رسالة المرجع الدینی آیة الله الشیخ جعفر السبحانی إلى أحد علماء السعودیة حول عصمة أهل البیت

وصلتنی ـ وصلکم الله ـ رسالتکم الکریمة، و وجدت فیهاطلبکم العزیز علینا فی أن نرسل لکم کتاباً حول عصمة أهل البیت علیهم السلام، و استجابة لطلبکم هذا کتبت لکم هذه المقالة عسى أن تکون وافیة للغرض.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وصلتني ـ وصلكم الله ـ رسالتكم الكريمة، و وجدت فيهاطلبكم العزيز علينا في أن نرسل لكم كتاباً حول عصمة أهل البيت عليهم السلام، و استجابة لطلبكم هذا كتبت لكم هذه المقالة عسى أن تكون وافية للغرض. ولا أخفيك أنّي كنت عازماً على ألاَّ أُدخلك في المسائل الكلامية والمجادلات العلمية، ولكن نزولاً عند رغبتكم عدلت عن عزمي وقراري، وإلاّ فالمسلمون كلّهم على أصول واحدة يجمعهم التمسّك بالكتاب والسنّة، ونحن والجميع كما يقول شاعر الأهرام: إنا لتجمعنا العقيدة أمّة * * * ويضمّنا دين الهدى أتباعاً ويؤلّف الإسلام بين قلوبنا * * * مهما ذهبنا في الهوى أشياعاً وقبل الدخول في صلب الموضوع نمهّد له بأمرين: الأوّل: حقيقة العصمة إنّ حقيقة العصمة عن اقتراف المعاصي ترجع إلى أحد أمور ثلاثة على وجه مانعة الخلوّ، وإن كانت غيرمانعة الجمع. 1. العصمة الدرجة القصوى من التقوى العصمة ترجع إلى التقوى لكنّها ترجع إلى درجة أعلى منها، فما توصف به التقوى وتعرف به، تعرف وتوصف به العصمة. لا شكّ أنّ التقوى حالة نفسانية تعصم الإنسان عن اقتراف كثير من القبائح والمعاصي، فإذا بلغت تلك الحالة إلى نهايتها تعصم الإنسان عن اقتراف جميع قبائح الأعمال، وذميم الفعال على وجه الإطلاق، بل تعصم الإنسان حتى عن التفكير في المعصية، فالمعصوم ليس خصوص مَن لا يرتكب المعاصي ويقترفها، بل هو من لا يحوم حولها بفكره. إنّ العصمة ملكة نفسانية راسخة في النفس لها آثار خاصّة كسائر الملكات النفسانية من الشجاعة والعفّة والسخاء، فإذا كان الإنسان شجاعاً وجسوراً، وسخياً وباذلاً، وعفيفاً ونزيهاً، يطلب في حياته معالي الأُمور، ويتجنّب عن سفاسفها، فيطرد ما يخالفه من الآثار، كالخوف والجبن والبخل والإمساك، والقبح والسوء، ولا يُرى في حياته أثر منها. ومثله العصمة، فإذا بلغ الإنسان درجة قصوى من التقوى، وصارت تلك الحالة راسخة في نفسه يصل الإنسان إلى حد لا يُرى في حياته أثر من العصيان والطغيان، والتمرّد والتجرّي، وتصير ساحته نقية عن المعصية. وأمّا أنّ الإنسان كيف يصل إلى هذا المقام؟ وما هو العامل الذي يمكّنه من هذه الحالة؟ فهو بحث آخر لا يسع المقال لبيانه. فإذا كانت العصمة من سنخ التقوى والدرجة العليا منها، يسهل لك تقسيمها إلى العصمة المطلقة والعصمة النسبية. فإنّ العصمة المطلقة وإن كانت تختصّ بطبقة خاصة من الناس، لكن العصمة النسبية تعمّ كثيراً من الناس من غير فرق بين أولياء الله وغيرهم؛ لأنّ الإنسان الشريف ـ الذي لا يقل وجوده في أوساطنا ـ وإن كان يقترف بعض المعاصي، لكنّه يجتنب عن بعضها اجتناباً تامّاً بحيث يتجنّب حتى التفكير بها فضلاً عن الإتيان بها. مثلاً الإنسان الشريف لا يتجوّل عارياً في الشوارع والطرقات مهما بلغ تحريض الآخرين له على ذلك الفعل، كما أنّ كثيراً من الناس لا يقومون بقتل الأبرياء ولا بقتل أنفسهم وإن عُرضت عليهم مكافآت مادية كبيرة، فإنّ الحوافز الداعية إلى هذه الأفعال المنكرة غير موجودة في نفوسهم، أو أنّها محكومة ومردودة بالتقوى التي تحلّوا بها، ولأجل ذلك صاروا بمعزل عن تلك الأفعال القبيحة حتى أنّهم لا يفكّرون فيها ولا يحدّثون بها أنفسهم أبداً. والعصمة النسبية التي تعرفت عليها تُقرِّب حقيقة العصمة المطلقة في أذهاننا، فلو بلغت تلك الحالة النفسانية الرادعة في الإنسان مبلغاً كبيراً ومرحلة شديدة بحيث تمنعه من اقتراف جميع القبائح، يصير معصوماً مطلقاً، كما أنّ الإنسان في القسم الأوّل صار معصوماً نسبياً. وعلى الجملة: إذا كانت حوافز الطغيان والعصيان والبواعث على المخالفة محكومة عند الإنسان، منفورة لديه لأجل الحالة الراسخة، يصير الإنسان معصوماً تامّاً منزّهاً عن كلّ عيب وشين. * * * 2. العصمة: نتيجة العلم القطعي بعواقب المعاصي قد تعرّفت على النظريّة الأُولى في حقيقة العصمة وأنّها عبارة عن: الدرجة العليا من التقوى، غير أنّ هناك نظرية أُخرى في حقيقتها، لا تنافي النظرية الأُولى، بل ربّما تعدّ من علل تحقّق الدرجة العليا من التقوى التي عرّفنا العصمة بها وموجب لتكوّنها في النفس، وحقيقة هذه النظرية عبارة عن «وجود العلم القطعي اليقيني بعواقب المعاصي والآثام» علماً قطعياً لا يُغلب ولا يدخله شكّ، ولا يعتريه ريب، وهو أن يبلغ علم الإنسان درجة يلمس في هذه النشأة لوازم الأعمال وآثارها في النشأة الأُخرى وتبعاتها فيها، ويصير على حدٍّ يدرك بل يرى درجات أهل الجنة ودركات أهل النار، وهذا العلم القطعي هو الذي يزيل الحجب بين الإنسان وتوابع الأعمال، ويصير الإنسان مصداقاً لقوله سبحانه: كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيم، وصاحب هذا العلم هو الذي يصفه الإمام علي عليهالسلام بقوله: «فهم والجنة كمن قد رآها، فهم فيها منعمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذّبون». فإذا بلغ العلم إلى هذه الدرجة من الكشف يصد الإنسان عن الاقتراب من المعاصي واقتراف المآثم، بل لا يجول حولها فكره. ولتوضيح تأثير هذا العلم في صيرورة الإنسان معصوماً من اقتراف الذنب نأتي بمثال: إنّ الإنسان إذا وقف على أنّ في الأسلاك الكهربائية طاقة من شأنها قتل الإنسان إذا مسّها من دون حاجز أو عائق بحيث يكون المسّ والموت مقترنين، أحجمت نفسه عن مسّ تلك الأسلاك والاقتراب منها دون عائق. أو أنَّ الطبيب العارف بعواقب الأمراض وآثار الجراثيم، إذا وقف على ماء اغتسل فيه مصاب بالجذام أو البرص أو السل، لم يقدم على شربه والاغتسال منه ومباشرته مهما اشتدت حاجته إلى ذلك لعلمه بما يَجُرُّ عليه الشرب والاغتسال بذلك الماء الموبوء، فإذا وقف الإنسان الكامل على ما وراء هذه النشأة من نتائج الأعمال وعواقب الأفعال ورأى بالعيون البرزخية تبدّل الكنوز المكتنزة من الذهب والفضة إلى النار المحماة التي تُكوى بها جباه الكانزين وجنوبهم وظهورهم، امتنع عن حبس الأموال والإحجام عن إنفاقها في سبيل الله. قال سبحانه: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذاب أَلِيم * يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها في نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ. إنّ ظاهر قوله سبحانه: هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ هو أنّ النار التي تُكوى بها جباه الكانزين وجنوبهم وظهورهم، ليست إلاّ نفس الذهب والفضة، لكن بوجودهما الأُخرويّين، وأنّ للذهب والفضة وجودين أو ظهورين في النشأتين فهذه الأجسام الفلزية، تتجلّى في النشأة الدنيوية في صورة الذهب والفضة، وفي النشأة الأُخروية في صورة النيران المحماة. فالإنسان العادي اللامس لهذه الفلزات المكنوزة وإن كان لا يحسّ فيها الحرارة ولا يرى فيها النار ولا لهيبها، إلاّ أنّ ذلك لأجل أنّه يفقد حين المس الحسَّ المناسب لدرك نيران النشأة الآخرة وحرارتها، فلو فرض إنسان كامل يمتلك هذا الحسّ إلى جانب بقية حواسّه العادية المتعارفة ويدرك بنحو خاص الوجه الآخر لهذه الفلزات، وهو نيرانها وحرارتها، يجتنبها، كاجتنابه النيران الدنيوية، ولا يقدم على كنزها وتكديسها. وهذا البيان يفيد أنّ للعلم مرحلة قويّة راسخة تصد الإنسان عن الوقوع في المعاصي والآثام ولا يكون مغلوباً للشهوات والغرائز. قال جمال الدين مقداد بن عبد الله الأسدي السيوري الحلي في كتابه القيّم «اللوامع الإلهية»: «ولبعضهم كلام حسن جامع هنا قالوا: العصمة ملكة نفسانية يمنع المتّصف بها من الفجور مع قدرته عليه، وتتوقّف هذه الملكة على العلم بمثالب المعاصي ومناقب الطاعات؛ لأنّ العفّة متى حصلت في جوهر النفس وانضاف إليها العلم التام بما في المعصية من الشقاء، والطاعة مـن السعـادة، صـار ذلـك الـعلم موجبـاً لرسوخهـا فـي النفـس فتصير ملكة». يقول العلاّمة الطباطبائي في هذا الصدد: إنّ القوة المسمّاة بقوة العصمة سبب شعوري علمي غير مغلوب البتة، ولو كانت من قبيل ما نتعارفه من أقسام الشعور والإدراك، لتسرّب إليها التخلّف، ولتخبّط الإنسان على أثره أحياناً، فهذا العلم من غير سنخ سائر العلوم والإدراكات المتعارفة، التي تقبل الاكتساب والتعلّم، وقد أشار الله في خطابه الذي خصّ به نبيّه بقوله:وَأَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ، وهو خطاب خاص لا نفقهه حقيقة الفقه، إذ لا تذوق لنا في هذا المجال. وهو قُدّس سرُّه يشير إلى كيفية خاصة من العلم والشعور الذي أوضحناه بما ورد حول الكنز وآثاره. * * * 3. الاستشعار بعظمة الرب وكماله وجماله إنّ هاهنا نظرية ثالثة في تبيين حقيقة العصمة يرجع لبّها إلى أنّ استشعار العبد بعظمة الخالق وحبّه وتفانيه في معرفته وعشقه له، يصدّه عن سلوك ما يخالف رضاه سبحانه. وتلك النظرية مثل النظرية الثانية لا تخالف النظرية الأُولى التي فسّرناها من أنّ العصمة هي الدرجة العليا من التقوى، بل يكون الاستشعار والتفاني دون الحق، والعشق لجماله وكماله، أحد العوامل لحصول تلك المرتبة من التقوى، وهذا النحو من الاستشعار لا يحصل إلاّ للكاملين في المعرفة الإلهية البالغين أعلى قممها. إذا عرف الإنسان خالقه كمال المعرفة الميسورة، وتعرّف على معدن الكمال المطلق وجماله وجلاله، وجد في نفسه انجذاباً نحو الحق، وتعلّقاً خاصّاً به بحيث لا يستبدل برضاه شيئاً، فهذا الكمال المطلق هو الذي إذا تعرّف عليه الإنسان العارف، يؤجّج في نفسه نيران الشوق والمحبة، ويدفعه إلى أن لا يبتغي سواه، ولا يطلب سوى إطاعة أمره وامتثال نهيه، ويصبح كلّ ما يخالف أمره ورضاه منفوراً لديه، مقبوحاً في نظره أشد القبح. وعندئذ يصبح الإنسان مصوناً عن المخالفة، بعيداً عن المعصية بحيث لايؤثِّر على رضاه شيئاً، وإلى ذلك يشير الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بقوله: «ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك إنّما وجدتك أهلاً للعبادة». هذه النظريات الثلاث أو النظرية الواحدة المختلفة في البيان والتقرير تعرب عن أنّ العصمة قوة في النفس تعصم الإنسان عن الوقوع في مخالفة الربّ سبحانه وتعالى، وليست العصمة أمراً خارجاً عن ذات الإنسان الكامل وهويته الخارجية. نعم هذه التحاليل الثلاثة لحقيقة العصمة، كلّها راجعة إلى العصمة عن المعصية والمصونية عن التمرّد كما هو واضح لمن تأمّل فيها، وأمّا العصمة في مقام تلقّي الوحي وحفظه وإبلاغه إلى الناس، أو العصمة عن الخطإ في الحياة والأُمور الفردية أو الاجتماعية فلا بد أن توجه بوجوه غير هذه الثلاثة. العصمة عن الخطإ أمّا العصمة عن الخطإ في تحمّل الوحي وحفظه ونقله إلى الأُمّة في حقّ النبي صلي الله عليه و آله أو عصمة أهل البيت عليهم السلام في الإفتاء ونقل ما ورثوه من النبي الأكرم صلي الله عليه و آله ، فهي رهن أمر آخر. أمّا النبي الأكرم صلي الله عليه و آله فإنّه سبحانه يسدّده بالملائكة، كما يقول سبحانه: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُول فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ وَ أَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَ أَحْصَى كُلَّ شَيْء عَدَدًا. فإنّ قوله: فَإِنَّهُ يَسْلُكُ بمعنى يجعل له رصداً. فهؤلاء الملائكة هم الذين يسدّدون الأنبياء عن الخطإ في القول والفعل; وأمّا أهل البيت، فبما أنّ عصمتهم عن المعصية والخطإ ثابتة بالدلائل الآتية، فلا محيص من القول من أنّ لهم مسدّداً في الإفتاء ونقل الأحاديث وتفسير القرآن الكريم. أمّا ما هو المسدّد فالبحث عنه موكول إلى مقام آخر. الثاني: العصمة لا تلازم النبوّة إنّ بعض مَن يتحاشى من وصف غير الأنبياء بالعصمة يتصوّرون وجود الملازمة بين العصمة والنبوة، والحال أنّ بينهما من النسب عموماً وخصوصاً من وجه مطلق، فكلّ نبي معصوم وليس كلّ معصوم بنبي. فهذه هي مريم العذراء الّتي هي الأُسوة والقدوة للنساء كما عليه قوله سبحانه: وَ مَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ التي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَ صَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَ كُتُبِهِ وَ كَانَتْ مِنَ القَانِتِينَ. وبما أنّه سبحانه جعلها قدوة ومثالاً يحتذى به فلابد أن تكون معصومة عن المعاصي والأخطاء، وإلاّ لايصح أن تكون أسوة قولاً وفعلاً على الإطلاق. وبالجملة: وجود الملازمة بين الأُسوة المطلقة وبين العصمة. ويؤيّد عصمتها أيضاً قوله سبحانه: وَ إِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، فإنّ إطلاق قوله: وَطَهَّرَكِ يدلّ على طهارتها من الرذائل والذنوب والخطإ والزلل. كما أنّ منزلة الزهراء عليها السلام في حديث أبيها تعرب عن عصمتها قولاً وفعلاً، فقد روى البخاري عن مسعود بن مخرمة أنّ رسول الله صلي الله عليه و آله قال: «فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني». وروى الحاكم بإسناده عن علي عليه السلام أنّ رسول الله صلي الله عليه و آله قال لفاطمة: «إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك». أقول: أيّ مكانة شامخة للزهراء عليها السلام حتّى صار غضبها ورضاها ملاكاً لغضبه سبحانه ورضاه، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على عصمتها، فهو سبحانه بما أنّه عادل وحكيم لايغضب إلاّعلى الكافر والعاصي ولايرضى إلاّ عن المؤمن والمطيع، فلو دلّت الرواية الصحيحة على أنَّ فاطمة غضبت على أحد فهو إمّا كافر أو فاسق. * * * إذا تمّ هذا التمهيد ضمن أمرين فلنعرّج إلى بيان أدلّة عصمة أهل البيت عليهم السلام كتاباً وسنّةً، ونقتصر من الكتاب العزيز بآيتين، ومن السنّة بحديثي الثقلين والسفينة. الآية الأولى : قال سبحانه: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً، فيقع الكلام في مقامين : 1. ما هو المراد من أهل البيت عليهم السلام ؟ 2. دلالة الآية على تنزيههم عن الذنوب. أمّا المقام الأوّل: فلاشكّ أنّ عبارة (أهل البيت) تعمّ النساء والأزواج لغة وكتاباً، ويكفي في ذلك قوله سبحانه: قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ وَ بَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. فقد عُدّت امرأة إبراهيم عليه السلام من أهل البيت والخطاب في الآية أعني قوله: أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ ناظر إليها . ومع الاعتراف بذلك، لكن المراد به في الآية عبارة عمّن عيّنهم الرسول صلي الله عليه و آله مرّة بعد أخرى فخصّهم بعلي وفاطمة وابنيهما فتارة يصرح صلي الله عليه و آله بأسمائهم، كما روى الطبري عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله : نزلت هذه الآية في خمسة: فيّ وعلي (رضي الله عنه) وحسن (رضي الله عنه)وحسين (رضي الله عنه) وفاطمة رضي الله عنها: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ. وأُخرى أدخلهم تحت الكساء، كما أخرج مسلم في صحيحه قال: قالت عائشة: خرج النبي ذات غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله ثم قال: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ. وثالثة تلا الآيات على بابهم، كما أخرج الطبري عن أنس أنّ النبي صلي الله عليه و آله كان يمرّ ببيت فاطمة ستة أشهر كلّما خرج إلى الصلاة فيقول: الصلاة أهل البيت(عليهم السلام) إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ. وقد بلغ عدد الروايات الواردة في تخصيص أهل البيت بالخمسة ما يناهز 35 رواية أخرجها الطبري في تفسيره، والسيوطي في الدر المنثور، وغيرهما، وتصل أسانيد الروايات إلى ثمانية من صحابة النبي صلي الله عليه و آله وهم: 1. أبوسعيد الخدري. 2. أنس بن مالك 3. ابن عباس. 4. أبوهريرة السدوسي. 5. سعد بن أبي وقاص. 6. واثلة بن الأسقع. 7. أبو الحمراء، أعني: هلال بن الحارث. 8. أمهات المؤمنين: عائشة وأمّ سلمة. نعم هناك سؤال وهو أنّه لو كان المراد بأهل البيت هم هؤلاء الخمسة، فلماذا وردت الإشارة إليهم في أثناء حديث القرآن عن نساء النبي صلي الله عليه و آله؟ الجواب أولاً : أنّ عادة الفصحاء في كلامهم أنّهم ينتقلون من خطاب إلى غيره ثم يعودون إليه، والقرآن مليء بذلك الأُسلوب، وكذلك كلام العرب وأشعارهم. قال الشيخ محمد عبده: إنّ من عادة القرآن أن ينتقل بالإنسان من شأن إلى شأن ثم يعود إلى مباحث المقصد الواحد المرّة بعد المرّة. ولأجل إيقاف القارئ على صحّة ماقاله، نأتي بشاهد على ذلك، فنقول: قال سبحانه ناقلاً عن «العزيز» مخاطباً زوجته: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ؛ فنرى أنّ العزيز يخاطب أوّلاً امرأته بقوله: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ وقبل أن يفرغ من كلامه معها، يخاطب يوسف بقوله: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا)... ثم يرجع إلى الموضوع الأوّل ويخاطب زوجته بقوله: وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ... فقوله: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا جملة معترضة وقعت بين الخطابين، والمسوّغ لوقوعها بينهما كون المخاطب الثاني أحد المتخاصمين، وكانت له صلة بحديث المرأة الّتي رفعت الشكوى إلى العزيز. وثانياً: إنّ الضمائر في الآية كلّها مذكّرة أعني «عنكم» و «يطهركم»، مع أنّ الضمائر في الآيات المتقدّمة والمتأخّرة كلّها جاءت على وجه التأنيث، وربما يقرب عددها من عشرين ضميراً كلّها مؤنثة، وهذا دليل على أنّ الآية ناظرة إلى غير النساء. وإليك صور الضمائر: يَا أَيُّهَا النَّبي قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنّ َوَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً * وَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَ رَسُولَهُ... يَا نِسَاءَ النَّبي مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ... وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ...يَا نِسَاءَ النَّبي لَسْتُنَّ... إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ.. وَقُلْنَ... وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَتَبَرَّجْنَ... وَأَقِمْنَ الصَّلَوةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. هذه هي الضمائر المتقدّمة على الآية، وأمّا الضمائر المتأخّرة عنها فهي: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ. والذي يؤكّد خروج النساء عن الآية، هو أنّ الله سبحانه أفرد لفظ البيت في الآية وقال: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ، ولكنّه عبّر عن بيوت أزواجه بصيغة الجمع وقال: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى. وعلى هذا فهناك «بيت» معروف مشخّص أُضيف إليه لفظ «أهل» فأصبحت العبارة «أهل البيت»، وفي الوقت نفسه هناك بيوت لنسائه وأزواجه، فالمتواجد في البيت الأوّل، غيرالمتواجد في البيوت، فإذا كانت البيوت خاصّة لنسائه صلي الله عليه و آله فيكون البيت خاصّاً لأهل الكساء، إذ الأمر يدور بين الطائفتين ليس غير. فحول النبي اُسرتان: أسرة لها المكانة والفضل لاتّصالها بالنبي صلي الله عليه و آله لا لذواتهن، ولذا استهلّ سبحانه الآيات بقوله: يَا نِسَاءَ النَّبي مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَة مُبَيِّنَة...، و يَا نِسَاءَ النَّبي لَسْتُنَّ كَأَحَد مِنَ النِّسَاءِ كلّ ذلك يعرب عن أنّ كرامتهنّ لأجل اتّصالهنّ بالنبي صلي الله عليه و آله . وأسرة لها الفضل والكرامة لاستحقاقهن بها وقدسية أنفسهن، فقد أعطى سبحانه كلّ أسرة حقّها، فقد أدّب الأُسرة الأُولى ونهاهنّ عن أمور، تمسّ بكرامة زوجهنّ. ثم أخذ بوصف الأُسرة الثانية وتكريمها مشعراً بطهارتهنّ عن كلّ رجس ودنس. فبذلك يعلم وجه ادغام قوله: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ في ثنايا الآيات النازلة في حقّ نسائه، فكأنّه سبحانه يريد إعطاء كلّ أسرة حول النبي صلي الله عليه و آله حقّها. وممّن أصحر بالحقيقة الإمام الشوكاني، قال: وقالت الزيدية والإمامية: إنّ إجماع العترة حجّة واستدلّوا بقوله تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً وأجيب بأنّ سياق الآية أنّه في نسائه، ثم أضاف وقال: ويجاب عن هذا الجواب بأنّه قد ورد الدليل الصحيح أنّها نزلت في عليٍّ وفاطمة والحسنين، وقد أوضحنا الكلام في هذا في تفسيرنا الذي سمّيناه «فتح القدير» فليرجع إليه. نعم ربما ذهب بعضهم إلى نزول الآية في نساء النبي صلي الله عليه و آله لكنّهم جماعة لا يعتدّ بقولهم منهم: 1. عكرمة، ومن المعلوم أنّ عكرمة من الإباضية، فهو رجل منحرف عن جادة الحق، ولم يكن ليتحرّز الكذب على ابن عباس. 2. عروة بن الزبير، ويكفي في عدم حجية قوله عداؤه لعليٍّ وانحرافه عنه. ومنهم مقاتل بن سليمان، وهو من المشبّهة، وعن الإمام أبي حنيفة قال: أتانا من المشرق رأيان خبيثان; جهم معطل، ومقاتل مشبّه. وفي البخاري: لا شيء البتة. قلت: أجمعوا على تركه. ولمّا كان هذا الرأي ـ أعني: اختصاص الآية بنساء النبي(صلى الله عليه وآله) ـ رأياً قاسياً مخالفاً لرأي جمهور المفسّرين، اتّخذ الآلوسي رأياً وسطاً ليكون جامعاً بين القولين وقال: «والذي يظهر لي: إنّ المراد من أهل البيت من لهم مزيد علاقة به (صلى الله عليه وآله) ونسبة قوية قريبة إليه عليه الصلاة والسلام بحيث لايقبح عرفاً اجتماعهم وسكناهم معه (صلى الله عليه وآله) في بيت واحد، ويدخل في ذلك أزواجه والأربعة أهل الكساء، وعلي كرم الله وجهه مع ماله من القرابة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) و قد نشأ في حجره ـ عليهالصلاةوالسلام ـ فلم يفارقه وعامله كولده صغيراً وصاهره وآخاه كبيراً. يلاحظ عليه: أوّلاً: أنّ ما ذكره هو خلاف ما فهمه زيد بن أرقم ـ ذلك الصحابي ـ من الآية لمّا قيل له «من أهل بيته نساؤه»؟! قال: «لاوأيم الله إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها.. إلى آخر ما ذكره. وثانياً: أنّ تعميم أهل البيت في الآية إلى النساء خلاف ما نصّ عليه الرسول(صلى الله عليه وآله). روى الحاكم: عن عطاء بن يسار عن أمّ سلمة ـ رضي الله عنها ـ أنّها قالت: في بيتي نزلت هذه الآية: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ فأرسل رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين(رضياللهعنهم) فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي. قالت أمّ سلمة: يا رسول الله: ما أنا من أهل البيت؟ قال: إنّك على خير، وهؤلاء أهل بيتي. اللّهم أهلي أحق. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. وقال الترمذي بعد نقل الحديث: هذاحديث حسن صحيح، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب. وثالثاً: أنّ ما ذكره يخالف تخصيص النبي الآية بأصحاب الكساء بصورة مختلفة حتّى جعلهم تحت الكساء وجلّلهم به، حتّى يكون عمله جامعاً ومانعاً للغير. ومع ذلك كيف يصحّ للسيد الآلوسي ـ تعميم الآية؟! فلاحظ. وبالجملة: الأحاديث المتضافرة بل المتواترة ـ إجمالاً ـ على أنّ النبي(صلى الله عليه وآله)، أخبر عن اختصاص الآية بأهل الكساء وحقّق ما يريده بعناوين متنوّعة، كثيرة لايسعنا نقلها في هذا المقال المطلوب فيه الإيجاز والاختصار. هذا إجمال ما يمكن أن يقال في نزول الآية في حق الخمسة سلام الله عليهم، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتب أصحابنا فلهم بحوث تفصيلية حول الآية. * * * وأمّا المقام الثاني: أي دلالة الآية على عصمة أهل البيت عليهم السلام، فهي مبتنية على ثبوت أمرين: 1. أنّ الرجس أمر يعمّ المعاصي صغيرها وكبيرها. 2. أنّ الإرادة تكوينية لا تشريعية. أمّا الأمر الأوّل: فقد استعملت هذه اللفظة في الذكر الحكيم ثمان مرّات ووصف بها الخمر، والميسر، والأنصاب، والأزلام، والكافر غير المؤمن بالله، والميتة، والدم المسفوح، ولحم الخنزير، والأوثان، وقول الزور. فالجامع بينها القذارة الّتي تتنفّر منها النفوس; سواء أكانت مادّية كما في مورد اللحوم، أم معنوية كما هوالحال في الكافر وعابد الوثن ووثنه، فالجامع بينهما هي الأعمال القبيحة عرفاً أو شرعاً. قال العلاّمة الطباطبائي: الرجس ـ بالكسر والسكون ـ صفة من الرجاسة وهي القذارة، والقذارة هيئة في النفس توجب التجنّب والتنفّر منها، وهي تكون تارة بحسب ظاهر الشيء كرجاسة الخنزير، قال تعالى: أَوْ لَحْمَ خِنْزِير فَإِنَّهُ رِجْسٌ، وبحسب باطنه أخرى، وهي الرجاسة والقذارة المعنوية كالشرك والكفر وأثر العمل السيّئ، قال تعالى: وَ أَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَ مَاتُوا وَ هُمْ كَافِرُونَ، وقال: فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ. وأيّاً ما كان فهو إدراك نفساني وأثر شعوري يحدث من تعلّق القلب بالاعتقاد الباطل أو العمل السيّئ، وإذهاب الرجس عبارة عن إزالة كلّ هيئة خبيثة في النفس تضاد حق الاعتقاد والعمل، وعند ذلك يكون إذهاب الرجس معادلاً للعصمة الإلهية الّتي هي صورة علمية نفسانية، تحفظ الإنسان من رجس باطني الاعتقاد وسيّئ العمل، هذا كلّه حول الأمر الأوّل. وأمّا الأمر الثاني: أعني كون الإرادة تكوينية لاتشريعية. فإنّ انقسام إرادته سبحانه إلى تكوينية وتشريعية أمر واضح، أمّا الأُولى فهي ما تتعلّق بإيجاد الشيء، ومنها قوله سبحانه: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. وأمّا الثانية فهي ما إذا تعلقت إرادته بتشريع حكم من الأحكام وبعث الناس إلى العمل به. فالإرادة التكوينية لا تنفك عن المراد، بخلاف التشريعية فإنّها لغاية بعث الناس إلى الفعل أو الترك مخيّرين بين الطاعة والعصيان. فنقول: لاشك أنّ الإرادة المتعلّقة بإذهاب الرجس عن أهل البيت بالخصوص تكوينية، إذ لو كانت تشريعية لما اختصّت بطائفة دون طائفة; لأنّ الهدف الأسمى من بعث الأنبياء هو تطهير عامّة الناس عن الذنوب بقوله سبحانه: وَ لَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. وإن شئت قلت: تخصيص تعلّق الإرادة بجمع خاص يمنع من تفسير الإرادة بالإرادة التشريعية الّتي عمّت الأُمّة جميعاً. وبعبارة ثالثة: لو كانت الإرادة تشريعية لما احتاج إلى إبراز العناية بصور مختلفة الواردة في الآية، فإليك بيان تلك العناية: أ. ابتدأ سبحانه كلامه بلفظ الحصر <إنّما>، ولا معنى له إذا كانت الإرادة تشريعية، لأنّها غير محصورة بأناس مخصوصين. ب. عيّن تعالى متعلّق إرادته بصورة الاختصاص، فقال: «أهل البيت» أي أخصّكم أهل البيت. ج. قد بيّن متعلّق إرادته بلفظة «عنكم» وقال : لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ. د. قد أكدّه أيضاً بالإتيان بمصدره بعد الفعل وقال: وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً، ليكون أوفى في التأكيد. هـ . أنّه سبحانه أتى بالمصدر نكرة، ليدلّ على الإكبار والإعجاب، أي تطهيراً عظيماً معجباً. و. أنّ الآية في مقام المدح والثناء، فلو كانت الإرادة إرادة تشريعية لما ناسب الثناء والمدح. وعلى الجملة: العناية البارزة في الآية تدلّ بوضوح على أنّ الإرادة هناك غير الإرادة العامّة المتعلّقة لكلّ إنسان حاضر أو باد. وبذلك نقول: تعلّقت إرادته سبحانه بتنزيههم عن القبيح والعصيان كما تعلّقت إرادته بعصمة الأنبياء عن الذنب والعصيان، وقد ثبت في محلّه أنّ العصمة لا تخالف الاختيار، وذلك لأنّ القدرة والتمكّن على فعل المعصية ثابتان للمعصوم، إلاّ أنّ العصمة تصدّه عن ذلك، فهذا يوسف كان قادراً على ارتكاب الفاحشة إلاّ أنّ عصمته منعته عن ذلك، وبهذا استحق الثناء والمدح. شبهتان ضئيلتان إنّ السيد محمود الآلوسي ـ مع أنّه من الشرفاء ـ أخذ يناقش دلالة الآية على عصمة أصحاب الكساء بوجهين ضعيفين لايليقان بساحته: الأوّل: أنّ الآية لا تدلّ على عصمتهم، بل لها دلالة على عدمها. إذ لا يقال في حقّ مَن هو طاهر: إنّي أُريد أن أُطهّرك، ضرورة امتناع تحصيل الحاصل، غاية ما في الباب أنّ كون هؤلاء الأشخاص(رضي الله تعالى عنهم) محفوظين من الرجس والذنوب بعد تعلّق الإرادة بإذهاب رجسهم، يثبت بالآية. يلاحظ عليه: أوّلاً: أنّ النبي من أصحاب الكساء والداخل تحت قوله تعالى: أَهْلَ الْبَيْتِ فلازم ما ذكره من التفسير: أنّ النبي لم يكن متطهّراً من الرجس قبل هذه الآية وإنّما صار كذلك بعد نزولها، وهو خلاف ما اتّفق عليه المسلمون من عصمته بعد البعثة. وثانياً: أنّ الإذهاب تارة يطلق ويراد به إذهاب الشيء بعد وجوده كما في قوله تعالى: وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَ يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ، وأخرى يطلق ويراد حسم أسباب الرجس وإذهاب المقتضي، لا رفعه بعد وجوده، ونعم ما ذكره الزمخشري حيث قال في تفسير الآية: إنّما يريد لئلاّ يقارف أهل بيت رسول الله المآثم وليتصونوا عنها بالتقوى. الثاني: لو تعلّقت إرادته التكوينية بعصمتهم، فيتحقّق عندها الفعل، فعندئذ فأي حاجة لدعاء النبي (صلى الله عليه وآله) في حقّهم حيث روي أنّه قال: اللّهم إنّ هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، إذ عندئذ يكون أشبه بحصول واجب الحصول. يلاحظ عليه: بأنّ دعاء النبي(صلى الله عليه وآله) إنّما هو للاستمرار، نظير قوله سبحانه: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، فإنّ معناه طلب استمرار الهداية من الله سبحانه، وهكذا دعاء النبي طلب استمرار الطهارة لأهل بيته في المستقبل أيضاً، إذ من المحتمل أن تتعلّق إرادته سبحانه بفترة خاصّة دون عامّة الفترات، فالنبي(صلى الله عليه وآله) طلب من الله شمولها لعامّة الفترات. يقول العلاّمة الطباطبائي في تفسير قوله سبحانه:وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَ أَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ، إنّ تلك القوة القدسية التي استعصم بها يوسف عليه السلام كانت كأمر تدريجي يفيض عليه آناً بعد آن من جانب الله سبحانه وليست بالأمر الدفعي المفروغ عنه، وإلاّ لانقطعت الحاجة إليه تعالى، ولذا عبّر عنه بقوله: وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي، و لم يقل: «ولم تصرف عني». وحصيلة الكلام: أنّ الممكن في وجوده وبقائه قائم بالله سبحانه فهو في حدوثه رهن العلّة، وهكذا في بقائه لأنّه في حدّ الذات لايملك شيئاً فلذلك في كل آن رهن الأفاضة من الله سبحانه إليه، وهذا هو المصحّح لدعاء النبي(صلى الله عليه وآله) لاستمرار تلك الإفاضة. وأظن أنّ هذه الإشكالات كانت واضحة الجواب عند السيد الآلوسي، ولكن رأيه المسبق في أئمة أهل البيت عليهم السلام أوجد تلك الأفكار في ذهنه. سؤال وإجابة ربما يقال: إنّ الآية على فرض دلالتها على العصمة إنما تدلّ على عصمتهم من العصيان، وأمّا عصمتهم من الخطإ فالآية غير ناظرة إليه. والجواب: أنّ بعض المفسّرين عمّم الرجس على الفكر الخاطئ في ذهن الإنسان، وبذلك جعل الآية دالّة على العصمة في كلا الموقفين. ومع ذلك يمكن الإجابة بالقول بالملازمة بين العصمة من الذنوب والعصمة من الخطإ بالبيان التالي: إنّ الهدف الأسمى من وصفهم أهل البيت عليهم السلام بالعصمة ليس إلا اتّخاذ الأُمّة لهم أسوة على الصعيد الفردي والاجتماعي، ومعنى ذلك كونهم معصومين في جميع الجوانب، وإلاّ فلو كانوا يخطأون في بعض الأحيان لما صحّ جعلهم أسوة على وجه الإطلاق. وبعبارة أخرى: إنّ أهل البيت عليهم السلام أسوة قولاً وفعلاً، ومعنى ذلك كونهم مصيبين في مجالي القول والفعل. الآية الثانية: آية طاعة أولي الأمر قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَ الْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً. وجه الدلالة: أنّه سبحانه عطف أولي الأمر على الرسول صلي الله عليه و آله وأشرك بينهما وقال: أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، ومن المعلوم إنّ إطاعة الرسول غير مقيّدة بشيء، لأنّه معصوم لا يأمر إلاّ بالحق وما فيه رضا الله تعالى، فاقتضى أن يكون أولو الأمر كذلك أيضاً فتجب إطاعتهم مطلقاً، ومن كان كذلك فهو معصوم قطعاً. وإن شئت فصغه في قالب الكبرى والصغرى، وقل: أولو الأمر مَن وجبت إطاعتهم مطلقاً. ومن وجبت إطاعتهم مطلقاً فهم معصومون. ينتج: أولو الأمر معصومون. وهذا ممّا لا كلام فيه، فقد اعترف بما ذكرنا الفخر الرازي في تفسيره وقال: إنّ الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لابدّ أن يكون معصوماً عن الخطإ، إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطإ كان بتقدير إقدامه على الخطإ يكون قد أمر الله بمتابعته فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطإ، والخطاء لكونه خطاءاً منهي عنه، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد، وأنّه محال، فثبت أنّ الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم، وثبت أنّ كلّ من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوماً عن الخطإ، فثبت قطعاً أنّ أولي الأمر المذكور في هذه الآية لابد وأن يكون معصوماً. ثم إنّ بعض المفسّرين حمل «أولي الأمر» على الأمراء والسلاطين، ومن المعلوم أنّ أولئك غير معصومين، بل أكثرهم من الفسقة والفجرة الذين يتعاملون بحقوق الشعوب بالحرمان والعصيان، وبعضهم فسّره بالعلماء من أهل الحلّ والعقد، وهذا أيضاً كالتفسير السابق إذ ليسوا بمعصومين قطعاً. وأمّا تفسيرهم بالخلفاء الراشدين فغير تامّ جدّاً; لأنّه يستلزم اختصاص الآية بفترة خاصّة لا تتجاوز الأربعين سنة. فعلى المفسّر المحقّق أن يتحرّى عن المراد بـ «أولي الأمر» فلامعنى لأن يأمر الله سبحانه بإطاعة أولي الأمر ولكن لم يعرّفهم. والذي يجب أن يقال: إنّهم عبارة عن الخلفاء الاثني عشر الذين عرّفهم الرسول (صلى الله عليه وآله) بتعابير مختلفة. أخرج مسلم في الصحيح عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «لايزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلُّهم من قريش». إنّ أحاديث الأئمة الاثني عشر من الروايات الواردة في صحيحي البخاري ومسلم بطرق وصور مختلفة، كلّها تحكي عن أنّ النبي صلي الله عليه و آله أخبر عن اثني عشر خليفة من بعده، بهم أنيط عز الإسلام وقوامه، وبما أنّ المقال لا يسع لنقل هذه الروايات فللطالب أن يرجع إلى الصحيحين. وقد مرّ أن تفسير أولي الأمر بالخلفاء الراشدين يستلزم اختصاص الآية بفترة معينة ولكن تفسيره بالأئمة الاثني عشر يلازم استمرار وجود أولي الأمر، فإنّ الإمام الثاني عشر (أعني المهدي ابن الحسن المنتظر عليه السلام) هو حي يرزق سيظهره الله تعالى في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ورد في المصادر الحديثية للفريقين. 1ـ روى الإمام أحمد في مسنده عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «لو لم يبق من الدهر إلاّ يوم واحد لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً». 2 ـ أخرج أبوداود عن عبدالله بن مسعود، أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: «لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي». 3 ـ أخرج أبو داود عن أمّ سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت : سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: «المهدي من عترتي من ولد فاطمة». 4 ـ أخرج الترمذي عن ابن مسعود : أنّ رسول الله صلي الله عليه و آله قال: «يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي». إلى هنا تمّ الكلام في الدليل القرآني على عصمة أهل البيت عليهم السلام بقي الكلام فيما ورد في السنّة الشريفة من دلائل عصمتهم. المقام الثاني: عصمة أهل البيت عليهم السلام على بيان من النبي الأكرم صلي الله عليه و آله قد ورد في لسان النبي صلي الله عليه و آله التعريف بأهل البيت تارةً و بالعترة ثانياً، وبعبارات تدلّ على أنّهم لايفارقون الحق ولايميلون إلى الباطل، وقد ورد ذلك المضمون في روايات متعدّدة نخصّ بالذكر منها اثنتين وهما: 1. حديث الثقلين إنّ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قرن عترته بالكتاب الكريم وجعل التمسّك بهما سبباً لعدم ضلال الأُمّة، ومن المعلوم أنّ القرآن لايأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه، فما فيه عين الحق وحق اليقين، فإذن يكون قرينه الذي لا يفترق عنه، مثله، وهذا ما يعبّر عنه بحديث الثقلين لوروده في بعض المتون، وهانحن نذكر الصور المختلفة المتنوّعة من هذا الحديث الذي نادى به النبي(صلى الله عليه وآله) في مواضع مختلفة، ولعلّ الاختلاف في بعض الألفاظ نابع من إيراده في ظروف متعدّدة، وإليك صور الحديث: أ. لمّا رجع من حجّة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن فقال: 1. <كأنّي دعيت فأجبت، إنّي قد تركت فيكم الثقلين. أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله تعالى، وعترتي، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض>. 2. <ياأيّها الناس إنّي تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي>. 3. <إنّي تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي; ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما>. 4. <إنّي تارك فيكم الخليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض أو ما بين السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض>. وقد اقتصرنا في نقل المصادر بالأقل القليل من الكثير وإلاّ فمصادر الحديث كثيرة تناهز العشرات، وقد ألّف غير واحد من أصحابنا كتباً في أسانيد الحديث وتضافره بل تواتره. ولكن يجب علينا أن نركّز على ما رامه النبي الأكرم صلي الله عليه و آله من الوصاية بهما، فنقول: إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد حكم في حديث الثقلين عن وجود التلازم بين عترته أهل بيته وبين الكتاب العزيز وأوصى المسلمين بالتمسّك بهما معاً مصطحبين، ليتجنّبوا الوقوع في الضلالة، وأشار(صلى الله عليه وآله) بقوله: «لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض» إلى أنّهما بمنزلة التوأمين الخلفتين عنه(صلى الله عليه وآله)، وهذا يقضي أن يكون أهل البيت عليهم السلام مقارنين للكتاب في الوجود والحجّة. وبعبارة أخرى: إنّ ذلك يدلّ على أنّه لابدّ في كلّ عصر، في جملة أهل البيت، من حجّة معصوم مأمون يقطع على صحّة قوله. وممّا يؤيد ما ذكرنا أنّه ورد في ذيل بعض الصور أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) بعد ما ذكر أنّه مخلّف كتاب ربه وعترته أهل بيته، قد أخذ بيد عليٍّ عليه السلام ورفعها وقال: «هذا عليٌّ مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض»، أفيشك في عصمة القرآن مسلمٌ؟! فلابدّ أن لا يشكّ في عصمة مَن لا يفارقه. 2. حديث السفينة تضافرت الروايات عن النبي الأكرم صلي الله عليه و آله أنّه شبّه أهل بيته بسفينة نوح، وقال ما هذا لفظه: «ألا إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح مَن ركبها نجا، ومَن تخلّف عنها غرق». وفي لفظ آخر: «إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق، وإنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني اسرائيل من دخله غُفر له». إنّ حديث السفينة من الأحاديث المتواترة عند المحدّثين ولايسعنا نقل مصادره، ولسماحة الدكتور الرجوع إلى هامش الصفحة 77 من كتاب المراجعات. يقول السيد شرف الدين العاملي: وأنت تعلم أنّ المراد بتشبيههم بسفينة نوح، أنّ مَن لجأ إليهم في الدين فأخذ فروعه وأصوله عن أئمتهم الميامين نجا من عذاب النار، ومَن تخلّف عنهم كان كمن آوى يوم الطوفان إلى جبل ليعصمه من أمر الله، غير أنّ ذاك غرق في الماء وهذا في الجحيم والعياذ بالله. والوجه في تشبيههم عليهم السلام بباب حطّة هو أنّ الله تعالى جعل ذلك الباب مظهراً من مظاهر التواضع لجلاله والخضوع لحكمه، وبهذا كان سبباً للمغفرة. وقد جعل انقياد هذه الأُمّة لأهل نبيّها والاتّباع لأئمتهم مظهراً من مظاهر التواضع لجلاله والبخوع لحكمه، وبهذا كان سبباً للمغفرة. وهذا وجه الشبه، وقد بيّنه ابن حجر في كلامه ـ بعد أن أورد الحديث وغيره قال ـ: ووجه تشبيههم بالسفينة أنّ مَن أحبّهم وعظّمهم شكراً لنعمة مشرّفهم، وأخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات، ومَن تخلّف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم، وهلك في مفاوز الطغيان... إلى أن قال: وباب حطّة ـ يعني: ووجه تشبيههم بباب حطّة ـ أنّ الله تعالى جعل دخول ذلك الباب الذي هو باب أريحا أو بيت المقدس مع التواضع والاستغفار سبباً للمغفرة، وجعل لهذه الأُمة مودّة أهل البيت سبباً لها. هذا ما سمح به الوقت وجاد به الفكر وقد حررّته للأُستاذ الفاضل الذي لا يسعني إلاّ امتثال أمره، عسى أن يقع موقع القبول وأن لاينساني من صالح دعواته؛ في خلواته وأعقاب صلواته. والحمد لله ربّ العالمين جعفر السبحاني ـ قم المقدّسة مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام 7/ محرمالحرام/1434هـ