جعفر الطیّار

لستُ زاعماً أنّ الصحابة کلهم فی الفضل سواء، أوَ یکون هذا وقد فضّل الله الرسل ـ وهم أکرم الخلق وأقربهم إلیه تعالى ـ بعضهم على بعض فقال: (تِلْکَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ).[1] والتفضیل حالة توافق طبیعة الأشیاء؟ فإن کان هذا الزعم

لستُ زاعماً أنّ الصحابة كلهم في الفضل سواء، أوَ يكون هذا وقد فضّل الله الرسل ـ وهم أكرم الخلق وأقربهم إليه تعالى ـ بعضهم على بعض فقال:

(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ).[1]

والتفضيل حالة توافق طبيعة الأشياء؟ فإن كان هذا الزعم ليس من حقّي بل ليس من حق الجميع ـ كما هو الحقّ ـ إلاّ أني أستطيع وبقوة أن أقول: إنّ الصحابة ـ بعضهم ـ صناعة خاصة أعدّتهم السماء وتفضّلت بهم علينا جميعاً; ليصوغوا لنا تأريخاً مليئاً بالخير، وليصنعوا حاضراً كلّه عطاء، ويبنوا مستقبلاً زاهراً بالأمل مشرقاً بالحبّ، بعيداً عن العداوة والبغضاء فكانوا جيلاً لا نظير له فيما مضى من تأريخ الرسالات.

فقد نجح هؤلاء، وهم النخبة الطاهرة من الأصحاب في تبليغ أعظم رسالة سماوية، استطاعت أن تغير أمّة جاهلية بل أمماً أخرى، فغيرت بذلك وجه التأريخ، فاستحقوا بذلك الفوز في الدنيا والآخرة.

كانوا من ورثة جنة النعيم، يتبوّؤون منها غرفاً، وينعمون بها، ويمرحون في بحبوحة منها.

ولا غرابة في ذلك بعد أن أحبوا الله ورسوله، وطلبوا رضوانه تعالى، وملئوا شوقاً إلى لقائه، فقد كانوا يطلبون الموت ويتحاثون عليه.

كم كانت تربيتك يا رسول الله لهذه الزمرة الطيبة مجدية نافعة خالدة! وكم كان حبّهم لك عظيماً صادقاً، شهد بها أبوسفيان ـ وهو يعيش العداء كلّه لرسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) ولدينه ولمن معه ـ : ما رأيت من الناس أحداً يحبّ أحداً كما يحبّ أصحاب محمد محمداً!

وجعفر من هذه النخبة الطيبة الصادقة، كان صحابياً متميزاً في دينه وولائه، وفي فصاحته وبيانه وحلمه، كما كان مثلاً رائعاً للشجاعة والفداء، أبى إلاّ أن تكون ساحات الوغى أرضاً له، وإلاّ ظلال السيوف سقفاً له حتى كان شهيداً، ولكن متى؟! بعد أن قطعت يداه، وبعد أن تحمل جسمه، وضمّ بدنه أكثر من سبعين طعنة رمح، وضربة سيف، ورمية سهم.

نسبه ولقبه وكناه

كان جعفر من سلالة تلك العائلة الكريمة في خصالها، الرفيعة في شرفها، المتميزة في سيادتها وزعامتها ورجالها، فهم سادة قريش بل سادة الدنيا على الإطلاق، هذه العشيرة التي ضمّت أكرم خلق الله محمداً وآله الطاهرين..

فأبوه: شيبة الحمد، شيبة بني هاشم، أبوطالب بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد
مناف بن قصي... واسمه عبد مناف، وقد كني بأكبر أولاده (طالب)، وقد كان
الكافل الحامي المدافع عن النبي
(صلي الله عليه و آله و سلم) الذي أحاط رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) بعناية عظيمة قلّ مثيلها، خاصة إذا نظرنا إلى مكانته في مجتمع قريش وبين زعمائها وما يسببه ذلك الدفاع من إحراج أمامهم.

وكانت هذه الحماية من الأهميّة لرسول الله9 ولدعوته إلى الدرجة التي لم تطمع قريش في رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) وكانت كاعةً عنه حتى توفي عمّه أبوطالب، ولم يهاجر إلى المدينة إلاّ بعد وفاته رضوان الله عليه.

وأمّه: كانت أمّ جعفر الطيار، من تلك النساء القلة الطاهرات اللاّئي امتازت حياتهن بمواقف جليلة في مسيرة الأنبياء.

وهي إحدى تلك النساء اللواتي نلن ذكراً جميلاً على لسان خاتم الرسل محمد(صلي الله عليه و آله و سلم) تقول الرواية: لما ماتت فاطمة بنت أسد أمّ عليّ (عليها السلام) ـ وكانت قد أوصت لرسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) وقَبل وصيتها ـ ألبسها النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) قميصه واضطجع معها في قبرها، فقالوا: ما رأيناك يا رسول الله صنعت هذا!

فقال: «إنّه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرَّ بي منها، إنّما ألبستها قميصي لتكسى من حُلَل‌ِ الجنّة، واضطجعت معها ليُهوَّن عليها».

وفي دعاء خاص لها قال (صلي الله عليه و آله و سلم) : «أللهم اغفر لأمّي فاطمة بنت أسد، ولقنها حجّتها، ووسع عليها مدخلها».

وخرج من قبرها وعيناه تذرفان.

لقد كانت لرسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) بمنزلة الأم بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، فقد ربته في حجرها، وكان شاكراً لبرّها، وكان يسميها ويناديها بـ أمّي، وقد كانت تفضله على جميع أولادها في البر والرعاية؛ تقول بعض الروايات: كان أولادها يصبحون شعثاً رمصاً ويصبح رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) كحيلاً دهيناً.

أمّا إيمانها فهي بدرجة عظيمة، وقد سبقت إلى الإسلام، وكانت من المهاجرات الأول إلى المدينة، وهي بدرية.

فذاك أبوه وهذه أمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، وهي أول هاشمية تزوّجت من هاشمي، فهو وليد هذه الأسرة المباركة.

أمّا لقبه: فكان يلقب بجعفر الطيار كما لقبه رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) بـ (ذي الجناحين).

أمّا كنيته: فقد كناه رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) بـ (أبي المساكين) وله كنية أخرى (أبو عبدالله).

إخوته

كان جعفر، الثالث في إخوته، فقد كان طالب أكبر ولد أبي طالب سناً ثم يليه عقيل، ثم يلي عقيلاً جعفر، ويلي جعفراً عليٌّ(عليه السلام) والشيء الملفت للنظر إن لم نقل للعجب أنّ كل واحد منهم أكبر من صاحبه بعشر سنين، وكان عليّ أصغرهم سنّاً.[2]

زوجته وأولاده

بنى جعفر بأسماء بنت عميس الخثعمية، المرأة الصالحة، فولدت له ثلاثة أولاد، وهم محمد وعبدالله وعوف، وقد ولدوا جميعاً في الحبشة في الفترة التي أمضاها جعفر وزوجته مهاجرين هناك، في كنف ملك الحبشة المعروف بالعدل.

إسلامه

كان جعفر الثاني من الرجال الذين أعلنوا إسلامهم، وهناك رواية تقول: إنّه الثالث بعد علي(عليه السلام) وزيد بن حارثة.[3]

كما وردت في كيفية إسلامه روايتان تصرحان بأنّه ممّن أسلم باكراً، والدعوة لا تزال في مهدها، وكان إسلامه بأمر من أبيه أبي طالب، حيث كان جعفر برفقة أبيه حينما كان رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) يؤدي صلاته وإلى جنبه ابن عمّه علي بن أبي طالب، فلما رآهما يصليان التفت إلى جعفر قائلاً: انزل يا جعفر فصل جناحَ ابن عمّك، أو أي بني، صل جناحَ ابن عمّك؛ وقد وفق جعفر لأن ينال ثواب أول جماعة عقدت في الإسلام، وكانت تأريخاً لبداية إسلامه.

وفي هذا عثرتُ على روايتين صريحتين في إسلام جعفر، ودفاع أبي طالب عن النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) وعما هو عليه من أمر الدعوة الجديدة؛ كانت الرواية الأولى عن علي(عليه السلام) يقول فيها:

«بينما أنا مع النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) في حَيْر[4] لأبي طالب أصلي، أشرف علينا أبوطالب، فنظر إليه النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) فقال: يا عم ألا تنزل فتصلي معنا؟ فقال: يا بن أخي، إني لأعلم أنك على الحق...، لكن انزل يا جعفر فصل جناحَ ابن عمّك».

قال: فنزل فصلى عن يساري، فلما قضى النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) صلاته، التفت إلى جعفر فقال: «أما إنّ الله تعالى قد وصلك بجناحين تطير بهما في الجنة، كما وصلت جناح ابن عمّك».[5]

وفي رواية ثانية يذكرها أيضاً صاحب مختصر تاريخ دمشق عن صلصال بن الدلهمس يقول فيها:.. فكان الذي بينهما ـ بين أبيه الدلهمس وأبي طالب ـ في الجاهلية عظيم (عظيماً)، فكان أبي يبعثني إلى مكّة لأنصر النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) مع أبي طالب قبل إسلامي، فكنت أقيم الليالي عند أبي طالب لحراسة النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) من قومه، فإني يوم من الأيام جالس بالقرب من منزل أبي طالب في الظهيرة وشدّة الحر، إذ خرج أبوطالب شبيهاً بالملهوف فقال لي: يا أبا الغضنفر، هل رأيت هذين الغلامين فقد ارتبت بإبطائهما عليّ؟

فقلت: ما حسست لهما خبراً منذ جلست، فقال: اِنهض بنا فنهضت، وإذا جعفر بن أبي طالب يتلو أبا طالب، قال: فاقتصصنا الأثر حتى خرج بنا من أبيات مكّة، قال: ثمّ علونا جبلاً من جبالها، فأشرفنا منه على أكمة دون ذلك التل، فرأيت النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) وعلياً(عليه السلام) قائماً عن يمينه، ورأيتهما يركعان ويسجدان قبل أن أعرف الركوع والسجود، ثم انتصبا قائمين، فقال أبوطالب لجعفر: أي بني، صل جناح ابن عمّك، قال: فمضى جعفر مسرعاً حتى وقف بجنب علي (عليه السلام) فلما أحسّ به النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) أخّرهما وتقدم، وأقمنا موضعنا حتى انقضى ما كانوا فيه من صلاتهم، ثمّ التفت إلينا النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) فرآنا بالموضع الذي كنّا فيه، فنهض ونهضنا معه مقبلين، فرأينا السرور يتردّد في وجه أبي طالب، ثمّ انبعث يقول:

إنّ عليّاً وجعفراً ثقتي

 
عِندَ مُهِمِّ الأمورِ والكربِ

لا تخذلا وانصُرا ابن عمِّكمَا

 
وابنَ أمّي من بينهم وأبي

واللهِ لا أُخذلُ النبيَّ

 
ولا يَخذُلُه مِن بَنِيَّ ذُو حَسبِ


قال: فلما آمنت به ودخلتُ في الإسلام، سألت النبيَّ(صلي الله عليه و آله و سلم) عن تيك الصلاة، فقال: «نعم، يا صلصال! هي أول جماعة كانت في الإسلام».[6]

صفاته

لقد اجتمعت في جعفر خصال كثيرة قلما تجتمع في غيره، فقد اتفقت مصادر ترجمته عليها، فإضافة إلى شبابه وفتوته وشجاعته، كان حليماً بارّاً متواضعاً، وكان يخشى الله خشية عظيمة، حتى إنه قبل إسلامه كانت نفسه وكأنها قد جبلت على كره المحرمات.

يقول ابن عباس في رواية له: قال رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) لجعفر بن أبي طالب: إنّ الله تعالى أوحى إليّ أنه شكرك على أربع خصال، كنتَ عليهنّ مقيماً قبل أن يبعثني الله، فما هنّ؟

قال له جعفر: بأبي أنت وأمّي، لولا أنّ الله أنبأك بهنّ ما أنبأتك عن نفسي كراهية التزكية: إني كرهت عبادة الأوثان، لأني رأيتها لا تضرّ ولا تنفع; وكرهت الزنا... وكرهت شرب الخمر، لأني رأيتها منقصة للعقل، وكنت إلى أن أزيد في عقلي أحبّ إليّ من أن أنقصه؛ وكرهت الكذب، لأني رأيته دناءة.[7]

ما أعظمك يا جعفر في الجاهلية كما ما أعظمك في إسلامك!

كان جعفر جواداً كريماً سخياً سمحاً، فقد قال فيه رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم): «أسمح أمّتي جعفر».

ولطيب نفسه ومراعاته لضعفاء الناس ومساكينهم، كان رسول الله (صلي الله عليه و آله) يكنيه أبا المساكين.

فعن أبي هريرة قال: كان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه.[8]

وعنه أيضاً: كان خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب، وكان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، وإن كان ليخرج إلينا العكة فنشقها فنلعق ما فيها.

الهجرة

إنّ من أعظم ما ناله المسلمون الأوائل هو وسام الهجرة، هذه التي منّ الله تعالى بها عليهم، لتكون نقطة انطلاقة كبرى، وانفتاح على العالم الآخر بعيداً عن الحجاز وعبث الظالمين فيه، وأذاهم وتعذيبهم للصفوة المؤمنة; فالدعوة في بدايتها وقد حفت بالمخاطر، والمؤمنون بها قلة قليلة ضعيفة لا حول لها ولا قوة.. ترقبها عيون قريش هنا وهناك، تتربص بهم ليسوموهم سوء العذاب، لا لذنب اقترفوه أو جريمة تلبسوا بها، سوى أنهم (فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً).[9] وهجروا دين آبائهم وكبرائهم...

تقول رواية أمّ سلمة:

لما ضاقت على النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) مكّة، وأوذي أصحابه، وفتنوا، ورأوا ما يصيبهم من البلاء والفتنة في دينهم، وأنّ رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) في منعة من قومه ومن عمّه، لا يصل إليه شيء مما يكره مما ينال أصحابه، فقال لهم رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم): إن بأرض الحبشة ملكاً لا يظلم أحد عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه.

فخرجنا إليها أرسالاً حتى اجتمعنا بها، فنزلنا بخير دار إلى خير جار، أمناً على ديننا، ولم نخش ظلماً.

فلما رأت قريش أنا قد أصبنا داراً وأمناً، اجتمعوا على أن يبعثوا إليه فينا ; ليخرجنا من بلاده، وليردنا عليهم. فبعثوا عمرو بن العاص وعبدالله بن أبي ربيعة، فجمعوا له هدايا ولبطارقته، فلم يَدَعُوا منهم رجلاً إلاّ بعثوا له هدية على حِدَة، وقالوا لهما: ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا فيهم، ثمّ ادفعوا إليه هداياه، وإن استطعتما أن يردهم عليكم قبل أن يكلمهم فافعلوا.

أقول: كانت تخشى قريش أن ينطلق الحقّ من لسانهم ووقع الذي كانت تخشاه.

فقدما علينا، فلم يبق بطريق من بطارقته إلاّ قدّموا إليه هديته، فكلموه، فقالوا له: إنّا قدمنا على هذا الملك في سفهاء من سفهائنا، فارقوا أقوامهم في دينهم، ولم يدخلوا في دينكم، فبعثَنا قومُهم ليردهم الملك عليهم، فإذا نحن كلمناه فأشيروا عليه بأن يفعل، فقالوا: نفعل، ثم قدّموا إلى النجاشي هداياه، فكان من أحبّ ما يهدى إليه من مكّة الأَدَم; فلما أدخلوا عليه هداياه، فقالوا له: أيها الملك إن فتية منا سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه، وقد لَجأُوا إلى بلادك، فبَعَثنا إليك فيهم عشائرهم، آباؤهم وأعمامهم وقومهم لتردهم عليهم، فهم أعلى بهم[10] عيناً.

فقالت بطارقته: صدقوا أيها الملك، لو رددتهم عليهم وكانوا هم أعلى بهم، فإنهم لم يدخلوا في دينك فيمنعهم أملك ; فغضب، ثمّ قال: لا، لعمر الله، لا أردهم عليهم حتى أدعوهم وأكلمهم وأنظر ما أمرهم، قوم لَجأُوا إلى بلادي، واختاروا جواري على جوار غيري، فإن كانوا كما تقولون رددتهم عليهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم، ولم أدخل بينهم وبينهم، ولم أنعمهم عيناً; فأرسل إليهم النجاشي فجمعهم ـ ولم يكن شيء أبغض إلى عمرو بن العاص وعبدالله بن أبي ربيعة من أن يسمع كلامهم ـ فلما جاءهم رسول النجاشي اجتمع القوم فقال: ماذا تقولون؟ فقالوا: ماذا نقول؟! نقول والله ما نعرف وما نحن عليه من أمر ديننا، وما جاء به نبينا(صلي الله عليه و آله و سلم) كائن من ذلك ما كان، فلما دخلوا عليه كان الذي يكلمه منهم جعفر بن أبي طالب، فقال له النجاشي:

ما هذا الدين الذي أنتم عليه؟ فارقتم دين قومكم، ولم تدخلوا في يهودية ولا نصرانيه، فما هذا الدين؟

فراح جعفر رضوان الله عليه يبين له حيث قال:

.. أيها الملك كنّا قوماً على الشرك، نعبد الأوثان، ونأكل الميتة، ونسيء الجوار، ونستحلّ المحارم.. وغيرها، لا نحلّ شيئاً ولا نحرّمه، فبعث الله إلينا نبياً من أنفسنا نعرف وفاءَه وصدقَه وأمانتَه، فدعانا إلى أن نعبد الله وحده لا شريك له، ونصلَ الرحم، ونُحسِنَ الجوار، ونصلّي لله تعالى، ونصوم له، ولا نعبد غيره، فقال: هل معك شيء مما جاء به؟ وقد دعا أساقفته فأمرهم فنشروا المصاحف حوله، فقال له جعفر: نعم، فقال: هلمّ فاتلُ عليَّ ما جاء به.

فقرأ عليه صدراً من (كهـيـعص) فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم؛ ثم قال: إنّ هذا الكلام ليخرج من المشكاة التي جاء بها موسى; انطلقوا راشدين، لا، والله لا أردهم عليهم، ولاأنعمكم عيناً، فخرجنا من عنده، وكان أتقى الرجلين فينا عبدالله بن أبي ربيعة، فقال عمرو بن العاص: والله لأثنينه غداً بما أستأصل به خضراءهم.[11] فلأخبرنه أنهم يزعمون أنّ إلهه الذي يعبد عيسى بن مريم عبد.

فقال له عبدالله بن أبي ربيعة : لا تفعل.. فإنهم إن كانوا خالفونا فإنّ لهم رحماً ولهم حقاً، فقال: والله لأفعلن، فلما كان الغد دخل عليه، فقال: أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى قولاً عظيماً، فأرسل إليهم فسلهم عنه، فبعث إليهم، ولم ينزل بنا مثلها؛ فقال بعضنا لبعض: ماذا تقولون له في عيسى إن هو سألكم عنه؟

فقالوا: نقول والله الذي قاله الله تعالى، والذي أمرنا به نبينا (صلي الله عليه و آله و سلم) أن نقول فيه: فدخلوا عليه وعنده بطارقته، فقال: ما تقولون في عيسى بن مريم؟

وهنا أيضاً كان جعفر رضوان الله عليه هو المحاور فقال له: نقول: هو عبدُ الله ورسوله وكلمتهُ وروحهُ ألقاها إلى مريم العذراء البتول، فدلى النجاشي يده إلى الأرض، فأخذ عوداً بين أصبعيه، فقال: ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العويد؛[12] فتناخرت بطارقته، فقال: وإن تناخرتم والله، اِذهبوا، فأنتم شيوم في أرضي ـ والشيوم: الآمنون ـ مَن سبّكم غرم، ثمّ من سبّكم غرم، ثمّ مَنْ سبّكم غرم، فأنا ما أحب أن لي دَبْراً، وأني آذيتُ رجلاً منكم ـ والدبر بلسانهم: الذهب ـ فوالله ما أخذ الله تعالى مني الرشوة حين ردّ علي ملكي فآخذ الرشوة منه، ولا أطاع الناس فيّ فأطيع الناس فيه، ردوا عليهما هداياهما، فلا حاجة إلي بها، وأخرجا من بلادي.

فرجعا مقبوحَيْن مردوداً عليهما ما جاءا به؛ فأقمنا مع خير جار، وفي خير دار.

فلم ينشب أن خرج عليه رجل من الحبشة ينازعه في ملكه، فوالله ما علمنا حزناً حزنّا قط كان أشدّ منه فرقاً من أن يظهر ذلك الملك عليه، فيأتي ملك لا يعرف من حقنا ما كان يعرفه، فجعلنا ندعو الله ونستنصره للنجاشي ، فخرج إليه سائراً ... فهزم الله ذلك الملك وقتله، وظهر النجاشي عليه ... فوالله ما علمنا فرحنا بشيء قط فرحنا بظهور النجاشي، ثمّ أقمنا عنده حتى خرج من خرج منا راجعاً إلى مكة، وأقام من أقام ...[13]

وفي رواية ثانية ذكرها أبو نعيم في حليته عن بردة عن أبيه:

قال: لما أمرنا رسول الله9 أن ننطلق مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض النجاشي، فبلغ ذلك قريشاً، فبعثوا عمرو بن العاص، وعمارة بن الوليد، فجمعوا للنجاشي هدية، فقدمنا وقدما على النجاشي، فأتياه بالهدية فقبلها، وسجدا له; ثم قال له عمرو بن العاص: إنّ أناساً من أرضنا رغبوا عن ديننا وهم في أرضك.

قال لهم النجاشي: في أرضي؟ قالوا: نعم، فبعث إلينا.

فقال لنا جعفر: لا يتكلم منكم أحد، أنا خطيبكم اليوم، فانتهينا إلى النجاشي وهو جالس في مجلس وعمرو بن العاص عن يمينه، وعمارة عن يساره، والقسيسون والرهبان جلوس سماطين سماطين، وقد قال لهم عمرو وعمارة: إنّهم لا يسجدون لك، فلما انتهينا بدرنا مَنْ عنده من القسيسين والرهبان:

أسجدوا للملك.

فقال جعفر: لا نسجد إلاّ لله عزّوجلّ.

قال له النجاشي: وما ذاك؟ قال: إنّ الله تعالى بعث فينا رسولاً وهو الرسول الذي بشر به عيسى (علي نبينا و آله و عليه السلام) .

قال: من بعدي اسمه أحمد; فأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئاً، ونقيم الصلاة، ونؤتي الزكاة، وأمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر.

فأعجب النجاشي قوله; فلما رأى ذلك عمرو بن العاص، قال: أصلح الله الملك إنهم يخالفونك في ابن مريم.

فقال النجاشي لجعفر: ما يقول صاحبكم في ابن مريم؟

قال: يقول فيه قول الله عزّوجلّ: هو روح الله وكلمته، أخرجه من البتول العذراء التي لم يقربها بشر، ولم يفترضها ولد.

فتناول النجاشي عوداً من الأرض فرفعه، فقال: يا معشر القسيسين والرهبان ما يزيد هؤلاء على ما تقولون في ابن مريم ما يزن هذه; ثمّ قال: مرحباً بكم وبمن جئتم من عنده.

وأنا أشهد أنه رسول الله، وأنه الذي بشر به عيسى(علي نبينا و آله و عليه السلام)  ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أقبل نعله، أمكثوا في أرضي ما شئتم; وأمر لنا بطعام وكسوة وقال: ردوا على هذين هديتهما.[14]

وفي حلية الأولياء أيضاً، كان جواب جعفر: أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف؛ وكنّا على ذلك حتى بعث الله تعالى إلينا رسولاً منّا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله تعالى لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام.

قال: ـ فعدد عليه أمور الإسلام ـ فصدقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به من الله عزّوجلّ، فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئاً، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله عزّوجلّ، وأن نستحل ما كنّا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك، فاخترناك على مَنْ سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك...

ولما أرسلت قريش مبعوثيها إلى الحبشة، يقول ابن هشام في سيرته: فقال (أبوطالب) حين رأى ذلك من رأيهم وما بعثوهما فيه، أبياتاً للنجاشي يحضّه على حسن جوارهم والدّفع عنهم:

ألا ليتَ شعري كيف في النأي جعفرٌ

 
وعمرو وأعداء العدوّ الأقاربُ

وهل نالت أفعالُ النجاشي جعفراً

 
وأصحابه أو عاق ذلك شاغب

تعلَّم، أبيت اللّعن، أنّك ماجدٌ

 
كريمٌ فلا يشقى لديك المجانب

تعلّم بأنّ اللهَ زادك بَسطةً

 
وأسبابَ خير كلّها بك لازب

وأنّك فيضٌ ذو سِجال غزيرة

 
يَنال الأعادي نفعها والأقار‌ِب.[15]


أما لما ذا جعفر؟!

لقد كان جعفر ومعه زوجته أسماء الوحيد من بني هاشم ممّن قد خرج إلى أرض الحبشة مهاجراً، والذي أعتقده أنّ جعفراً لم يكن من الذين اضطُهدوا من قبل قريش، ولم يتعرض إلى ما تعرض له بقية المسلمين، لما يتمتع به من منعة عشيرته ومكانتها ـ وإن كان هناك غيره لم تستطع قريش من اضطهاده ـ إلاّ أن لجعفر قدرات ذاتية اكتشفها رسول الله (صلي الله عليه و آله) فيه، ستجعل له دوراً رسالياً مهماً في الحبشة; وإذا ما تعرض المهاجرون ـ الذين كان عددهم أكثر من 80 مهاجراً ـ إلى مواقف خطيرة، وفي الذب والدفاع عنهم، وعن الدين الجديد; وهذا ما حدث بالفعل، فقد نقلنا تلك الروايات لنلقي الضوء كاملاً على دور هذا الرجل في إقناع النجاشي وبطارقته بمظلومية المهاجرين، وليس هذا فقط، بل في عرض الإسلام بشكل واضح وجلي، مبيناً خصائص النبي(صلي الله عليه و آله) ودوره في دعوة قومه إلى هذا الدين، ونبذ عبادة الأصنام . . وكل هذا يحتاج إلى شجاعة وجرأة وقدرة على البيان والمحاورة، وهذه الصفات جمعت في جعفر بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليه ، فجعلت رسول الله(صلي الله عليه و آله) يأذن له بالهجرة، بل ويأذن له بالبقاء طيلة خمس عشرة سنة تقريباً، فقد هاجر سنة خمس من مبعث النبي(صلي الله عليه و آله) وقدم إلى المدينة سنة سبع من الهجرة، فنال بذلك وسام الهجرتين.

لقد كان بحقّ رجل الإسلام الأول، ورجل الحوار الأوّل في تلك البلاد، فمن محاوراته الجميلة التي أحرجت عمرو وصاحبه أمام النجاشي . . ما ذكره صاحب تفسير مجمع البيان:

قال جعفر: يا أيها الملك سلهم أنحن عبيد لهم؟ فقال: لا، بل أحرار.

قال: فسلهم ألهم علينا ديون يطالبوننا بها؟ قال: لا، ما لنا عليكم ديون.

قال: فلكم في أعناقنا دماء تطالبوننا بها؟ قال عمرو: لا.

قال: فما تريدون منّا؟ آذيتمونا فخرجنا من دياركم; ولم يكتف جعفر بهذا بل عقبه بذكر النبيّ وأحكام الإسلام.

أيها الملك بعث الله فينا نبيّاً أمرنا بخلع الأنداد، وترك الاستقسام بالأزلام، وأمرنا بالصلاة والزكاة والعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، ونهانا عن الفحشاء والمنكر والبغي...[16]

فرسول الله(صلي الله عليه و آله) لم يأذن لهم بالهجرة للخلاص بأنفسهم وأهليهم فحسب، وإن كان هذا هدفاً سليماً طالما لم يستطع الدفاع عنهم من ظلم قريش وتعسّفها، وهو بعد في أول أمره ولم يؤمر بالجهاد، إلاّ أنه كان يريد منهم أيضاً أن يحملوا هذه الرسالة التي جاءت إلى الناس كافة، وأن يكونوا له دعاةً في غير مكّة وبلاد الجزيرة العربية، وأن يزيحوا العوائق التي قد تستفيد منها قريش مستقبلاً. . أراد رسول الله(صلي الله عليه و آله) لجعفر وللمهاجرين أن يكونوا دعاة رسالة، ورجال حضارة، وبناة تأريخ، ومستقبل زاهر بالإسلام ومبادئه; وأن يستوعبوا الزمن كلّه والمكان كلّه والناس كلّهم، وهذا ما حدث، فعند عودة جعفر إلى المدينة كان معهم سبعون رجلاً منهم اثنان وستون من بلاد الحبشة، وثمانية من أهل الشام فيهم بحيراء الراهب، فقرأ عليهم رسول الله(صلي الله عليه و آله) سورة يس إلى آخرها، فبكوا حين سمعوا القرآن وآمنوا وقالوا: ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى، فأنزل الله فيهم:

(وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ).[17]

أمّا لما ذا الحبشة؟!

لابدّ لمن يريد أن ينجو من الاضطهاد والعذاب، أن يختار مكاناً آمناً يلوذ به، وإلاّ فسيكون كالمستجير من الرمضاء بالنار; لهذا فقد تمّ اختيار هذه البلاد، وكما صرح بذلك رسول الله9 حينما أمر المسلمين بالهجرة: «لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإنّ بها مَلكاً لا يُظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجاً ممّا أنتم فيه».[18]

إذن، فهي بلاد صدق، وفيها حاكم عادل، فتجد الدعوة ويجد المهاجرون ساحة بلا موانع، يستطيعون التحرّك عليها بحريّة وأمان; كما أنها أرض كانت متجراً لقريش.

يقول الطبري: ... وكانت أرض الحبشة متجراً لقريش يتجرون فيها، يجدون فيها رفاغاً من الرزق، وأمناً ومتجراً حسناً.[19]

وكانت أيضاً بلاداً مفتوحةً على كثير من البلدان، فهي بالتالي تشكّل ساحة مناسبة لنشر الدعوة الجديدة، وبثّها في تلك البلاد وفي غيرها، كما تشكّل ساحة ضغط على قريش وتجارتها.

وهذا ما حصل بالفعل، فقد وصل تأثير المهاجرين بدءاً بالملك الذي أعلن موقفه من الإسلام، ومن المهاجرين، وحمايتهم بقوله: أنا أشهد أنه رسول الله(صلي الله عليه و آله) ... إلى غير الملك من أشراف القوم وأبناء البلاد الآخرين؛ وكما يذكر الطبري: ثمّ إنه فشا الإسلام فيها، ودخل فيه رجال من أشرافهم.[20]

شجاعته واستشهاده

بعد عودته رضوان الله عليه إلى المدينة من الحبشة ـ كان رسول الله(صلي الله عليه و آله)بخيبر سنة 7هـ  ـ بعد أن قضى فيها سنين عدداً مهاجراً، وكان بصحبته زوجته أسماء وأولاده الثلاثة محمد وعبدالله وعوف، تقول الرواية المنقولة عن الشعبي... قال: لما فتح النبي(صلي الله عليه و آله) خيبر قدم جعفر بن أبي طالب رضوان الله عليه من الحبشة، فالتزمه رسول الله(صلي الله عليه و آله) وجعل يقبّل بين عينيه ويقول: «ما أدري بأيهما أنا أشدّ فرحاً بقدوم جعفر أم بفتح خيبر؟!».[21] وقد آخى بينه وبين معاذ بن جبل.

فأقام بالمدينة شهراً، ثمّ جعله رسول الله9 أحد الأمراء الثلاثة على جيش غزوة مؤتة بناحية الكرك بالبلقاء; فتوجه إلى هناك حيث خاض معركة لم يخض المسلمون معركة مثلها، كما وصفت، وكان أعداء المسلمين من المشركين الروم قد ادّرعوا بالعتاد والأعداء ما يملأ السهل والجبل، وما لا طاقة للعرب ولا للمسلمين به، وكان جعفر أحد قواد الجيش الثلاثة الذين عيّنهم رسول الله(صلي الله عليه و آله) فعن عروة بن الزبير: أنه بعث ذلك البعث (بعث رسول الله(صلي الله عليه و آله) الجيش إلى مؤتة) في جمادى.. لسنة ثمان من الهجرة، واستعمل عليهم زيد بن حارثة، وقال: إن اُصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر فعبدالله بن رواحة على الناس.[22]

وقد ذكر الدكتور الجميلي صاحب كتاب: «صحابة النبي(صلي الله عليه و آله)» وصفاً للمعركة ولاستشهاد جعفر: واشتبكت الأسنة، واشتجر الوغى، وعلا رهج الحرب، وأدرك الروم أنهم إزاء فارس لا ضريب له، لا تثلم له ضربة، ولا يغل له سنان، ولا تنبو له ضريبة، فاعتوره الأعداء من كل صوب وجهة، وهو يرميهم ذات اليمين وذات الشمال، يستأصل شأفتهم، ويبيد خضراءهم، وهو ممسك بالراية بيده اليمنى، فقطعوها له، فالتقطها بيده اليسرى، ولا يزال صامداً متماسكاً، إلاّ أنّ الروم ظلوا يتدافعون إليه، واحتوشوه حتى قطعت يده اليسرى، فاحتضن الراية بعضدَيه شهامةً حتى الموت، واندفعت الأمور لنهاياتها الحتمية، فقتل جعفر رضي الله عنه، وسقط شهيداً مضرجاً بدمائه، مثخناً بجراحه، مزملاً في ثيابه، مدثراً ببطولة لا مثل لها.

يقول عبدالله بن عمر: كنت مع جعفر في غزوة مؤتة، فالتمسناه، فوجدناه وبه بضع وتسعون ما بين طعنة ورمية.

وقال الزركلي في أعلامه: وحضر موقعة مؤتة بالبلقاء من أرض الشام، فنزل عن فرسه، وقاتل، ثمّ حمل الراية، وتقدم صفوف المسلمين، فطعنت يمناه فحمل الراية باليسرى فطعنت أيضاً، فاحتضن الراية إلى صدره، وصبر حتى وقع شهيداً وفي جسمه نحو تسعين طعنة ورمية، فقيل: إنّ الله عوضه عن يديه جناحين في الجنة، وقال حسان:

فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا

 
بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر


وقد روى عكرمة عن ابن عباس: أنّ النبي(صلي الله عليه و آله) قال: «دخلت الجنة فرأيت جعفر الطيار مع الملائكة وجناحاه مضرجان بالدم».

يقول بن عوف ـ وهو ممن حضر معركة مؤتة ـ عن شجاعة جعفر: لكأني أنظر إلى جعفر بن أبي طالب يوم مؤتة، حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها، ثمّ تقدم فقاتل حتّى قتل، قال بن اسحاق: فهو أول من عقر في الإسلام وهو يرتجز:

يا حبذا الجنة واقترابُها

 
طيبةٌ وباردٌ شرابُها

والرومُ رومٌ قد دنا عذابُها

 
عليّ إن لاقيتها ضرابُها


وفيما قاله رسول الله(صلي الله عليه و آله) عن إيمان جعفر الثابت وشجاعته: .. ولما أخذ جعفر ابن أبي طالب الراية، جاءه الشيطان فمناه، وكره إليه الموت، فقال: الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تمنيني الدنيا، ثمّ مضى قدماً حتى استشهد; فصلى عليه رسول الله(صلي الله عليه و آله) ودعا له، ثمّ قال رسول الله(صلي الله عليه و آله): «استغفروا لأخيكم جعفر فقد استشهد ودخل الجنة، وهو يطير فيها بجناحين من ياقوت حيث شاء من الجنة».

ولما ورد خبر استشهاد زيد وجعفر وعبدالله، بكى أصحاب رسول الله(صلي الله عليه و آله) وهم حوله فقال: ما يبكيكم؟ فقالوا: ما لنا لا نبكي، وقد ذهب خيارنا وأشرافنا وأهل الفضل منا.

فقال(صلي الله عليه و آله) : «لا تبكوا، فإنما مثل أمتي كمثل حديقة قام عليها صاحبها فأصلح رواكيها وهيّأ مساكبها، وحلق سعفها، فأطعمت عاماً فوجاً، ثمّ عاماً فوجاً، ثمّ عاماً فوجاً، فلعل آخرها طعماً أن يكون أجودها قنواناً، وأطولها شمراخاً، والذي بعثني بالحقّ ليجدن ابن مريم في أمتي خلفاً من حواريه».[23]

ولما استشهد جعفر وأصحابه أتى رسول الله(صلي الله عليه و آله) بيت جعفر، تقول أسماء بنت عميس زوجة جعفر: لما أصيب جعفر وأصحابه، أتاني رسول الله(صلي الله عليه و آله) ولقد هيأت أربعين مناً،[24] من أدم، وعجنت عجيني، وأخذت بنيّ فغسلت وجوههم ودهنتهم، فدخل عليّ رسول الله(صلي الله عليه و آله) فقال: «يا أسماء! أين بنو جعفر؟» فجئت بهم إليه، فضمهم إليه وشمهم، ثمّ ذرفت عيناه فبكى، فقلت: أي رسول الله لعله بلغك عن جعفر شيء، فقال(صلي الله عليه و آله) : «نعم، قتل اليوم» فقالت: فقمت أصيح، واجتمع إليّ النساء، قالت: فجعل رسول الله(صلي الله عليه و آله) يقول: «يا أسماء! لا تقولي هُجراً، ولا تضربي صدراً».

قالت: فخرج رسول الله(صلي الله عليه و آله) حتى دخل على ابنته فاطمة، وهي تقول: واعماه،
فقال رسول الله(صلي الله عليه و آله): «على مثل جعفر فلتبك الباكية، ثمّ قال رسول الله(صلي الله عليه و آله) : «إصنعوا لآل جعفر طعاماً، فقد شغلوا عن أنفسهم اليوم...» ثمّ صعد المنبر فحمدالله وأثنى عليه، ثمّ
قال: «أيها الناس، إنّ جعفر بن أبي طالب مرّ مع جبريل وميكائيل له جناحان،
عوضه الله من يديه فسلّم عليّ . . وأخبرني أنه لقي المشركين يوم كذا وكذا... فقال:
لقيت المشركين فأصبت في جسدي من مقاديمي ثلاث وسبعين طعنة وضربة، ثم أخذت اللواء بيدي اليمنى فقطعت، ثمّ أخذته بيدي اليسرى فقطعت، فعوضني الله من يدي جناحين أطير بهما مع جبريل وميكائيل، أنزل من الجنة حيث شئت ... فلذلك سمّي الطيار
في الجنة».

عمره

وقع الخلاف في عمره الشريف حينما استشهد في معركة مؤتة، فقد ذهب الواقدي وغيره إلى أنّ قتله كان سنة ثمان من الهجرة . . وعمّر جعفر ثلاثاً وثلاثين سنة، وقيل: قتل وهو ابن خمس وعشرين سنة.

في حين ذهب بعض إلى أنّ عمره رضوان الله عليه وقت استشهاده كان ثلاثاً أو أربعاً وثلاثين سنة، وقد نسب هذا إلى أحد أحفاد جعفر، وهو علي بن عبدالله ابن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، حيث قال: قتل جعفر وهو ابن ثلاث أو أربع وثلاثين سنة.

هذه هي خلاصة بعض الأقوال في عمره، وكلها مردودة، فقد رفض أبوالفرج الأصفهاني صاحب مقاتل الطالبيين هذا، حيث قال: وهذا عندي شبيه بالوهم; لأنه قتل في سنة ثمان من الهجرة، وبين ذلك الوقت وبين مبعث رسول الله9 إحدى وعشرون سنة، وهو أسن من أخيه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بعشر سنين، كان لعلي حين أسلم سنون مختلفة في عددها، فالمكثر يقول: كانت خمس عشرة، والمقلل يقول: سبع سنين .

وكان إسلامه في السنة التي بعث فيها رسول الله(صلي الله عليه و آله) لا خلاف في ذلك، وعلى أي الروايات قيس أمره علم أنه كان عند مقتله قد تجاوز هذا المقدار من السنين.

وذكر أبوالفرج في الهامش بأنّ ابن عبد البر جزم بأنّ سنّه كانت إحدى وأربعين سنة.[25]

وهذا القول الأخير مبني على كون عمر جعفر حين إسلامه كان عشرين سنة.

وما ورد في الرواية أعلاه من كون عمره33،34 فهو خطأ; لأنّ الأخذ بها يجعل عمر جعفر حين إسلامه12سنة أو13سنة، وبالتالي فهو يساوي عمر الإمام علي أو يقاربه، إن لم يكن أصغر سناً من الإمام، إذا ما أخذنا برواية المكثرين من كون عمر الإمام كان 15 سنة وقت إسلامه، وهذا يخالف كل المصادر التأريخية التي أجمعت على كون جعفر أكبر سناً من الإمام علي(عليه السلام) بعشر سنين.

فعمر جعفر وقت استشهاده قد لا يمكن القطع به بل يمكننا أن نقول: إنه بعد تجاوزه الأربعين سنة بقليل، أما تحديده بـ 41، أو 42 على وجه الجزم أمر قد لايخلو من مجازفة، وهو ترجيح لرواية السن على أخرى بلا مرجح قوي، وأما كون عمره خمساً وعشرين سنة، فهو أمر لا يستحق الوقوف عنده.

صلاة جعفر

وممّا علّمه رسول الله(صلي الله عليه و آله) صلاة خاصّة، تسمى بصلاة الحبوة والتسبيح.

فقد روى أبوحمزة الثمالي عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «قال رسول الله(صلي الله عليه و آله) لجعفر بن أبي طالب: يا جعفر ألا أمنحك، ألا أُعطيك، ألا أحبوك،[26] ألا أُعلّمك صلاة إذا أنت صلّيتها لو كنت فررت من الزّحف، وكان عليك مثل رمل عالج،[27] وزبد البحر ذنوباً غفرت لك؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: تصلّي أربع ركعات إذا شئت، إن شئت كلّ ليلة، وإن شئت كلّ يوم، وإن شئت فمن جمعة إلى جمعة، وإن شئت فمن شهر إلى شهر، وإن شئت فمن سنة إلى سنة، تفتتح الصلاة ثمّ تكبّر خمس عشرة مرّة، تقول: الله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله، ثمّ تقرأ الفاتحة وسورة، وتركع فتقولهنَّ في ركوعك عشر مرّات، ثمّ ترفع رأسك من الركوع فتقولهنّ عشر مرّات، وتخرُّ ساجداً وتقولهنَّ عشر مرّات في سجودك، ثمّ ترفع رأسك من السجود فتقولهنّ عشر مرّات، ثمّ تخرّ ساجداً وتقولهنّ عشر مرّات، ثمّ ترفع رأسك من السجود فتقولهنّ عشر مرّات، ثمّ تنهض فتقولهنّ خمس عشرة مرّة، ثمّ تقرأ فاتحة الكتاب وسورة، ثمّ تركع فتقولهنّ عشر مرّات، ثمّ ترفع رأسك من الركوع فتقولهنّ عشر مرّات، ثمّ تخرُّ ساجداً فتقولهنّ عشر مرّات، ثمّ ترفع رأسك من السجود فتقولهنّ عشر مرّات، ثمّ تسجد فتقولهنّ عشر مرّات، ثمّ ترفع رأسك من السجود فتقولهنّ عشر مرّات، ثمّ تتشهّد وتسلّم ; ثمّ تقوم وتصلّي ركعتين أخراوين تصنع فيهما مثل ذلك ثمّ تسلّم.

قال أبوجعفر (عليه السلام) : فذلك خمس وسبعون مرّة في كلّ ركعة ثلاثمائة تسبيحة تكون ثلاثمائة مرّة في الأربع ركعات ألف ومائتا تسبيحة يضاعفها الله عزّوجلّ ويكتب لك بها اثنتي عشرة ألف حسنة، الحسنة منها مثل جبل أُحد وأعظم».[28]

وعن أجر من صلاّها، سئل الإمام أبوعبدالله (عليه السلام) «عمّن صلّى صلاة جعفر، هل يكتب له من الأجر مثل ما قال رسول الله (صلي الله عليه و آله)  لجعفر؟ قال: إي والله».[29]

قالوا فيه

إذا ما نظرنا في الذي ورد في جعفر من أقوال وروايات . . يمكننا أن نتصور من خلال ذلك شخصيته ومكانته وما يملكه من قدرات، فمن أقوال الرسول(صلي الله عليه و آله)  فيه:

«خير الناس حمزة، وجعفر وعلي».[30]

«رأيت جعفراً ملكاً، يطير في الجنة مع الملائكة بجناحين».[31]

وقال(صلي الله عليه و آله) مخاطباً جعفراً: «أنت أشبهت خَلقي وخُلقي».[32]

«نحن بنو عبدالمطلب سادات أهل الجنة: رسول الله(صلي الله عليه و آله)  وحمزة سيد الشهداء، وجعفر ذو الجناحين، وعلي (عليه السلام) ، وفاطمة (عليها السلام) ، والحسن (عليه السلام) ، والحسين (عليه السلام)».[33]

وفي رواية أخرى قال فيها رسول الل(صلي الله عليه و آله) :

«نحن سبعة «بنو عبدالمطلب» سادات أهل الجنة، أنا، وعلي أخي، وعمّي حمزة، وجعفر، والحسن والحسين، والمهدي».[34]

أمّا ما قاله صاحب حلية الأولياء أبو نعيم الأصفهاني في مقدمة ترجمة جعفر: ومنهم الخطيب المقدام، السخي المطعام، خطيب العارفين، ومضيف المساكين، ومهاجر الهجرتين، ومصلي القبلتين، البطل الشجاع، الجواد الشعشاع، جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) ، فارق الخلق ورامق الحق.

وأما ما قاله فيه صاحب سير أعلام النبلاء . .

السيد الشهيد، الكبير الشأن، علم المجاهدين، أبو عبدالله ، ابن عمّ رسول الله.

ومن شعر حسان بن ثابت في بني هاشم ومنهم جعفر:

رأيت خيارَ المؤمنينَ تواردُوا

 
شَعُوبَ وقد خُلِّفتُ فيمن يؤخَّرُ

فلا يُبعدَنَّ اللهُ قتلى تتابعوا

 
جَميعاً ونيرانُ الحروب‌ِ تَسَعَّرُ

غداة غدا بالمؤمنينَ يقودُهُمْ

 
إلى الموتِ ميمونُ النّقِيبَة أزهرُ

وكنا نرى في جعفر مِنْ محمد

 
وَقَاراً وأمْراً حَاز‌ِماً حِيْن يَأمُرُ

وما زال للإسلام‌ِ مِنْ آل‌ِ هاشم

 
دَعائمُ عِزٍّ لا تَزالُ ومَفْخرُ

بَهالِيْلُ منْهُمْ جَعْفَر وابنُ أُمّهِ

 
عليٌّ ومِنْهُمْ أحمدُ المتخيَّرُ

وحمزةُ والعباسُ منهمْ وَمنْهُمُ

 
عَقِيلٌ وماءُ العُودِ مِنْ حيثُ يُعصرُ

بهمْ تُفْرَجُ اللأواءُ في كلِّ مأزق

 
عَماس[35] إذا ما ضَاقَ بالأمْر مَصْدَرُ

وهمْ أولياءُ اللهِ نزّل حكمهُ

 
عليهم وفيهمْ والكتابُ المطَّهرُ[36]


وفي رثاء جعفر قال كعب بن مالك:

هدت العيون ودمع عينك يهمل

 
سَحَّاً كما وَكَفَ الضباب الُمخْضلُ[37]

وكأنّما بين الجوانح والحشا

 
مما تأَوَّبَني شِهابٌ مُدْخَلُ[38]

وَجْداً على النَّفَر الذين تَتَابَعُوا

 
يوْماً بمُؤتَة أُسْندوا لمْ يُنْقَلوا

صلى الإِلهُ عليهم من فِتية

 
وسقى عظامهمُ الغمامُ المُسْبل[39]

صبروا بمؤتة للإِله نفوسهُمْ

 
عند الحِمَام‌ِ حفيظةً أن يَنْكُلُوا[40]

إذ يهتدون بجعفر ولوائِهِ

 
قُدَّامَ أَوَّلِهمْ ونِعْمَ الأَوَّل[41]

حتى تفرَّقت الصفوف وجعفرٌ

 
حيثُ الْتَقى وَعْثُ الصُّفُوفِ مُجَدَّل[42]

فَتَغَيَّرَ القمرُ المنيرُ لفقده

 
والشمسُ قد كَسَفَتْ وكادتْ تَأْفُل[43]

]قومٌ بهم نصرَ الإِلهُ عبادَه

 
وعليهمُ نزل الكتاب المُنْزَل[44][

وبهديهمْ رَضي الإِلهُ لِخَلْقِهِ

 
وحَدّهم نُصِرَ النبيّ المُرْسَل[45]

بيضُ الوجوه تُرَى بُطُون أَكُفِّهِمْ

 
تَنْدَى إذا اعتذرَ الزمانُ المُمْحِل[46]


ومن أبيات لحسان، وهو يرثي جعفر بن أبي طالب:

لقد جزعتُ وقلتُ حين نُعيتَ لي

 
مَن للجلاد لدى العُقاب وظلِّها[47]

بعد ابن فاطمة المبارك جعفر

 
خير البرية كلِّها وأجلّها


* * *

فسلام عليك يا جعفر في الخالدين

 
 


[1]. سورة البقرة : 253.

[2]. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 3: 407 ؛ وطبقات ابن سعد 1: 77.

[3]. مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور 6: 66.

[4]. الحَيْرُ: بالفتح شبه الحظيرة أو الحمى، أنظر اللسان: حَيَر.

[5]. مختصر تاريخ دمشق 6: 66.

[6]. مختصر تاريخ دمشق 6: 66.

[7]. المصدر النفسه 6: 67.

[8]. رواه البخاري 7: 77 ؛ حلية الأولياء 1: 117.

[9]. سورة الكهف: 13.

[10]. .. وأعلى بهم عيناً أي أبصر بهم ، وأعلم بحالهم. اللسان: علا.

[11] . خضراءهم : شجرتهم التي منها تفرعوا .

[12] . العويد : أي مقدار هذا العود الصغير .

[13] . مختصر تاريخ دمشق 6 : 63 ، 64 ، 65 .

[14] . حلية الأولياء : 114 ـ 115 .

[15] . السيرة النبوية لإبن هشام 1 : 332 .

[16] . تفسير مجمع البيان 3 : 361 .

[17] . سورة المائدة : 82 ـ 84 ؛ مجمع البيان 3 : 361 .

[18] . سيرة ابن هشام 12 : 321 .

[19] . تاريخ الطبري 1 : 546 ، رفاغاً : سعة .

[20] . تاريخ الطبري 1 : 546 .

[21] . أنظر مقاتل الطالبيين : 30 ، عن ابن سعد 4 : 23؛ وابن أبي الحديد 3 : 407 ؛ والبداية والنهاية 4 : 256 ؛ والاستيعاب 1 : 81 .

[22] . أنظر مقاتل الطالبيين : 30 ، عن ابن سعد 2 : 93 ، و4 : 22 ؛ وابن هشام 4 : 15 ؛ والبداية والنهاية 1 : 241 ؛ والسيرة الحلبية 3 : 77 .

[23] . مقاتل الطالبيين : 31 ـ 32 .

[24] . في الأصل : «منياً» تحريف ، والمنا : الكيل أو الوزن الذي يوزن به ، وهو أفصح من المنّ ، لغة تميم . اللسان : منن ، مني.

[25] . مقاتل الطالبيين ، انظر شرح المواهب 2 : 271 .

[26] . أمنحك وأعطيك وأحبوك متقاربة المعاني، والمنحة: العطية؛ والحباء: العطاء ومنه الحبوة باعتبار اعطاء النبي(صلي الله عليه و آله)  لجعفر(عليه السلام).

[27] . الرمل العالج أي المتراكم ، وعوالج الرمل هو ما تراكم منه .

[28] . من لا يحضره الفقيه 1 : 370 .

[29] . المصدر نفسه 1 : 371.

[30] . شرح ابن أبي الحديد 3 : 407 .

[31] . طبقات ابن سعد 4 : 26 ؛ وأسد الغابة 1 : 287 ؛ الإصابة 1 : 249 .

[32] . ابن أبي الحديد 3 : 407 ؛ الإصابة 1 : 248 .

[33] . مختصر تاريخ دمشق 6 : 68 .

[34] . المصدر نفسه.

[35] . أمر عَماس: شديد مظلم، لا يُدرى من أين يؤتى له. اللسان : عمس.

[36] . الديوان : 235، باختلاف في الرواية؛ مقاتل الطالبيين: 32ـ33.

[37] . الشعر في ابن هشام 4 : 27؛ ابن أبي الحديد 3 : 404؛ والبداية والنهاية 4 : 261. همل الدمع: سال، وسحا:
صبا، ووكف: قطر، ويروى «كما وكف الطباب» وهو جمع طبابة، وهي سير بين خرزتين في المزادة فإن كان غير محكم كف منه الماء، والمخضل: السائل الندى؛ وفي ابن أبي الحديد 3 : 404 «وكف الرباب» وفي سيرة ابن هشام بعد
هذا البيت:

                            في ليلة وردت على همومها         طوراً أحن وتارة أتململ

                            واعتادني حزن فبَت كأنني          ببنات نعش والسماك موكل

[38] . المدخل: النافذ إلى الداخل.

[39] . المسبل: الممطر.

[40] . الحمام: الموت؛ وينكلوا: يرجعوا هائبين لعدوهم.

[41] . بعد هذا البيت في سيرة ابن هشام:            فمضوا أمام المسلمين كأنّهم            فنق عليهن الحديد المرفل

[42] . في سيرة ابن هشام «حتى تفرجت» والوعث: الرمل الذي تغيب فيه الأرجل، ومجدل: مطروح على الجدالة، وهي الأرض؛ وفي ابن أبي الحديد: «... التقى جمع الغواة».

[43] . تأفّل: تغيب، وفي القرآن (فلما أفلت قال إني لا أحب الآفلين) وفي سيرة ابن هشام بعد هذا البيت:

                      قرم علا بنيانه من هاشم              فرعاً أشم وسؤدداً ما ينقل

[44] . الزيادة من النسخة الخطية وفي سيرة ابن هشام «عصم الإِله» وفيها بعد البيت:

                          فضلوا المعاشر عشرة وتكرماً           وتنهدت أحلامهم من يجهل

                          لا يطلقون إلى السفاه حُباهم           ويرى خطيبهم بحق يفصل

[45] . ويروى «بجدهم» قال أبوذر: «من رواه بالحاء المهملة فمعناه بشجاعتهم وإقدامهم; ومن رواه بالجيم المكسورة فهو معلوم».

[46] . الممحل: الشديد القحط وفي أ، ب: «قوم بهم نظر الإِله لخلفه».

[47] . العقاب : اسم لراية الرسول .


| رمز الموضوع: 12690