الرد على شبهة: الطعن بالشیخین یستلزم الطعن بالرسول (صلى الله علیه وآله وسلم)
القول بأنّ الشیخین شخصان سیّئان ، یستلزم الطعن والقدح بشخصیة النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله وسلم)، إذ کیف یصح أن یکون أکابر خواصه غیر صالحین. ثم استشهد السائل بکلام زرعة حیث قال: إنّما أراد هؤلاء (الشیعة) الطعن فی الرسول لیقول القائل: رجل سوء له
القول بأنّ الشيخين شخصان سيّئان ، يستلزم الطعن والقدح بشخصية النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ كيف يصح أن يكون أكابر خواصه غير صالحين.
ثم استشهد السائل بكلام زرعة حيث قال: إنّما أراد هؤلاء (الشيعة) الطعن في الرسول ليقول القائل: رجل سوء له أصحاب سوء، ولو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين.
الجواب : لو كان أصحاب النبيّ(صلى الله عليه وآله) منحصرين في ذينك الشخصين ومَن لفَّ لفّهما واقتفى أثرهما، فبإمكانكم أن تطرحوا هذا السؤال ، ولكن للنبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) ما يقارب من مائة ألف صحابي ، ضاعت أسماء كثير منهم فضلاً عن حياتهم وملكاتهم، فكيف يمكن أن يُحكم على الجميع بما حُكم به على اثنين منهم؟!
وقد قلنا سابقاً إنّ في أصحاب النبي من بلغ من الورع والتقوى درجة يستدر بهم الغمام وتستجاب دعوتهم .
وقد وصفهم أمير المؤمنين في خطبته فقال: لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فَمَا أَرَى أَحَداً يُشْبِهُهُمْ مِنْكُمْ! لَقَدْ كَانُوا يُصْبِحُونَ شُعْثاً غُبْراً، وَقَدْ بَاتُوا سُجَّداً وَقِيَاماً، يُرَاوِحُونَ بَيْنَ جِبَاهِهِمْ وَخُدُودِهِمْ ، وَيَقِفُونَ عَلَى مِثْلِ الْجَمْرِ مِنْ ذِكْرِ مَعَادِهِمْ! كَأَنَّ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ رُكَبَ الْمِعْزَى مِنْ طُولِ سُجُودِهِمْ ! إِذَا ذُكِرَ اللهُ هَمَلَتْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى تَبُلَّ جُيُوبَهُمْ، وَمَادُوا كَمَا يَمِيدُ الشَّجَرُ يَوْمَ الرِّيحِ الْعَاصِفِ، خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ، وَرَجَاءً لِلثَّوَابِ!([1]).
وله كلام آخر أطرى فيه صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، نعم إطراؤه ناظر إلى وصف المجموع من حيث المجموع لا إطراء كل واحد واحد ولعل الإمام يريد أُولئك الذين آمنوا وصبروا وجاهدوا وزهدوا في الدنيا وانقطعوا إلى العبادة والجهاد في سبيل الله نظراء: مصعب بن عمير القرشي من بني عبدالدار، سعد بن معاذ الانصاري من الأوس، جعفر بن أبي طالب، عبدالله ابن رواحة الأنصاري من الخزرج، عمار بن ياسر، أبي ذر الغفاري، المقداد الكندي، سلمان الفارسي، خبّاب بن الأرت.
إلى غير ذلك من صحابته الذين جمعوا بين الزهد والشجاعة فهل يمكن الإغماض عن هؤلاء وأضرابهم وبالأخص روّاد التشيع من أصحابه الذين بلغ عددهم مائتين وخمسين صحابياً.
وفي الحقيقة أنّ التركيز على الخلفاء ، وتجاهل بقيّة الصحابة الآخرين هو نوع من الإهانة لهم ، فلو فرضنا أنّ بعض الأشخاص الذين يعدّون على رؤوس الأصابع من أصحاب النبيّ(صلى الله عليه وآله) لم يحسنوا الصحبة فهل نحكم على الأغلبيّة المتبقيّة بأنّهم كانوا كذلك؟!
فإذا كان ملاك القضاء في حق الرسول، هو حسن الصحبة فلماذا لا يركزون على أبي أيّوب الأنصاري فاتح بلاد الروم ، وعمّار بن ياسر وعثمان ابن مظعون وعشرات الأشخاص الصادقين الآخرين الذين بذلوا أنفسهم في غزوات بدر وأُحد والخندق وخيبر وحنين . . . . ، وسقوا شجرة الإسلام بدمائهم الزكيّة ؟!
لقد فجّر النبيّ(صلى الله عليه وآله) ثورةً عظيمة في العالم ، وغيّر مسار التاريخ ، وعظمة هكذا ثورة لا يمكن أن تتأثّر بانحراف فريق هنا أو هناك ، بحيث إذا حاكمهم التاريخ على أعمالهم ، يكون ذلك سبباً في توجيه الإهانة لشخص النبيّ(صلى الله عليه وآله) .
فلو فرضنا أنّ معلِّماً كان ناجحاً في تعليم مجموعة كبيرة من الطلاب إلاّ أن عدداً قليلاً من التلاميذ لم ينجحوا في الامتحان ، فهل يمكن عدّ ذلك انتقاصاً لذلك المعلِّم الناجح ؟!
فهل وجود بعض الصحابة المنحرفين السيّئين هو علامة على عدم نجاح النبيّ(صلى الله عليه وآله)؟! وكيف يمكن تفسير الحرب على مرتدّي العرب ; لأنّهم في بداية الأمر كانوا مسلمين ـ ولكن بحسب عقيدتكم أنتم ـ رجعوا عن الإسلام بعد ذلك ، فهل فشل النبيّ(صلى الله عليه وآله) في تربية أُولئك ـ على حسب معتقدكم ـ وهل محاربتهم تعد طعناً بكل الصحابة ثم طعناً بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟!
والعجب ممّا ذكره زرعة حيث قال: رجل سوء كان له أصحاب سوء ولو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين.
فهل هذا ينسجم مع منطق القرآن الكريم، أو أنّه يضاد ذلك .
هذا نوح ولوط كانا رجلين صالحين وكانت تحتهما امرأتان غير صالحتين وهما يعاشرانهما ليلاً ونهاراً، فهل يستدل بسوء الزوجة على سوء الرجل؟!
وهذا هو نبي الله الكليم موسى (عليه السلام)قد اختار من قومه سبعين رجلاً من خيار أصحابه وعندما ذهب إلى ميقات ربه ارتدّوا وقالوا: لن نؤمن لك حتّى نرى الله جهرة، فهل يصح أن يستدل سوء أصحابه، على سوء حاله ـ نعوذ بالله ـ؟! إلى غير ذلك من الآيات النازلة في أصحاب الأنبياء.
[1] . نهج البلاغة، الخطبة: 97، ولاحظ أيضاً الخطبة: 121 .