أبوطالب مأوى الرسول و الرسالة

بنوهاشم فی واد تُحیط به الجبال، وتحفّ به التلال، وفی مجتمع ظلّت الجاهلیة بتقالیدها تنخر فیه... نشأت قبیلة بنی هاشم من نسل إبراهیم الخلیل(علیه السلام) وراحت من بین ثلاث وعشرین قبیلة شکّلت قریشاً، تقف بکلّ شموخ وإباء; لتؤدی دورها التوحیدی، ولتسطّر أروع ا

بنوهاشم

في واد تُحيط به الجبال، وتحفّ به التلال، وفي مجتمع ظلّت الجاهلية بتقاليدها تنخر فيه... نشأت قبيلة بني هاشم من نسل إبراهيم الخليل(عليه السلام) وراحت من بين ثلاث وعشرين قبيلة شكّلت قريشاً، تقف بكلّ شموخ وإباء; لتؤدي دورها التوحيدي، ولتسطّر أروع الصفحات وأجملها، وأفضل المواقف وأحسنها، في تأريخ الإنسانية على الإطلاق... بما حملته من أخلاق عالية، وصفات محمودة، وخصال نادرة، ومواقف فريدة، تميّزت بها على أقرانها قبائل ورجالاً ونساءاً.

فبنو هاشم، سادة قريش بل سادة الدنيا، فهم كما وصفهم الجاحظ: «ملح الأرض، وزينة الدنيا، وحلي العالم، والسنام الأضخم، والكاهل الأعظم، ولباب كلّ كريم، وسرّ كلّ عنصر شريف، والطينة البيضاء، والمغرس المبارك، والنصاب الوثيق، والمعدن الفهم، وينبوع العلم...».[1]

فقد كان منهم رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) الذي ولد على رمال مكّة، أكرم خلق الله تعالى على الإطلاق وأفضلهم وأشرفهم وأعظمهم من الأوّلين والآخرين، فبه بزغ نور سرعان ما انتشر في الآفاق، حتى أضاءت له مشارق الأرض ومغاربها، فغدت الدنيا نيّرة بآيات الله تعالى التي حملها، رحمةً للعالمين ـ داعياً إلى الله، بشيراً ونذيراً ـ شاخصةً بالعزّ والشموخ، نابضةً بالحياة، التي غدت تضجّ بين جنبات ذلك المجتمع السادر في غيّه وشركه، الضال عن الصراط، الغارق في آلامه ومشاكله، وعدوانيته وغزواته، وظلمه وطغيانه، ولهوه وترفه... فوردت كلّ مفاصله ونواحيها; لتقلبه رأساً على عقب، وتخلق منه أمّةً تأمر بالمعروف، وتنهى عن المُنكر، وزخرت بعطاء دائم وخير عميم، ما انفكّت الأجيال المتعاقبة تنتفع منه، وتقتطف ثماره مادام ليل وبقي نهار، لا يعرف النضوب أبداً، ولا يحدّه شيء، ولا ينتهي بأمد، ظلّ معينها يتجدّد وعطاؤها يتّسع، وكيف لا يكون كذلك، وهو عطاء السماء، الذي منّ الله به على رسوله(صلي الله عليه و آله و سلم) لتباركه على يديه، فينضج كلّ ما بذره، ويدوم طويلاً، ويخلد ما شاء الله له الخلود والبقاء...

أبوطالب والنور اليتيم

هذا النور العظيم اليتيم منذ ولادته، راحت قلوب طيبة تحتضنه، وأيد مباركة ترعاه، يد جدّه عبدالمطلب الذي تشرّفت برعايته واحتضانه، ثمّ كانت يد عمّه (أبوطالب) شيبة بني هاشم، شيخ قريش وزعيمها، وسيّد قومه، الذي انطوت نفسه على خصال كريمة، كلّها شموخ وإباء وشهامة وعزّة.

فكان الكافل المدافع الذابّ عن رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) والذي أحاطه بعناية عظيمة ورعاية قلّ نظيرها، خاصة إذا عرفنا مكانته في قبائل قريش وبين زعمائها، وما سبّبه ذلك من إحراج له، وضيق وأذًى... ومع هذا كلّه، فقد صبر أيما صبر دفاعاً عن محمّد ورسالته، حتى أنّ قريشاً لم تكن قادرةً على أذى رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) مع عظيم رغبتها في ذلك، وكانت تتحين الفرص للإيقاع به، لكنها لم تستطع حتى توفي أبوطالب، فراحت تكيد له.

يقول رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم): «والله ما نالت قريش منّي شيئاً أكرهه حتى مات أبوطالب». ولم يهاجر إلى المدينة، إلاّ بعد وفاة عمّه رضوان الله عليه.

 

* * *

 

فالحديث عن «أبوطالب» حديث عن الصمود والإباء، حديث عن الإيمان
الواعي، والموقف الحكيم ونكران الذّات، حديث عن الظلامة التي تلاحقه، وما زالت إلى يومنا هذا.

ولا يضرّ ولا يفتّ في مواقفه ما يُقال هنا وهناك، من أنّ أبا طالب لم يكن مؤمناً وقد مات كافراً، إنّه نتيجة من نتائج الصراع والنزاع الطويل والعميق في تاريخ كلا الأُسرتين: أُسرة الخير والعطاء أُسرة بني هاشم، وأُسرة بني أُمية المعروفة بالكيد والشرّ، وتأريخ الأُسرتين واضح بيّن لمن أراد الاطلاع عليه، إنّه نزاع بين الخير والشرّ، بين الفضيلة والرذيلة، بين المعروف والمُنكر، وقد تمخّض هذا الاختلاف، بل الصراع عن أُمور كثيرة، كان منها إتهام شيخ الأُسرة وعميدها، بل عميد قريش وزعيمها وحليمها وحكيمها بالكفر، مع تاريخه الناصع، وذبّه العنيد عن الرسالة والرسول ومواقفه الجليلة، التي ملأت عصر الرسالة الأوّل عصر التأسيس قوّةً وثباتاً.

لقد حفل تأريخ الرسالة في صدر الإسلام بمواقف عظيمة، وأقوال جليلة لشيخ قريش وسيّدها بلا منازع، أثّرت أثرها وتركت بصماتها على مسيرة الرسالة، فقد راحت مواقفه تتصدّر أولى مراحل الرسالة، تضحيةً وصبراً وثباتاً، وبما تحمله بين طيّاتها من آلام ومأساة تعرّض لها شيخ قريش وسيّدها، فكان الملاذ الأوّل لرسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) وكان الحضن الأوّل لدعوة السماء، حيث كانت الدعوة تأخذ مسارها بفضل ما قيّضه الله لها من رجال يحمونها ويضحون في سبيلها وكان أبوطالب أوّلهم، فحمايته لابن أخيه رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) والدفاع عنه وعن رسالته، أمر لا يرتاب فيه أحدٌ، ولا ينكره منكِرٌ، وهذا ما يراه كلّ باحث في حوادث العصر الأوّل للإسلام، وما سنلخصه في مقالتنا هذه.

اسمه

اختلفت الأقوال في اسمه: فقول ذهب إلى أنّ اسمه هو كنيته «أبوطالب»، وقول ذهب إلى أنّ اسمه «عمران»، وقول ثالث: ذهب إلى أنّ اسمه «شيبة» وقول أخير، ويبدو أنّه الأصح، ذهب إلى أنّ اسمه «عبد مناف»، وقد استدل أصحاب هذا القول بقول أبيه عبد المطلب وهو يوصيه بحفيده يتيم بني هاشم رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) محمّد بن عبدالله(صلي الله عليه و آله و سلم):

أوصيك ياعبد مناف بعدي

 
بواجد بعد أبيه فرد


وقال أيضاً:

وصيتُ من كنيته بطالب

 
عبد مناف وهو ذو تجارب

بابن الحبيب أكرم الأقارب

 
بابن الذي قد غاب غير آئب[2]


ألقابه

هذا في اسمه، وأمّا ألقابه فكثيرة، منها: شيخ الأبطح، سيد البطحاء، رئيس مكّة، بيضة البلد.

كنيته

وأما كنيته فهي: «أبو طالب» وبها اشتهر حتى طغت على أسمائه.

إذن فهو أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ابن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة، ابن مدركة ابن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

ونحن إذ نقف على عدنان; لأنّ المُشتغلين بالأنساب اتّفقوا على هذا النسب حتى عدنان، واختلفوا في عدد أجداده بعد عدنان حتى نبيّ الله اسماعيل، فقيل أربعة أجداد بين عدنان واسماعيل، وقيل سبعة، فيما ذهب فريق ثالث إلى أربعين أباً.

ولأنّ رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) كان إذا انتسب يقف على عدنان ولا يتجاوزه، ويقول: «كذب النسّابون» قال الله تعالى: (وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً).[3]

صفاته

عُرف أبوطالب بحكمته وحلمه وشجاعته الفذّة، وشاعريته المستوقدة، التي إن لم يوقفها كلّها على خدمة وتأييد رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) والدعوة إلى ما جاء به من الحقّ، فقد أوقف أكثرها من أجل ذلك، وكان وسيماً، جسيماً، عليه بهاء الملوك، و وقار الحكمة، وكانت قريش تسمّيه الشيخ، وكانوا يهابونه ويخافون سطوته، ويسمونه ببيضة البلد، ويلقبونه بشيخ الأبطح.[4]

قيل لأكثم بن صيفي حكيم العرب: ممّن تعلمت الحكمة والرياسة، والحلم والسيادة؟

قال: من حليف الحلم والأدب، سيد العجم والعرب، أبو طالب بن عبدالمطلب.

وجرى ذات يوم كلام خشن بين معاوية وصعصعة وابن الكواء.

فقال معاوية: لولا أنّي أرجع إلى قول أبي طالب لقتلتكم وهو:

قابلت جهلهم حلماً ومغفرة

 
والعفو عن قدرة ضرب من الكرم


أبوه

غني عن التعريف، ولكنّ المقام يدفعنا إلى ذكر شيء من حياته ومناقبه، فهو عبد المطلب، شيبة الحمد، أمير مكّة وشريفها، كان سيّد قومه بلا منازع، ومفزع قريش في نوائبها، وملجأها، وكيف لا يكون كذلك، وهو حكيمها وحليمها وزعيمها... وكان موحّداً لم يعبد صنماً قط، وصاحب الأخلاق العالية، التي خلقت منه إنساناً ذا مهابة و وقار وهيبة وميل إلى الدين والنسك والكرم حتّى سمّي بمطعم الطير... وهو الذي قام بحفر ماء زمزم، التي تفجّرت تحت قدمي جدّه اسماعيل من قبل، بعد أن غاب أثرها، ولم يهتدِ إليها أحدٌ حتى هتف هاتف في منامه، فراح يحفر حتى اهتدى إليها، مستعيناً بابنه الحارث، وحيده يومذاك، كما كان صاحب الشرائع الفاضلة، فهو الذي سنّ السنن التالية:

الوفاء بالنذر، قطع يد السارق، النهي عن قتل المؤودة، تحريم الخمر، تحريم الزنا، المنع من نكاح المحارم، حظر طواف العراة بالبيت الحرام، وهي سنّة كان يعمل بها عند بعض قبائل الجاهلية.

وكلّها نالت قبول الإسلام وأمضاها، هذا إضافةً إلى ما امتاز به من خصال فريدة، وصفات جليلة، راح يهذّب أولاده ومَن حوله على التحلّي والالتزام بها.

ونكتفي هنا بذكر موقف عظيم له، يدلّ على عمق إيمانه وصدق توجّهه نحو الله تعالى واليوم الآخر، وهو ما دار بينه وبين أحد طغاة عصره وهو ابرهة الحبشي:

فقد كانت لعبد المطلب ولاية البيت الحرام من السقاية والرفادة... فخذل الله على يديه إبرهة الحبشي وجنده، الذين جاؤوا لهدم الكعبة، وصرف الحاجّ عنها إلى بيت بناه في اليمن، ليكون بديلاً عن الكعبة، ويجني من عمله هذا مصالح ومنافع كثيرة... ولما التقى ابرهة بعبد المطلب، كان كلّ همّه أن يستميله إلى جانبه، وأن يجعل منه أداةً لتحقيق ما جاء من أجله، إلاّ أنّه ـ مع كلّ ما قدّمه أو توعّده به ـ لم يجد منه إلاّ الرفض، وإلاّ الثقة العالية بالله تعالى، مكتفياً بأن يردّ إليه إبله وشويهاته التي أخذها جنده، ممّا جعل ابرهة يسخر منه ويستخفّ به قائلاً:

كنت في نفسي كبيراً، وسمعت أنّك وجيه في قومك، فلمّا سألتك عن حاجتك، وذكرت الإبل والشياه، ونسيت بلدك وأهلك وبيتك المقدّس، سقطت من عيني.

فكان جواب عبد المطلب مملوءاً حكمةً وتسليماً مطلقاً إلى الله تعالى، وهو أمر لا يدركه إلاّ من امتحن الله قلبه بالإيمان.

إنّها كلمات ما أقلّها، وما أعظمها!

«الإبل لي، وللبيت ربّ يحميه».

فقال إبرهة: ما كان ليمتنع منّي.

فقال عبد المطلب: أنت وذلك، وصعد على الجبل، متضرّعاً، وهو ينشد:

يا ربّ عادِ من عاداك

 
وامنعهموا أن يهدموا حماك


ولم يكتف بهذا، بل راح يستحثّ قومه على ترك مكّة، واللجوء إلى الجبل، خشية بطش ابرهة وجيشه، ثمّ طلب منهم التوجّه إلى الله بالدعاء، وهو يرى أن لا قدرة لقومه على ردع إبرهة وجيشه إلاّ بسلاح الدعاء... فحلّت الكارثة بإبرهة وجنده، وهو ما تكفّلت ببيانه سورة مباركة سميت بسورة الفيل عبر آياتها الخمس، فراحت تحكي ما حلّ بهذا الطاغية ومن معه.[5]

(أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ* أَ لَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَعَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ* تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ* فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ).

*  *  *

 

في هكذا بيت يكتنفه التوحيد، ونبل الصفات، وجميل الخصال... ولد أبوطالب قبل ولادة رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) بخمس وثلاثين سنة، فاتصف بكلّ صفاته ومناقبه فكان سيّد بني هاشم في الجاهلية بل سيّد قريش، في وقت لا ينال أحد السيادة هذه بلا مال إلاّ أبو طالب، وترعرع ونشأ في حجر زعيم هذا البيت وسيّده، في هكذا أُسرة وفي هكذا جوّ مفعم بالخير والعطاء والحكمة والشجاعة والتسليم المطلق إلى الله تعالى، شبّ أبو طالب وقد انصهرت في نفسه شمائل هذه الأُسرة المباركة، التي عرفت بتأريخها الحافل وأمجادها العظيمة، فجدّه هاشم هو الذي أسّس الإيلاف: (لإِِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَ الصَّيْفِ)، فهو الذي أنشأ هاتين الرحلتين اللتين درّتا بخيرات عظيمة على قريش، ومنافع كبيرة، وهو الذي نادى بالعدالة وحبّ الناس ورفع الظلم عنهم، ومن قبله جدّهم قصي ابن كلاب، الذي كان له الدور الكبير في تنظيم المجتمع المكّي، وجمع شتات قريش وشملها حتى سمّي «مُجمِّعاً».

وأبو طالب نفسه هو الذي سنّ القسامة (الأيمان) في الجاهلية، وكانت أوّلاً في دم عمر بن علقمة، ثمّ استمرت، وأمضتها الشريعة الإسلامية فيما بعد; كما كانت له السقاية بعد أبيه، بل كان شريكاً له في خصائصه وأعماله.

إذن فهي أُسرة مشاريع كلّها خير وعطاء، وهو وليد أُسرة هاشمية مباركة، راحت بركاتها تعمّ الخافقين!

اُمّه

كانت لعبد المطلب زوجات خمس، وكان له منهنّ عشرة ذكور وست نساء، فأمّ عبدالله والد النبيّ(صلي الله عليه و آله و سلم) وأبي طالب والد الإمام عليّ(عليه السلام) والزبير، وجميع النساء غير صفية، كانت فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مُرّة ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر.

فأبوطالب يلتقي مع رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) من الاُم بجدّهم مُرّة، فأمّ رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) هي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مُرّة بن كعب بن لؤي بن غالب ابن فهر بن مالك بن النضر.

قال ابن هشام: فرسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) أشرف ولد آدم حسباً، وأفضلهم نسباً من قِبَل أبيه وأُمّه،[6] وما من شك أنّ هذه الأشرفية والأفضلية تشمل أبا طالب أيضاً.

زوجته

إنّ الكلام عن «أبو طالب» يجرّنا إلى الكلام عن زوجته الفاضلة الوحيدة،[7] ابنة عمّه، وهي أوّل هاشميّة تزوّجها هاشمي، وعليّ بن أبي طالب يعدّ واخوته هاشميين أباً وأُمّاً، فقد تعوّد بنو هاشم أن يصهروا إلى أُسر أُخرى.

لقد كانت هذه المرأة الجليلة ذات منزلة رفيعة جعلتها من اللائي امتازت
حياتهنّ بمواقف عظيمة في حركة الأنبياء ومسيرتهم عبر التأريخ، فقد أثنى عليها
رسول الله
(صلي الله عليه و آله و سلم) لاهتمامها به ورعايتها له طيلة سبعة عشر عاماً، ممّا جعله شاكراً لها ولمعروفها معه، حتى كان يدعوها «أُمّي بعد أُمّي التي ولدتني» فقد كانت تفضّله على أولادها الأربعة.

حظيت هذه السيدة، والمرأة المؤمنة الطاهرة، بمكانة عظيمة في قلب رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) وتركت في نفسه آثاراً طيبة، راح يذكرها طيلة حياته، ويترحم عليها، ويدعو لها... تقول الرواية:

لما ماتت فاطمة بنت أسد أُمّ عليّ(عليه السلام) ـ وكانت قد أوصت لرسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) وقَبِل وصيتها ـ ألبسها النبيّ(صلي الله عليه و آله و سلم) قميصه، واضطجع معها في قبرها، فقالوا: ما رأيناك يا رسول الله صنعت هذا!

فقال: «إنّه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرّ بي منها، إنّما ألبستها قميصي; لتكسى من حلل الجنّة، واضطجعت معها; ليُهوَّن عليها».

وفي دعاء خاص لها، قال: «أللهم اغفر لأمّي فاطمة بنت أسد، ولقنها حجّتها، ووسّع عليها مدخلها»، وخرج(صلي الله عليه و آله و سلم) من قبرها وعيناه تذرفان دموعهما، وكان هذا في السنة الرابعة من الهجرة النبوية.

لقد كانت رضوان الله عليها لرسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) طيلة سبعة عشر عاماً قضتها معه بمنزلة الاُمّ، بل كانت أماً بكلّ ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، وقد كانت بارّةً برسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) : «لم يكن بعد أبي طالب أبرّ بي منها» فحنانها وشفقتها ورعايتها له، بلغت مبلغاً عظيماً حتى فاقت رعايتها لأبنائها، وكأنّها تعلم أنّ له مكانة عظيمة وشأناً جميلاً، تقول بعض الروايات كان أولادها يصبحون شعثاً رمصاً، ويصبح رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) كحيلاً دهيناً.

هذا في مداراتها لرسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) وحبّها له; أمّا في إيمانها، فقد كانت بدرجة عظيمة، ومن السابقات إلى الإسلام بعد عشرة من المسلمين، ومن المهاجرات الأول إلى المدينة، ثمّ هي بعد هذا بدريّة وهي كرامة عظيمة لها.[8]

بدأ أبو طالب حياته مع هذه السيدة الهاشمية المُباركة بخطبته التي قال فيها:

«ألحمد لله ربّ العالمين، ربّ العرش العظيم، والمقام الكريم، والمشعر والحطيم،
الذي اصطفانا أعلاماً وسادةً، وعرفاء خلصاً وقادةً، وحجّة بهاليل، أطهاراً من الخنا والريب، والأذى والعيب، وأقام لنا المشاعر، وفضّلنا على العشائر، نخب إبراهيم وصفوته، وزرع إسماعيل، وقد تزوجت فاطمة بنت أسد، وسقت المهر، وأنفذت الأمر، فاسألوه واشهدوا».

فقال أسد: زوجّناك ورضينا بك.

وأولم أبو طالب سبعة أيام متوالية، ينحر فيها الجزر، وفي ذلك يقول أُمية بن السلط:

أغمزنا عرس أبي طالب

 
وكان عرساً لين الجانب

إقراؤه الضيف بأقطارها

 
من رجل خفّ ومن راكب

فنازلوه سبعة أحصيت

 
أيامها للرجل الحاسب


أولاده

كان لأبي طالب من الأولاد الذكور أربعة، أكبرهم طالب، ثمّ عقيل، ثمّ جعفر ثمّ عليّ(عليه السلام) وكلّ واحد أكبر من الذي بعده عشر سنوات، وكان علي(عليه السلام) أصغر أولاده.

ومن الإناث: أُمّ هاني، وكلّهم من فاطمة بنت أسد، التي لم يتزوّج غيرها.

أبوطالب و رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم)

بعد هذا الاستعراض السريع، نعود إلى علاقته برسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) كفالةً وحبّاً ودفاعاً وإيماناً بما جاء به; أمانة السماء التي حملها رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) بشيراً ونذيراً، ورحمةً للعالمين.

فإنّه يحسّ بشرف!

لقد تكفّل جدّه عبد المطلب محمداً تربية وتنشئةً... وحفظه ورأف به رأفةً لم يرأفها بأولاده أبداً؛ فقد كان عبد المطلب لا يأكل طعاماً إلاّ أحضره معه وشركه فيه... وليس هذا فقط، بل كان يقرّبه ويدنيه إلى مجالسه العامّة والخاصة; لأنّه كان يستبشر به خيراً كثيراً، فكان لعبد المطلب مجلس خاص به في حجر إسماعيل، وهو مكان تعوّد العرب أن لا يجلس فيه إلاّ زعماؤهم، وأشرافهم، وكبراؤهم، دون غيرهم من الناس، مهما كانت منزلتهم، وعلت مكانتهم، فهذا المكان كان خاصّاً بأولئك الأشراف.

قال عطاء: سمعت ابن عبّاس يقول: سمعت أبي يقول: كان عبد المطلب أطول الناس قامةً، وأحسن الناس وجهاً، ما رآه قط شيء إلاّ أحبّه، وكان له مفرش في الحجر لا يجلس عليه غيره، ولا يجلس معه عليه أحد، وكان الندي من قريش حرب بن أُميّة فمن دونه يجلسون دون المفرش.

فجاء رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) وهو غلام يدرج; ليجلس على المفرش، فجذبوه فبكى.

فقال عبد المطلب، وذلك بعدما حجب بصره; ما لابني يبكي؟!

قالوا له: إنّه أراد أن يجلس على المفرش فمنعوه.

فقال عبد المطلب: دعوا ابني، فإنّه يحسّ بشرف، أرجو أن يبلغ من الشرف ما لم يبلغ عربي قطّ.[9]

الكفالة المُباركة

كان عبد المطلب يرى في ابنه «أبوطالب» ـ الذي حظي بوراثة جميع مناقبه ـ الشخصية اللائقة بما تملكه من صفات رفيعة وخصال جليلة، بكفالة يتيم بني هاشم، سيد الكائنات محمّد بن عبدالله، الذي كان يترقّب ـ كما ذكرنا ـ فيه شرفاً عظيماً، وأمراً كبيراً، ومستقبلاً باهراً، لا يخلو من مخاطر وعقبات وآلام قد يتعرّض لها في مسيرته، وهو ما يلمسه كلّ قارئ لوصيته، التي أودعها ابنه البار أباطالب، الذي رآه من دون الآخرين من بني هاشم وغيرهم، جديراً بحمل هذه الأمانة، وهي أمانة ليست سهلةً بما تحمله من آثار كبيرة ومشاكل جمّة، قد يتعرّض لها أبوطالب أيضاً، لهذا نرى عبد المطلب قد اختاره من دون إخوته الآخرين لهذه المسؤولية، فما إن نزل به المرض حتى نادى أبا طالب، وراح يعهد إليه كفالة حبيبه محمّد، ويوصيه بقوله:

«اُنظر يا أبا طالب، أن تكون لهذا الوحيد، الذي لم يشمّ رائحة أبيه، ولم يذق شفقة أُمّه، اُنظر أن يكون منك بمنزلة كبدك، فإنّي قد تركتُ بني كلّهم، وخصصتك به...»

وفي قول آخر: «يا أبا طالب إنّي قد عرفت ديانتك وأمانتك، فكن له كما كنتُ له».

وفي قول ثالث: «يا بني قد علمتَ شدّة حبّي لمحمّد ووجدي به، اُنظر كيف تحفظني فيه».

ثمّ قال: «إن استطعت أن تتبعه فافعل، وانصره بلسانك ويدك ومالك، فإنّه، والله سيسودكم، ويملك ما لم يملك أحدٌ من آبائي».

ثمّ راح يصوّب ناظريه إلى وجه أبي طالب، كأنّه يريد أن يستطلع ما يدور في خلجات نفسه وردودها فيقول:

هل قبلت يا أبا طالب؟

فيجيبه قائلاً: قد قبلتُ، والله على ذلك شهيد.

ثمّ يضع يده بيد ابنه، ويشدّ بقوّة عليها، قائلاً: الآن خُفّف عليّ الموت، وراح يغمض عينيه بهدوء، ويرحل هناك إلى حيث الدار الآخرة بقلب راض ونفس مطمئنة، عن عمر ناهز مئة وعشرين عاماً.

فكان أبو طالب يؤثره بالنفقة والكسوة على نفسه وعلى جميع أهله، ويغدق عليه محبته وعطفه وحنانه، يقول ابن سعد في طبقاته:

كان أبو طالب لا مال له، وكان يحب محمّداً حبّاً شديداً لا يحبّه ولده، وكان لا ينام إلاّ إلى جنبه، ويخرج فيخرجه معه، وصبّ به أبو طالب صبابةً لم يصب بشيء مثلها قط، وكان يخصّه بالطعام.[10]

ثمّ واصل ابن سعد قوله:

وشبّ رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) مع أبي طالب يكلؤه ويحفظه، ويحوطه من أمور الجاهلية ومصائبها.[11]

و صحبه!

وقد صحبه إلى حرب الفجّار، وكان غلاماً عمره أربعة عشر عاماً، وقد انتصرت فيها هوازن حليفة أبي طالب على كنانة بيمن محمّد(صلي الله عليه و آله و سلم) وفي خبر آخر... فإذا جاء أبو طالب هُزمت قيس، وإذا لم يجئ هزمت كنانة، فقالوا لأبي طالب: لا أبا لك! لا تغب عنّا; ففعل.[12]

وصحبه في الاستسقاء لقومه داعياً ربّه أن يكشف عنهم القحط، وهنا بسط محمّد كفّيه، ودعا مع عمّه، فإذا الغيث ينهمر من السماء وافياً كافياً.

ذكر ابن عساكر من أنّ أهل مكّة قحطوا، فخرج أبو طالب ومعه غلام كأنّه شمس تجلّت، فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة، ولاذ الغلام بإصبعه، وأومأ نحو السماء، فأقبل السحاب من هنا وهناك، وأغدق وأخصبت الأرض.

وهنا أنشأ أبو طالب يقول:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

 
ثمال اليتامى عصمة للأرامل

تلوذ به الهلاّك من آل هاشم

 
فهم عنده في نعمة وفواضل


وصحبه في رحلته إلى ذي المجاز، وفيها عطش أبو طالب حتى كادت حرارة العطش تلتهم كبده، فما كان من محمّد إلاّ أن مدّ يده إلى صخرة شامخة، فإذا بالماء يتدفّق منها عذباً فراتاً.

وصحبه ليخطب له خديجة بنت خويلد الأسدي، المعروفة بشرفها وعفّتها ومالها، فقد كانت تستأجر الرجال في تجارتها، وقد حظيت أخيراً برسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) ليخرج في تجارتها إلى الشام وهو ابن خمس وعشرين سنة مع غلامها ميسرة، فباع بضاعتها بأضعاف ما كانت خديجة تربحه، فسرّت بهذا كثيراً، وحدّثت نفسها بالزواج منه.

فابتدأ أبو طالب خطبتها بأن قال: ألحمد لربّ هذا البيت، الذي جعلنا من زرع إبراهيم، وذريّة إسماعيل، وأنزلنا حرماً آمناً، وجعلنا الحكّام على الناس، وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه.

ماأجمل كلامك يا أباطالب و أعظمه!

ثمّ إنّ ابن أخي هذا ـ يعني محمّد بن عبدالله ـ ممّن لا يوزن برجل من قريش، إلاّ رجح به، ولا يقاس به رجل إلاّ عظم عنه، ولا عدل له في الخلق، وإن كان مقلاًّ في المال، فإنّ المال رفد جار وظلٍّ زائل!

وله في خديجة رغبة، وقد جئناك (ويقصد به ورقة بن نوفل عمّها) لنخطبها إليك برضاها وأمرها، والمهر عليَّ في مالي، الذي سألتموه عاجله وآجله، وله وربّ هذا البيت حظٌّ عظيم ودين شائع ورأي كامل.

ثمّ سكت أبو طالب، وتكلّم عمّها وتلجلج أي تردّد في الكلام وقصر عن جواب أبي طالب، وأدركه القطع والبهر (النَفس من الأعياء).

وهنا قالت خديجة مبتدئة: يا عمّاه إنّك وإن كنت أولى بنفسي منّي في الشهود، فلستَ أولى بي من نفسي، قد زوّجتك يا محمّد نفسي والمهر عليَّ في مالي، فَأمُر عمّك، فلينحر ناقةً فليولم بها، وادخل على أهلك.

وهنا قال أبو طالب: اشهدوا عليها بقبولها محمّداً وضمانها المهر في مالها.

فقال بعض قريش: يا عجباه المهر على النساء للرجال! فغضب أبو طالب غضباً شديداً، وقام على قدميه، وكان ممّن يهابه الرجال، ويكره غضبه، فقال: إذا كانوا مثل ابن أخي هذا، طلبت الرجال بأغلى الأثمان وأعظم المهر، وإذا كانوا أمثالكم، لم يزوّجوا إلاّ بالمهر الغالي.

ونحر أبو طالب ناقةً، ودخل رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) بأهله.

إظهار الدين الجديد

في السنة الرابعة من البعثة النبوية المُباركة، جاء أمر السماء محمّداً أن يظهر دعوته، ويجهر بها، فبادر رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) عمّه العباس قائلاً له:

إنّ الله تعالى أمرني بإظهار أمري، فما عندك؟

فقال له العباس: يا ابن أخي، تعلم أنّ قريشاً أشدّ حسداً لوالدك، وإن كانت هذه الخصلة الطامّة الطّماء، والداهية العُظمى، ورمينا عن قوس واحد، لكن قرب إلى عمّك أبي طالب، فإنّه أكبر أعمامك، إن لا ينصرك، لا يخذلك ولا يسلمك، فأتياه، فلمّا رآهما أبو طالب قال: ما جاء بكما في هذا الوقت؟ فأخبره العباس بالحال، فنظر إليه أبو طالب وقال: يا ابن أخي إنّك الرفيع كعباً، والمنيع حزباً، والأعلى أباً، والله لا يسلقك لسان، إلاّ سلقته ألسن جداد، واحتدمته سيوف حداد، والله لتذلنّ لك العرب، ولقد كان أبي يقرأ الكتب جميعاً، ولقد قال: إنّ من صلبي لنبيّاً، لوددت أنّي أدركت ذلك فآمنت به، فمن أدركه من ولدي فليؤمن به.

(وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)[13]:

وفي تفسير هذه الآية، بعض من المفسّرين ومن أصحاب السير أنّ النبيّ(صلي الله عليه و آله و سلم)
لما قام ليدعو أُسرته، عارضه أبولهب، فقال أبو طالب: اسكت يا أعور! ما أنت
وهذا؟ ثمّ قال للنبي
(صلي الله عليه و آله و سلم) : قم يا سيّدي وتكلّم بما تحب، وبلّغ رسالة ربّك، فإنّك الصادق الصديق.[14]

وفود قريش

تعاقبت وفود قريش على أبي طالب، بعد أن أعلن رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) رسالة السماء، فكان يواجهها بمواقفه المعروفة بالحكمة.

وفد قريش الأوّل

ومضى رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) على أمر الله، مظهراً لأمره، لا يردّه عنه شيء، فلمّا رأت قريش أنّ رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) لا يعتبهم (أي لايرضيهم) من شيء، أنكروه عليه، من فراقهم وعَيب آلهتهم، ورأوا أنّ عمّه أبا طالب قد حَدِبَ عليه، وقام دونه، فلم يُسلمه لهم، مشى رجال من أشراف قريش إلى أبي طالب، عتبة وشيبة، ابنا ربيعة ابن عبد شمس...، وأبو سفيان بن حرب بن أُميّة... وأبو البختري، والأسود بن عبدالمطلب ابن أسد، وأبو جهل، والوليد بن المغيرة، ونبيه ومنبّه ابنا الحجاج، والعاص بن وائل.

فقالوا وهم على كلمة واحدة لا غيرها: إنّ ابن أخيك قد سبّ آلهتنا، وعاب ديننا، وسفّه أحلامنا، وضلّل آباءنا، فإمّا أن تُكفّه عنّا، وإمّا أن تخلّي بيننا وبينه، فإنّك على مثل ما نحن عليه من خلافه، فنكفيكه، فقال لهم أبو طالب قولاً رفيقاً، وردّهم ردّاً جميلاً، فانصرفوا عنه.

وفد قريش الثاني

ثم إنّهم مشوا إلى أبي طالب مرّةً أُخرى، فقالوا له: يا أبا طالب، إنّ لك سنّاً وشرفاً ومنزلةً فينا، وإنّا استنهيناك من ابن أخيك، فلم تنهه عنّا، وإنّا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفّه عنّا، أو ننازله وإيّاك في ذلك، حتى يهلك أحدُ الفريقين.

وفي خبر آخر، أنّ قريشاً حين قالوا لأبي طالب هذه المقالة، بعث إلى رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) فقال له: ياابن أخي، إنّ قومك قد جاؤوني، فقالوا لي كذا وكذا، للذي كانوا قالوا له، فأبق‌ِ عليّ وعلى نفسك، ولا تُحمّلني من الأمر ما لا أطيق.

فظنّ رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) أنّه قد بدا لعمّه فيه بَداء، أنّه خاذله ومسلّمه، وأنّه قد ضعف
عن نصرته والقيام معه، فقال رسول الله
(صلي الله عليه و آله و سلم): «يا عمّ، والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يُظهره الله، أو أهلك فيه، ما تركته» ثم استعبر رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) فبكى ثمّ قام، فلمّا ولّى ناداه أبوطالب، فقال: أقبل يا ابن أخي، قال: فأقبل عليه رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم)، فقال: إذهب يا ابن أخي، فقل ما أحببت، فوالله، لا أُسلّمك لشيء أبداً.

وفد قريش الثالث

ثمّ إنَّ قريشاً حين عرفوا أنّ أباطالب أبى خذلان رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) مشوا إليه بعُمارة بن الوليد بن المغيرة، فقالوا له: يا أبا طالب، هذا عمارة بن الوليد، أنهد (أشدّ وأقوى) فتى في قريش وأجمله، فخذه، فلك عقله ونصره، واتخذه ولداً فهو لك، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا، الذي قد خالف دينك ودين آبائك، وفرّق جماعة قومك، وسفّه أحلامهم، فنقتله، فإنّما هو رجل برجل، فقال: والله لبئس ما تسومونني (تكلفونني) أتُعطونني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه; هذا والله ما لا يكون أبداً.[15]

أبوطالب والموقف القرشي

وأخيراً ـ وبعد أن يئست وفودها ـ تيقنت قريش وزعماؤها أنّ أبا طالب لا يسلم ابن أخيه ولا يخذله، بل سيمنع محمّداً(صلي الله عليه و آله و سلم) منهم بكل ما أوتي من قوّة، وما دام فيه عرق ينبض، بل راحوا يلمسون ويرون نشاطه الواضح في الترويج للرسالة الجديدة، ويحرّض أهله على الإيمان بها، والوقوف بجانب محمّد(صلي الله عليه و آله و سلم) ونصرته.

فتارةً: يأمر ابنه جعفراً بالصلاة، حيث رأى محمّداً(صلي الله عليه و آله و سلم) يصلّي، وإلى جانبه علي(عليه السلام)، فيقول لجعفر: صل جناح ابن عمّك.[16]

وأُخرى: يقول لأخيه حمزة حينما أعلن إسلامه:

فصبراً أبايعلى على دين أحمد

 
وكن مظهراً للدين وفّقت صابرا


وثالثة: يخاطب محمّداً(صلي الله عليه و آله و سلم) بعد وفود قريش له، تستعين به على إيقاف جهد
محمّد ونشاطه في تسفيه أحلامهم ومعتقداتهم، ثمّ دعوتهم إلى الإيمان بالله تعالى وحده. فيقول له:

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

 
حتى أؤسد في التراب دفينا


أبوطالب والحصار في الشعب

لما رأى أبوطالب أنّ قريشاً يئست في كلّ محاولاتها من الوصول إلى هدفها في استمالته إلى جانبها ضد محمّد(صلي الله عليه و آله و سلم) ودعوته، وبالتالي منع الدعوة الجديدة من الانتشار والاتساع في المجتمع المكّي وأطرافه وقبائله، بدأت تغيّر أساليبها لتقويض الدين الجديد، فراحت تفكّر بإيذاء الرسول(صلي الله عليه و آله و سلم) بل بقتله، فما كان من أبي طالب إلاّ أن يأمُر بني هاشم وبني المطلب أن يدخلوا برسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) الشعب، ليمنع ما قد تقدم عليه قريش من أذى لرسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم)... أو أنّه دخل ورسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) وجمع معه الشعب، ثمّ انحاز إليهم بنوهاشم والمطلب إلاّ أبا لهب فقد خرج من بني هاشم وظاهر قريشاً.

الصحيفة و ماآلت إليه

حيث إنّ قريشاً ما إن رأت هذه الخطّة الجديدة من أبي طالب، حتى استقرّ رأيها على كتابة عهد يوقّعه الجميع، يتضمّن مقاطعة شاملة، سياسية، واقتصادية، واجتماعية لبني هاشم والمطلب، وأن يضيّقوا عليهم ويمنعوهم من حضور الأسواق، وأن لا يبايعوهم ولا يناكحوهم، ولا يقبلوا لهم صلحاً أبداً، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم).

وبعد أن كتبوا هذه الوثيقة، وتعاهدوا وتواثقوا فيها في جوف الكعبة توكيداً على أنفسهم، وكان كاتب هذه الصحيفة منصور بن عكرمة ابن عامر، ويُقال النضر بن الحارث، فدعا عليه رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) فشلّ بعض أصابعه.

وقال أبو طالب شعراً:

ألا أبلغا عني على ذات بيننا

 
لؤيّاً وخُصّا من لؤي بني كعب

ألم تعلموا أنّا وجدنا محمّداً

 
نبيّاً كموسى خُطّ في أوّل الكتب؟

وأنّ عليه في العباد محبةً

 
ولا خير ممّن خصّه الله بالحب

وأنّ الذي ألصقتم من كتابكم

 
لكم كائن نحساً كراغبة السقب

أفيقوا أفيقوا قبل أن يحفر الثرى

 
ويصبح من لم يجن ذنباً كذي الذنب

ولا تتبعوا أمر الوشاة وتقطعوا

 
أواصرنا بعد المودّة والقرب

فلسنا وربّ البيت نسلم أحمداً

 
لعزّاء (لشدة) من عضّ الزمان ولاكرب

أليس أبونا هاشم شدّ أزره

 
وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب

ولسنا نملّ الحرب حتى تملّنا

 
ولا نشتكي ما قد ينوب من النكب


ظل بنوهاشم والمطلب ومن معهم ثلاث سنين، وقول آخر، مكثوا سنتين في الشعب، فترك هذا الحصار أثره عليهم، وأصابتهم ضائقة شديدة، حتى جهدوا حيث لا يصل إليهم شيء إلاّ سرّاً، وكان دور أبي طالب، وأُمّ المؤمنين خديجة عظيماً في تخفيف المعاناة هذه داخل الشعب، حيث كانا يدخلان المؤن والأقوات إلى داخل الشعب خفيةً، حتى هيّأ الله تعالى الأرضة، فأكلت معاهدة قريش، وأوصى الله تعالى إلى رسوله بهذا، فأخبر عمّه أباطالب: يا عمّ إنّ ربي الله قد سلّط الأرضة على صحيفة قريش، فلم تدع فيها اسماً هو لله إلاّ أثبتته فيها، ونفت منه الظلم والقطيعة والبهتان.

فقال: أربك أخبرك بهذا؟

قال: نعم.

قال: فوالله ما يدخل عليك أحد.

فبادر أبوطالب إلى مجالس قريش وأنديتها، ليخبرهم بما آلت إليه وثيقتهم، وبما صنع الله تعالى في صحيفتهم، وأنّ الذي أخبره بذلك هو رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم).

ووضعهم بهذا أمام امتحان واختبار، حيث قال لهم: إن كان الحديث كما يقول ابن أخي، فأفيقوا، وإن لم ترجعوا، فوالله لا نسلّمه حتى نموت عن آخرنا، وإن كان الذي يقول باطلاً، دفعنا إليكم صاحبنا.

فقالوا: قد رضينا بما تقول، وتعاقدوا على ذلك، ثمّ فتحوا الصحيفة، فوجدوا الأمر كما أخبر به الصادق الأمين.

وعندما رأت قريش صدق ما جاء به أبوطالب، قالوا: هذا سحر ابن أخيك، وما زادهم ذلك إلاّ بغياً وعتواً وعدواناً.

فقال لهم أبوطالب: علام نحبس ونحصر، وقد بان الأمر، وتبيّن أنّكم أولى بالظلم والقطيعة والإساءة؟

ثمّ دخل يمين أستار الكعبة، ودخل معه بنو هاشم قائلين: أللّهمّ انصرنا على من ظلمنا، وقطع أرحامنا، واستحل من يحرم عليه منا، ثمّ انصرفوا إلى الشعب.

وقال أبو طالب في هذا شعراً.

وقد كان في أمر الصحيفة عبرة

 
متى ما يخبّر غائب القوم يعجب

محا الله عنها كفرهم وعقوقهم

 
وما نقموا من ناطق الحقّ معرب

فأصبح ما قالوا من الأمر باطلاً

 
ومن يختلق ما ليس بالحق يكذب[17]


وفي نهاية هذا الموقف، وافق أباطالب قوم وآمنوا به، وامتنع آخرون.

وقام أبوطالب، يمدح أولئك النفر الذين قاموا ـ بعد أن اتّضح لهم الحقّ ـ في نقضها في ستة وعشرين بيتاً من الشعر كان منها:

فيخبرهم أنّ الصحيفة مزّقت

 
وأنّ كلَّ ما لم يرضه الله مفسد[18]


أبوطالب يستحث قومه

وحينما رأى أبوطالب ما تقوم به قريش من تعذيب أتباع رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) ومريديه، وما يصنعونه في بنيهاشم وبني المطلب، دعا قومه إلى المجيء إلى ما هو عليه، والانضمام إليه، من منع رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم)، والقيام دونه، فلبّى قومه دعوته، إلاّ ما كان من تمرّد أبي لهب وعدم استجابته لهذه الدعوة.

وما إن رأى أبوطالب موقف قومه هذا وما سرّه في جهدهم معه، وحدبهم عليه، حتى راح يمدحهم ويذكر قديمهم، وفضل رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) فيهم، ومكانته الكبيرة بينهم، ليشُدّ لهم رأيهم، وليَحدَبوا معه على أمره، فقال:

إذا اجتمعت يوماً قريش لمفخر

 
فعبدُ مناف سرها وصميمها

وإن حُصّلت أشراف عبد منافها

 
ففي هاشم أشرافها وقديمها

وإن فخرت يوماً فإنّ محمّداً

 
هو المصطفى مَن سرّها وكريمها

تداعت قريش غُثها وسمينها

 
علينا فلم تظفر وطاشت حلومها[19]


الوصية الأخيرة

من على فراش مرضه، الذي يدثّره وقد مات فيه، انطلقت كلمات ‌رائعة، فكانت نوراً يدخل القلوب، وكانت وصايا تنبع الحكمة من أعماقها، وكانت كلمات تتفوّه بها بصيرة نافذة:

يا معشر قريش! أنتم صفوة الله من خلقه وقلب العرب، وفيكم السيّد المُطاع، وفيكم المقدام الشجاع، واعلموا أنّكم لم تتركوا نصيباً في المآثر إلاّ أحرزتموه، ولا شرفاً إلاّ أدركتموه.

وإنّي أوصيكم بتعظيم هذه البنية ـ الكعبة ـ فإنّ فيها مرضاة الرب، صلوا أرحامكم، ولا تقطعوها، فإنّ صلة الرحم منسأة في الأجل، وزيادة في العدد، واتركوا البغي والعقوق، ففيهما هلكت القرون قبلكم... أجيبوا الداعي، وأعطوا السائل، وعليكم بصدق الحديث، وأداء الأمانة.

ولم يقف عند هذا، بل راح يوصيهم برسول الله(صلي الله عليه و آله) خيراً، فيقول:

وإنّي أوصيكم بمحمّد خيراً، فإنّه الأمين في قريش، والصديق في العرب، وهو الجامع لكلّ ما أوصيتكم به، دونكم يا معشر قريش ابن أبيكم، كونوا له ولاة، ولحزبه حماة.

ثمّ راح يحدّق بعيداً في مستقبل هذه الاُمّة والرسالة، فيقول:

وأيم الله، لكأنّي أنظر إلى صعاليك العرب والمستضعفين من الناس، قد أجابوا دعوته، وعظّموا أمره، فخاض بهم غمرات الموت، ولكأنّي به، وقد محضته العرب ودادها، وأعطته قيادها.

ثمّ يلتفت إلى محمّد ويخاطبهم بقوله:

والله لا يسلك أحدٌ سبيله إلاّ رشد، ولا يأخذ أحد بهديه إلاّ سعد، انصروا محمّداً، فإنّه الهادي إلى سواء السبيل.

ولو أنّ الله تعالى أخّر أجله وأمدّ في عمره، وقد عبّر عن أُمنيته هذه بقوله:

ولو كان للنفس مدة، وفي أجلي تأخير، لكففتُ عنه الهزاهز، ولدافعتُ عنه
الدواهي.

هذه هي وصيّته في عامة الجالسين، وكان منهم المشركون الذين يتلهفون إلى موته، ليميلوا على محمّد وصحبه، ميلةً واحدة، ويبطشوا بهم.

ثم تحين منه التفاتة إلى بني هاشم، بعد أن خلا المجلس إلاّ منهم، فيقول:

يا معشر بني هاشم! أطيعوا محمّداً وصدّقوه، تفلحوا وترشدوا.

ثمّ راح يخصّ أربعة من الهاشميين وهم: ولداه: علي وجعفر، وأخواه: الحمزة والعباس، فيقول:

أوصي، بنصر نبي الله، أربعة

 
ابني علياً، وعم الخير عباسا

وحمزة الأسد المخشيَّ صولته

 
وجعفراً، أن تذودوا، دونه الناسا

كونوا ـ فداء لكم أمّي، وما ولدت

 
في نصر أحمد، دون الناس، أتراسا[20]


ومَن كانت هذه وصاياه، أتظنه يموت كافراً، وعن هذا النعيم والفلاح غافلاً؟!

وفاة أبي طالب

توفي بيضة البلد عن ستة وثمانين عاماً، في شهر رمضان، وقيل في النصف من شوال، وقيل في رجب من السنة العاشرة للبعثة النبويّة الشريفة، أي قبل الهجرة بثلاث سنوات، قبل وفاة أُمّ المؤمنين خديجة(عليها السلام) بثلاثة أيام، أو بشهور على قول، ولهذا سمّى الرسول(صلي الله عليه و آله) هذا العام عام الحزن، وقال: «اجتمعت عليَّ في هذه الأيام مصيبتان بأيّهما أنا أشدّ جزعاً».[21]

فما إن أغمض عينيه الساهرتين على رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم)، حفظاً ورعايةً ومؤازرةً ودفاعاً ودعوةً إلى ما يحمله بين يديه، حتى أمر الرسول(صلي الله عليه و آله) عليّاً(عليه السلام) أن يغسّله ويكفّنه، فعن علي(عليه السلام) أنّه قال: أخبرت رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) بموت أبي طالب، فبكى، ثم قال: «اِذهب فغسّله، وكفّنه، وواره غفر الله له».[22]

وفي خبر ثمّ جاء رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) يشيعه ويرثيه قائلاً:

«وصلتك رحم يا عم، وجزيت خيراً، فلقد ربيت، وكفلت صغيراً... ونصرت، وآزرت كبيراً... أمّا والله لأستغفرنَّ لك، ولأشفعنّ لك شفاعة يعجب لها الثقلان...

وا أبتاه! وا أبا طالباه! وا حزناه عليك يا عم كيف أسلو عنك، يا من ربّيتني صغيراً، وأحببتني كبيراً، وكنتُ عندك بمنزلة العين من الحدقة، والروح من الجسد؟!»

بهذه العبارات، والعبرات، والقلب الحزين، ودّع رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) عمّه، كما ودّعته الرسالة كذلك ; بكاه الرسول والرسالة والناس أجمعون، بكته الجموع المؤمنة أباً رحيماً، وعمّاً ودوداً، ومربّياً واعياً، ومدافعاً حكيماً، ومؤمناً حليماً.

يقول البكري في كتاب مولد أميرالمؤمنين(عليه السلام) عن الحزن الذي ملأ أجواء مكّة:...
شققن النساء على أبي طالب الجيوب، ونشرن الشعور، وشمل الحزن جميع شعاب مكّة وشعوبها.

وراح أميرالمؤمنين(عليه السلام) يرثي أباه:

أبا طالب عصمة المستجير

 
وغيث المحول، ونور الظلم

لقد هدّ فقدك أهل الحفاظ

 
فصلّى عليك وليّ النعم


ومما قيل عنه

نذكر هنا بعض الروايات والأقوال الواردة بحقّه رضوان الله عليه

عن الإمام عليّ(عليه السلام) أنّه قال:

«كان والله أبوطالب... مؤمناً مسلماً، يكتم إيمانه مخافةً على بني هاشم أن تنابذها قريش».[23]

كان أميرالمؤمنين(عليه السلام) يعجبه أن يروي شعر أبي طالب وأن يدوّن، وقال: «تعلموه وعلّموه أولادكم، فإنّه كان على دين الله، وفيه علم كثير».

روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال:

«إنّ أصحاب الكهف أسروا الإيمان وأظهروا الكفر، فأتاهم الله أجرهم مرّتين،
وإنّ أباطالب أسرّ الإيمان وأظهر الشرك، فأتاه الله أجره مرّتين، وما خرج من الدنيا
حتى أتته البشارة من الله بالجنّة، كيف يصفونه بهذا (أنّه مات كافراً) وقد نزل
جبريل ليلة مات أبوطالب، فقال يا محمّد أخرج من مكّة فما لك بها من ناصر بعد أبي طالب».
[24]

ممّا قالوا

يقول ابن الأثير في جامع الاُصول: فلمّا رأى المشركون ذلك ـ يعني إظهار الدعوة ـ خالفوه وعاندوه، وأظهروا عداوته، وأجمعوا على أذاه، وهمّوا بقتله، فأجاره عمّه أبوطالب، ودفع عنه وحماه، إلاّ أنّ قريشاً تظافروا على بني هاشم وبني المطلب، حتى حصروهم في الشعب.

ثم قال: فمات أبوطالب بعد ذلك بستة أشهر، وماتت خديجة بعده بثلاثة أيام، وقيل: بخمسة أيام، وقيل: بأكثر من ذلك، فبان أثر موتهما على النبيّ(صلي الله عليه و آله و سلم) فخرج إلى الطائف.[25]

وقال الزمخشري: قال النبيّ(صلي الله عليه و آله و سلم): «ما زالت قريش كاعة، حتى مات أبوطالب» أي جبناء عن أذاي، جمع كائع.[26]

يقول الطبري: ولما هلك أبوطالب، خرج رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) إلى الطائف يلتمس من ثقيف النصر والمنعة له من قومه.[27]

ويقول أيضاً، بعد أن يذكر أنّ أباطالب وخديجة هلكا في عام واحد قبل هجرته(صلي الله عليه و آله و سلم) إلى المدينة بثلاث سنين: فعظمت المصيبة على رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) بهلاكهما; وذلك أنّ قريشاً وصلُوا من أذاه بعد موت أبي طالب إلى ما لم يكونوا يصلون إليه في حياته، حتى نثر بعضهم على رأسه التراب.

وقال ابن أبي الحديد: ومَن أراد أن يقف على شدّة بلاء أبي طالب في الدفع عنه والذب، حين تعاقدت قريش على قطعه(صلي الله عليه و آله و سلم)، وكتبوا في ذلك الكتاب وعلّقوه في الكعبة، ووثبت كلّ قبيلة على من أسلم منهم يعذبونهم على الصخر والصفا في حرّ الشمس، وحين صدّوهم في الشعب سنتين أو ثلاثاً، ومع ذلك كلّه أبوطالب يحوط النبيّ(صلي الله عليه و آله و سلم) ويمنعه ويقوم دونه، فليراجع كتب السير، يقف على ما صنعه معه، بل لشاهد عياناً صدق قول الباقر(عليه السلام) وقد سئل عن إيمانه: «ولو وضع إيمان أبي طالب في كفّة ميزان، وإيمان هذا الخلق في الكفّة الاُخرى؛ لرجح إيمانه».[28]

وهنا يذكر ابن أبي الحديد: أنّ علي بن الحسين(عليه السلام) سُئل عن هذا، فقال: «واعجباً، إنّ الله تعالى نهى رسوله أن يُقرّ مسلمة على نكاح كافر، وقد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام، ولم تزل تحت أبي طالب حتى مات».[29]

روى عكرمة عن ابن عباس أنّه قال: جاء أبو بكر إلى النبيّ(صلي الله عليه و آله و سلم) بأبي قحافة، يقوده وهو شيخ كبير أعمى، فقال رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) لأبي بكر: ألا تركت الشيخ حتى نأتيه؟! فقال أبوبكر: أردت يا رسول الله أن يأجرني الله، أما والذي بعثك بالحقِّ، لأنا كنتُ أشدّ فرحاً بإسلام عمّك أبي طالب مني بإسلام أبي، التمس بذلك قرّة عينك.

فقال رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم): «صدقت».[30]

وقد اشتهر عن المأمون العباسي أنّه قال: والله أسلم أبوطالب بقوله:

نصرتُ الرسول رسول المليك

 
ببيض تلألأ سمع البروق

أذبّ وأحمي رسول الإله

 
حماية حام عليه شفيق...[31]


أبوطالب ضحيّة مؤامرة قذرة!

بدايتها:

في العصر الأوّل للإسلام لم يكن هناك أي اختلاف في إيمان أبي طالب، وإنّما بدأ هذا بعد أن تفاقم الخلاف، حتى وصل إلى الصراع بين علي(عليه السلام) ومعاوية، فراحت الروايات الموضوعة تقوّض مناقب، وتختلق أُخرى، وتميت مواقف، وتصنع غيرها، عبر أكثر من سبعين ألف منبر، وخلال سبعين سنة، تحت شعار أن برئت الذمّة ممن روى شيئاً في فضل أبي تراب وأهل بيته... ولا تتركوا خبراً يرويه أحدٌ من المسلمين في أبي تراب، إلاّ وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فإنّ هذا أحبّ إليَّ وأقر لعيني، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته،[32] حتى قيل له: أما آن لك ـ يا معاوية ـ أن تترك عليّاً وشأنه، وتأمر بترك مسبّته على المنابر؟

قال معاوية: لا، حتى يموت عليها الكبير ويربو عليها الصغير.

لم أجد، وأنا أُقلّب صفحات التأريخ بحثاً عمّا يتعلّق بحياة شيخ قريش وسيّدها أبي طالب، ثغرةً للنفاذ منها إلى تأييد ما ذهب إليه قوم من تكفيرهم له، وأنّه مات كافراً برسالة السماء، التي حملها ابن أخيه، وهو ينطلق من بين يدي أبي طالب نبيّاً رسولاً، مبشّراً نذيراً، ويدا أبي طالب تبارك له عمله وكدحه وجهاده، ويقف سدّاً منيعاً ضد من يريد الكيد به قريباً كان أو بعيداً، لم أعثر على شيء يؤيّد قولهم هذا، ويقف دليلاً على ما زعموه، إلاّ أني خطر ببالي شيء، قد يكون هو لا غير وقلت في نفسي: لو كان أبوطالب أبا أحد من رجالهم غير عليٍّ(عليه السلام) لما تجرأوا واتهموه بهذا، ولوصفوه بأجمل خصائص الإيمان، وهو فعلاً ما حصل لأبي سفيان وأمثاله، ولملئت كتبهم وحناجرهم مدحاً له واطراءاً وثناءاً عليه، ولكن الرجل كان ضحيّة بغضهم لابنه عليٍّ(عليه السلام) وكان جزءاً من تلك المؤامرة، ومن ذلك النزاع، الذي نشب في صفوف الأُمّة المسلمة بعد رحلة رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) إلى الرفيق الأعلى، ثمّ تعاظم حتى اكتمل بمؤامرة الشتم والتسقيط، التي أسّسها وقادها الحكم الأُموي في الشام، وسخّروا لها كلّ ما من شأنه تزييف الحقائق وتضليل الناس، من مال وسلاح وترغيب وتهديد، لتنال من المقام الشامخ للإمام عليٍّ(عليه السلام) حتى كاد أن يكون، بل صار فعلاً الهدف الأوّل والرئيسي لحكمهم.

إنّه صراع بين إسلام رسالي انتهجه عليّ(عليه السلام) وبنوه وأتباعه، ونهج آخر سار عليه الأمويّون يقدمهم معاوية بن أبي سفيان.

نعم أكملوها بالطعن بأبيه، والغريب أنّ رسائل معاوية إلى عليٍّ(عليه السلام) خلت من هذا الطعن، بل وحتى أحاديثه، ولو وسعه ـ كما يقول عبدالفتاح عبدالمقصود ـ لفعل، فأفحش في القول، وأوفى الكيل، ثمّ لجاء من لدنه بكلّ ما يخسر ميزان الإمام.

ثمّ يتساءل قائلاً:

فلماذا لم يفعل؟

لا عن ولاء للقربى أحجم...

ولا عن تعفف وتورّع، رعاية لنواميس الأخلاق ; فمثله ما كان ليأخذ نفسه بالتفريط في ذرة هباء تمتلكها يمينه، إن هو علم أنّ الناس سيحسبونها قطرة حقيقة في خضم من الأكاذيب!

... فأما وقد كفّ ادعاءه، وابتلع خيلاءه، فذلك لأنّه لم يكن يملك في إيمان أبي طالب أثارة شبهة، أو دليل ينفذ من خلالها إلى نقض هذا الإيمان، سواء أكانت هذه الأثارة رأي شانئ معاصر عايش شيخ بني عبد مناف، أم رواية راوية لاحق آثر الانحراف!

وراح عبدالفتاح يتحدّث بقوله: ولمن يشاء أن يحاج في هذا الذي نراه، فليأتنا من رسائل ابن أبي سفيان إلى الإمام، أو في أحاديثه التي ملأ بها آذان مناصريه، بكلمة تشير، من قريب أو من بعيد، إلى ما يخدش إيمان أبي طالب، وينال من صدق إسلامه.[33]

أقول: وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدل على أنّ إيمان أبي طالب في العصر الأوّل لا يمكن أن يرتاب به أحد، أو أن يسمع من أحد الطعن فيه، أو التشكيك أبداً، فهو أمر واضح بيّن كرائعة النهار، لهذا لم يتجاسر معاوية على الإقدام على مثل هذا الطعن، الذي سينقلب عليه، ورغم أنّه كان يتشبث بكلّ وسيلة للنيل من عليٍّ(عليه السلام) والطعن فيه، رغم رسائل الإمام إليه، التي لم يستطع معاوية الردّ عليها، ولو كان مرتاباً في ايمان أبي طالب لكان موضع ردِّه على الإمام.

يقول الإمام علي(عليه السلام) في ردّه على إحدى رسائل معاوية، التي يقول فيها: «ونحن بنو عبد مناف، ليس لبعضنا على بعض فضل، إلاّ فضل يستدل به عزيز، ولا يُسترق حر... وقد أقذع الإمام له في الردّ:

« كنّا ونحن وأنتم، على ما ذكرت من الإلفة والجماعة، ففرق بيننا وبينكم أمس أنا آمنا وكفرتم، واليوم أنا استقمنا وفتنتم...

وإنّك والله لأغلق القلب!... وقريب ما أشبهت من أعمام وأخوال، حملتهم الشقاوة، وتمنى الباطل على الجحود بمحمّد(صلي الله عليه و آله و سلم) فصرعوا مصارعهم حيث علمت...».

ثمّ واصل الإمام(عليه السلام) قوله:

«منّا النبي(صلي الله عليه و آله) ومنكم المكذّب، ومنّا أسدالله ومنكم أسد الأحلاف، ومنّا سيّد شباب أهل الجنة، ومنكم صبية النار، ومنّا خير نساء العالمين، ومنكم حمالة الحطب...

وأمّا قولك: إنّا بنو عبد مناف، فكذلك نحن...

... ولكن ليس أُميّة لهاشم، ولا حرب كعبد المطلب، ولا أبو سفيان كأبي طالب، ولا المهاجر كالطليق، ولا الصريح كاللصيق، ولا المحقّ كالمبطل، ولا المؤمن كالمدغل، وبئس الخلف خلف ينبع سلفاً هوى في نار جهنم!..»

وهنا يقول عبدالفتاح معلقاً: إنّها مفاضلة تغني عن كلّ تعليق; فإن كان لابدّ مع هذا من إيضاح، فمن هو هذا الخلف، سوى معاوية المقصود بالخطاب...

ومن السلف، أقرب السلف، غير أبي سفيان؟! وهل من سبب لتفضيل أبي طالب على معاصره أبي سفيان ـ وحديث الإمام هنا يشير إلى الهويّ في النار ـ سوى سبب يدرأ من شر جهنم عن الفاضل ما لا يدرأ عن المفضول؟![34]

وأقول: صحيح أنّه لم يخض شخصياً فيما خاض به الذين عاصروه أو الذين جاؤوا من بعده، إلاّ أنّهم خريجو مدرسته وهم من مرتزقته ومريديه وأتباعه، فراحت ألسنتهم وأقلامهم تكيد كيدهم. ومن كيدها هذا اتهام أبي طالب بهذه التهمة الظالمة.

إنَّ هذا لشي عجاب

كيف يموت كافراً ـ كما زعم الزاعمون ـ وهو يسمع ابن أخيه، الذي فداه بنفسه وماله وجاههه وأولاده... وعلى مساحة زمنية استغرقت عشر سنوات يردّد «يا أيها الناس، إنّي رسول الله إليكم، لتعبدوه، ولا تشركوا به شيئاً» «إنّ هذه الأصنام لغو باطل، لا تملك لكم ضراً ولا نفعاً»، وهو المعروف بحكمته وحلمه... فكيف يفرط بنفسه وعاقبته؟!

قرآن ينزل، آيات تتلى، كلمات رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) تتردّد هنا وهناك، صنوف من التعذيب يصبّه مشركو قريش على المؤمنين، تهديد ووعيد، محاصرة،... أكلّ هذه الأُمور لم تجد في قلب أبي طالب لمسة خير، ومنعطفاً لإيمانه..؟! إنَّ هذا لشيء عجاب! فأبوطالب صاحب هذه الحياة المضيئة كيف يسوّغ لنفسه أن يموت غير مؤمن بما سمعه من رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) ولم تكن على قلبه غشاوة، ولطفُ الله لا شك قريب من هؤلاء الذين يملكون قلباً كقلب أبي طالب، وشهامة كشهامة أبي طالب، وحلماً كحلم أبي طالب، قطعاً تدركه رحمة السماء وقد سارع إلى اعتناق الرسالة من هو أدنى منه رتبةً، وأقلّ منه صفاءاً وعطاءاً؟!

فهكذا إنسان هذه حياته بدءاً وخاتمةً، لا يستسيغ المنطق الرشيد، ولا العقل السديد أن يُتهم بتهمة العزوف عن الله ورسالته، ليعيش كافراً ويموت كافراً، وهو صاحب الضمير الحي، والقلب النابض عاطفةً وحبّاً وحناناً...

إنّ من يقرأ حياة هذا الرجل، يخرج بنتيجة عظيمة وحصيلة كبيرة، لا يجد لها مثيلاً في حياة أقرانه ومعاصريه، بل لا يجدها حتى عند من جاؤوا بعده، أللّهمّ إلاّ عند النخبة التي اصطفاها الله وحباها برعايته واختياره، وارتضاه قدوة صالحة للمؤمنين، وهذه قلّة قليلة تمثّلت بأهل بيت العصمة والطهارة، وعليٌّ(عليه السلام) سيّدهم.

النتيجة تلك والحصيلة أنّ أباطالب مات مسلماً مضحياً مجاهداً، لم يُراوده شك أبداً في أحقية رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) وما هو عليه من مبادئ السماء، دلّني على من هو أكثر تضحيةً وتحملاً وصبراً وحكمةً وجهاداً من أبي طالب، وهو يعيش الأيام الأُولى والسنين الأول للتأسيس، والتأسيس من أخطر وأدق مراحل الدعوة الإسلامية، خاصةً وهي تعيش في تلك الظروف، وذلك المجتمع الذي كان التعامل معه مريراً وقاسياً بما يمتلكه من طبقيّة، وعادات، وتقاليد، وموروثات، تجذّرت في ترابه، وفي نفوس أبنائه، فكيف يمكن انتشالهم من هذا الواقع المرير؟!

إذ يتنازعون بينهم أمرهم

لقد تنازعوا أمرهم فيه، وهكذا هو شأن العظماء، فاختلفت آراؤهم، وتشتت كلماتهم، وتفرقت أقلامهم في الكتابة عنه.

فمنهم: من قال: إنّ أبا طالب مات كافراً; ومنهم من قال: إنّ أباطالب مات مؤمناً.

فيما توقّف فريق ثالث في أمره وتحيّر، كيف يقول بكفره، وكلّ ما قدّمه يدلُ على إيمانه؟! وكيف يقول بإيمانه ولم يسمعه يردّد الشهادتين...؟! إلاّ أنّهم جميعاً قد اتفقوا على أمر ثالث لا يراودهم الشكّ فيه ألا وهو: أنّ أبا طالب لم يبخل بجاه و لامال ولا موقف ولا أي شيء إلاّ وسخّره لخدمة الرسالة ورسولها الكريم، بل يكاد إجماعهم هذا يؤكد أن لا أحد خدم الإسلام كما خدمه أبوطالب، طيلة عشر سنوات من الدعوة في مكّة قضاها، عبر مواقف تتسم تارةً باللين، وأُخرى بالشدّة، وثالثة بالدعوة إلى الإسلام من خلال تسخيره جميع مواقفه، وما يمتلكه من وسائل، ومنها وسيلة إعلامية لا ينكر أحد تأثيرها: كلماته البليغة وقصائده الشعرية الكثيرة، فقد كان الرجل مجيداً للشعر، مكثراً منه، فسخّره في الدعوة إلى الله ورسوله، حتى كلّفته هذه المواقف التضحية بما يمتلكه من شبكة اجتماعية وعلاقات كثيرة، فَقَدَ على أثرها طاعة قريش، حتى تجرّأت على محاصرته والتضييق عليه.

وإنّ من اللافت المؤسف والمؤلم أنّ أباطالب مع كلّ مواقفه وكدحه المتواصل في إرساء دعائم الإسلام وتثبيت أركانه، يموت كافراً ـ كما يزعم الزاعمون ـ وأباسفيان الذي كان من الطلقاء، ولم يقدّم شيئاً يذكر في مسيرة الرسالة السماوية هذه، بل هو الذي عاش قبل نطقه الشهادتين وبعدهما زعيماً للتآمر على الإسلام ورسوله، ورجل الكيد والغدر، يموت مؤمناً!!

لقد تعرّض أبوطالب إلى مؤامرة قذرة رسمتها أياد عرفت بالعداء للرسول(صلي الله عليه و آله) ورسالته، وبغضها لهذه العائلة الكريمة، فراحت تبذل قصارى جهودها وما تملكه من مال كثير وقدرات وخبرة، في سبيل تقويض أي مجهود لرموز هذه الاُسرة الكريمة، فسخّرت أعلامها، ورجالها، والطامعين، والوضاعين، لتحقيق غاياتها ومصالحها; فلم ينجو حتى شعر أبي طالب من الاتهام بالوضع والاختلاق، لما رأوا فيه من القوّة، والدعوة المخلصة إلى الإسلام، وغفل هؤلاء عن أنّ خصائص أبي طالب لو بقي منهاجزء يسير، فإنّه كاف في التدليل على عقيدته التوحيدية وإيمانه الخالص.

وإن تعجب فعجب قولهم

لا أظنّ أنّ هناك حاجة إلى ذكر أدلّة القائلين بكفر أبي طالب، فحياته رضوان الله
عليه دليل غني على إيمانه، وما قدّمناه هو غيض من فيض، وإذا ركنا إلى أدلّتهم فكأنّنا عدلنا من اليقين إلى الشك ومن العلم إلى الظن; ولكنّنا مع هذا نكتفي هنا بدليل واحد من أدلّة القوم وبشكل مختصر، خوف الإطالة، ولمن أراد المزيد فعليه بما كتب عنه، وهو
كثير جدّاً.

روى ابن سعد في طبقاته بإسناده إلى علي بن أبي طالب(عليه السلام) قال: «أخبرت رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) بموت أبي طالب، فبكى، ثمّ قال: اذهب فغسّله وكفّنه وواره، غفر الله له».[35]

قال(عليه السلام): «ففعلت ما قال، وجعل الرسول(صلي الله عليه و آله) يستغفر له أياماً، ولا يخرج من بيته، حتى نزل عليه جبريل بهذه الآية: (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى...).[36]

فقد ذهب جمع من المفسّرين ـ استناداً إلى هذه الرواية ـ إلى أنّ هذه الآية المذكورة نزلت في استغفار النبيّ(صلي الله عليه و آله و سلم) لعمّه أبي طالب، واستغفار بعض الصحابة لأبويه المشركين.[37]

أين تقف رواية ابن سعد؟!

بعد أن نقل هذه الرواية في الجزء الأوّل من طبقاته، اُنظر ما قاله في الصفحة 125 منها: «توفي أبوطالب للنصف من شوّال في السنة العاشرة من حين نُبِّئ رسول الله».

إذن

فأبوطالب توفي في السنة العاشرة للبعثة النبوية.

هاجر النبيّ(صلي الله عليه و آله و سلم) في السنة الثالثة عشرة للبعثة، أي بعد وفاة أبي طالب بثلاث سنوات.

سورة التوبة نزلت في المدينة، فهي مدنية كلّها باستثناء الآيتين الأخيرتين منها.

اُنظر ما يقوله عنها المفسّرون ومنهم:

ابن كثير: هذه السورة من أواخر ما نزل على رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) كما روى البخاري عن البراء يقول: آخر آية نزلت: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) وآخر سورة نزلت براءة.[38]

الرازي في تفسيره: في عنوان السورة: سورة التوبة مدنية إلاّ الآيتين الأخيرتين فمكيّتان.4

الآلوسي في تفسيره: سورة التوبة مدنية.5

الطبرسي في تفسيره: سورة التوبة مدنية كلّها، وقال بعضهم: غير آيتين: (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ...) إلى آخر السورة، نزلت سنة تسع من الهجرة،... وقال قتادة ومجاهد: وهي آخر ما نزلت على النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) بالمدينة.

نكتفي بهذا القدر من المفسّرين، لنقول: إنّ الفترة الزمنية بين وفاة عمّ النبيّ(صلي الله عليه و آله و سلم) «أبوطالب» ونزول هذه الآية كانت اثني عشر عاماً، فأين تقف رواية ابن سعد، التي عمل بها كثير من المفسّرين بلا تثبت ولا تحقيق، لأسباب لا أظنّها تخفى على القارئ اللبيب؟!

و ختاماً

ماذا تراني أقول فيك يا أباطالب، وما إن فتحت ملفّك التأريخي حتى انبهرت بكثرة ما فيه من مواقف عظيمة ومناقب جليلة... فألّفت فيك كتب كثيرة تجاوزت أكثر من مئة كتاب، بين مطبوع ومخطوط باللغة العربية، فضلاً عن اللغات الاُخرى...، إضافةً إلى المقالات والأشعار، التي قيلت بحقّك.

وهذه مجموعة ممّا تيسّر:

الكتب العربية المطبوعة :

1) أبوطالب بطل الإسلام، لحيدر محمّد سعيد عرفي.

2) أبوطالب بن عبدالمطلب والد أميرالمؤمنين(عليه السلام) ، لحسين جواد الكديمي.

3) أبوطالب حامي الرسول وناصره، للعلاّمة الميرزا نجم الدين جعفر عسكري طهراني.

4) أبوطالب عم الرسول(صلي الله عليه و آله و سلم) ، للمحامي محمّد كامل حسن.

5) أبوطالب عم النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) ، لعبد العزيز سيّد الأهل.

6) أبوطالب عملاق الإسلام الخالد، للشيخ محمّد علي أسبر.

7) أبوطالب كفيل الرسول(صلي الله عليه و آله و سلم) ، لسعيد عسيلي.

8) أبوطالب كفيل الرسول(صلي الله عليه و آله و سلم) ، لجمع من الكتّاب.

9) أبوطالب مؤمن قريش، لعبد الله الخنيزي.

10) أبوطالب المسلم، لأحمد مغنية.

11) أبوطالب مع الرسول(صلي الله عليه و آله و سلم)، لأحمد مغنية.

12) أبوطالب وبنوه، للسيّد محمّد علي آل سيّد علي خان الحسيني.

13) إسلام أبي طالب، للسيّد مهدي مكّي.

14) إسلام أبي طالب، لوجيه بيضون.

15) إسلام أبي طالب من خلال الآيات والأحاديث والأشعار والوقائع التأريخية، للبيب بيضون.

16) أسنى المطالب في إيمان أبي طالب، للشيخ كاظم حلفي.

17) أسنى المطالب في شرح خطبة أبي طالب، لعبد الكريم حبيب.

18) أسنى المطالب في نجاة أبي طالب، للسيّد أحمد بن زيني دحلان.

19) إيمان أبي طالب، للشيخ المفيد.

20) إيمان أبي طالب وموقف الشيخ المفيد منه، للدكتور محمّد ابراهيم خليفة الشوشتري.

21) إيمان أبي طالب، لشمس الدين أبي علي فخار بن معد الموسوي.

22) الرسول والرسالة في شعر أبي طالب، لمعوض عوض ابراهيم.

23) زهرة الأدباء في شرح لامية شيخ البطحاء.

24) الروض النزيه في الأحاديث التي رواها أبو طالب عن ابن أخيه(صلي الله عليه و آله و سلم)، لابن طولون الدمشقي.

25) السهم الصائب بكبد من آذى أبا طالب، لأبي الهدى الصيادي.

26) سيّد البطحاء، للشيخ محمود البغدادي.

27) شعر أبي طالب بن عبدالمطلب وأخباره، لعبدالله بن أحمد بن حرب العبدي.

28) شيخ الأبطح أبوطالب، للسيّد محمّد علي ابن السيّد عبد الحسين شرف الدين.

29) شيخ بني هاشم أبوطالب، لعبد العزيز سيّد الأهل.

30) طلبة الطالب في شرح لامية أبي طالب، لعلي فهمي.

31) عقيدة أبي طالب، للسيّد طالب الرفاعي.

32) غاية الطالب من شرح ديوان أبي طالب، للشيخ محمّد خطيب المصري.

33) القصيدة الغرّاء في إيمان أبي طالب شيخ البطحاء، للسيّد أحمد خيري پاشا.

34) منية الراغب في إيمان أبي طالب، للشيخ محمّد رضا الطبسي النجفي.

35) منية الطالب في مستدرك ديوان سيّد الأباطح أبي طالب، لمحمّد باقر المحمودي.

36) مواهب الواهب في فضائل أبي طالب، للشيخ جعفر النقدي.

37) بنوة أبي طالب عبد مناف، لمزمل حسين الغديري الميثمي.

ومن الكتب العربية المخطوطة :

1) أبو طالب كافل النبيّ وناصره، للسيّد أحمد خيري پاشا.

2) اتحاف الطالب بنجاة أبي طالب، لمحمّد بن عبد السلام جنّون.

3) إثبات إسلام أبي طالب، لمحمّد معين بن محمّد أمين السندي.

4) إثبات إسلام أبي طالب، لعبد الرحمن بن أحمد الخزاعي النيشابوري.

5) أخبار أبي طالب وعبد المطلب، للشيخ الصدوق.

6) أخبار أبي طالب وولده، لأبي الحسن المدائني.

7) إسلام أبي طالب، للسيّد حسن بن ابراهيم شبر الحسيني.

8) إيمان أبي طالب، لأحمد بن القاسم.

9) إيمان أبي طالب، لأبي الحسين أحمد بن محمّد الكندي الجرجرائي.

10) إيمان أبي طالب، لأبي علي الكوفي.

11) إيمان أبي طالب، للسيّد أحمد بن موسى بن طاووس.

12) إيمان أبي طالب، لأبي محمّد الديباجي.

13) إيمان أبي طالب، للسيّد ظفر حسن بن دلشاد النقوي.

14) إيمان أبي طالب، لأبي نعيم علي بن حمزة التميمي البصري.

15) إيمان أبي طالب، للقاضي نعمان بن محمّد المصري.

16) إيمان أبي طالب، للعلاّمة ميرزا محسن قره داغي التبريزي.

17) بحث في إسلام أبي طالب، مجهول المؤلف.

18) بغية الطالب في إسلام أبي طالب، للسيّد مير محمّد عباس الشوشتري.

19) بغية الطالب في بيان أحوال أبي طالب، للسيّد محمّد بن حيدر الموسوي العاملي.

20) بغية الطالب لإيمان أبي طالب، لجلال الدين السيوطي.

21) بغية الطالب لإيمان أبي طالب، لمحمّد بن عبد الرسول البرزنجي الشافعي.

22) بلوغ المآرب في نجاة آبائه(عليه السلام) وعمّه أبي طالب، للشيخ سلمان أزهري لاذقي.

23) البيان عن خيرة الرحمن، للشيخ علي بن بلال المصلّبي.

24) حاشية على حجة الذاهب إلى إيمان أبي طالب، للشيخ شير محمّد الهمداني.

25) ديوان أبو طالب وشرح لاميته، للشيخ حيدر قلي سردار كابلي.

26) رتبة أبي طالب وقريش، لأبي الحسن النسابة.

27) رسالة في إسلام أبي طالب، للسيّد ميرزا أبي القاسم أمين الدين الموسوي
الزنجاني.

28) رسالة في صحة إيمان أبي طالب، مجهول المؤلف.

29) الرغائب في إيمان أبي طالب، للسيّد مهدي الغريفي البحراني.

30) شرح حديث إسلام أبي طالب بحساب الجمل، لملاّ علي بن ميرزا خليل المازندراني.

31) الشهاب الثاقب لرجم مكفّر أبي طالب، لميرزا نجم الدين جعفر بن ميرزا محمّد عسكري الطهراني.

32) صفات أبي طالب عبد مناف، لمزمّل حسين الغديري الميثمي.

33) فصاحة أبي طالب، للشريف حسن بن علي بن حسن بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليه السلام).

34) فضل أبي طالب وعبد المطلب وأبي النبيّ(صلي الله عليه و آله و سلم)، لأبي القاسم سعد بن عبدالله بن أبي خلف الأشعري القمي.

35) فيض الواهب في نجاة أبي طالب، للشيخ أحمد فيضي بن حاج علي عارف جورومي.

36) القول الواجب في إيمان أبي طالب، للشيخ محمّد علي بن ميرزا جعفر الهندي.

37) كافل اليتيم أبو طالب، للعلاّمة ميرزا نجم الدين جعفر العسكري الطهراني.

38) ما قيل في أبي طالب، للسيّد علي بن الحسين الهاشمي الخطيب.

39) منى الطالب في إيمان أبي طالب، للشيخ مفيد النيشابوري.

40) منية الطالب في حياة أبي طالب، للسيّد حسن بن علي القپانچي النجفي.

41) نجاة أبي طالب، للشيخ كاظم آل نوح النجفي.

42) نسب أبي طالب، لهشام بن محمّد بن سائب بن بشير الكلبي.

43) نصّ أبي طالب على النبي(صلي الله عليه و آله و سلم)، لبعض الكتّاب الإسماعيلية.

44) واقع أبي طالب المؤمن، للسيّد عبد الكريم آل سيّد علي خان.

45) الياقوتة الحمراء في إيمان سيّد البطحاء، للسيّد طالب آل سيّد علي خان.

إضافة إلى عشرات الكُتب المطبوعة والمخطوطة والمقالات وبلغات شتّى.

 لقد تنازعوا أمرهم فيك، وبعد أن يَئسوا من أن يجدوا شيئاً يلوذون به للطعن فيك بغضاً وحسداً، لجأوا إلى كتمان إيمانك، الذي ما كان إلاّ لمصالح كثيرة للرسالة والرسول، فعثروا على ضالّتهم، ـ كما يظنّون ـ أنّ أبا طالب ماتَ كافراً، فأنساهم شيطانهم أو أنّهم تناسوا وتغافلوا عمّا قدّمت يداك المباركتان من خير عميم، ودعم كريم، ودفاع عظيم، وتضحية لا نظير لها عن الرسالة والرسول، ومن تبعه من المؤمنين والصالحين، حتى ورد في الخبر الذي ذكره ابن أبي الحديد: «أنّه لما توّفي أبوطالب، أوحى الله إلى رسوله(صلي الله عليه و آله و سلم) أن أخرج فقد مات ناصرك».

أكلّ هذا العطاء وطيلة عشر سنوات يأتي من كافر؟! أىّ عاقل يصدق دعواهم هذه ومزاعمهم تلك؟! إنّه عطاء لا يمكن أن يأتي إلاّ ممن آمن برسالة السماء!

¡ ونختم حديثنا بما قاله عبدالفتاح عبدالمقصود:

ثمّ ما حاجتنا إلى الإكثار من التدليل على إيمان رأس الطالبيين، ولا حاجة ثمة إلى تدليل؟

ثمّ يواصل قوله:

إنّ المنقول عن إيمانه، الذي توالى الجدال فيه أعصراً طويلة، وما زال إلى اليوم موضوع نقاش جار، لأحرى بأن يغني عن المعقول، وإنّ المعقول الذي يوافق المنطق السوي، ولا ينافي واقع الحال، ليضاهي هذا المنقول... فإذا خطر لامرئ أن يعدل عن منقولات الأحاديث والأقوال الشاهدة بإيمانه، والواردة على ألسنة الثقات البررة من آل البيت وشيعتهم نقلاً عن الرسول(صلي الله عليه و آله و سلم) إلى الوقائع والأحداث، التي تصوّر مواقف عمّ النبي وأبي الوصي، وترسم ألوان سلوكه، إذن لوجد من أفعال الرجل الجليل ما هو ترجمان صدق عملي لتلك الأقوال...

ثمّ يقول:

أمّا ما أثر عنه من شعر... دالاً على إيمانه، ومؤيداً ابن أخيه، وداعياً لدينه، فإنّه أدنى إلى قرينة منه إلى برهان قاطع، لأنّنا قد لا نعدم أن نجد من بعض النقّاد من يرى فيه مجّرد تصوير جمالي... أو من يدّعي انتسابه إلى غير صاحبه، أو وقوعه في مظنة التحريف والتغيير والإضافة، استناداً إلى مقاييس ـ إن هي اعتبرت قرينة ـ فإنّها لا تسلم من التباني، وربّما التضارب، نتيجة لاختلاف الأذواق، وكثيراً ما اتّهم شعراء في قصائد لهم بأنّها منحولة، أو لا ترقى إلى مستواهم، أو لاتوافق سمات عصرهم الشعرية...

ويتنازل عن هذا الدليل فيقول: ودع الشعر فإنّه في قضيتنا نافلة... وكفانا أن نلقي نظرة عابرة إلى فضائل الشيخ التي تناقلتها الألسن ونفذت إلينا ـ على الرغم من القهر السياسي ـ كأنّما من سم الخياط!

فليس منّا من لا يعلم أنّ «السياسة» طوال عهود الإسلام وعلى تعدّد دوله، قد افترست، أو كادت، كلّ كلمة إنصاف قيلت في حقّ آل البيت النبويّ الكريم.

لذلك بحسبنا في «المقولات» ـ كمثال ـ أن بلغنا، عبد مؤخر القهر والنكال، التي ضربت حول شيعة الرسول، كلمة صفي محمّد ووصيه، التي تقول:

«ما مات أبوطالب حتى أعطى رسول الله من نفسه الرضا».

وتلك شهادة من لا يكتم الشهادة، ولا يلبسها ببهتان...

هذا ما ورد على ألسنة الشيعة وأئمتهم نقلاً عن عليّ(عليه السلام) فإذا كان لابدّ من الوجه الآخر للعملة! فلنصغ إلى حديث أبي بكر، أوّل الخلفاء، إذ جاء بأبيه: أبي قحافة يقوده، وقد أسن وعمي، ليسلم بين يدي رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) فقال الرسول: ألا تركت الشيخ حتى نأتيه؟!

قال أبوبكر: أردت يا رسول الله أن يأجرني الله؛ ثمّ أضاف: أما والذي بعثك بالحقّ، لأنا كنت أشد فرحاً بإسلام عمّك أبي طالب مني بإسلام أبي.

ثمّ يختم حديثه بقوله: ثمّ بحسبنا في المعقولات ـ كمثال أيضاً ـ أنّ أباطالب، بكلّ المعايير، قد نصر الإسلام ونبيّه، كما لم يكن مثله نصير في العالمين...

فإذا رأى راءٍ تحرّى مواقف الشيخ ـ فداءاً وحمايةً وتعزيزاً ـ تجاه الإسلام ورسول الله، فالمصادر تجلّ عن الحصر، والصحف المنيرة فيها كثيرة...

ثمّ راح يتساءل: أم ماذا يقال في رجل يقف وحده في وجه الشرك وقومه أجمعين، ليدرأ عن ابن أخيه ـ مبعوث الله ـ أن يناله طاغية منهم بمكروه؟

ما الرأي فيه إذ يحث آله على مساندة محمّد وشدّ أزره، واتباع دينه، ويدفع بولديه: عليّ وجعفر ليكونا جناحيه، اللذين يحلق بهما في سماء الدعوة؟

بأي معيار نعاير حرصه على سلامة رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) إبان محنة الشِّعب، إذ يغمي على الناس مرقده، ليلة بعد ليلة، فينأبه عنه، ويأمر ولده علياً فيبيت فيه، ليكون هو المقتول لو سعى عدوّ إلى اغتيال الرسول؟.[39]

وأخيراً لا يسعنا إلاّ أن نقول لهم ما قاله يعقوب لبنيه:

(بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ).[40]

 
 


[1]. اُنظر شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، عن زهرة الآداب للجاحظ: 59.

[2]. الاحتجاج، للطبرسي 1: 341 ؛ وفي رحاب الأئمة الاثني عشر، لمحسن الأمين.

[3]. ابن عباس، في تاريخ ابن عساكر ؛ والطبقات، لابن سعد.

[4]. الاحتجاج، للطبرسي 2: 342.

[5]. سورة الفيل.

[6]. السيرة النبوية، لابن هشام 1: 110.

[7]. قيل: إنّ له زوجة أُخرى تُدعى «عَلَّة» ولدت له «طليق».

[8]. اُنظر في هذا وغيره مقالتنا في ميقات الحج.

[9]. اُنظر حجر اسماعيل، في تأريخ الأزرقي والفاكهي وغيرهما.

[10]. الاحتجاج 1: 343.

[11]. طبقات ابن سعد 1: 119 ـ 121.

[12]. شرح نهج البلاغة 3: 469.

[13]. الشعراء: 214.

[14]. اُنظر غاية السؤول عن إبراهيم الحنبلي بأسانيد عديدة ؛ وغيره من المصادر.

[15]. اُنظر السيرة النبوية 1: 264 ـ 268 ففيها تفصيل كثير.

[16]. اُنظر الإصباح 7: 112.

[17]. اُنظر ابن الأثير في الكامل 2: 36.

[18]. اُنظر القصيدة كاملة في السيرة النبوية لابن هشام 1: 377 ـ 380.

[19]. اُنظر المصدر نفسه.

[20]. اُنظر في هذا كلّه السيرة النبويّة وغيرها من مصادر التاريخ وما كتب عنه وهو كثير.

[21]. السيرة النبويّة 2: 416 وغيرها.

[22]. طبقات ابن سعد 1: 123.

[23]. اُنظر أبو طالب عملاق الإسلام الخالد ، لمحمد علي أسد: 152 عن مجلة نهج الإسلام.

[24]. راجع شرح نهج البلاغة 3: 466 ؛ أعيان الشيعة 39: 136 ؛ الغدير 7: 381.

[25]. جامع الأُصول 1: 296.

[26]. اُنظر الفائق 3: 290.

[27]. تاريخ الطبري 1: 554.

[28]. شرح نهج البلاغة 3: 316.

[29]. المصدر نفسه؛ الاستيعاب بهامش الإصابة 4: 381.

[30]. المصدر نفسه، 3: 322.

[31]. اُنظر شرح نهج البلاغة 3: 317.

[32]. اُنظر شرح نهج البلاغة 3: 317.

[33]. مقدمة عبد الفتاح لكتاب: إيمان أبي طالب، لشمس الدين بن معد الموسوي (ت630هـ)22ـ 23.

[34]. مقدمة عبد الفتاح لكتاب: إيمان أبي طالب، لشمس الدين بن معد الموسوي (ت630هـ)22ـ 23.

[35]. طبقات ابن سعد 1: 123.

[36]. سورة التوبة: الآية 113.

[37]. اُنظر جلال الدين السيوطي في تفسيره وغيره.

[38]. الأساس في التفسير، لسعيد حوى 4: 2213.

4. التفسير الكبير، للفخر الرازي 8: 215.

5. روح المعاني، للآلوسي 5: 40.

[39]. روح المعاني، للآلوسي 5: 40.

[40]. سورة يوسف: الآية 18.


| رمز الموضوع: 12698