه إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه، ففعلوا فما لبث أن هلك».
حمدويه قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن عثمان، عن ذريح، قال: سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: كان علي بن الحسين8 يقول: «إني لأكره للرجل أن يعافى في الدنيا ولا يصيبه شيء من المصائب»؛ ثم ذكر أنّ أبا سعيد الخدري وكان مستقيماً ـ نزع ثلاثة أيام فغسله أهله ثم (حملوه) حمل إلى مصلاه فمات فيه .
وطريق الصدوق إليه في وصية النبي(صلي الله عليه و آله) إلى علي(عليه السلام) التي أولها: «يا علي إذا دخلت العروس بيتك»: محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني عن أبي سعد الحسن بن علي العدوي، عن يوسف بن يحيى الإصبهاني أبي يعقوب، عن أبي علي إسماعيل ابن حاتم، قال: حدثنا أبوجعفر أحمد بن زكريا بن سعيد المكي، قال: حدثنا عمر بن حفص عن إسحاق بن نجيح عن حصيف، عن مجاهد، عن أبي سعيد الخدري.[16]
كما شهد بمناقبه الفريق الآخر وأنه كان من فقهاء الصحابة وفضلائهم البارعين، فعن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي، عن أشياخه أنهم قالوا: لم يكن من أحداث الصحابة أفقه من أبي سعيد الخدري، وفي رواية: أعلم.[17]
وقال ابن كثير: كان من نجباء الصحابة، وفضلائهم، وعلمائهم.
وقال الخطيب البغدادي: وكان أبوسعيد من أفاضل الأنصار، وحفظ عن رسول الله(صلي الله عليه و آله) حديثاً كثيراً.
قال الإمام الذهبي: الإمام المجاهد مفتي المدينة حدث عن النبي(صلي الله عليه و آله) فأكثر وأطاب.
وهو من المكثرين من الحديث وكان من أفقه أحداث الصحابة.
وقالوا عنه: إنه روى عن النبي(صلي الله عليه و آله) الكثير.
وروى عن الخلفاء الأربعة، وغيرهم.
روى عنه من الصحابة: ابن عباس وابن عمر، وجابر، وغيرهم.
روى عنه من كبار التابعين: سعـيد بن المسيب، وأبو عثمان النهدي، وطارق بن شهاب، ومن بعدهم عطاء، ومجاهد، وغيرهم.
وقالوا: إنه روى أبوسعيد الخدري ألفاً ومائة وسبعين حديثاً بالمكرر، اتفق البخاري ومسلم على ثلاثة وأربعين حديثاً، وانفرد البخاري بستة عشر حديثاً، وانفرد مسلم باثنين وخمسين حديثاً.[18]
ملاحظة مهمة
كان أبو سعيد الخدري رضوان الله تعالى عليه مكثراً للرواية كما ذكرنا، ولهذا الأمر أسبابه التي منها:
إنّ أبا سعيد أعلن إسلامه وهو ما زال صغيراً، فكان له عند قدوم النبي(صلي الله عليه و آله) المدينة إحدى عشرة سنة، وهو سن صفاء الذهن والقدرة على الحفظ والتحصيل؛ وكان لملازمته الطويلة للنبي(صلي الله عليه و آله) والتي دامت عشر سنوات وهي المدة التي قضاها(صلي الله عليه و آله) بالمدينة المنورة لم يفارقه أبوسعيد فيها؛ وكان لتأخر وفاته، دور كبير في منحه وقتاً كافياً لتبليغ ما تحتفظ به ذاكرته من أحاديث، وما يتوفر عليه من علوم، فقد عاش بعد وفاة النبي(صلي الله عليه و آله) فترة زمنية طويلة، نحو خمس وستين سنة، وفي هذه الفترة احتاج الكثيرون إلى علمه، فتكاثر عليه طلاب العلم ينهلون من علمه ويحفظون عنه ما سمع من رسول الله(صلي الله عليه و آله) وحدّث عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين، ويشهد بهذا أسناد رواياته، وقام هؤلاء بتبليغ ما سمعوا منه.
هذا، ولتعدد مصادر التحمل بالنسبة لأبي سعيد أهميته في كثرة رواياته، فكما تحمل الحديث عن الرسول(صلي الله عليه و آله) فلقد تحمل الحديث عن كبار الصحابة؛ وأيضاً لتفرغه للتحديث والفقه، مما جعله أن يكون أحد الفقهاء المحدثين.
هذا، وأنّ هناك قواسم مشتركة جامعة بين الصحابة المكثرين لرواية الأحاديث عن رسول الله(صلي الله عليه و آله) يتمثل بطول ملازمتهم لرسول الله(صلي الله عليه و آله) وإن اختلفوا في مدتها، وبتأخر وفاتهم، فلقد مكثوا بعد وفاة الرسول(صلي الله عليه و آله) فترة زمنية كان فيها متسع لأن يحدثوا الناس ويستفيد هؤلاء من علمهم؛ كما أنّ مصادر تحملهم تعددت، فنراهم قد تحملوا عن رسول الله(صلي الله عليه و آله) وتحملوا عن كبار الصحابة، وإن كانوا في الأعم الأغلب يحذفون الواسطة بينهم وبين الرسول(صلي الله عليه و آله) لثقتهم بمن حدثوهم، ولم ينفردوا بما حدثوا به عن رسول الله(صلي الله عليه و آله) بل شاركهم غيرهم من الصحابة في رواية كثير مما رووا، فروايات أبي سعيد الخدري لحديث الغدير، ولحديث الثقلين ولغيرهما لم ينفرد بروايتها وحده، بل هناك العديد من الصحابة رووا هذه الأحاديث.
ولهذا نجدهم يروي أحدهم عن عدد، وعدد يروي عنهم، كما هو الحال مع أبي سعيد الخدري؛ فقد روى عن النبي(صلي الله عليه و آله) مباشرة وعن أبيه وأخيه لأمه قتادة بن النعمان، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي(عليه السلام)، وزيدبن ثابت، وأبي قتادة الأنصاري، وعبدالله بن سلام، وأسيد بن حضير، وابن عباس، وأبي موسى الأشعري، ومعاوية، وجابربن عبدالله.
وعنه ابنه عبد الرحمن وزوجته زينب بنت كعب بن عجرة، وابن عباس، وابن عمر، وجابر، وزيد بن ثابت، وأبو أمامة بن سهل، ومحمود بن لبيد، وابن المسيب، وطارق بن شهاب، وأبوالطفيل، وعطاء بن أبي رباح، وعطاء بن يسار، وعطاء بن يزيد، وعياض بن عبدالله بن أبي سرح، والأغر بن مسلم، وبشر بن سعيد، وأبوالوداك، وحفص بن عاصم، وحميدبن عبدالرحمن بن عوف، وأخوه أبو سلمة بن عبدالرحمن، ورجاء بن ربيعة، والضحاك المشرقي، وعامر بن سعد بن أبي وقاص، وعبدالله بن خباب، وسعيد بن الحارث الأنصاري، وعبدالله بن محيريز، وعبدالله بن أبي عتبة مولى أنس، وعبدالرحمن بن أبي نعم، وعبيد بن حنين، وعبدالله بن عبدالرحمن بن أبي صعصعة، وعبدالرحمن بن بشر بن مسعود، وعبيد بن عمير، وعقبة بن عبدالغافر، وعكرمة، وعمرو بن سليم، وقزعة بن يحيى، ومعبد بن سيرين، ونافع مولى بن عمر، ويحيى بن عمارة بن أبي حسن، ومجاهد، وأبوجعفر الباقر(عليه السلام)، وأبوسعيد المقبري، وأبوعبدالرحمن الحبلي، وأبوعثمان النهدي، وأبوسفيان مولى بن أبي أحمد، وأبوصالح السمان، وأبوالمتوكل الناجي، وأبونضرة العبدي، وأبوعلقمة الهاشمي، وأبوهارون العبدي، وغيرهم.
قال حنظلة بن أبي سفيان عن أشياخه: وروى عن خلائق غيرهم.
حبه وولاؤه لأئمة أهل البيت النبوي(عليهم السلام)
لقد عاصر هذا الصحابي الجليل من المعصومين الرسول الأعظم(صلي الله عليه و آله) فنال بذلك وسام الصحبة المباركة، فكان ممن حمل معه الأمانة؛ وممن بذل كل غال ونفيـس من أجل إعلاء كلمـة الحـق، وكان ممن حفظ عن رسول الله(صلي الله عليه و آله) سنناً كثيرة وروى عنه علماً جماً، وكان من نجباء الأنصار وعلمائهم وفضلائهم.
وقد عاصر أربعة من أئمة أهل البيت(عليهم السلام) بدءاً بالإمام علي، ثم الإمام الحسن، والإمام الحسين، والإمام علي بن الحسين(عليهم السلام) وكان واعياً صادقاً في ولائه لهم، ويعدّ من أجلاء الصحابة الذين كانت لهم مواقف مشرفة مع أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، انطلاقاً من صدق حبه ومودته لهم، وتحمل الأذى في سبيله هذا.
فهو إضافة إلى أنه لم يترك مرافقة أميرالمؤمنين علي(عليه السلام) وكان إلى جانبه في معركة النهروان، ظل ولاؤه مستمراً مدافعاً عنه حتى بعد انتقال الإمام علي(عليه السلام) إلى جوار ربه.
وهذه واحدة من رواياته رضوان الله تعالى عليه في حب أئمة أهل البيت(عليهم السلام).
تقول الرواية: حدَّثنا مُحَمَّد بن الفضل بن زيدويه الجلاب الهمداني، قال: حدَّثنا إبراهيم بن عمرو الهمداني، قال: حدَّثنا الحسن بن إسماعيل، عن سعيد بن الحكم، عن أبيه، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبيسلمة، عن أبي سعيد الخدري، قال رسول الله(صلي الله عليه و آله) :
«من رزقه الله حبَّ الأئمة من أهل بيتي فقد أصاب خير الدنيا والآخرة، فلا يشكَّنَّ أحد أنَّه في الجنة، فإنَّ في حب أهل بيتي عشرين خصلة، عشر منها في الدنيا وعشر منها في الآخرة؛ أما التي في الدنيا في الزهد، والحرص على العمل، والورع في الدين، والرغبة في العبادة، والتوبة قبل الموت، والنشاط في قيام الليل، واليأس مما في أيدي الناس، والحفظ لأمر الله ونهيه عزَّوجلَّ، والتاسعة بغض الدنيا، والعاشرة السخاء.
وأما التي في الآخرة، فـلا ينشر له ديوان، ولا ينصب له ميزان، ويعطى كتابه بيمينه، ويكتب له براءة من النار، ويبيض وجهه، ويكسى من حلل الجنة، ويشفع في مائة من أهل بيته، وينظر الله عزَّوجلَّ إليه بالرحمة، ويتوج من تيجان الجنة، والعاشرة يدخل الجنة بغير حساب، فطوبى لمحبي أهل بيتي».[19]
ونحن هنا نكتفي بما رواه أبوسعيد في أمهات المسائل التي ابتني عليها المذهب الإمامي:
وكان في عداد رواة حديث الثقلين وحديث الغدير، وحديث المنزلة... وهي التي شكلت أسس المذهب الإمامي، الذي يستقي علومه وأحكامه وأصول اعتقاده من مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) وهم العدل الثاني في حديث الثقلين المشهور.. وكان من الذين شهدوا لعلي(عليه السلام) بالولاية يوم الغدير:
روي أنّ علياً(عليه السلام) قام فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أنشِدُ الله من شهد يوم غدير خُمٍّ إلاَّ قام.. فقام سبعة عشر رجلاً، وكان أبوسعيد الخدري واحداً منهم.
وقد ذكره الشيخ المفيد في كتاب الجمل في عداد من بايع أميرالمؤمنين علياً(عليه السلام) قائلاً في مقدمة ذلك: ونحن نذكر الآن من جملة مبايعي أميرالمؤمنين(عليه السلام) الراضين بإمامته الباذلين أنفسهم في طاعته... إلى أن قال: فممن بايع أميرالمؤمنين(عليه السلام) بغير ارتياب، ودان بإمامته على الإجماع والاتفاق، واعتقد فرض طاعته، والتحريم لخلافه ومعصيته، الحاضرون معه في حرب البصرة وهو ألف وخمسمائة رجل من وجوه المهاجرين الأولين السابقين إلى الإسلام، والأنصار البدريين العقبيين وأهل بيعة الرضوان، من جملتهم سبعمائة من المهاجرين وثمانمائة من الأنصار سوى أبنائهم وحلفائهم ومواليهم وغيرهم من بطون العرب والتابعين بإحسان.
وعد من الأنصار «أبوسعيد الخدري» واحتل في قائمة الشيخ المفيد الرقم الرابع.[20]
فأين هذا الكلام مما أورده السيد الأمين دون رد في كتابه في رحاب أئمة أهل البيت الجزء الثاني الصفحة 4 تحت عنوان (المتخلفون عن بيعته) وبعد أن ذكر ما قالته بعض المصادر عن القاعدين عن بيعته(عليه السلام) قال:
ونحن نذكر أسماء المتخلفين مأخوذة من مجموع ما ذكره هؤلاء وهم:... أبوسعيد الخدري...
ولم أجد في مروج الذهب ولا في أسد الغابة هذا، إلا أنّ الطبري ذكر ذلك بسنده عن عبد الله بن الحسن قال: لما قتل عثمان بايعت الأنصار علياً(عليه السلام) إلا نفيراً يسيراً منهم حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، ومسلمة بن مخلد، وأبو سعيد الخدري و... كانوا عثمانية.[21]
وهو خبر واحد مضادّ بغيره ومخالف لسيرة الرجل ومواقفه ورواياته وشهادته للإمام(عليه السلام) بحديث الغدير.
إلاّ أني لم أجد في كتاب وقعة صفين لنصر بن مزاحم المنقري المتوفى سنة 212 هجرية اسمه فيمن شارك إلى جانب الإمام علي(عليه السلام) في معركة صفين، ولم أجد لغيابه عن هذه المعركة تفسيراً؛ وقد شارك في معركة النهروان، وله فيها حديث رواه عن رسول الله(صلي الله عليه و آله) حيث قال: سمعت رسول الله(صلي الله عليه و آله) يقول:
«إنَّ قَوماً يخرُجُون، يَمرُقون مِن الدِّينِ مروق السَّهم مِن الرمية..».
وفي الخرائج والجرائح،[22] روي عن أبي سعيد الخدري... أنَّ النبيَّ(صلي الله عليه و آله) قسَّم يوماً قسماً، فقال رجل من تميم: اعدلْ، فقال: ويحك ومن يعدل إذا لم اعدل؟!
قيل: نضرب عنقه؟
قال: لا، إنَّ له أصحاباً يحقِّر أحدكم صلاته وصيامه مع صلاتهم وصيامهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، رئيسهم رجل أدعج إحدى ثدييه مثل ثدي المرأة.
قال أبوسعيد: إني كنت مع علي(عليه السلام) حين قتلهم، فالتمس في القتلى [بالنهروان] فأتى به على النعت الذي نعته رسول الله(صلي الله عليه و آله).
وقد امتاز العديد من رواياته الكثيرة بنقل مآثر و مناقب رسول الله(صلي الله عليه و آله) و آل البيت(عليهم السلام) ونحن نكتفي بشيء منها.
وبداية نذكر روايته هذه التي توضح رأيه ووصفه الذي لم يحد عنه، وهو يجيب حين سئل عن علي(عليه السلام): عن مالك المازني، قال: أتى تسعة نفر إلى أبي سعيد الخدري، فقالوا:
يا أباسعيد! هذا الرجل الذي يكثر الناس فيه ما تقول فيه؟
فقال: عمَّن تسألوني؟
قالوا: نسأل عن عليّ بن أبي طالب(عليه السلام).
قال: أما إنكم تسألوني عن رجل أمرّ من الدفلى، وأحلى من العسل، وأخف من الريشة، وأثقل من الجبال، أما والله ما حلا إلا على ألسنة المؤمنين، وما خفَّ إلا على قلوب المتقين، ولا أحبه أحد قط لله ولرسوله إلاّ حشره الله من الآمنين، وإنه لمن حزب الله، وحزب الله هم الغالبون.
والله ما أمرَّ إلا على لسان كافر، ولا أثقل إلا على قلب منافق، وما زوى عنه أحد قط ولا لوى ولا تحزب ولا عبس ولا بسر ولا عسر ولا مضر ولا التفت ولا نظر ولا تبسم ولا تجرَّى ولا ضحك إلى صاحبه ولا قال أعجب لهذا الأمر، إلاّحشره الله منافقاً مع المنافقين.
نأتي الآن إلى أحاديث أخرى
حديث الثقلين
وقد جاء هذا الحديث بصيغ متعددة وبطرق عديدة عن مجموعة من الصحابة والتابعين، حتى قال ابن حجر في صواعقه: ولهذا الحديث طرق كثيرة عن بضعة وعشرين صحابياً، وأبو سعيد الخدري كان واحداً من الصحابة الذين قال السمهودي على ما روى عنه المناوي في فيض القدير: وفي الباب ما يزيد على عشرين من الصحابة.
عن أبي سعيد قال: قال رسول الله(صلي الله عليه و آله): «إنّي تَارِكٌ فِيكُمْ الثَّقَليْنِ، أحَدُهُمَا أكْبَرُ مِنْ الآخَرِ: كِتَابُ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلى الأَرْضِ وَعِتْرَتِي أهْلُ بَيْتِي، وَإنَّهُمَا لنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَليَّ الحَوْضَ».
عن أبي سعيد الخدري عن النبي(صلي الله عليه و آله) قال: «إنّي اُوشكُ أنْ اُدْعَى فَاُجِيبَ وَإنّي تَارِكٌ فِيكُمْ الثَّقَليْنِ كِتَابَ اللهِ عَزَّوَجَل وَعِتْرَتِي، كِتَابُ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلى الأَرْضِ وَعِتْرَتِي أهْل بَيْتِي، وَإنَّ اللطِيفَ الخَبيرَ أخْبَرَنِي أنَّهُمَا لنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَليَّ الحَوْضَ فَانْظُرُونِي بـِمَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا».
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله(صلي الله عليه و آله): «إنّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ الثَّقَليْنِ أَحَدُهُمَا أكْبَرُ مِنْ الآخَرِ؛ كِتَابُ اللهِ عَزَّوَجَل حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلى الأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي، ألا إنَّهُمَا لنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَليَّ الحَوْضَ».
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله(صلي الله عليه و آله): «إنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إنْ أخَذْتُمْ بهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي، الثَّقَليْنِ أحَدُهُمَا أكْبَرُ مِنْ الآخَرِ؛ كِتَابُ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلى الأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي، ألاَ وَإنَّهُمَا لنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَليَّ الحَوْضَ».[24]
آية التطهير و حديث الكساء
عن أبي سعيد الخدري عن النبي قال حين نزلت: {وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ} قال: «كان نبي الله يجيئ إلى باب علي(عليه السلام) الغداة ثمانية أشهر» فيقول: «الصلاة يرحمكم الله {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}.
عن أبي سعيد الخدري قال: إنّ رسول الله جاء إلى باب علي(عليه السلام) أربعين صباحاً بعد ما دخل على فاطمة الزهراء(عليها السلام) فقال: «السلام عليكم أهل البيت! ورحمة الله وبركاته، الصلاة يرحمكم الله، {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}.
عن أبي سعيد الخدري عن النبي قال حين نزلت: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها}،[25] كان يجيئ نبي الله(صلي الله عليه و آله) إلى باب علي(عليه السلام) صلاة الغداة ثمانية أشهر يقول: الصلاة، رحمكم الله {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}.
عن أبي سعيد الخدري في قوله تعالى: { إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}.قال: «نزلت في خمسة: رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين».[26]
وفي أمالي الشيخ الطوسي: أخبرنا أبو عمر، قال: أخبرنا أبوالعباس، عن يعقوب بن يوسف بن زياد، عن مُحَمَّد بن إسحاق بن عمار، عن هلال بن أيوب الصيرفي... عن عطية قال: سألت أبا سعيد الخدري عن قوله تعالى: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}.
حديث المنزلة
رواة هذا الحديث من الصحابة أكثر من ثلاثين، وربّما يبلغون الأربعين بين رجل وامرأة.
يقول ابن عبد البر في الإستيعاب عن هذا الحديث: هو من أثبت الأخبار وأصحّها.
وأبو سعيد واحد منهم:
قال رسول الله(صلي الله عليه و آله) لعلي بن أبي طالب(عليه السلام) في غزوة تبوك: «اخلفني في أهلي.
فقال علي(عليه السلام): يا رسول الله! إني أكره أنْ يقول العرب: خذل ابن عمه وتخلف عنه.
فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟
قال: بلى.
قال(صلي الله عليه و آله): فاخلفني».
وفي رواية قوله(صلي الله عليه و آله) لعلي(عليه السلام): «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي».
سفينة نوح
وفي كفاية الأثر: حدَّثنا علي بن الحسين [الحسن خ ل] بن مُحَمَّد بن مبدة [مندة خ ل] قال: حدَّثنا أبو مُحَمَّد هارون بن موسى قال: حدَّثنا أحمد بن مُحَمَّد بن [سعيد] قال: حدَّثنا مُحَمَّد بن غياث الكوفي، قال: حدَّثنا حماد بن أبي حازم المدني قال: حدَّثنا عمران بن مُحَمَّد بن سعيد بن المسيب، عن أبيه عن جده، عن أبي سعيد الخدري، قال: صلى بنا رسول الله(صلي الله عليه و آله) الصلاة الأولى، ثُمَّ أقبل بوجهه الكريم علينا فقال: «معاشر أصحابي! إنَّ مثَلَ أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح وباب حطَّة في بني إسرائيل، فتمسَّكوا بأهل بيتي بعدي والأئمة الراشدين من ذريتي فإنكم لن تضلوا أبداً.
فقيل: يا رسول الله! كم الأئمة بعدك؟
فقال: اثنا عشر من أهل بيتي، أو قال: من عترتي».[28]
معرفة المنافقين
حدثنا قتيبة، حدثنا جعفر بن سليمان، عن أبي هارون، عن أبي سعيد الخدري، قال: «إنّا كنّا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار لبغضهم عليَّ بن أبي طالب».[29]
خاصف النعل
وفي بحار الأنوار عن أمالي الشيخ الطوسي: أبو عمر، عن ابن عقدة، عن يعقوب بن يوسف، عن أحمد بن حماد، عن فطر بن خليفة وبريد بن معاوية العجلي، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري، قال: خرج إلينا رسول الله(صلي الله عليه و آله) وقد انقطع شسع نعله فدفعها إلى علي(عليه السلام) يصلحها، ثُمَّ جلس وجلسنا حوله كأنما على رؤوسنا الطير.
فقال: إنَّ منكم لمن يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت الناس على تنزيله.
فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله؟
قال: لا.
فقال عمر: أنا يا رسول الله؟
فقال: لا، ولكنه خاصف النعل.
قال أبو سعيد: فأتينا علياً(عليه السلام) نبشره بذلك فكأنه لم يرفع به رأساً فكأنه قد سمعه
قبل.[30]
قبل.[30]
يوم الغدير
حديث الغدير، هذا الحديث الذي بلغ حد التواتر عند جميع المسلمين وحفظته أمهات المصادر، من الأحاديث التاريخية الهامة و المصيرية التي أدلى بها رسول الله(صلي الله عليه و آله) في السنة الأخيرة من حياته المباركة، وهي من الأحاديث التي تثبت إمامة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) وتوجب ولايته على جميع المؤمنين بعد ولاية الله تعالى، وولاية رسوله المصطفى(صلي الله عليه و آله) بكل صراحة ووضوح.
ثم إنّ حديث الغدير حديث متواتر رواه المحدثون عن أصحاب النبي(صلي الله عليه و آله) وعن التابعين بصيغٍ مختلفة، تؤكد جميعها على إمامة الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) مراده الأصلي واحد و إن اختلفت بعض عبارات الحديث.
الخوارزمي عن أبي سعيد الخدري قال: إنّ النبي(صلي الله عليه و آله) لما دعا الناس إلى غدير خم، أمر بما كان تحت الشجرة من شوك، فقم، وذلك يوم الخميس، ثم دعا الناس إلى علي(عليه السلام) فأخذ بضبعه فرفعها، حتى نظر الناس إلى بياض إبطيه، ثم لم يتفرقا حتى نزلت هذه الآية:
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً}.[31]
فقال رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم): «الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي؛ ثم قال:
«أللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله».
فقال حسان بن ثابت: يا رسول الله! أتأذن لي أن أقول أبياتاً؟
فقال: «قل ببركة الله تعالى»، فقال:
يـناديهم يوم الغدير نبيهـم
|
|
بخـم وأسمـع بالـرسول مناديا
|
بـأني مولاكم نعم ووليكـم
|
|
فـقالوا ولم يبـدوا هناك التـعاميا
|
إلهـك مولانا وأنت ولـينـا
|
|
ولاتجدن في الخلق للأمر عاصيـا
|
فقال له: قم يا علي فإنني
|
|
رضيتك من بعدي إماماً وهاديا
|
فمن كنت مولاه فهذا وليه
|
|
فكونوا لـه أنـصار صدق مواليا
|
هناك دعا اللهم وال وليه
|
|
وكن للذي عادى علياً معاديا
|
وفي مختصر تاريخ دمشق عن أبي سعيد الخدري:
أما نصب رسول الله(صلي الله عليه و آله) علياً بغدير خم، فنادى له بالولاية، هبط جبريل(عليه السلام)
بهذه الآية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً}.[32]
بهذه الآية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً}.[32]
وقال أيضاً: نزلت هذه الآية: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}.[33] على رسول الله(صلي الله عليه و آله) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.[34]
الراية
وعن أبي سعيد قال: أخذ رسول الله(صلي الله عليه و آله) الراية فهزها، ثم قال: من يأخذها بحقها؟ فجاء الزبير فقال: أنا، فقال: أمطَ أي «تنح»؛ ثم قام رجل فقال: أنا، فقال: أمط؛ ثم قام آخر فقال: أنا، فقال: أمط، فقال رسول الله(صلي الله عليه و آله): والذي أكرم وجه محمد، لأعطينها رجلاً لا يفر بها؛ هاك يا علي، فقبضها، ثم انطلق حتى فتح الله عليه فدك وخيبر، وجاء بعجوتها وقديدها.4
ولاية علي(عليه السلام)
وفي أمالي الشيخ المفيد: حدَّثنا الشيخ الجليل المفيد، قال: أخبرني أبوالحسن علي بن بلال المهلّبي، قال: حدَّثنا عبدالله بن راشد الأصفهاني، قال: حدَّثنا إبراهيم بن مُحَمَّد الثقفي، قال: أخبرنا إسماعيل بن صبيح، قال: حدَّثنا سالم بن أبي سالم البصير، عن أبي هارون العبدي، قال: كنت أرى [رأي] الخوارج لا رأي لي غيره حتَّى جلست إلى أبي سعيد الخدري رحمه الله فسمعته يقول:
أمر الناس بخمس، فعملوا بأربع وتركوا واحدة.
فقال له رجل: يا أبا سعيد! ما هذه الأربع التي عملوا بها؟
قال: الصلاة، والزكاة، والحج، وصوم شهر رمضان.
قال: فما الواحدة التي تركوها؟
قال: ولاية علي بن أبي طالب(عليه السلام).
قال الرجل: وإنَّها لمفترضة؟
قال أبو سعيد: نعم، ورب الكعبة.
قال الرجل: فقد كفر الناس إذن!
قال أبو سعيد: فما ذنبي؟[35]
وهذه متفرقات ممّا رواه أبو سعيد الخدري:
حمل الحديث
وفي حثه على حمل الأحاديث عبر التحدث بها، وتذاكرها، فإنّ إحياء الحديث بتذاكره والعمل به، وبذلك يتم حفظ أحاديث رسول الله(صلي الله عليه و آله) والمعرفة بها والتوسع في فهمها خصوصاً بين أهله وترويجها وتبليغها وعدم نسيانها، لأنه وكما ورد في الحديث الشريف: «آفة العلم النسيان، وإضاعته أن تحدث به غير أهله».
وهو ما ورد عن الإمام علي(عليه السلام) حدثنا وكيع، قال حدثنا كهمس بن الحسن عن عبدالله بن بريدة أنه قال: قال علي: «تزاوروا وتذاكروا الحديث فإنكم إن لم تفعلوا يدرس».
لهذا جاءت العبارة التي أصبحت شعاراً للمذاكرة، وهي قولهم: «إحياء الحديث مذاكرته»؛ ومنها انطلق هذا الصحابي في حثه الناس على التحدث لما في ذلك من فوائد كبيرة؛ ومن فوائد التحدث والمذاكرة في الحديث أنه سبب كبير و داع عظيم للتنافس المحمود بين طلبة العلم.
فعن علي بن الجعد أنه قال: حدثنا شعبة عن سعيد بن يزيد سمع أبا نضرة يحدث عن أبي سعيد قال: تحدثوا فإنّ الحديث يهيج الحديث.[36]
ثواب صلاة الجماعة
وفي بحار الأنوار: روى الشهيد الثاني1 في شرحه على الإرشاد من كتاب الإمام والمأموم للشيخ أبي محمد جعفر بن القمي بإسناده المتصل إلى أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله(صلي الله عليه و آله): «أتاني جبرئيل مع سبعين ألف ملك بعد صلاة الظهر، فقال: يا مُحَمَّد! إنَّ ربك يقرئك السلام وأهدى إليك هديتين لم يهدهما إلى نبيٍّ قبلك، قلت: وما تلك الهديتان؟
قال: الوتر ثلاث ركعات، والصلاة الخمس في جماعة.
قلت: يا جبرئيل! وما لأمتي في الجماعة؟
قال: يا مُحَمَّد! إذا كانا اثنين كتب الله لكل واحد بكل ركعة مأة وخمسين صلاة، وإذا كانوا ثلاثة كتب لكل واحد بكل ركعة ستمأة صلاة، وإذا كانوا أربعة كتب الله لكل واحد بكل ركعة ألفاً ومأتي صلاة، وإذا كانوا خمسة كتب الله لكل واحد بكل ركعة ألفين وأربعمأة، وإذا كانوا ستة كتب الله لكل واحد بكل ركعة أربعة آلاف وثمانمأة صلاة، وإذا كانوا سبعة كتب الله لكل واحد بكل ركعة تسعة آلاف وستمأة صلاة، وإذا كانوا ثمانية كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة تسعة عشر ألفاً ومأتي صلاة، وإذا كانوا تسعة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة ستة وثلاثين ألفاً وأربعمأة صلاة، وإذا كانوا عشرة كتب الله لكل واحد بكل ركعة سبعين ألفاً وألفين وثمانمأة صلاة، فإنْ زادوا على العشرة فلو صارت السماوات كلها مداداً والأشجار أقلاماً، والثقلان مع الملائكة كُتّاباً لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة واحدة.
يا مُحَمَّد! تكبيرة يدركها المؤمن مع الإمام خير من ستين ألف حجة وعمرة، وخير من الدنيا وما فيها سبعين ألف مرة، وركعة يصليها المؤمن مع الإمام خير من مأة ألف دينار يتصدق بها على المساكين، وسجدة يسجدها المؤمن مع الإمام في جماعة خير من عتق مأة رقبة.[37]
وعن طول يوم القيامة: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}.[38]
نسب إلى أبي سعيد أنه قال: قيل: يا رسول الله! ما أطول هذا اليوم؟!
فقال: والذي نفس محمد بيده إنه ليخف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا.
وأبو سعيد الخدري من رواة حديث اهتزاز العرش لموت سعد بن معاذ كما في سيرة ابن هشام.[39]
والحديث: أنّ جبريل(عليه السلام) أتى رسول الله(صلي الله عليه و آله) حين قبض سعد بن معاذ من جوف الليل معتجراً بعمامة من إستبرق، فقال: يا محمد! من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء، واهتز له العرش؟
فقام رسول الله(صلي الله عليه و آله) سريعاً يجر ثوبه إلى سعد، فوجده قد مات.
«إنّ أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم، قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين».
رواه الشيخان البخاري ومسلم.
وعن أبي سعيد الخدري عن النبي(صلي الله عليه و آله) قال:
«إنّ في الجنة مأة درجة، ولو أنّ العالمين اجتمعوا في إحداهن وسعتهم».
وقال سعيد بن منصور: حدثنا خلف بن خليفة عن العلاء بن المسيب عن أبيه عن أبي سعيد قلنا له: هنيئاً لك برؤية رسول الله(صلي الله عليه و آله) وصحبته قال: إنك لا تدري ما أحدثنا بعده.
قال ابن أبي سلمة: قلت لأبي سعيد الخدري: ما ترى في ما أحدث الناس من الملبس والمشرب والمركب والمطعم؟ فقال:
يا ابن أخي كُل لله، واشرب لله، وكلّ شيء من ذلك دخله زهو، أو مباهاة، أو رياء، أو سمعة، فهو معصية وسرف.
المرأة تسأل
هناك اهتمام أكيد من قبل الإسلام بالمرأة المسلمة، واهتمام متميز من قبل الرسول(صلي الله عليه و آله) واحترام واضح لما تريده مادام لا يخالف شريعة ولا منهجاً دينياً وأخلاقياً واجتماعياً، وكانت المرأة في ذلك الوقت لها رأيها وهي ذات مكانة عظيمة راحت تسخرها لخدمة المشروع الإسلامي، حتى برزت طائفة من النساء العالمات المبلغات، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال: جاءت امرأة إلى رسول الله(صلي الله عليه و آله) فقالت: يا رسول الله! ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه، تعلمنا مما علمك الله، قال: اجتمعن يوم كذا وكذا، فاجتمعن، فأتاهنّ النبي(صلي الله عليه و آله) فعلمهن مما علمه الله، وقد تبادرن النساء إلى مجالس الرسول الخاصة بهن، وقد أثنى رسول الله(صلي الله عليه و آله) عليهن ودعا لهن فقال: «رحم الله نساء الأنصار لا يمنعهن حياؤهن أن يسألن عن أمور دينهن».
وفاته
وحتى قبيل وفاته لم يترك الرواية عن رسول الله(صلي الله عليه و آله) وقد ضمن وصاياه العديدة قولاً لرسول الله(صلي الله عليه و آله).
فعن ابنه عبدالرحمن أنّ أباه قال له: يا بني! إني قد كبرت سني وحان مني، خذ بيدي، فاتكأ علي حتى جاء البقيع مكاناً لا يدفن فيه فقال: إذا أنا هلكت فادفني هاهنا، ولا تضربن علي فسطاطاً ولا تمشين معي بنار، ولا تبك علي باكية، ولا تؤذنن أحداً، وليكن مشيك بي خبباً، فجعل الناس يأتوني فيقولون: متى تخرج به؟ فأكره أن أخبرهم وقد نهاني، فقلت: إذا فرغت من جهازه، فخرجت به من صدر يوم الجمعة، فوجده البقيع قد ملئ علي ناساً.
ولما حضرته الوفاة تقول ابنته: لما حضر أبوسعيد بعث إلى نفر من أصحاب رسول الله(صلي الله عليه و آله) فيهم: ابن عباس وابن عمر وأنس بن مالك وجابر بن عبدالله فقال: لا يغلبنكم ولد أبي سعيد، إذا أنا مت فكفنوني في ثيابي التي كنت أصلي فيها وأذكر الله فيها.
وعن أبي سلمة بن عبدالرحمن قال: دخلت على أبي سعيد الخدري عند موته، فدعا بثياب جدد فلبسها، ثم قال: سمعت رسول الله(صلي الله عليه و آله) يقول: إنّ الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها، فإذا مت فلا تتبعوني بنار ولا تجعلوا علي قطيفة حمراء ولا تبك علي باكية.
ومن وصاياه أيضاً عند احتضاره: إذا حملتم فأسرعوا، أي أسرعوا بي.
توفي هذا الصحابي الجليل رضوان الله عليه في خلافة عبد الملك بن مروان، وحين استولى الحجاج على الكعبة، بعد قتله عبدالله بن الزبير، وكان عمر أبي سعيد الخدري 74 سنة، بالمدينة يوم الجمعة، وقال أبوالحسن المدائني: مات سنة 63، وقال العسكري: مات سنة 65.
ويقال: قبره يقع في خارج البقيع في الجهة الشرقية الشمالية منه على قارعة الطريق المؤدي للحرة الشرقية، وقد اختار أبوسعيد هذا المكان ليدفن فيه في حياته، فيما يقال: إنه دفن بالبقيع نفسه، إلى جوار قبر فاطمة بنت أسد رضوان الله تعالى عليها.
[1]. مختصر تاريخ دمشق9 : 272؛ أسد الغابة؛ السيرة لابن هشام3 : 132؛ تهذيب الأسماء 2: 518 ؛ الاستيعاب في تمييز الأصحاب.
2. الفتح: 18 ـ 21.
[3]. كتاب السيرة النبوية 4: 283؛ مختصر تاريخ دمشق 9: 275؛ الإصابة في تمييز الصحابة 2: 35.
[4]. سير أعلام النبلاء 3: 169.
[5]. مختصر تاريخ دمشق 17: 351.
[6]. السيرة النبوية 3 : 85 .
[7]. بحار الأنوار 20: 71؛ وذكر هذه الرواية أيضاً صاحب كنز العمال، غزوة أحد:30050.
[8]. أنظر: مختصر تاريخ دمشق 9: 275-276.
[9]. مختصر تاريخ دمشق 9 : 276-277.
[10]. صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب الاستعفاف عن المسألة 2 : 151-152 ؛ صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب الزكاة، باب التحذير من الاغترار بزينة الدنيا 7 : 144-145.
[11]. كشف الغمة 1 : 358.
[12]. مختصر تاريخ دمشق 9 : 274 ؛ الإصابة فى تمييز الصحابة 2 : 35 ؛ وغيرهما.
[13]. المائدة : 28.
[14]. تاريخ الطبري 3 : 357، أحداث سنة 63.
[15]. مختصر تاريخ دمشق 9 : 278.
[16]. النهاية٢: ٤٠٧؛ رجال الحديث، للسيد الخوئي؛ رجال النجاشي١: ٦؛ أمالي الطوسي٥٩ ،٨٦؛ تاريخ بغداد١:١٨٠،١٩؛ سير أعلام النبلاء٣:١٧٠،٢٨؛ تاريخ دمشق٢٠: ٣٩٣ ؛ الوافي بالوفيات١٥: ١٤٨.
[17]. أسد الغابة في معرفة الصحابة ؛ الإصابة في تمييز الصحابة.
[18]. أنظر في هذا كله من ترجم له، كسير أعلام النبلاء 3: 168؛ الإصابة في تمييز الصحابة 2: 35؛ ومختصر تاريخ دمشق 9: 278-279؛ تهذيب التهذيب 3: 416؛ و المعارف: 153؛ الاستيعاب 4: 489؛ أسد الغابة 2: 289.
[19]. أنظر: الخصال 2 : 515 ، ح1.
[20]. أنظر الصفحة: 105 من كتاب الجمل.
[21]. تاريخ الطبري 2 : 698، دار الكتب العلمية، بيروت.
[22]. الخرائج والجرائح 1 : 68، ح127.
[23]. الشعراء: 227.
[24]. راجع: صحيح الترمذي 2: 308؛ وابن حجر في صواعقه؛ والمتقي في كنز العمال؛ والطبراني في الكبير؛ وراجع: فضائل الخمسة في الصحاح الستة وغيرها من كتب أهل السنة 2: 52 -60؛ سنن الترمذي، كتاب المناقب عن الرسول، باب مناقب أهل بيت النبي، رقم: 3718؛ و مسند أحمد بن حنبل، كتاب باقي مسند المكثرين، باب مسند أبي سعيد الخدري، رقم: 10681، 10707، 10779، 11135.
[25]. طه: 132.
[26]. أنظر: مختصر تاريخ دمشق 9: 342؛ طبقات المحدثين 4: 149 ، ح 915؛ أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط 8: 152، ح 8127؛ الدارقطني في المؤتلف والمختلف 4: 2121؛ الخطيب في المتفق والمفترق 2: 1158، ح723.
[27]. أمالي الطوسي 1: 254، ح28.
[28]. كفاية الأثر: 33-34.
[29]. أنظر: الترمذي، المناقب عن الرسول، ح 3650.
[30]. بحارالأنوار 32 : 296، ح256.
[31]. المائدة: 4.
[32]. المائدة: 4.
[33]. المائدة:67.
[34]. أنظر: مختصر تاريخ دمشق 17: 259؛ ينابيع المودة: 115؛ ومصادر أخرى.
4. مختصر تاريخ دمشق 9: 330.
1. أمالي الشيخ المفيد: 90، مجلس17، ح3.
[36]. أنظر أحمد بن حنبل في مسنده؛ ومختصر تاريخ دمشق؛ وكنز العمال؛ وغيرها.
[37]. بحارالأنوار 88 : 14ـ 15، ح26.
[38]. المعارج : 4.
[39]. سيرة ابن هشام 3 : 262.