الشیعة والتقیة
العلّة فی التقیّة هی الخوف من القتل والتعذیب ، والأئمّة لا یخافون من ذلک ، لأنّ تحمّل المشقة والإیذاء وظیفة العلماء وأهل البیت النبوی أولى بذلک فی نصرة دین جدّهم، فلماذا یلجأون إلى العمل بالتقیّة ؟ الجواب : لم تکن التقیّة فقط بسبب خ
العلّة في التقيّة هي الخوف من القتل والتعذيب ، والأئمّة لا يخافون من ذلك ، لأنّ تحمّل المشقة والإيذاء وظيفة العلماء وأهل البيت النبوي أولى بذلك في نصرة دين جدّهم، فلماذا يلجأون إلى العمل بالتقيّة ؟
الجواب : لم تكن التقيّة فقط بسبب خوف القتل والتعذيب ، بل لها أسباب عديدة نذكر بعضها :
1 ـ أنّ الحكومات الأمويّة والعبّاسيّة كانت تخاف من أيّ نوع من أنواع التفاف الشيعة حول الإمام المعصوم(عليه السلام) ، ولا تقبل بذلك مهما كان الثمن ، ففي أيّام حكومة معاوية تمّ القضاء على كلّ الجماعات الشيعيّة الموالية لأهل البيت(عليهم السلام) ، وقتل الكثير من الشخصيّات البارزة بعد التنكيل بهم والتفنّن في تعذيبهم ، من أمثال الصحابي الجليل حجر بن عدي والعبد الصالح ميثم التمّار ، ولهذا السبب كان الأئمّة(عليهم السلام) يعملون بالتقيّة حفاظاً على ما تبقّى من شيعتهم ومواليهم .
2 ـ لو لم يعمل الأئمّة(عليهم السلام) بالتقيّة لما تسنّى لهم القيام بوظائفهم الإلهيّة ، فقد كانوا كثيراً ما يبيّنون للناس الحقائق والمعارف عن طريق ملاطفتهم واستعمال المجاز والكناية لإيصال الحقّ لمن كان له استعداد من الناس ، ولولا التقيّة والعمل بها لما تمكّنوا من ذلك .
3 ـ القيام بوجه الحكومات الجائرة والأنظمة الفاسدة عن طريق العمل بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، هو أمرٌ لازم ومفيد في إقامة الحقّ والعدل ، ولكن هذا أمرٌ قد لا يكون مناسباً وصالحاً دائماً ، بل إنّه في بعض الحالات والظروف الخاصّة لا يمكن إقامة الحقّ ودفع الظلم إلاّ بطرق وأساليب هادئة تتناسب مع تلك الظروف . ومثال ذلك، الظروف والشرائط التي كان يعيشها بعض الأئمّة(عليهم السلام) .
إنّ مثير هذا السؤال ليس له أدنى اطّلاع على تاريخ الأئمّة وتاريخ الشيعة ، لذلك توهم أنّ تقيّة الإمام كانت لأجل حفظ نفسه وسلامة حياته ، والحال أنّها لحفظ أتباعه من الشيعة والموالين .
يقول سلمة بن محرز : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : إنّ رجلاً مات وأوصى إليّ بتركته وترك ابنةً ، فقال لي : «أعطها النصف »، قال : فأخبرت زرارة بذلك ، فقال لي : اتّقاك إنّما المال لها ، قال : فدخلت عليه بعد، فقلت : أصلحك الله إنّ أصحابنا زعموا أنّك اتّقيتني ؟ فقال : «لا والله ما اتّقيتك ولكنّي اتّقيتُ عليك أن تضمن ، فهل علم بذلك أحد ؟» قلت : لا ، قال : «فأعطها ما بقي».([1])
[1] . وسائل الشيعة : ج17، الباب 4 من أبواب ميراث الأبوين ، الحديث 3 ; والباب 5، الحديث 4 .