الكعبة المشرّفة الكعبة المشرّفة الكعبة المشرّفة
الكعبة المشرّفة الكعبة المشرّفة الكعبة المشرّفة الكعبة المشرّفة الكعبة المشرّفة

الكعبة المشرّفة

ليس الإنسان من ناحية تجرّد الوجود كالملائكة حتى يستغني عن التنسيق والتعاون مع بني جنسه، كما أنّه ليس مادّياً كالحيوانات حتّى لا يكون محتاجاً لتبادل الرأي والتعاون، كما أنّه ـ أيضاً ـ غير قادر أن ينتهي أمره إلى التشتّت والتمزّق والتلاشي اعتماداً على معتمد تكويني، ويفهم سرّ اتّحاده مع أبناء نوعه ورمز ذلك، فيتحرّك عبر سلوك خاصّ ومناسب للوحدة، فيصل بشعار (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى)[1]، للتحرّر من كلّ عيب ونقص وبلوغ مرتبة الكمال الإنساني.

الموضع المركزي للكعبة


ليس الإنسان من ناحية تجرّد الوجود كالملائكة حتى يستغني عن التنسيق والتعاون مع بني جنسه، كما أنّه ليس مادّياً كالحيوانات حتّى لا يكون محتاجاً لتبادل الرأي والتعاون، كما أنّه ـ أيضاً ـ غير قادر أن ينتهي أمره إلى التشتّت والتمزّق والتلاشي اعتماداً على معتمد تكويني، ويفهم سرّ اتّحاده مع أبناء نوعه ورمز ذلك، فيتحرّك عبر سلوك خاصّ ومناسب للوحدة، فيصل بشعار (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى)[1]، للتحرّر من كلّ عيب ونقص وبلوغ مرتبة الكمال الإنساني.


إنّ الإنسان بحاجة إلى المجتمع، ولا يمكنه من دون التنسيق والتعاون أن يرسم الخطوط الأساسيّة والمعالم الكبرى لسعادته؛ من هنا كان لزاماً عليه الاتّحاد مع أبناء نوعه، كما يلزمه أن يجعل ارتباطه بالآخرين قائماً على محاور عينيّة وتكوينيّة، يكون لها حظّ من الخلود والأبدية.


للإنسان في ذاته وأعماقه مادّة السعادة الحقيقيّة من كافّة الجوانب، والوحدة الشاملة مع مختلف المجتمعات البشرية، بوصف هذه المادّة الكامنة في أعماقه أصلاً ثابتاً وعامّاً ودائماً ذا جهة واحدة، بحيث لا يوجد أيّ فرد إنساني في أيّ عصر وزمان وفي أيّ موضع ومكان خالياً عن هذا الأصل الكامن في داخله؛ إنّه المادّة الرئيسة للتكامل التكويني، إنّه لغة الفطرة التوحيديّة[2]التي يمكنها الربط بين أبناء البشر دون حاجة إلى أيّ اعتبار أو تعاقد أو تصويب، وكلّ ارتباط وعلاقة لا تنسجم مع الجذر التوحيدي للبشر فهو زائل اعتباري لا قرار له.


وعلى هذا الأساس، فالإنسان ـ في منطق الوحي ـ ينسجم فقط مع الإسلام العالمي الإلهي، فهذا الدِّين هو الذي يجعل الجميع منسجمين، موحِّدين، متناغمين، مترافقين، ويوصلهم إلى كمالهم النهائي.


من هنا، اعتبر الله سبحانه الإسلام ديناً عالميّاً، ودعا العالمين إلى قبوله، وبيّن معالمه الأصيلة العامّة والدائمة والشاملة لتمام الجهات والنواحي، محذّراً من الانفصال عنه، ومعلناً خطر الإعراض عنه أو الاعتراض عليه أو معارضته، إنّه يقول: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ).[3]


المحاور الأصيلة للوحدة


يتمكّن الإنسان من الحصول على براعم الفطرة المشتركة والمزايا المشتركة للدين العالمي عندما يكون في هذا الدين عناصر الوحدة الأصيلة والثابتة والتوحيديّة.


من هنا أعلن الله سبحانه القرآن الكريم كتاب الجميع، ومحوراً فكريّاً وعمليّاً للعالمين، كما قدّم لنا الرسول الأكرم(صلي الله عليه و آله) بمثابة تعيّن لأحكام القرآن بوصفه اُسوةً وقائداً عامّاً وعالميّاً، كما جعل الكعبة المقدّسة نقطةً لاجتماع أطراف العالم الإسلامي وقبلةً ومطافاً للعالمين، حتّى يتّحد المسلمون بالحصول على هذه المحاور الأصيلة التوحيديّة.


ونحاول هنا ـ وبشكل مختصر ـ الحديث عن عالميّة هذه المحاور المذكورة:


1 ـ عالميّة القرآن الكريم


الإنسان الكامل سِمَة الرسالة الإلهيّة وحامل النداء الربّاني، وإذا كان مظهراً للاسم الأعظم وأكمل الناس فإنّه يتلقّى كتاباً يكون أكمل الكتب، يستوعب سعة الأرض وامتداد الزمان وانبساط التاريخ؛ لذلك أنزل الله سبحانه القرآن لهداية الجميع على القلب المطهّر للرسول الأكرم9؛ وإضافةً لآيات التحدّي التي تدلّ على عالميّة القرآن، ثَمّة آيات في هذا الكتاب نفسه تجعله مذكّراً وذكرى للمجتمعات البشرية كافّة، حتّى يتذكّر الجميع عَهْد فطرتهم، كما اعتبر هذا الكتاب إنذاراً سماويّاً كي يظلّ البشر على حذر بأجمعهم من مختلف المعاصي والذنوب.[4]


وكما كانت أدلّة عالميّة القرآن ثابتةً وهو تمظهر دعوة النبيّ الأكرم(صلي الله عليه و آله) ومعجزته الخالدة، كذلك هي بنفسها دليلاً على عالميّة رسالته(صلي الله عليه و آله) أيضاً، فكلّ دليل يدلّ على عالميّة رسالة الرسول الأكرم(صلي الله عليه و آله) يدلّ أيضاً على عالميّة القرآن المجيد؛ ذلك أنّهما متلازمان، ودليل كلّ واحد منهما يمثل دليلاً ـ بالملازمة ـ على إثبات الآخر.


2 ـ عالميّة رسالة الرسول الأكرم9


إنّ رسالة الإنسان الكامل، والذي هو ـ بنحو مطلق ـ خليفة الله ولا أكمل منه في عالم الإمكان، وسيعة شاملة إلى حدّ لا نبيّ بعده على امتداد التاريخ ولا على اتّساع جغرافيا العالم؛ ولا مقارناً له أيضاً؛ من هنا لم يكن من أنبياء أُولي العزم فحسب، بل هو خاتم الأنبياء(صلي الله عليه و آله) جميعاً، وخاتمة أصل النبوّة والرسالة، وكلّ الأدلّة الدالّة على خاتميّته دالّة تلقائياً على عالميّة رسالته أيضاً.


إضافة إلى الموارد المذكورة، ثمّة في آيات القرآن ما يتحدّث عن كلّية رسالة النبيّ(صلي الله عليه و آله) ودوامها[5]، وأنّها جاءت وبُيّنت لكافّة البشر في تمام الأعصار والأمصار دون اختصاص بفريق خاصّ بعينه.


3 ـ المركزية العالمية الخالدة


لابدّ للناس المعتقدين بالدِّين العالمي والكتاب الكوني، وهم أتباع النبوّة العامّة والدائمة، أن يكون لديهم مركز عام وثابت لا تغيير فيه، يكون محوراً لتبادل الآراء من مختلف المناطق، حتّى يلتقي الجميع من القريب والبعيد مع بعضهم بعضاً ويطرحوا القضايا العلميّة والعمليّة فيما بينهم، فيعيدوا قراءة مشاكلهم السياسيّة والاجتماعيّة ويقومون بحلّها، كما يوثّقون عُرى العلاقات الثقافيّة والأخلاقيّة... إلى غيرها من الفوائد الاُخرى التي يمكن فهمها من إطلاق الآية الكريمة: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ ).[6]


لهذا خصّص الله سبحانه الكعبة المعظّمة، كي يرتبط بها المسلمون في العالم في السنين كافّة، وكذا الأشهر، والأسابيع، والأيّام، والساعات، والدقائق و... وفي مناسبات مختلفة، في شؤون حياتهم كافّة؛ من هنا نقول: «والكعبة قبلتي..»[7]لتعظيم الكعبة وتقديسها وإعلان الارتباط الذي لا ينفكّ بها في الموت والحياة.


إنّ الارتباط العالمي بالكعبة لا ينقطع ولا للحظة واحدة، فبسبب كرويّة الأرض واختلاف جهة القبلة في البلدان والمدن، ولعدم اتّحاد أوقات الصلوات والأدعية و... في المناطق بالنسبة لسكّان الأرض، فإنّ كلّ لحظة تشهد وجود شخص متّجه إلى القبلة في حال صلاة ودعاء.


وسوف يأتي مزيد من التوضيح حول الأبعاد المختلفة للكعبة المعظّمة في المبحث القادم، كما سنتحدّث عن بعض أوجه الشبه بين الكعبة والقرآن الكريم والرسول الأكرم(صلي الله عليه و آله).


خصائص الكعبة


إنّ البشر الذين يتّجهون إلى جهة واحدة، ويدورون حول محور ومطاف واحد، سوف يعرفون بشكل أفضل معبودهم عندما يتعرّفون على المزايا المعنوية لهذا المعبد، فيعبدون الله دون أيّ شائبة أكثر فأكثر، من هنا ذكر الله تعالى جملةً من الخصائص لقبلة العالمين ومطاف الزائرين، أي بيت الله الحرام، وسوف نشير في مطاوي هذا البحث إلى بعضها.


ومع ملاحظة هذه الخصائص سوف تتّضح أسرار بعض الكلمات التي قالها الرسول الكريم والأئمّة المعصومون حول الكعبة، مثل هذا البيان النوراني للرسول الأكرم(صلي الله عليه و آله): «من أيسر ما يُعطى من ينظر إلى الكعبة أن يعطيه الله بكلّ نظرة حسنةً، وتُمحى عنه سيّئة، وتُرفع له درجة».[8]


ومثل قول الإمام الصادق(عليه السلام): «النظر إلى الكعبة عبادة»[9]، وقوله: «يصلح ]ثياب الكعبة[ للصبيان والمصاحف والمخدّة يبتغي بذلك البركة إن شاء الله».[10]


وقول الإمام الباقر(عليه السلام): «الدخول فيها دخول في رحمة الله، والخروج منها خروجٌ من الذنوب، معصومٌ فيما بقي من عمره، مغفورٌ له ما سلف من ذنوبه».[11]


وما جاء: «الداخلُ الكعبةَ يدخل والله راض عنه، ويخرج عُطلاً من الذنوب»[12]، أي طاهراً منها.


والجدير بالذِّكر أنّنا قد شرحنا بعض خصائص الكعبة كمنشأ حرمتها وعزّتها، وكذا مركزيّتها للبراءة من الطغيان والشرك، في الفصل الخامس والسادس من القسم الأوّل، وهنا نذكر خصائص أخري للكعبة الشريفة:


1 ـ تجلّي العرش


لكلّ شيء عند الله خزائن ثابتة لا تفنى ولا تنفد، وينزل من تلك الخزائن الغيب، قال تعالى: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ)[13]، لا على نحو التجافي المستلزم للعدم والزوال، وإنّما على نحو التجلّي، وعليه فموجودات عالم المادّة بأجمعها لها أصل محفوظ عند الله تعالى، ويرسل من هذا الأصل إلى الأسفل طبقاً لهندسة خاصّة، وكلّ ما ينزل يكون له علاقةً لله ومرآةً له، قال(عليه السلام): «والحمد لله المتجلّي لخلقه بخلقه»([14])، تماماً كما يرجع إليه: ( أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ).[15]


ومن جملة هذه الاُمور أجزاء الكعبة وأركانها، وهي التي لها أصل طاهر في المحضر الإلهي، وكلّ هذه الاُمور تنزل من ذاك الأصل الطيّب.[16]


وشاهد هذا الكلام رواية وردت في سرّ تربيع الكعبة وقد جاء فيها:


«لأنّها بحذاء البيت المعمور، وهو مربّع، فقيل له: ولِمَ صار البيت المعمور مربّعاً؟ قال: لأنّه بحذاء العرش وهو مربّع، فقيل له: ولِمَ صار العرش مربّعاً؟ قال: لأنّ الكلمات التي بُني عليها الإسلام أربع: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر».[17]


ومضمون الكلام الرفيع والنوراني للإمام الصادق(عليه السلام) هو أنّ التسبيحات الأربع التي يقوم عليها نظام الوجود هي السبب في تحقّق العرش المربّع، وتكوّن العرش هو الأساس في تحقّق البيت المعمور، وهو ما يفضي في النهاية إلى تحقّق موجود طبيعي في عالم الطبيعة، ألا وهو الكعبة والجدران الأربعة، ومعنى ذلك أنّ ما هو في عالم الطبيعة اُنموذج لما في عالم المثال، وعالم المثال هو الآخر اُنموذج لعالم المجرّدات التامّ، وعالم المجرّدات التامّ أُنموذج للأسماء الإلهيّة الحسنى، التي هي في أعلى التمام، والخلاصة أنّ ذاك النظام الربّاني بترتيب درجات وجوده يعدّ أساساً لتحقّق النظام العقلي والمثالي والطبيعي.


المراحل الأربع لأركان الدِّين ومعارفه


وكما انتظمت الكعبة على نسق العوالم الفوقيّة، كان القرآن والصلاة والصوم والحجّ والعمرة وسائر العبادات والآيات الإلهيّة كذلك، وعلى هذا الأساس، كانت للولاية مراحل أربع كالتي تقدّمت؛ ذلك أنّ الولاية من المباني المهمّة للإسلام، فالولاية والقيادة في عالم الطبيعة وفي المجتمع الإنساني بمنزلة الكعبة، تماماً كما يقول أميرالمؤمنين عليّ(عليه السلام): «مَثَلُ الإمام مثل الكعبة؛ إذ تُؤتى ولا تأتي».[18]


وعليه فالوجود الطبيعي والعنصري للولاية بمنزلة الكعبة الطبيعيّة، تماماً كما أنّ الوجود المثالي لها بمنزلة البيت المعمور، ووجودها العرشي بمنزلة الوجود العرشي للكعبة، وعلي ذلك فالولاية لها باطن يقف أمام التسبيحات الأربع؛ من هنا قال الأئمّة المعصومون(عليهم السلام): «سبّحنا وسبّحت الملائكة»[19]، أي أنّهم كما قالوا للناس في النشأة الطبيعيّة: «صلّوا كما رأيتموني أُصلّي»[20]، و«خذوا عنّي مناسككم»[21]، كذلك في العالم العلوي يعدّ أهل البيت(عليهم السلام) إمام الملائكة، ومن التلقائي أنّ الولاية كالصلاة معراجٌ للمؤمن يتحلّى بصبغة التولّي للأولياء الإلهيّين، وعليه، فكما يُقال لقارئ القرآن: «إقرأ وارق»[22]، كذلك يُقال للمصلّي: «صلِّ وارق»، ويقال لمتولّي الأولياء الإلهيّين: «تولّ وارق»، وللحاج والمعتمر: «حجّ واعتمر وارق».


إنّ الذي يطوي المراحل الأربع المذكورة سيكون قلبه عرش الرحمن، «قلب المؤمن عرش الرحمن».[23]


وإذا أخذنا بعين الاعتبار الرواية التي تبيّن سرّ تربيع الكعبة سوف يتّضح معنى الحديث القائل عن الكعبة: «إنّها قبلة من موضعها إلى السماء»[24]؛ ذلك أنّه وإن كان ظاهر هذا الحديث التأكيد على الانتباه للبُعد العمودي بوصفه حكماً فقهيّاً؛ إلاّ أنّه بقرينة الحديث الذي يبيّن سرّ تربيع الكعبة[25]يحكي لنا بدلالته الباطنية عن الارتباط الوجودي ما بين عوالم الطبيعة والمثال والعقل، وهو الطريق الذي يبدو طيّه لنيل الحقائق ممكناً، فالتأمّل والتدبّر في المعارف مستفاد من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير.


إنّ الروح الطاهرة لزوّار الكعبة ستصل ـ بالإمداد الإلهي ونيل توفيق المتعالي والصعود والرقيّ ـ إلى المقام الشامخ للبيت المعمور ثمّ إلى مقام العرش، قال تعالى: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ )[26]، وكما أن تنزل العرش الإلهي، وكذلك البيت المعمور على نحو التجلّي لا التجافي، كذلك في الإنسان وتعاليه نحو المقام الأعلى يكون في صورة الصعود الروحاني، لا الترقّي المكاني أو التجافي الأرضي، وعليه فإذا لم يدرك الزائر هذا المعنى الراقي ولم يكن هدفه من الطواف حول الكعبة هو التعالي الروحي، ولم يرَ هذا البيت معادلاً للبيت المعمور، ولم‌يفهم أنّ هذا البيت المكعّب كالعرش في الأرض، فلن يدرك المكانة الرفيعة للكعبة، ولن يعقد طرفاً لنفسه للقبول بمصطلح علم الكلام، رغم أنّه استفاد من الصحّة والقبول السائدين في علم الفقه.


إنّ المقيم للحجّ والمعتمر الذي يفكّر تفكيراً أرضيّاً يطوف حول الكعبة، إنّه محدود التفكير في أن لا يتخطّى الحدود الفقهيّة للمطاف (5/26 ذراعاً أو 13 متراً وزيادة)، إلاّ أنّ الذي تكون همّته وفكره أعلى وأرفع يطوف بالكعبة والبيت المعمور، فيما الطائف الأعمق نظراً يتخطّى الآخرين فيطوف حول الكعبة والبيت المعمور والعرش، ومثل هذا الحاج والمعتمر يصير قلبه عرش الرحمن، إنّه الأوحدي من المعتمرين والحجّاج الذي يدور حول التسبيحات الأربع، فمن وجهة نظر هذا الزائر لا تكمن قيمة الكعبة وشموخها في ارتفاع جدرانها، وإنّما في رفعة الله تعالى لإسمها وذكرها وهو الأساس في رفعة الطائفين، تماماً كما كان الرسول(صلي الله عليه و آله) مرفوع الذكر(وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)[27]، وإلاّ فالكعبة وسط الأبنية والأبراج العالية المحيطة بها لا يظهر منها ولا يبرز شيء سوى منارات المسجد الحرام.


2 ـ قيام أسس الكعبة على التوحيد المحض


إنّ بناء الكعبة وتعيين أبعادها وشكلها إنّما هو بهداية من الله سبحانه، قال تعالى: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا)[28]، فهذه الآية تعني أنّ مكان الكعبة وهندستها مع رعاية الموضع الخاص لها إنّما حصل بهداية إلهيّة، على أساس التوحيد الصرف، بحيث ليس ثمّة شرك إطلاقاً أعمّ من الشرك الجليّ والخفي بمكّة يمكنه أن يلوّثها.


وانطلاقاً من أنّ «كلّ أثر هو مظهرٌ للمؤثّر وكلّ مؤثّر متجلّي في أثره»، فإنّ أيّ وصف ممتاز لحقّ الشخصيّة البارزة، للنبيّين الكبيرين والبانيين العظيمين للكعبة؛ أي الخليل والذبيح8، وجاء في النقل حولهما، يعدّ سنداً دالاًّ على رسم خطوط المظهر المعنوي للكعبة، وهو بمثابة شرح لمصالح بنائها، وعليه فكما لم يكن إبراهيم يهوديّاً ولا نصرانيّاً، وإنّما كان حنيفاً، وسطاً، مسلماً، موحِّداً، ومنقاداً محضاً، ذائباً في التوحيد، معصوماً من تأثير أيّ نوع من أنواع الشرك، يمكن أن تكون أوصاف الاعتدال والتوحيد والانقياد من عناصر هندسة الكعبة، كما يظهر في بنائها خلوص وصفاء بنّائيها، فقد مزجت هندستها بقداسة الخلوص.


من هنا، فكلّ من كان أكثر قرباً لإبراهيم وأليق به كان أكثر لياقة لأن يكون حامياً للكعبة، ولعمرانها الصوري والمعنوي، وهذا الفريق ـ غير أنصار إبراهيم في عصره ـ هم الرسول الأكرم(صلي الله عليه و آله) والمؤمنون الأصيلون الخالصون الذين لا ينتمون إلى اليهوديّة ولا إلى الانحراف، وإنّما إلى الاعتدال في العقيدة والخلق والعمل الصالح، وهم غير مبتلين بالشرك الاعتقادي ولا الأخلاقي ولا العملي.


وانطلاقاً من أنّ الأثر مظهرٌ للمؤثّر وأوصافه لها أثر فيه، نلاحظ كيف قام مسجد قبا على أساس التقوى والرضوان الإلهي، فيما أُسّس مسجد ضرار على أساس الشرك والجرف الهار الذي ينهار به في نار جهنّم.[29]


وعلى أيّة حال، فالكعبة بهذه الهندسة الإلهيّة موضوع ومتعلّق للكثير من الأحكام والفروع الفقهيّة، ومن بينها الحجّ، وكلّها تدور حول الأخلاق الصحيحة، وترتهنّ تلك الأخلاق الصحيحة بالعقيدة السالمة التوحيديّة، وكما كان التوحيد شجرة طوبى والتقوى ثمرة من ثمارها، كذلك الكعبة بُنيت على أساس التوحيد الخالص المنزّه عن مختلف أشكال الشرك، فكانت أصلاً لكافّة الأبنية المؤسّسة على التقوى، ومن بينها بناء مسجد قبا المقام على التقوى، حيث كان فرعاً من فروع هذا الأصل، وثمرةً من بذوره.


ومن نماذج هذا التجلّي للتوحيد الخالص عند الموحّدين الحقيقيّين ما نقل من أنّه: «قيل للزهري: من أزهد الناس في الدُّنيا؟ قال: عليّ بن الحسين(عليهما السلام) حيث كان، وقد قيل له ـ فيما بينه وبين محمّد بن الحنفيّة من المنازعة في صدقات عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) ـ: لو ركبت إلى الوليد بن عبد الملك ركبة لكشف عنك من عزر شرّه وميله عليك بمحمّد فإنّ بينه وبيني خلّة، قال: وكان هو بمكّة والوليد بها، فقال: ويحك أفي حرم الله أسأل غير الله عزّ وجلّ؛ إنّي آنف إذ أسأل الدُّنيا خالقها، فكيف أسألُ مخلوقاً مثلي؟».[30]


3 ـ تشييد أركان الكعبة على الخلوص الأصيل


إنّ بناء الكعبة ورفع بنيانها عبادة خالصة قام بها إبراهيم الخليل وإسماعيل، حيث لم يفعلا ذلك إلاّ لله، ولم يطلبا جزاءً ولا شكراً على ذلك من أحد، قال تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ).[31]


ولم يكن هذا الإخلاص والخلوص لفظيّاً، وإنّما كان قلبيّاً كامناً في أرواحهم، كما هو ظاهر على ألسنتهم؛ ذلك أنّ الذي يأتي الله تعالى بقلب سليم[32]، لن يطلب قلبه ولن ينوي غير الله سبحانه، وأنّ قوله: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)[33]، يعني أنّ طهارة ضميره لن تتلوّث بما ينافي خلوصه وإخلاصه.


لقد قامت الكعبة على أساس الخلوص، ولأجل تقوى البنّاء وقعت موقع القبول من الله تعالى؛ وحيث كانت هندسة الكعبة على أساس التوحيد وعمرانها على أساس التقوى والخلوص.. لذا نالت شرف الانتساب إلى الله سبحانه فصارت بيت الله، وتحوّلت إلى شجرة طوبى أعطت ثمارها في مختلف أنحاء العالم على صورة المساجد والمشاهد المشرّفة، (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ).[34]


4 ـ مركز الطهارة ومطاف الطاهرين


لقد كان تطهير الكعبة من الشرك واللوث، وتنزيهها من غبار الطغيان والتمرّد، بأمر من الوحي الإلهي، قال تعالى: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)[35]، فقد أمر إبراهيم وإسماعيل بذلك، قال سبحانه:( وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)[36]، لقد كانوا ملتزمين تطهير البيت الحرام على نحو الدفع والرفع، أي أنّهم يزيلون آثار الشرك الباقية من الآخرين، كما لا يسمحون بآثار الشرك والانحراف الجديد أن ترسخ وتظهر وتتعاظم.


لقد أحيل تأمين طهارة الكعبة في البداية إلى النبيّ إبراهيم(عليه السلام) بوصفه المسؤول الرئيس عن تأسيسها، قال تعالى: (طَهِّرَا بَيْتِيَ)، وفي مرحلة البقاء، عهد الأمر إلى كلّ من إبراهيم وإسماعيل8، قال سبحانه: (طَهِّرَا بَيْتِيَ)، وسرّ هذا الأمر بالتطهير قبل الوجود، وإفراد الخطاب، ثمّ إعادة الأمر بعد الوجود وتثنية الخطاب هو أنّ الطهارة أساس للكعبة، ووجود الأساس ضروري في مرحلة الحدوث وفي مرحلة البقاء، ولا يمكن أن يقوم بناء دون أساس، كما أنّه إذا كان الأساس خرباً هزيلاً لم يبق البناء.


إنّ حذف متعلّقات الأوامر المذكورة دليل على العموم، أي أنّه لابدّ أن يكون حريم الكعبة من الداخل والخارج وكذا فضاء حرمها المتعلّق بها مصفّى منقّى مطهّر من كلّ رجس ورجز ظاهري أو باطني، فقهي أو طبّي.


وبهذا الميثاق الإلهي في الطهارة:


أوّلاً:ليس هناك من يليق بإدارة الكعبة إلاّ الطاهرون، قال تعالى: (وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ)[37]، وليس للمشركين على أساس(إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)[38]، حقّ الدخول إلى هذا الحرم الآمن.


ثانياً:لا يبقى بذلك أيّ مجال لتسافل وتلوّث الشرك والمشركين، ولا لقبح ولوث الصنم وعبادة الأصنام، من هنا كان أوّل ما أقدم عليه الإسلام بعد الانتصار على الإلحاد وعبادة الأصنام هو تطهير الكعبة بأمر من رسول الله(صلي الله عليه و آله) وبيد أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) من لوث الأصنام وكدر الوثنيّة، فإذا ما صارت الكعبة بعد الخليل والذبيح8 إلى أيدي صناديد الجاهلية فصارت معبداً للأصنام، إلاّ أنّها عادت للطهارة على اليد المقتدرة لرسول الله(صلي الله عليه و آله) والعضد المتين العلوي، وإذا ما لوّثت يوماً برجس التحجّر والرجز القائمين على تغطية الدِّين[39]عبر شعار «حسبنا كتاب الله» فإنّ حضور الشعب المؤمن والمتديّن والملتزم والمنتظر واقعاً لفرج أهل بيت النبوّة سوف ينزّهها مرّةً جديدة.


وكما أنّ القرآن الكريم في كتاب مكنون لا يمسّه إلاّ المطهّرون[40]، فإنّ حقيقة الكعبة وسرّها مطهّران من لمس الأيدي الملوّثة، وليس لغير الطاهر معنويّاً قبل التوبة من توفيقٍ للوصول إليها، ولن يجتمع حولها للطواف سوى الطاهرون، فيجعلونها محور شؤونهم كلّها في حياتهم، حيث إنّ الطيّب من الطيّب والخبيث من الخبيث[41]، وذلك كلّه لسببين:


الأوّل:الحجر الأسود الموجود في الكعبة والذي هو بمنزلة يد الله تعالى[42]، وكلتا يديه ـ وليس له يد ـ يمين.[43]


الثاني:لأنّ هناك شخصيتين دينيّتين كبيرتين ونبويّتين كانتا مسؤولتين عن تطهيرها، وليس المقصود من الأمر بالتطهير خصوص التطهير من النجاسات الظاهريّة.


تعدّ آية: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) صغرى لقياس كبراه الكلّية موجودة في آية: (لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)[44]، رغم أنّ الآية الثانية جاءت في مسجد قبا، إلاّ أنّها أصلٌ كلّي أبرز مصاديقه الكعبة والمسجد الحرام، ذلك أنّ تمام المساجد فروع للكعبة، ولأداء احترام الكعبة تعدّ المساجد الاُخرى محترمة؛ فلكلّ مسجد محراب يمثِّل مظهره ومَعلَمه، وهذا المظهر يتّجه ناحية الكعبة دوماً، قال تعالى: (فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ ).[45]


وتوضيح هذه النقطة أنّ في الإسلام الكثير من الاُمور المشروطة باستقبال الكعبة، إلى حدّ أنّ حياة وممات كلّ مسلم مربوطان بالكعبة، إلاّ أنّ الصلاة عمود الدِّين، والمسجد حتّى لو وضع لأهداف اُخرى إلاّ أنّ أهمّ أهدافه إقامة الصلاة فيه، وهي أمر مشروط بالقبلة، ومن هنا فتمام المساجد لها جهة معيّنة وهي جهة الكعبة، وبهذا التحليل يظهر أنّ تمام المساجد متّجهة إلى اُمّ المساجد الموضوعة في اُمّ القرى، وهكذا اُسّست.


نعم، القبلة الرسميّة للمسلمين عموماً في العالم هو ذاك البُعد الموجود في الكعبة، والمسجد الحرام إلى جوار الكعبة، فيكون من هذه الناحية مورد توجّه المسلمين في الصلاة، كما أنّ مكّة اُمّ القرى، بمعنى أنّها من الناحية المادّية أصل المدن كافّة وكذا القرى، كما أنّها من الناحية المعنوية كذلك، ومسألة القبلة من هذا القبيل.


وعلى أيّة حال، فقد بُيّن في ذيل الآية الشريفة المذكورة وظيفة أهل المسجد حيث جاء: ( فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ ) وإذا ما صار شخص طاهراً صار محبوباً لله تعالى، (وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ )، وإذا ما صار محبوباً لله صار مجرى فيض الحقّ، ويجري الله في مقام العمل والفعل أعماله على يديه.


يقول الله تعالى بصراحة حول الكعبة أنّها بُنيت على الطهارة: (أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)، ومع الالتفات إلى هذا الأمر من تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلّية، يستفاد من الآية أنّ المصلّين غير الطاهرين يجب في الحقيقة ألاّ يتّجهوا إلى الكعبة، وكذلك الطائفون لا يطوفون بها، بمعنى أنّهم لا يصلّون ولا يطوفون الصلاة والطواف الحقيقيّين، ذلك أنّه لا يمكن نيل سرّ وحقيقة بيت الله دون طهارة، كما أنّه لا يمكن الحصول على معارف من القرآن دونها.


وكما أنّ القرآن الكريم مرآة صافية لا يرى الناظر فيها إلاّ جماله أو قبحه، كذلك الكعبة مرآة لا غبار عليها يرى فيها الناظر وجهه الجميل أو البشع، من هنا فغير الطاهرين الذين تلوّثوا برجس الشرك ولوث الطغيان والتمرّد، لن يتمكّنوا من إدراك الكعبة بوصفها بيت الله المنزّه عن الحلول في المكان والمبرّأ عن الحصر في الزمان، والمقدّس عن الحاجة، والمسبّح عن الفقر والفاقة لأحد أو شيء، ولن يستطيعوا النجاح في الصلاة في حريمها؛ من هنا وصف الله عبادتهم في أطهر بقع العبادة بأنّه صفير وتصفيق، حيث قال: (وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً)[46]، وسوف نبيّن عند الحديث عن «الطواف الجاهلي» السرّ في ورود هذا التعبير بحقّ عبادة المشركين.


5 ـ محور القيام والقيامة


الكعبة محور القيام والمقاومة والثبات الإنساني على امتثال الأوامر الإلهيّة وتجنّب الباطل ومحاربة الظلم والجور، قال تعالى: (جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ)[47]، والمراد من القيام هنا هو ما جاء في الآية الشريفة الاُخرى: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ )[48]، والقيام في هذه الآية هو المقاومة والاستقامة لا الوقوف واستقامة البدن، وفي مقابله القعود بمعنى الذلّة والقبول بالظلم والجور.


إنّ القيام والجهاد محور الدِّين الأصلي، وهو لا يعرف القعود والخنوع أبداً، قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)[49]، ومعتمد هذا القيام وعمود هذه المقاومة وأساس هذه الاستقامة الباعثة على قيام الناس ومقاومتهم أمام الجبّارين، يكمن في قيام الكعبة وحياتها، ودوام أمرها، تماماً كما قال الإمام الصادق(عليه السلام): «لا يزال الدِّين قائماً ما قامت الكعبة»[50]، والكعبة حيث كانت أساساً لقيام الناس وقوامهم وضعت في وسط الأرض حتّى يكون التكليف متساوياً بين أهل المشرق والمغرب.[51]


إنّ حياة الكعبة حياة الدِّين، والناس تحيى بحياة الدِّين، ومع خراب الكعبة وانعدامها وتركها يموت الدِّين وبموته يموت الناس، إنّ الكعبة بمثابة عظم فقرات الظهر بالنسبة لدين الله، فإذا كانت قويّةً سالمة كانت مقاومة الإنسان ووقوفه وذهابه وسرعته في الوصول إلى المغفرة الإلهيّة والسبق في اُمور الخير أمراً ممكناً، أمّا إذا كان هذا العظم عاجزاً وضعيفاً وهزيلاً فإنّ الوقوف يغدو غير ممكن، واستقامته لا تكون ميسورةً، وسرعته وسبقه و... متوقّف على قيامه فتكون محالاً.


وعلى هذا الأساس، قال أمير المؤمنين(عليه السلام): «والله الله في بيت ربّكم، لا تخلوه ما بقيتم فإنّه إن تُرك لم‌تناظروا»[52]؛ فترك بيت الله وتخليته بمثابة سقوط العمود الذي يتكئ عليه الإنسان فإذا ما هُجر بيت الله فإنّه ينقطع الاتّصال بمركز القدرة، ومع قطعه سيغدو القيام بالقسط والمقاومة أمام الظلم والجور غير ممكنة، وهنا يكون خير الدُّنيا والآخرة ممنوعاً مقطوعاً؛ فالكعبة هي عامل قيام الناس للدِّين والمعاش.[53]


من هنا يقول رسول الله(صلي الله عليه و آله): «من أراد دنيا وآخرة فليؤمّ هذا البيت»[54]، ومن أهمّ موارد أمّ الكعبة إنجاز الحجّ بآدابه ومناسكه العظيمة.


وأساس هذه الكلمات كلّها هو الآية الشريفة: (جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ).[55]


لذا كله يعمد إمام الزمان، قائم آل محمّد(عليه السلام)، في بداية قيامه إلى جعل محور القيام والقوام بالنسبة للمجتمعات البشرية، أي الكعبة، معتمداً ومتّكأً له، فيسارع أنصاره إليه، كما يقول الإمام الباقر(عليه السلام): «.. إذا تشبّه الرجال بالنساء والنساء بالرجال... وركب ذوات الفروج السروج.. وأُكل الرِّبا.. فعند ذلك خروج قائمنا، فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة واجتمع إليه ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً...».[56]


دور الاعتقاد والاقتصاد في قوام المجتمعات الإنسانيّة


يذكر القرآن الكريم الكعبة بوصفها عامل قيام الناس[57]، كما يذكر القدرات الاقتصادية بهذه الصفة أيضاً، حيث يقول: (وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَامًا )[58]؛ وعليه فالمسألة الاعتقادية والأمر العبادي للكعبة والحجّ والعمرة هي قوام المجتمع في الاُمّة الإسلاميّة، وكذلك الاقتصاد، وهو أمر مادّي، إلاّ أنّ ثقافة القرآن لا تضع هذين الأمرين في مستوى بعضهما، بل الاعتقاد دائماً هو الأصل والبنية التحتيّة، فيما الاقتصاد فرع وبناء فوقي، وعندما يتزاحم الأصل والفرع يقدّم الأصل، من هنا لم تترك حادثة الحصار في شِعب أبي طالب أيّ أثر في انتشار الإسلام، وقبوله في السنوات الاُولى لظهوره على المسلمين المعتقدين، كذلك لم يترك الحصار الاقتصادي الحالي من جانب الغرب الناهب أيّ أثر في اضمحلال الصحوة الإسلاميّة.


6 ـ بيت الأحرار ومحور الحرّية


الكعبة بناء عتيق (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)[59]، لم يكن تحت سلطان أيّ سلطة أو ملكيّتها، وقد كانت محميّةً على امتداد التاريخ من تطاول الطواغيت وتناول الملاّك، وتداول رجال الدولة والسلطة، كما كانت متحرّرةً ـ وما تزال ـ من أي سلطة بشريّة أو ملكيّة إنسانية، فلا تختصّ بشخص أو فريق أو قوم أو قوميّة أو عرق أو دولة أو حكومة، تماماً كما يقول الإمام الباقر(عليه السلام) حول سرّ وصف الكعبة بالبيت العتيق: «هو بيت حرّ عتيق من الناس لم‌يملكه أحد»[60]، فالله سبحانه لم ينسب هذا البيت من الأوّل لأحد غيره، فقال: (طَهِّرَا بَيْتِيَ)[61]، كما أنّ باني الكعبة لم‌يملكها من حيث إنّه هو المأمور ببنائها، لذا لم‌ينسبها لغير الله تعالى، حيث قال: (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ).[62]


وعليه، فالكعبة عتيقة من حيث قدمها التاريخي ونفاستها، فذات قيمة وسبق، كما أنّها عتيقة من حيث تحرّرها وانعتاقها من كلّ سلطة مالكة وقهر سلطاني، والطواف حول مثل هذا البناء يعطي درساً في الحرّية، ويحرّر الإنسان من كلّ أنواع العبودية عدا لله تعالى، وهذه العبودية هي الفضيلة الوحيدة للإنسان، كما أنّ إرسال الأضحية إلى البيت العتيق وذبحها في داخل الحرم ( هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ)[63]و (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ)[64]يعطي درساً آخر في التحرّر من التعلّقات.


إنّ الذين يرزقون زيارة هذا البناء ليسوا عبيداً لأنفسهم وحرصهم، ولا مماليك للمستعمرين والمستثمرين الخارجيّين، تماماً كما كان بنّاء الكعبة سيّدنا إبراهيم(عليه السلام) مبرّءاً من الميول والتعلّقات ومحميّاً من الحرص والخوف و... إنّ العبودية لا تنسجم مع مدار الحريّة والتحرّر.


وبناءاً عليه، لا يمكن لغير المتحرّرين من قبضة سلطة المتسلّطين أن يطوفوا طوافاً حقيقيّاً حول هذا البيت، أو أن يجعلوه قبلتهم على نحو الحقيقة، وليس سوى الأحرار الحقيقيّون من قبضات الهوى، العاصون عليه والمتّجهون نحو القلب والروح من يتمكّن من الدوران حولها.


إنّ هذا الإقبال على الكعبة يجعل سلوك الإنسان ملائكيّاً، ويحرّره من الشهوة والغضب والرذائل الأخلاقيّة.


إذا جاهدت وسعيت غدوت مَلَكاً


فالحرير لا يأتي إلاّ من ورق التوت.[65]


إنّ الذي يطوف حرّاً حول البيت لا يغدو عبداً ولا ذليلاً، كما أنّه لا يرى نفسه سوى عبداً لله تعالى، تماماً كما يقول أمير المؤمنين(عليه السلام): «لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرّاً».[66]


7 ـ مظهر المساواة


من أبرز مظاهر شموليّة الإسلام وعالميّته واستيعاب دعوته وندائه العالمي حول الكعبة هو الحجّ، حيث كان إعلانه عند بناء الكعبة موجّهاً للجميع، قال تعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ).[67]


إنّ الكعبة بنيان إلهي لكلّ الناس على امتداد التاريخ، لا تختصّ بأحد أو قوم أو عصر أو إقليم، من هنا يجب على أهل المدن والقرى والأرياف، وعلى المتمدّنين وأهل البادية، وعلى القريب والبعيد، والغابر والقادم، وبشكل واحد أن يستفيدوا من نعمة الحجّ، قال تعالى: (جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ...)[68]؛ وبهذا تغدو الكعبة والمسجد الحرام مظهراً بارزاً للمساواة بين الناس.


لقد دعا الله تعالى الجميع إلى أرض المساواة كي يتعلّموا ويتمرّنوا على التساوي والمساواة، ودعاهم إلى الطواف في أطراف الكعبة جميعاً حيث قال: (سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ)؛ فإذا حصل الطواف حول الكعبة، ودائرة المساواة، فلابدّ من إلقاء كلّ معاني الامتياز الفردي والعرقي والقومي واعتبار كلّ القوميات والأعراق قوميّته وعرقه، وكما يأخذ درس الطهارة من الطواف حول البيت الطاهر: (طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)[69]، كذلك لابدّ أن يكون حاصله من الحضور في موضع تجلّي المساواة هو درس المساواة أيضاً، حتّى لا يرجّح فرداً على آخر، وعرقاً على آخر، أللّهمَّ إلاّ على أساس التقوى التي تعني الفضيلة المعنوية غير المادّية.


8 ـ الكعبة مرجع الخلق جميعاً


الكعبة مرجع عامّة الناس ومثابتهم، ومأمن جماهير الخلق، قال تعالى: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ)[70]، وكما هو ظهور كلمة «الناس»، كذلك لم يجعل الله تعالى الكعبة مبنيّةً للمسلمين فقط.


تعني كلمة «ثاب» رجع[71]، و«مثاب» و «مثابة» بمعنى المرجع، وتاء المثابة تاء المبالغة، بمعنى أنّ البيت هو مرجع مكرّر للناس، ويطلق المرجع على المكان الذي يأتي منه الإنسان ويعود إليه مجدّداً، وعلى هذا الأساس فالكعبة هي الوطن الأصلي للناس، فعندما يزور الإنسان الكعبة يبدو وكأنه عاد إلى أهله، وبناءاً عليه فالكعبة مظهر الفطرة، والحالة الأصليّة للناس تتمثّل في رجوعهم إلى الكعبة، وكلّ من ينصرف عن الكعبة يكون قد انحرف عن حالته الأصليّة.


وحيث كان كلّ مسلم على ارتباط مستمرّ بالكعبة ـ تماماً كما تقتضيه أفضل حالة الأدب الإسلامي في الجلوس، وهي حالة التوجّه إلى الكعبة «خير المجالس
ما استُقبل به القبلة»[72]، وهكذا كان رسول الله(صلي الله عليه و آله) في جلوسه[73]ـ كان بالإمكان
استظهار معنى آخر للمثاب وهو أنّ الكعبة مرجع الناس في تمام اللحظات، في الليل والنهار.


9 ـ مركز الاتّحاد


توفّر وحدة المرجع الأرضيةَ لاتّحاد الراجعين؛ فالإحساس بوحدة المقصد والمأوى وسيلة مناسبة لتضارب آراء الراجعين، وعلاقاتهم الفكرية، وهذا بنفسه مقدّمة مناسبة لإدراك ضرورة العودة المتّحدة، كي تتهيّأ عناصر عالميّة الإسلام وأصول المجتمع المهدوي، ورغم أنّه من وجهة نظر الملكوت أيّ جهة يتّجه إليها أحد فهو يتّجه إلى الله تعالى، (فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ)[74]، إلاّ أنّه على مستوى الملك ونطاق الطبيعة لا مفرّ من التوجّه إلى نقطة مركزية ومتكئ محوري.


لقد خلق الله سبحانه الكعبة للوحدة العالميّة حتّى يتمكّن الجميع من عيش حياة سلميّة هانئة مع الاهتمام بالاُصول القيّمة للتوحيد، ومركز إجراء هذه الفكرة ليس سوى الكعبة التي جعلها الله سبحانه تجمّعاً لأطراف العالم الإسلامي عبر اعتبارها قبلةً ومطافاً للعالمين، حتّى يتّحد مسلمو العالم بامتلاكهم المحور الذي يعطي الوحدة ويتعرّفون بذلك على بعضهم.


وبناءاً عليه، فالكعبة مركز عام ومحور رئيس لتبادل وجهات النظر من الأطراف كافّة حتّى يلتقي المسلمون من القريب والبعيد إلى جانب بعضهم، يطرحوا هناك القضايا العلميّة والعمليّة والمشكلات السياسيّة والاجتماعية كي يقوموا بحلّها ويُحكموا بذلك العلاقة فيما بينهم.


لقد بُنيت الكعبة على يد قويّة لنبيٍّ عظيم حتّى تكون مركزاً لنشر التوحيد، وعندما احتاجت في عصر خاتم الأنبياء(صلي الله عليه و آله) إلى التجديد، وبعد انهيار قسم من جدار الكعبة وحصول خلاف بين القبائل العربية في نصب الحجر الأسود في من هي القبيلة التي ستنال شرف نصب هذا الحجر... اتّفق الجميع على اختيار محمّد الأمين(صلي الله عليه و آله) بوصفه العاقل المحايد والناظر غير المتحيّز ولا المغرض.. حتّى يقبلوا بأيّ قرار يتّخذه(صلي الله عليه و آله).. هناك طلب منهم الرسول(صلي الله عليه و آله) أن يفترشوا رداءاً ليضعوا الحجر الأسود فيه، فتأخذ كلّ قبيلة طرفاً من الرداء، وبهذا عاد الحجر الأسود إلى مكانه الخاصّ، وجعله الرسول(صلي الله عليه و آله) بيده المباركة في محلّه الموجود اليوم.[75]


لقد ارتفعت أرضية الخلافات الجاهلية القوميّة والعرقيّة إلى حدّ ما على هدي إرشادات خاتم الأنبياء(صلي الله عليه و آله)، وقد دعا الرسول الأكرم(صلي الله عليه و آله) بهذا الابتكار التاريخي.. دعا الشعب إلى الاتّحاد، مقدِّماً الكعبة منادياً لذلك ومركزاً للوحدة.


إنّ هذا الوصف الممتاز يتلألأ إلى جانب سائر الأوصاف البارزة للكعبة، وهو أنّها تكوّن مدرسة التوحيد والاتّحاد والوحدة، فالبيت الذي تقدّسه اُمّة من الناس ويشارك الجميع في بنائه وعمارته، وأهمّ جزء منه قد نصب في موضعه الخاصّ مع حفظ تمام الحقوق، وكان للإنسان الكامل الأطهر دورٌ في نصب هذا الجزء المقدّس، ذلك الإنسان الذي تعدّ الوحدة الشعبيّة من أهمّ رسائله الهامّة.. إنّ هذا البيت له دور فاعل في أن يكون مركزاً للوحدة.


ƒ ملاحظة


لقد خصّصنا البحث الأوّل من هذا الفصل للحديث عن المكانة المحورية للكعبة في توحيد الاُمّة الإسلاميّة.


10 ـ أقدم المعابد العامّة


كلّ الأرض مسجد، قال رسول الله(صلي الله عليه و آله): «جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»[76]، وقد عبد الإنسان منذ القدم السحيق الله سبحانه في زوايا الأرض وأطرافها، إلاّ أنّ أوّل مكان مخصّص للعبادة الجماعيّة كان الكعبة، قال تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ).[77]


إنّ الكعبة ـ ومع هذا الماضي المقدّس والتاريخ المبارك ـ متقدّمة في الشرف على بيت المقدس، فصارت قبلةً للعالمين، وقد استند إلى هذا التاريخ السحيق عندما نزل الوحي الإلهي حول تغيير القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المعظّمة واعترض اليهود على الإسلام بقداسة البيت المقدّس وقدمه، حيث ذكر أنّ الكعبة المطهّرة كانت أوّل بيت وأقدم بيت وضع للناس.


لعلّه من هذا المنطلق أطلق على الكعبة عنوان «البيت العتيق»، ذلك أنّ العتيق يُطلق على القديم والنفيس، والشيء الذي لا قِدَم له، أو هو قديم لكنّه ليس بنفيس لا يسمّى عتيقاً.


نعم، كما كان مدار الكرامة في النظام الإنساني الإلهي هو التقوى لا غير، كذلك محور قداسة الظواهر المادّية والنظام الخارج عن الإنسان كالأزمنة والأمكنة وأمثالها هو تجلّي الأمر الإلهي، كنزول الوحي فيه أو بسط الوحي عنده، وهذا الأمر الإلهي هو الموجب الوحيد لقداسة الكعبة، والتي غدت بيتاً عتيقاً نظراً إلى انضمام قدمها التاريخي إلى ذلك.


وتوضيح هذا الأمر أنّ حرمة الحرم ومكّة إنّما هي بالكعبة، وحرمة الكعبة بالوحي الإلهي والإنسان الكامل والمعصوم الذي يغدو الخليفة التامّة لله سبحانه على أثر الاتّصال به وتلقّيه الوحي، أعمّ من الوحي التشريعي والوحي التسديدي الغيبي، كما أنّ الكلام والكتاب الإلهي ـ أي القرآن الكريم الحكيم ـ يأخذ حرمته من حرمة المتكلِّم والكاتب، أي الله سبحانه، تماماً كما هي حرمة الخليفة ـ أي الإنسان الكامل ـ تكون بالمستخلف عنه، أي الله الحكيم، إنّ حرمة الله تعالى بالذات، وعلى أساس الأصل القاضي بأنّ كلّ ما بالعرض لابدّ أن يرجع إلى ما بالذات، تكون الحرمة الإلهيّة هي المرجع الحصري لكافة الحرمات المذكورة.


وبناءاً عليه، فكافة الاُمور المذكورة من نزول الوحي إلى هبوط الكتاب السماوي ووجود الإنسان الكامل الذي يكون قلبه المطهّر مهبطاً للوحي[78]، لها دور فاعل في قداسة الكعبة، تماماً كما أنّ لبنّاء البيت العتيق وكيفيّة تطهيره من لوث الوثنيّة والمعصية دوراً أيضاً في قداسة الكعبة.


وللبيت العتيق معنى آخر سبق التعرّض له وبيانه.


11 ـ أفضل المعابد


كما لا يوجد عند الله أحبّ من الإسلام المتمثّل بالكعبة، كذلك ليس هناك من بقعة أحبّ إليه تعالى من الكعبة، من هنا يقول الإمام الصادق(عليه السلام): «إنّ الله اختار من كلّ شيء شيئاً واختار من الأرض موضع الكعبة».[79]


لقد انتشر في صدر الإسلام تفكير إسرائيلي مصحوب بترسّبات جاهليّة على يد أفراد مثل كعب الأحبار، كمرض ووباء معدٍ، وقد وقفت العترة الطاهرة ـ وهي عدل القرآن ـ وبكلّ قوّة وصلابة في وجه هذا المرض وإبطاله، وهذا أُنموذج لذلك:


يقول زرارة: «كنت قاعداً إلى جنب أبي جعفر(عليه السلام) وهو محتب مستقبل الكعبة، فقال: أما أنّ النظر إليها عبادة، فجاءه رجل من بجيلة يُقال له: عاصم بن عمر، فقال لأبي جعفر(عليه السلام): إنّ كعب الأحبار كان يقول: إنّ الكعبة تسجد لبيت المقدس في كلّ غداة، فقال أبو جعفر(عليه السلام): فما تقول فيما قال كعب الأحبار؟ فقال: صدق القول ما قال كعب، فقال أبو جعفر(عليه السلام): كذبت وكذب كعب الأحبار معك، وغضب، وقال زرارة: ما رأيته استقبل أحداً يقول: كذبت، غيره. قال: ما خلق الله عزّ وجلّ بقعةً في الأرض أحبّ إليه منها، ثمّ أومئ بيده نحو الكعبة، ولا أكرم على الله عزّ وجلّ منها...».[80]


لم يُسند الله تعالى البيت المقدّس ـ رغم كلّ قداسته ـ إلى نفسه، وإنّما أطلق هذا التعبير بحقّ الكعبة حين قال: {بَيْتِي}[81]، نعم أسندت الكعبة ـ من جهة ـ للناس حيث قال تعالى: (...وُضِعَ لِلنَّاسِ)[82]، إلاّ أنّ هذا الإسناد المرفق بحرف اللاّم يدلّ على أنّ الكعبة جعلت ـ من حيث التشريع ـ معبداً وقبلةً ومطافاً للناس.


12 ـ منشأ البركة


الكعبة منشأ البركات الكثيرة ووسيلة هداية العالمين، قال تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ)[83]، فالله سبحانه ثابت دائم بنفسه، وخيراته شاملة للعالم كثيرة حول الكعبة وثابتة، من هنا جاء وصف «مباركة» الذي يُطلق على الشيء الثابت الدائم.


ومن علامات «المبارك» في الكعبة استمرار العبادة في أطرافها، حتّى لا ينقطع الطواف ولا للحظة واحدة من حولها باستثناء حالة صلاة الجماعة، كما أنّ الثواب على العبادات عندها مضاعف، وكذلك غفران الذنوب إلى جانبها[84]، والظاهر أنّه لا يوجد دليل على تقييد هذه البركة.


13 ـ الكعبة وسيلة الهداية


الكعبة وسيلة هداية العالمين، قال سبحانه: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ)، فكلّ العباد والسالكين يتوجّهون إلى الكعبة، ومن هناك انطلقت دعوة الحقّ على يد الكثير من الأنبياء(عليهم السلام) حتّى بلغت مسامع العالمين، من هنا قال سبحانه عنها: (وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ) تماماً كما دعا خاتم الأنبياء(صلي الله عليه و آله) الناس إلى التوحيد من هناك، وكذا خاتم الأوصياء7 سيكون منطلقه وظهوره من تلك النقطة أيضاً نحو العالمين، وهناك الآيات الإلهيّة الواضحة، قال سبحانه: (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ)[85]ووسائل اُخرى كثيرة لهداية الناس إلى الحقّ.


ومن مصاديق الهداية الإلهيّة في تلك الأرض معرفة الله تعالى بدلالة الآيات البيّنة في الكعبة وأطرافها، وكذلك دلالة الكعبة على الجهة التي لابدّ من الصلاة نحوها، وهي الطريق إلى الجنّة الذي يتمّ العثور عليه عبر إقامة الحجّ والطواف حولها([86])، لكن وكما أُشير آنفاً.. لا دليل على تقييد البركة والهداية المذكورين، كما لا تفصيل بينهما وتمييز.


14 ـ حماية الكعبة


اُسّست الكعبة حتّى يتّجه إليها العابدون، وحيث كانت العبادة لازمةً للإنسان وضروريّة، ولا تقبل هذه السنّةُ القديمة الإلهيّة الزوالَ، كذلك الحجّ ـ كالصلاة ـ من الاُصول الرئيسة للإسلام، وأحد أبرز الوجوه العبادية للشرع عموماً ودوماً حماية الكعبة وحفظها من الهجوم والسهام الحاقدة، ولهذا كان ذلك جزءاً من البرامج الإلهيّة الحتميّة، وعلى هذا الأساس هلك أصحاب الفيل بمعجزة غيبيّة لمّا أرادوا هدم الكعبة وإعدامها.[87]


والذي يُستفاد من الآية الشريفة: (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)[88]أنّ التصميم على القيام بالظلم في الحجّ وزيارة الكعبة، وإن لم يكن يبلغ حدّ العمل، إلاّ أنّه يوجب الانتقام الإلهي أيضاً، وكلّ شخص يريد الظلم بإلحاد، أو يسدّ هذا السبيل الإلهي، ويصرف الناس عن زيارة الكعبة والعبادة.. فإنّه سوف يكون مشمولاً لهذا التهديد المرعب المخيف، والله سبحانه سوف يذيقهم عذاباً أليماً، وإذا ما وقعت الكعبة في بعض فترات التاريخ موقع الظلم وإرادة إلحاق الضرر بها ولم يلحق المهاجمين المعتدين العذاب فوراً، فإنّ ذلك كان لسبب سوف يأتي ذكره عند الحديث عن العلاقة بين الكعبة والإمامة وأهمّية مقام الإمامة الرفيع.


أمّا عن حماية الكعبة ومصونيّتها فقد تقدّم الحديث عن ذلك مفصّلاً نسبيّاً في الفصل الثالث من القسم الأوّل، لا سيما في الفرع الثالث عند الحديث عن «علاقة الحجّ وشؤونه بالولاية».[89]


15 ـ الولاية روح الكعبة


تحاذي الكعبة البيت المعمور، وهو في مقابل العرش الإلهي، وقد بني البيت المعمور حتّى يحصل الملائكة الذين لم يعرفوا لمقام الإنسانية الخلافة ويجعلون التسبيح والتقديس الصادر منهم سنداً مناسباً لصيرورتهم خلفاء لله، وتعرّفوا بالتنبيه الإلهي على أوج مقام الإنسان الكامل، وأعلنوا الندم على ما اقترفوه، كاتبين استقالتهم، معلنين ندمهم عبر الاستفهام التعجّبي والاستخبار والاستعلام والاستسفار... حتّى يطوف هؤلاء به، فيرمّمون بذلك نقص عملهم[90].. كما كان البيت المعمور قد صنع لذلك، كذا الكعبة صنعت للطواف حولها حتّى يرمّم الجميع قصورهم ويجبروا تقصيرهم لاسيّما الغفلة عن مقام الإنسانية، والسهو والنسيان أو العصيان في محضر خليفة الله.


من هنا، فأفضل تنبّه للطائفين الغافلين والحجّاج الذاهلين هو تدارك الجهل وجبران غفلتهم بأنفسهم وعدم معرفتهم للمقام الشامخ للإنسان الكامل وخليفة العصر بقيّة الله7، حتّى يغدو كالملائكة مقبول الطواف ومشكورَ السعي.


بناءاً عليه، رغم أنّ النظر إلى الكعبة محمود وممدوح، والناظر إليها مُثاب ومأجور[91]، إلاّ أنّه كما هي كلمة التوحيد مشروطة بالولاية، حصن الأمن ودرع النجاة[92]، كذلك النظر العرفاني ـ المنسجم مع الولاية ـ إلى الكعبة هو أيضاً أساس غفران الذنب، وأصل نيل الجاه، والتحرّر من حفرة الطبيعة وغمّ الدنيا والآخرة، تماماً كما يقول الإمام الصادق(عليه السلام): «من نظر إلى الكعبة بمعرفة، فعرف من حقّنا وحُرمتنا مثل الذي عرف من حقّها وحرمتها، غفر الله ذنوبه وكفاه همّ الدُّنيا والآخرة»([93]). وشاهد ذلك عدم قبول عبادات منكري الولاية.


من هذا المنطلق يتّضح معنى الحديث الوارد في محبوبيّة أرض مكّة وكلّ ما كان في فضائها وعليها، أعمّ من التراب، والحجارة، والأشجار، والجبال والماء[94]، أي أنّ منطقة الحرم التي يعدّ إدراك حقّها ومعرفة حرمتها معرفةً مندمجةً بعرفان حقّ الولاية وامتثال آثار الولاء أحبّ الاُمور، ولا شيء مثله في المحبوبيّة، ذلك أنّ القرآن عدل الثقل الأصغر (الولاية) وهو محبوب العارفين بالثقلين ومعروفهم، وأرض الوحي أساس انبعاث هذا الإقدام الممزوج بالامتثال، وهذه المعرفة المتناغمة مع العمل، من هنا كانت أكثر الأراضي محبوبيّةً.


فإذا كانت الكعبة مدينةً بتمام ألوان الشرف، وقد قدّرت وظائف لذلك، فروح هذه المراسم والمناسك هي الولاية والإمامة ومعرفة الإمام والخضوع له والتسليم أمامه، على هذا الأساس تطرح فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، ويتوهّم فريق أنّه أفضل منه، فيبيّن الله تعالى أفضليّته بوصفه أبرز مصاديق أهل الإيمان والجهاد، قال سبحانه: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).[95]


إنّ حرمة الكعبة ـ التي يوجب هتكها والإساءة إليها العذاب الإلهي الأليم ـ منطلقة من حرمة الولاية التي هي باطن المقامات النبويّة الشامخة ومقامات الرسالة والإمامة، فمن لم يعرف إمامه، وكانت حياته كموته جاهليّين[96]إذا احتمى بالكعبة فلا يأمن بالأمن الإلهي، بل يُعطى عدوّه مهلةً حتّى يلقي القبض عليه، حتّى لو كان ذلك في إطار تخريب الكعبة، ذلك أنّه: «لم يناد بشيء كما نُودي بالولاية».[97]


وقد تقدّم مزيد من التوضيح حول العلاقة بين شؤون الحجّ المختلفة وعين الولاية في الفصل الخامس من القسم الأوّل.


16 ـ علامة القبلة


تكمن أهمّية القبلة ومكانتها في أنّها علامة على كيان الدِّين والاُمّة، تماماً كما يسمّى المسلمون «أهل القبلة» ويُعرفون أيضاً بأهل القرآن؛ ولهذا اعتبر الله سبحانه القبلة امتحاناً كبيراً، حيث قال: (وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً).[98]


لقد كان بيت المقدس قبلة المسلمين قبل الهجرة ومقداراً بعدها، رغم أنّ رسول الله9 كان يسعى ـ حدّ الإمكان ـ أثناء الصلاة أن يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس حتّى يتمكّن في آن واحد من الصلاة إلى الكعبة وإلى بيت المقدس.[99]


نعم، هذا العمل لم يكن ممكناً في المدينة المنوّرة، من هنا تغيّرت القبلة بعد سنة وبضعة أشهر من الهجرة إلى المدينة بأمر من الله لتتحوّل من بيت المقدس إلى الكعبة، وهنا قال أعداء الإسلام اللجوجون والمعاندون: إذا لم يكن التوجّه إلى بيت المقدس حقّاً فلماذا كانت الصلاة إليه لأكثر من أربعة عشر عاماً ـ طبقاً لكون الصلاة قد فرضت في أوّل البعثة ـ وإذا لم يكن استقباله حقّاً فلماذا تحوّل محمّد عنه؟!


وبالأخذ بعين الاعتبار في القبلة عنصر الجهة لا المكان، على خلاف الطواف حيث العبرة فيه بالمطاف والمكان لا الجهة، أجاب الله سبحانه اعتراضهم هذا بالقول: (وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ)[100]، بمعنى أنّ جميع الجهات لله تعالى، إذ كلّ شيء مِلكه ومُلكه[101]، وزمام الأشياء بيده وإليه.[102]وانطلاقاً من كرويّة الأرض وحركتها الوضعيّة نرى:


أوّلاً:أنّ تمام نقاط الأرض تعدّ مشرقاً ومغرباً بملاحظة طلوع الشمس وغروبها.


ثانياً:إذا لم يكن هناك مشرق ومغرب فلا شمال ولا جنوب أيضاً، وعليه فتمام الجهات متساوية في ملك الحقّ سبحانه، ولا مزيّة لإحداها على الاُخرى، فبيت المقدس ليس بأشرف من الكعبة حتّى يكون العدول عنه مستحيلاً عقلاً وممنوعاً؛ فلا رجحان ذاتيّ لأيّ من هذه الجهات، فكلّها لله، وهو المبدأ الفاعلي لجعل هذه أو تلك قبلةً.


وبناءاً عليه، فكلّ جهة يتّجه إليها الإنسان هي وجه الله، قال سبحانه: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ‌)[103]، فلاخصوصيّة للكعبة من هذه الناحية، أي أنّ الأمر ليس بحيث لو لم يستقبل الإنسان الكعبة فلا يكون مستقبلاً لله سبحانه، حتّى لو كان رسول الله(صلي الله عليه و آله) يجلس نحو القبلة.[104]


إنّ وجوب الاتّجاه نحو الكعبة في بعض الاُمور، مثل: الصلاة والذبح، وحرمة ذلك أو حرمة استدبار الكعبة في موارد اُخرى إنّما هو منحصر في نطاق الأحكام الفقهيّة، وإلاّ فلا جهة من الجهات يمكنها أن تحدّد الله تعالى.


ويؤيّد هذا الأمر أنّه إذا لم يكن القيام واجباً في أصل الصلاة أمكن للمصلّي في داخل الكعبة أن ينام على ظهره ويصلّي متّجهاً نحو السماء، ذلك أنّ داخل الكعبة ومن تمام جهاتها الأعمّ من الأضلاع والزوايا يعدّ قبلةً ومصداقاً بارزاً لقوله تعالى: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ‌‌).


وعلى أيّ حال، لم تجعل الكعبة أوّل قبلة للمسلمين حتّى زال التعصّب الجاهلي وعلم المتّبع من المنقلب، قال سبحانه: )لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ)[105]، ذلك أنه لو جعلت الكعبة قبلةً منذ انطلاقة البعثة فسوف تحيا ترسّبات الجاهلية العربية والتعصّبات القوميّة، وبعد أن تأمّن الهدف المذكور ولمواجهة تعصّب يهود المدينة وأطرافها وطعنهم حيث قالوا: لم يكن المسلمون مستقلّين في القبلة بل تابعين لقبلتنا، من هنا حوّل الله القبلة مرّةً اُخرى إلى الكعبة.


لقد أدّى توهّم التبعيّة لليهود في أمر القبلة إلى ظهور إحساس الحقارة والذلّة في نفوس المسلمين، حتّى أنّ الرسول كان ينتظر الوحي لحلّ هذا المعضل، قال تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء)[106]رغم أنّ الله تعالى عدّ رسوله الأكرم(صلي الله عليه و آله) أكمل مصداق للهداية حيث قال: ( إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)[107]، مصرّحاً في أمر القبلة بقوله: (وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ)[108]، لكن مع ذلك
كان انتظار النبيّ(صلي الله عليه و آله) من ناحية الطعن والتحقير الذي مارسه معوجّو الفكر وسيّئو اللِّسان ضدّ الإسلام والمسلمين، لا أنّه انطلق من أساس شخصي أو عرقي أو قبلي، لذا قال تعالى: (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا)[109]، على أساس أنّ الإنسان الكامل الذي وصل إلى مقام الرضا ورضي الله عنه كما رضي هو عنه (رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ )[110]، ليس عنده رضا نفسي أو قومي بل «رضى الله رضانا أهل البيت»[111]، فمثل هذا الإنسان يطلب ما يرضاه الله وبإذنه، ولهذا قبل القبلة حيث كانت مرضيّةً عند الله، والله تعالى رضي بالقبلة حيث تكون مصونةً من الطعن.


القبلة هي البُعد الذي لا يتغيّر للكعبة


الكعبة هي ما يتّجه إليه المسلمون في حياتهم ومماتهم ويرتبطون به ارتباطاً دينيّاً مباشراً، لهذا عُلّمنا أن نقول: «الكعبة قبلتي»[112]، إنّ الارتباط المباشر بين المسلمين والكعبة في حياتهم ومماتهم يظهر في بعض الحالات بالاتّجاه نحو القبلة واجباً، مثل حال الصلاة والذبح، واُخرى مستحبّاً، وفي بعض الحالات يكون استقبال الكعبة أو استدبارها حراماً أو مكروهاً، وفي هذا المجال ثمّة نقاط تستحقّ الانتباه وهي:


1 ـ إنّ الاستقبال غير القبلة، تماماً كما أنّ المراد من استقبال القبلة أو استدبارها هو الاستقبال بمقاديم البدن لا خصوص الوجه.


2 ـ لاستقبال الكعبة بالنسبة لسكّان المناطق البعيدة امتداد واسع وملاكه الصدق العرفي لا الصدق الرياضي، ففي نظر العرف يعدّ استقبال المسجد الحرام من خارج الحرم استقبالاً حقيقيّاً للقبلة لا مجازيّاً، حتّى لو لم يكن كذلك من ناحية الحسابات الهندسيّة.


3 ـ لقد أشار بعض العلماء الكبار إلى أمر ظريف هنا يكمن في أنّ الكعبة ليست قبلةً في نفسها، وعليه فإذا جرف الكعبة سيلٌ أو ما شابه فخرّبها فلا يعني ذلك زوال القبلة وانعدامها، بل إنّ فضاءها وبُعدها الخاصّين لا يقبلان التغيير والتبديل، حيث يمتدّان من أعماق الأرض وتخومها إلى أوج السماء وعنانها.[113]


فالكعبة وضعت في مكان القبلة، من هنا فمن هو في أعماق الأرض أو في مرتفعات الجبال يمكنه أن يتّجه إلى الكعبة ويصدق عليه استقبال القبلة.


قبلة الأنبياء(عليهم السلام)


لقد كان الأنبياء وأتباعهم أهل الصلاة والسجود، قال تعالى: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا)[114]، وقال سبحانه: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا*فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا).[115]


وحيث كان للصلاة والسجود جهة وقبلة، وجب إمّا القبول بجهة خاصّة بوصفها قبلةً أو أن نقول ـ طبقاً لقوله تعالى: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ)[116]: إنّ تمام الجهات متساوية في الشريعة ولا ترجيح لأحدها في الاستقبال على الاُخرى، وهو فرض بعيد؛ حيث يستفاد من ظاهر الآية الشريفة: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ )[117]، بمعونة الأحاديث المأثورة أنّ الكعبة كانت محلّ تكريم واحترام من جانب الأنبياء جميعهم، ورغم أنّ ظاهر الآية ليس ناظراً إلى ناحية بُعد القبلة في الكعبة، لكن على فرض انعقاد ظهور إطلاقي فيها لانحصار القبلة في الكعبة يمكن تقييد الإطلاق المذكور بدليل معتبر آخر إذا كان موجوداً.


وعلى أيّة حال، فحرمة الكعبة محرزة منذ قديم الأيّام إلى حدّ أنّها كانت محلّ تقدير وتكريم منذ آدم حتّى الخاتم(صلي الله عليه و آله) تماماً، كما هو بُعد المطاف فيها مستمرّاً، نعم لبُعد القبلة في الكعبة أحكام فقهيّة مختلفة يمكن تصوّرها عبر الأعصار والقرون، تماماً كما نشاهد هذا التنوّع في صدر الإسلام إلى أن جاء الحكم الدائم للقبلة.


ƒ ملاحظة


كان بيت المقدس الذي بناه داود وسليمان[118]، منذ بنائه قبلةً لبني إسرائيل، وما يزال حتّى الآن كذلك، كما أنّ المسلمين قبل تحويل القبلة كانوا يصلّون إليه، ورسول الله(صلي الله عليه و آله) كان في مكّة يصلّي إليه وإلى الكعبة معاً قدر الإمكان، بحيث يتّجه إليهما في آن واحد.[119]


الكعبة أشرف من بيت المقدس


1ـ يشكّل المسجد الحرام والمسجد الأقصى مبدأ المسير الأرضي للمعراج النبوي ومنتهاه، قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)[120]، فطبقاً لهذه الآية الشريفة أطراف المسجد الأقصى مليئة بالبركة، كما أنّ مكّة المكرّمة هي الاُخرى، وعلى إثر دعاء النبيّ إبراهيم(عليه السلام) مليئةٌ أيضاً بالنِّعم الإلهيّة، (يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ)[121]، رغم أنّها أرض ليس فيها سبيل للإنتاج الزراعي، فصارت نقطة تساقط الثمرات والمحاصيل المختلفة من سائر أنحاء العالم في تمام الفصول، وهي أرض غير ذي زرع، وهذا كلّه من الآيات الإلهيّة الواضحة.[122]


2 ـ قيل: يكفي شرفاً للكعبة أنّ الآمر ببنائها هو الله تعالى، ومهندسها جبرئيل وبنّاءها الخليل ومساعده إسماعيل8[123]، ومثل هذا الشرف غير ثابت في حقّ بيت المقدس.


3 ـ بُنيت الكعبة على يد إبراهيم الخليل، وهو من أنبياء اُولي العزم(عليهم السلام)، أمّا بيت المقدس فبناه سليمان(عليه السلام) وهو من حفظة شريعة أنبياء أُولي العزم وليس واحداً منهم.


4 ـ لم يثبت في بيت المقدس أيّ وعد إلهي بحفظه من تهديد الأعداء، أمّا الكعبة فقد جاء فيها هذا الوعد، قال تعالى: (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)[124]، كما تمّ إنجاز هذا الوعد أيضاً، قال سبحانه: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ...)[125]، أمّا بختنصّر فقد خرّب بيت المقدس وهدّمه دون أن يواجه عقبةً أو تهديداً.


الخصوصيّات الفقهيّة للكعبة


1 ـ بيّن الله تعالي وجوب الحجّ وزيارة الكعبة بقوله سبحانه: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا )[126]، ولم يرد مثل هذا التعبير في حقّ أيّ عبادة اُخرى، وقد سبق أن شرحنا هذه النقطة من قبل.


2 ـ لقد عُدّ زوّار الكعبة من شعائر الله سبحانه، فهتك حرمتهم يقف في صفّ هتك سائر الحرمات الدينيّة، قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ).[127]


3 ـ إذا نجّس شخص الكعبة ـ والعياذ بالله ـ عامداً متعمِّداً معانداً، كان حكمه الإعدام، أمّا مَن ينجّس المسجد الحرام عمداً فيُحكم عليه بالضرب الشديد.


4 ـ كما أنّ الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه[128]، كذا الحال في الإسلام الممثَّل، أي الكعبة، لا ينبغي أن يكون هناك بناء أعلى منها، إنّ الخضوع في ساحة الكعبة المقدّسة يستدعي ليس فقط عدم وجود شخص أعلى منها، كما هو كذلك، بل وأيضاً من ناحية الصورة لا يفترض أن يكون أرفع منها لتكون تحته، كما يقول الإمام الباقر(عليه السلام): «لا ينبغي لأحد أن يرفع بناءاً فوق الكعبة»[129]، وعليه فبناء بيت يستر بناء الكعبة مكروه.


5 ـ يُستفاد من الآية الكريمة: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ)[130]، وكذلك من الإعلان العمومي للنبيّ إبراهيم(عليه السلام): (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ )[131]، أنّ الكعبة بُنيت للناس، وهذا معناه أنّ حريمها يسع الناس كلّهم، ومن الممكن أن يمتدّ لكيلومترات عديدة، من هنا، وكما أوضحنا من قبل، يمكن تخريب البيوت الواقعة في أطراف الكعبة حتّى لو لم يرضَ أصحابها بذلك.


6 ـ لا تخضع إدارة الكعبة للتقسيمات الجغرافية ولا تُحكم للقوانين الدولية الاعتبارية أو المناطقيّة أو الإقليميّة؛ ذلك أنّ الكعبة ليست ملكاً لشخص، بل كلّ الورعين والمتّقين هم أولياؤها، لا خصوص الشعب الحجازي، قال تعالى: (إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ).[132]


7 ـ إنّ قبلة المسلمين ومطافهم تعبّر عن بُعد خاصّ يمتدّ في العمق والأسفل حتّى الأرض السابعة ويرتفع في الأعلى حتّى السماء السابعة[133]، وتقع الكعبة في هذا البُعد، وإلاّ فإذا لم يكن الأمر كذلك لزم زوال القبلة والمطاف عندما قصف الحجّاج بناء الكعبة بالمنجنيق أو عندما يأتيها سيل فيخرّبها.


من هنا، لا يجوز لغير الطاهرين العبور من فوق الكعبة بالطائرة، ومنطلق هذا التحريم كون هذا الفضاء قبلةً، لا أنّ القبلة هي المسجد، فإنه وإن لم يجز عبور غير الطاهرين في المسجد الحرام إلاّ أنّ المسجدية محدودة، أمّا بُعد القبلة في الكعبة فهو أوسع من ذلك، ومن نطاق المسجد الحرام، وعليه يمكن التمييز في الفضاء بين المسجد الحرام والكعبة.


ƒ ملاحظة


لقد جرى توفير حفظ البُعد الخاص الذي تقع الكعبة فيه؛ أمّا سائر الأماكن الاُخرى والأبنية فهي وإن كانت لها أبعاد فضائية، إلاّ أنّه في حال عرض عليها الخراب فلا تحفظ أبعادها الاُخرى ولم تحفظ.


عبقٌ من تاريخ الكعبة


الكعبة أوّل معبد شعبي وعالمي لتمام البشر، قال تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ)[134]، وقد جرى تعيين محلّه وخارطته بإرشاد وأمر من الله سبحانه، قال تعالى: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ...).[135]


وبناءاً عليه، كانت الكعبة أوّل معبد (لا أوّل بيت) بُني على وجه الأرض، كما أنّه على أساس الرواية التي تبيّن دحو الأرض، فإنّ مكان الكعبة هو أوّل مكان خرج من تحت الماء.[136]


لقد كان للكعبة تاريخ وحضور في عهد الأنبياء السابقين، وشاهد هذا الكلام أنّ النبيّ إبراهيم(عليه السلام) نادي الله سبحانه عندما أسكن هاجر وإسماعيل8 في أرض مكّة بقوله: (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ)[137]، وعندما ودّعهم، وقالت له هاجر: لمن تتركنا؟ قال: «إلى ربّ هذه البنيّة».[138]


ويستوحى من جملة: (عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) أنّ الكعبة كانت مشهورةً قبل عهد إبراهيم(عليه السلام) بأنّها البيت الحرام، وأنّ موضعها كان محدّداً.


ويحتمل أن يكون بناء الكعبة قد هدم أو أصابه الضرر عدّة مرّات نتيجة الأحداث الطبيعيّة والوقائع المختلفة، ثمّ أُعيد بناؤها من جديد، تماماً كما حصل مع بنّائها إبراهيم(عليه السلام) حينما أعاد بناءها بيده القويّة، لكن حيث تكفّل الله سبحانه بتدبير أُمور الكعبة ورعايتها، فقال: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ)[139]، فلم يذهب إطلاقاً مكان الكعبة وموقعيّتها وكذلك آياتها البيّنات مثل الحجر الأسود، ومقام إبراهيم، و... كما أنّها بقيت مصونة من سهام الأحداث المزعجة المؤلمة، وفي حديث عن الإمام الحسين(عليه السلام) ما يشير إلى حماية هذه الآيات البيّنات، يقول الإمام الباقر(عليه السلام) في هذا الحديث: «نعم، أذكر وأنا معه ]الحسين(عليه السلام)[ في المسجد الحرام، وقد دخل فيه السيل والناس يقومون على المقام يخرج الخارج يقول: قد ذهب به السيل، ويخرج منه الخارج فيقول: هو مكانه. قال: فقال لي: يا فلان ما صنع هؤلاء؟ فقلت: أصلحك الله يخافون أن يكون السيل قد ذهب بالمقام، فقال: نادِ: إنّ الله تعالى قد جعله علماً لم يكن ليذهب به، فاستقرّوا...».[140]


وعلى أيّة حال، فظهور الإعجاز الإلهي في خضمّ الأحداث الخطيرة هو ما يضمن صيانة الآيات للحرم، بل وضمنها.


لقد كان ارتفاع الكعبة في زمان بُناته: إبراهيم وإسماعيل8 9 إلى 12 ذراعاً، كما كان لها بابان، أمّا ارتفاعها في عهد قريش أو ابن الزبير فقد بلغ ثمانية عشر ذراعاً (9 أمتار)، وقد صارت ذات سقف بعد ذلك، وفي واقعة الحجّاج وابن الزبير بلغت سبعة وعشرين ذراعاً[141]، إلى أن بلغت ارتفاعها الحالي.


أمّا أُسسها المعنوية، فتصل ـ حسب البيان النوراني للإمام الصادق(عليهما السلام) ـ
إلى نهاية الطبقة الثامنة للأرض، فيما ارتفاعها الحقيقي يبلغ منتهى السماء
السابعة.[142]


ويُعلم من أنّه عند تطهير الكعبة من الأصنام ووضع الإمام أميرالمؤمنين عليّ(عليه السلام) قدميه على كتفي رسول الله(صلي الله عليه و آله) ثمّ إلقاء الأصنام من على ظهر الكعبة أرضاً.. أنّ ارتفاع الكعبة آنذاك ـ حسب الظاهر ـ كان تقريباً بحجم قامة رجلين متوسّطي القامة، نعم، ثمّة حساب آخر لما أشار إليه أمير المؤمنين(عليه السلام) من البُعد المعنوي لهذه الحادثة حيث قال: «فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لو أردت أن أمسك السماء لمسكتها».[143]


وواحدة من الأحداث المرّة التي عرضت على الكعبة، أي القبلة والمعبد ومطاف الأنبياء والأولياء الإلهيّين(عليهم السلام).. أنّها كانت لمدد عدّة بيتاً للأصنام، أي أنّ عَبَدَة الأصنام في الحجاز كانوا يضعون الأصنام فوق الكعبة، وفي بعض الأحيان يضعونها داخلها، ولهذا كانوا يفتخرون بخزانة الكعبة وإدارتها، وأحد الذين حملوا سمة خازن الكعبة كان أبوغبشان وهو ـ كما اُشير من قبل ـ قد باع وهو ثمل مفاتيح الكعبة وخزانتها بقدحين من الشراب والخمر.


 


 


 


[1]. الأعلى: 14.


[2]. الروم: 30.


[3]. آل عمران: 103.


[4]. البقرة: 2، 185؛ والأنعام: 19، 90؛ والزمر: 27، 41؛ والمدثر: 31؛ والفرقان: 1.


[5]. الأنبياء: 107؛ سبأ: 28؛ والنساء: 170؛ والأعراف: 158 و...


[6]. الحج: 28.


[7]. بحار الأنوار 6: 175، 228 ـ 229، 237 ـ 238.


[8]. وسائل الشيعة 9: 365.


[9]. المصدر السابق: 364.


[10]. المصدر السابق: 359.


[11]. وسائل الشيعة 9: 370.


[12]. المصدر السابق.


[13]. الحجر: 21.


[14]. نهج البلاغة، الخطبة 108، الفقرة: 1.


[15]. الشورى: 53.


[16]. وسائل الشيعة 9: 386 ـ 388، 402 ـ 407.


[17]. بحار الأنوار 96: 57، وراجع المصدر السابق، هامش صفحة 86.


[18]. المصدر السابق 36: 353، 357.


[19]. بحار الأنوار 26: 345.


[20]. عوالي اللئالي 1: 197.


[21]. المصدر السابق: 215.


[22]. الكافي 2: 606.


[23]. بحار الأنوار 55: 39.


[24]. وسائل الشيعة 3: 247.


[25]. بحار الأنوار 96: 57، وانظر المصدر السابق، هامش صفحة: 86.


[26]. فاطر: 10.


[27]. الانشراح: 4.


[28]. الحج: 26.


[29]. التوبة: 107 ـ 109.


[30]. بحار الأنوار 42: 75.


[31]. البقرة: 127.


[32]. الصافات: 84.


[33]. الصافات: 102.


[34]. النور: 36.


[35]. الحج: 26.


[36]. البقرة: 125.


[37]. الأنفال: 34.


[38]. التوبة: 28.


[39]. الحجر: 91.


[40]. الواقعة: 77 ـ 79.


[41]. النور: 26.


[42]. وسائل الشيعة 9: 406.


[43]. بحار الأنوار 5: 159.


[44]. التوبة: 108.


[45]. البقرة: 144.


[46]. الأنفال: 35، فمن سنن الجاهلية أنّ المشركين كانوا يرون أنفسهم ملزمين بالتصدّق باللّباس الذي كانوا يلبسونه حال الطواف، وكذلك على أساس الوهم الجاهلي كانوا يعتقدون بأنّ اللّباس الذي يرتكب الإنسان فيه معصيةً لا يمكن الطواف فيه، وبسبب هذين الاعتقادين كانوا يطوفون عُراةً، من هنا كان أمير المؤمنين7 ـ بأمر من رسول الله9 ـ مأموراً بإبلاغ الأمر الإلهي القاضي {فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} (التوبة: 28)، كما أنّه لا يسمح لأحد بالتعرّي.


ويقول عليّ7 في هذا المجال: «إنّ رسول الله9 أمرني عن الله أن لا يطوف بالبيت عريان، ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد هذا العام» وسائل الشيعة 9: 463.


[47]. المائدة: 97.


[48]. سبأ: 46.


[49]. الحديد: 25.


[50]. وسائل الشيعة 8: 14.


[51]. المصدر السابق 9: 348، رغم أنّه يمكن في الجسم الكروي اتّخاذ نقاط متعدّدة بمثابة المركز، إلاّ أنّه وطبقاً لبعض النصوص، وبلحاظ أغلب الذين يعيشون على وجه الكرة الأرضية، ومع الأخذ بعين الاعتبار الأراضي المعمورة، فإنّ الكعبة تقع في القسم المركزي من الأرض.


[52]. نهج البلاغة، الرسالة رقم: 47، الفقرة: 6.


[53]. وسائل الشيعة 8: 40 ـ 41.


[54]. المصدر السابق.


[55]. المائدة: 97.


[56]. بحار الأنوار 52: 191 ـ 192.


[57]. المائدة: 97.


[58]. النساء: 5.


[59]. الحج: 29.


[60]. الكافي 4: 189.


[61]. البقرة: 125.


[62]. إبراهيم: 37.


[63]. المائدة: 95.


[64]. الحج: 33.


[65]. سنائي غزنوي.


[66]. نهج البلاغة، الرسالة 31، الفقرة: 87.


[67]. الحج: 27.


[68]. الحجّ: 25.


[69]. البقرة: 125.


[70]. المصدر السابق.


[71]. الراغب الإصفهاني، المفردات: 80، مادّة: ثوب.


[72]. وسائل الشيعة 8: 475.


[73]. المصدر السابق؛ والكافي 2: 661.


[74]. البقرة: 115.


[75]. وسائل الشيعة 9: 329 ـ 330.


[76]. المصدر السابق 2: 969.


[77]. آل عمران: 96.


[78]. الشعراء: 193 ـ 194.


[79]. وسائل الشيعة 9: 348.


[80]. وسائل الشيعة 9: 363.


[81]. البقرة: 125؛ والحج: 26.


[82]. آل عمران: 96.


[83]. المصدر السابق.


[84]. الطبرسي، مجمع البيان 1 ـ 2: 798.


[85]. آل عمران: 97.


[86]. الطبرسي، مجمع البيان 1 ـ 2: 798.


[87]. الفيل: 1 ـ 5.


[88]. الحجّ: 25.


[89]. ثمّة روايات في هذا المضمار عن الأئمّة المعصومين: جاءت في بعض المجاميع الروائية تحت عنوان «باب مَن أراد الكعبة بسوء» فانظر: من لا يحضره الفقيه 2: 248، والوافي 12: 53.


[90]. جاء في الكافي 4: 187 ـ 188، باب بدء البيت والطواف، حديثان مختلفان قليلاً في السند وبعض العبارات في المتن إلاّ أنّ الذي يبدو أنّهما من أصل واحد، وقد جاء في الروايتين أنّ الإمام الصادق7 ينقل جواب والده الإمام الباقر7 عن سؤال وجّهه إليه شخص يريد أن يعرف علّة تشريع الطواف، وفي الرواية الاُولى صرّح بـ: «. فأمر الله ملكاً في الملائكة أن يجعل له بيتاً في السماء السادسة يسمّى الضراح بإزاء عرشه..»،`  a كما كان القسم الأخير من الرواية الثانية على الشكل التالي: «إنّ الله عزّ وجلّ لمّا أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم7، ردّوا عليه، فقالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} قال الله تبارك وتعالى: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (البقرة: 30)، فغضب عليهم، ثمّ سألوه التوبة، فأمرهم أن يطوفوا بالضراح، وهو البيت المعمور، ومكثوا يطوفون به سبع سنين] و [يستغفرون الله عزّ وجلّ ممّا قالوا. ثمّ تاب الله عليهم من بعد ذلك ورضي عنهم، فهذا كان أصل الطواف، ثمّ جعل الله البيت الحرام حذو الضراح توبةً لمن أذنب من بني آدم وطهوراً لهم».


لابدّ من الانتباه في ورود تعابير مثل ردّ الملائكة، غضبهم ثمّ ندمهم واستغفارهم، سخط الله وغضبه، حجبهم عن النور الإلهي، وهو ما جاء في بعض الروايات في ذيل الآيات 30 ـ 34 من سورة البقرة، فهذه التعابير:


أوّلاً: بحاجة إلى توجيه وتبيين على تقدير صحّة سندها تماماً كما هي الحال في بعض الآيات المتعلّقة بالتوحيد والنبوّة.


ثانياً: ليس عالم الملائكة منطقة للتشريع والأحكام الفقهيّة، وإلاّ كانت لديهم شريعة ورسالة وحدود وعقوبات وثواب و...


ثالثاً: إنّ احتفاف حوار الملائكة لله بكلمات مثل التسبيح والتقديس والعلم والحكمة دليل على اعتقادهم واعترافهم بنزاهة عمل الله تعالى وقداسته من كلّ عيب ونقص، وإذعان منهم بالعلم والحكمة الإلهية، وهذا الاعتقاد والإذعان قرينة كافية على استفهاميّة سؤالهم.


رابعاً: رغم أنّ ظاهر بعض الروايات كراهة الملائكة لجعل الخلافة لآدم إلاّ أنّ الملائكة المعهودين في القرآن معصومون جميعاً، فأدلّة عصمتهم تأبى عن التخصيص.


خامساً: إنّ ثناء الملائكة وتنزيههم لله تعالي ليس سنداً للتدارك، لأنّ سيرة المَلَك وسريرته هو التسبيح المنسجم مع الثناء والتقديس الإلهيّين.


سادساً: جاء في بعض الروايات أنّ الملائكة غضبوا لرضا الله تعالى وتأسّفوا على أهل الأرض (بحار الأنوار 11: 103)، فغضب الملائكة وتأسّفهم له صبغة عبادية.


[91]. وسائل الشيعة 9: 364.


[92]. بحار الأنوار 3: 7.


[93]. وسائل الشيعة 9: 364.


[94]. المصدر السابق: 349.


[95]. التوبة: 19، وانظر: بحار الأنوار 22: 288.


[96]. المناقب 1: 246.


[97]. الكافي 2: 18.


[98]. البقرة: 143.


[99]. بحار الأنوار 4: 105؛ و 81: 59، و92: 218.


[100]. البقرة: 115.


[101]. الملك: 1.


[102]. يس: 83.


[103]. البقرة: 115.


[104]. الكافي 2: 661.


[105]. البقرة: 143.


[106]. البقرة: 144.


[107]. الزخرف: 43.


[108]. البقرة: 143.


[109]. البقرة: 144.


[110]. المائدة: 119.


[111]. بحار الأنوار 44: 366.


[112]. المصدر السابق 6: 175، 228 ـ 229، 237 ـ 238.


[113]. وسائل الشيعة 3: 247.


[114]. مريم: 31.


[115]. مريم: 58 ـ 59.


[116]. البقرة: 115.


[117]. آل عمران: 96.


[118]. بحار الأنوار 14: 77.


[119]. المصدر السابق 4: 105، و 81: 59، و 92: 218.


[120]. الإسراء: 1.


[121]. القصص: 57.


[122]. آل عمران: 97.


[123]. الفخر الرازي، التفسير الكبير 8: 159.


[124]. الحج: 25.


[125]. الفيل: 1 ـ 5.


[126]. آل عمران: 97.


[127]. المائدة: 2.


[128]. وسائل الشيعة 17: 376، 460.


[129]. المصدر السابق 9: 343.


[130]. آل عمران: 96.


[131]. الحج: 27.


[132]. الأنفال: 34.


[133]. وسائل الشيعة 3: 248.


[134]. آل عمران: 96.


[135]. الحج: 26.


[136]. وسائل الشيعة 7: 331 ـ 332، و 9: 347 ـ 348.


[137]. إبراهيم: 37.


[138]. بحار الأنوار 12: 116.


[139]. قريش: 3.


[140]. الكافي 4: 223؛ نعم هذا النقل يحتاج إلى المزيد من البحث التأريخي من حيث سنّ الإمام الباقر7.


[141]. المصدر السابق: 203، 207.


[142]. وسائل الشيعة 3: 248.


[143]. بحار الأنوار 38: 76، وفي صفحة 78، جاء هذا النصّ في نقل آخر كالتالي: «والذي بعثك بالحقّ، لو هممتُ أن أمسّ السماء بيدي لمسستها».


| رمز الموضوع: 95411







المستعمل تعليقات