الملک عبدالعزیز فی الوثائق الإیرانیة

نظرة إلى تأسیس الدولة السعودیة ومواقف الحکومة الإیرانیة خلال السنوات 1343 ـ 1350هـ (1924 ـ 1932م)

الدكتور رسول جعفريان ـ جامعة طهران
المقدمة: كان الإيرانيون ينظرون بحذر وتحفظ إلى الأحداث، التي وقعت في بلاد نجد والحجاز وإلى التحوّلات السياسية، التي حصلت أثناء سقوط الخلافة العثمانية، وخـاصـة عـلى مدى السنوات من عام 1343ـ1344هـ؛ (1924ـ1926م)، وذلك لأسباب عدّة وهي: السبب الأوّل: قضية الحجّ؛ إذ كانت جموع غفيرة من الإيرانيين تتوجه في كلّ سنة إلى الحرمين الشريفين لأداء فريضة الحج. وبما أنّ الوصول إلى الحرمين الشريفين اللذين يقعان في بلاد الحجاز يكون عن طريق اجتياز بلاد نجد، لذلك فقط ارتبطت قضية الحج بهذه المنطقة. السبب الثاني: كان تأسيس الدولة السعودية وخاصة ما تمخّض عن سيطرة نجد على بقية المناطق، قد خلق نوعاً من الاختلاف المذهبي، وأوجد لدى الإيرانيين توجّساً على خلفيّات أحداث سابقة تتمثل في الأعمال، التي وقعت في سنوات العقدين الأوّل والثاني من القرن الثالث عشر للهجرة، وخاصة الهجمات التي وقعت على بعض المدن العراقية ومنها مدينة كربلاء في عام 1216هـ. كان انعكاس تلك الأخبار في النصوص التاريخية الإيرانية يومذاك، قد أعاد إلى أذهانهم وقائع تلك السنوات، وجعلهم ينظرون إلى هذه الأحداث بعين التوجس. السبب الثالث: الأخبار التي أخذت تنتشر في العالم الإسلامي حول الأحداث المتعلّقة بالسيطرة على مدن مكّة، حيث كانت تلك الأخبار تستحوذ على اهتمام المسلمين لمدّة من الزمن. فالأخبار التي كانت تنتشر في العالم حول هدم البقاع المشرّفة في مكّة وكذلك قصف المدينة المنوّرة بالمدافع، قد أثّرت في نفوس المسلمين في مختلف البلدان ومنها مصر، والهند، وإيران، وأفغانستان. ومن جانب آخر كان يجري في إيران يومذاك تحوّل سياسي بارز، غدا سبباً في بطء اتخاذ القرارات في طهران، وكان ذلك التحوّل هو سقوط الحكم القاجاري، ومجيء الحكم البهلوي، وذلك في عام 1343هـ (1925م). ومع ذلك فقد كانت قضية التغييرات، التي وقعت في بلاد الحجاز على درجة من الأهمية بحيث أنّ النقاشات حولها كانت تدور على صعيد الحكومة وعلى صعيد المجلس النيابي، وحتى بين أفراد الشعب. وأما بالنسبة إلى العلاقات السياسية والدبلوماسية بين إيران وبلاد نجد فقد كانت هناك ثلاثة أمور جوهرية في هذا المجال، وهي: مصر، ودمشق، وجدّة. ويُعزى تعدد هذه المراكز إلى أنّ إيران بشكل عام كان لها سفير مفوّض في مصر، وكانت بلاد الشام تقع ضمن إطار صلاحياته ومسؤولياته. وفي دمشق كان لإيران قنصل عام وكان يتولّى أيضاً مسؤولية مكتب جدّة، وهو المكتب الذي كان يعمل بشكل مؤقت وتزداد نشاطاته في موسم الحج. وفي ضوء هذه السلسلة المترابطة، فقد كانت التقارير السياسية حول الأوضاع والتحوّلات في تلك البلاد، تُرسل إلى دمشق ثم إلي مصر عن طريق القنصل الإيراني المقيم في جدّة ثم ترسل إلى إيران عن هذا الطريق. وعلى هذا المنوال، بالإضافة إلى مكتب جدّة، كان القنصل الإيراني في دمشق، والسفير الإيراني في مصر يبديان رأيهما في هذا المجال. استيلاء عبد العزيز بن عبد الرحمن على مكّة، وأول مواقف إيران
كان آل سعود يحكمون في منطقة نجد منذ أمد، وكانت لهم دولة في نجد امتدت حتى إلى العقود الأولى من القرن الثالث عشر للهجرة. وأثناء ذلك زالت النزاعات التي كانت تدور بينهم وبين الدولة العثمانية، إلاّ أنّ قوّتهم القبلية ونفوذهم في تلك المنطقة، استمر طيلة هذه المدّة. في الوقت الذي كانت فيه قوّة الدولة العثمانية تميل نحو الأفول، ورغم أنّ دولة الأشراف في الحجاز كانت في حالة استقلال وصعود، إلاّ أنّ دولة نجد استعادت قوّتها وأخذت شوكتها تتنامى من جديد. كانت زعامة هذه الحركة تتركز في هذه المرحلة بيد عبد العزيز بن عبد الرحمن، الذي كان يترأس قبائل نجد في ذلك الوقت. وعلى صعيد آخر، كان ضعف سلطة الدولة العثمانية على الحجاز قد دفع بالشريف حسين ـ الذي كانت أسرته تحكم في مكّة لما ينوف على ألف سنة ـ إلى إعلان الاستقلال عن الدولة العثمانية وحاول تكريس كلّ قواه لتثبيت أركان حكمه الذي كان يُشار إليه أحياناً بتسمية الخلافة. في عام 1343هـ (1925م) كان هناك شخص ممثل لإيران يقيم في جدّة اسمه منتخب الدولة، وقد اجتمع في ذلك الوقت في لقاء مع الشريف حسين، وكانت قضية الخلافة مطروحة على بساط البحث يومذاك. وقد بعث هذا الشخص تقريراً إلى إيران حول ما دار في ذلك اللقاء. ويتضح من هذا التقرير أنّ الشريف حسين كان يأمل الحصول على دعم الحكومة الإيرانية. وقد أكّد له منتخب الدولة نيابة عن الحكومة الإيرانية ما يلي: «فيما يخص أمر الخلافة أودّ أن أبيّن لسموّك أنّ الحكومة الإيرانية تشعر بالارتياح والرضا لعودة الحق إلى مقرّه، وأن يُعاد أمر الخلافة مرّة أخرى إلى هذه الأسرة الجليلة التي تُعتبر الخلافة إرثاً من حقّها، كما أنّ إيران تعبّر عن بالغ سرورها لأن تكون إدارة الحرمين الشريفين تحت أوامر سعادتكم، كما أنّ الحكومة الإيرانية ليس لديها أي اعتراض أو مخالفة لقضية الخلافة، ولكن بما أنّ هذه القضية دينية وتمس معتقدات الناس؛ لذلك فهي لا تستطيع التدخّل وإبداء رأيها في هذا المجال». كانت حكومة مكة عازمة على إرسال مندوب عنها إلى إيران. وكان ذلك الشخص هو الشيخ فؤاد الخطيب، الذي كان يتولى مهمّة إدارة شؤون السياسة الخارجية في دولة الشرفاء، إلاّ أنّ سفر هذا المندوب لم يتحقق ويبدو أنّ السبب يعود إلى تأزم الأوضاع في الحجاز. كانت قوات حكومة نجد تواصل تقدّمها. وفي الثامن من جمادى الأولى من عام 1343هـ (5 ديسمبر 1924م) سيطرت على مكّة. في ذلك الوقت لازالت جدّة والمدينة المنوّرة خاضعة لسلطة الشريف علي بن الشريف حسين. وأمّا أخبار المعارك التي كانت تدور بين هذين الفريقين بالاضافة إلى الأخبار التي كانت تصل من مكّة إلى مختلف أرجاء العالم الإسلامي فقد أثارت موجة من الغضب في إيران ضد حكومة نجد، واتّهمت إيران ـ استناداً الى الأخبار التي تُنشر في الصحف وتصل عن طريق البرقيات ـ هذه القوات بطمس الكثير من الآثار والمعالم الدينية في مكّة، وعند محاصرتها للمدينة المنوّرة ضربت قبّة مسجد رسول الله صلي الله عليه وآله بالمدفعية. في تلك البرهة، كان الشريف علي يسعى إلى نيل دعم الحكومة الإيرانية، وجرت في تلك الأثناء عدّة مكاتبات عن طريق فؤاد الخطيب ورئيس الحزب الوطني في الحجاز، مع غفار خان جلال السلطنة سفير إيران في مصر. والتقارير المتعلّقة بهذه الأحداث محفوظة في ارشيف وزارة الخارجية الإيرانية. في ذلك الوقت حيث لازالت جدّة و المدينة المنوّرة تحت سيطرة الشريف علي، في حين أصبحت مكّة تحت سيطرة سلطان نجد، قررت الحكومة الإيرانية إرسال مندوبين أحدهما الميرزا حبيب الله هويدا، والآخر هو جلال السلطنة غفار، إلى الحجاز لغرض الاطلاع على مجريات الأمور عن كثب. وقد قدّم حبيب الله هويدا تقريراً تفصيلياً عن هذا اللقاء، وشرح فيه الظروف السياسية والعسكرية لكل واحدة من هاتين المنطقتين. فبعد زيارة مكة، قد توجّها إلى المدينة المنوّرة برفقة معتمدين من قبل السلطان عبد العزيز. وعند مشارف المدينة المنوّرة أوصلتهما قوات إمارة نجد وسلّمتهما إلى قوات الشريف علي. يبدو أنّ أحد أهداف تلك الزيارة هو الاطلاع على حقيقة ما اُشيع، وهل من الصحيح أنّ قوات حكومة نجد قد دمّرت الآثار التاريخية في مكّة أم لا؟ وعند الهجوم على المدينة المنوّرة هل ضربوا قبّة المسجد النبوي صلي الله عليه و آله بالمدفعية أم لا؟ كتب الميرزا حبيب الله حول ما حصل من تخريب لموضع ولادة النبي صلي الله عليه و آله وبيت السيّدة خديجة عليها السلام ما يلي: الموضع الذي ولد فيه النبي صلي الله عليه و آله، وبيت السيدة خديجة ـ الذي ولدت فيه السيدة الصديقة فاطمة الزهراء ـ سلام الله عليها ـ هُدِما وسُوّيا مع الأرض. ثم تحدّث بعد ذلك عن تخريب البقاع الموجودة في مقبرة الحجون. من بعد مكّة توجّه الميرزا حبيب الله إلى المدينة. وسارت برفقته قوّة الحماية التي أرسلها سلطان نجد، إلى مشارف المدينة، وهناك كانت في استقباله قوات الشريف علي. وبعد ذلك عاد مرّة أخرى إلى مكّة بحماية قوات سلطان نجد. وهناك تحدّث مع السلطان عبد العزيز، ومن هناك توجّه نحو جدّة. وقد تحدّث في التقرير الذي كتبه حول المدينة المنوّرة حول آثار المعارك التي دارت بين الطرفين، وتحدّث أيضاً عمّا تركته الاطلاقات النارية من آثار على جدران وقبّة المسجد النبوي قائلاً: إنَّ هذه الاطلاقات قد أصابت المسجد بطريق الخطإ، وإنَّ قوات سلطان نجد التي حاصرت المدينة وكان عددها يتراوح بين ثلاثة و أربعة آلاف شخص، لو كانت تنوي مهاجمة المسجد عن قصد، لكان باستطاعتها أن تضربه بآلاف الاطلاقات، إلاّ أنها في واقع الحال لم تفعل ذلك. وأما بالنسبة إلى تقريره الآخر فقد سرد فيه ما جاء في الحوار الذي دار بينه وبين سلطان نجد. فقد قال له سلطان نجد: «الحمد لله! إنك ذهبت ورجعت بسلام ورأيت أنّ اتهامات العدو كانت كلها مجرّد افتراءات ولا أساس لها». ثم طلب توطيد العلاقات بين البلدين وأضاف قائلاً: «أتمنى أن يكون سفرك هذا أنت وسماحة الوزير المفوّض سبباً لتوثيق وتوطيد أواصر المحبّة والمودّة بيننا وبين الدولة السامية. وأطلب منكم بكل إصرار وإلحاح أن تقبل الدولة السامية إن شاء الله دعوتنا بسرعة وترسل مندوبين سياسيين ودينيين لاتخاذ القرار فيما يخصّ شؤون الحجاز». ثم أضاف قائلاً: «لدى ما يُقارب عشرين ألف أو ثلاثين ألف من الرعايا من أتباع المذهب الشيعي في نجد والأحساء، وكلّهم يعيشون في غاية الحريّة والأمن والراحة ويمارسون أعمالهم ونشاطاتهم بعيداً عن أية ضغوط مذهبية أو غير مذهبية». وواصل كلامه مشيراً إلى الدمار الذي تقوم به فرنسا في سوريا قائلاً: «مما يدعو إلى الكثير من الحيرة والدهشة أنّ مسلمي العالم ـ وفقط لأجل تخريب بضعة قبور كانت هُدِمت قبل وصولي إلى هناك على يد هؤلاء البدو الجهلة ـ أبدوا الغيرة والحميّة وعبّروا عن بالغ الحزن والألم، وهم يلعنوني في المحافل وفي الصحف وفوق المنابر ويكفرونني ويحرّضون العالم ضدّي ويشوّهون سمعتي، في حين أنّ الفرنسيين الذين يعتبرون من متحضّري العالم، يهدمون ويدمّرون المدن الإسلامية بكل هذه القسوة والوحشية ويقتلون النساء والأطفال والرجال المسلمين الأبرياء ويتركونهم يموتون تحت الانقاض، ويقصفون المدن والقرى والبيوت بالطائرات والمدفعية الثقيلة. فلماذا يلزم المسلمون الغيارى الصمت إزاء هذه الجرائم»؟
وقد كتب الميرزا حبيب الله في تقريره أنه عند العودة إلى جدّة وضع السلطان سيارته الشخصية تحت تصرّفنا. كان اضطراب الأوضاع السياسية في الحجاز سبباً جعل الحكومة الإيرانية تُحجم عن اتخاذ موقف واضح في دعم أحد الفريقين. هناك في هذا المجال ثلاثة أمور ينبغي الإشارة إليها وهي كالآتي: أولاً: أنّ إيران على الصعيد العملي لم تكن قادرة على القيام بعمل معين، وذلك لأنّ إيران من الناحية الجغرافية لم تكن بالنحو الذي تستطيع فيه التدخّل في بلاد الحجاز. بالإضافة إلى أنها أساساً لم تكن راغبة في مثل هذا التدخل. ثانياً: أنّ دولة الشرفاء لم تكن قويّة، ولهذا السبب لم يكن دعم هذه الدولة واضح الأفق. ثالثاً: كانت الحكومة البريطانية و بعض دول أخري قد أعلنت عن دعمها لحكومة إمارة نجد، وكانت هذه قضية ذات أهمية بالنسبة إلى إيران. نحن نعلم طبعاً أنّ حكم الشريف علي في نهاية الأمر قد سقط، وأصبحت جدة والمدينة أيضاً تحت نفوذ السلطان عبدالعزيز، وتأسست دولة واحدة تمتد من نجد إلى الحجاز. وكانت هذه التطوّرات قد وضعت إيران أمام ظروف جديدة؛ إذ أنّ هذه الحكومة قد اعترفت بها دول مثل الاتحاد السوفيتي، وبريطانيا، وفرنسا. في السادس من جمادى الأولى من عام 1344هـ (23تشرين الثاني، نوفمبر1920م) سلّم الشريف علي جدّة إلى السلطان عبدالعزيز وتوجّه إلى العراق. وكانت المدينة المنوّرة قد استسلمت له قبل ذلك التاريخ بعدّة أشهر. قضية الحج في عام 1344هـ ـ 1925م وموقف الحكومة الإيرانية
كان انعكاس أخبار أحداث مكّة والمدينة في العالم الإسلامي ومن جملة ذلك إيران، قد أثار موجة من الاعتراضات، وقد انعكس ذلك في عدم السماح بالذهاب إلى الحج في ذلك العام، أي عام 1344هـ (1925م). إذ يبدو أنّ السلطان عبدالعزيز قد أرسل برقيات إلى مختلف أرجاء العالم ومنها إيران، وذلك في عام 1344هـ، أكد فيها أنّ الظروف مؤاتية لأداء مناسك الحج، ووصف الإشاعات التي أثيرت في هذا المجال بأنها إشاعات مغلوطة. فيما يلي نصّ البرقية التي أرسلها إلى الحكومة الإيرانية: إنّ بلاد الحجاز بفضل الله في أمن وأمان من أدناها إلى أقصاها، والناس في حريّة تامّة لأداء مناسك الحج وزيارة مسجد رسول الله صلي الله عليه وآله. ونحن بحول الله وقوّته نضمن رفاه الحجاج وراحتهم منذ لحظة دخولهم إلى الأراضي المقدّسة في الحجاز إلى حين مغادرتهم، وكل ما نقله لكم أعداء الحق لا أساس له من الصحة؛ لأنّ أهمّ أهدافهم هو تعطيل الشعائر الإسلامية وتحقيق أهدافهم ومآربهم النفسية والإساءة إلى أهالي الأراضي المقدّسة. وقد أصدر مفتي مصر بياناً في هذا المجال أفتى فيه بالتحريم، وتبعته بعض البلدان على هذا الرأي أيضاً. وهنا بعث سلطان نجد رسالة إلى مختلف البلدان، ومن ذلك أنه بعث رسالة إلى القنصل الإيراني في دمشق، بيّن فيها استقرار الوضع الأمني في مكّة والمدينة ووعد فيها بما يلي: <إنّ جميع حقوق زائري مكّة المكرمة محفوظة وسنوفر لهم مستلزمات تسهيل سفرهم عن أي طريق كان>. وكانت هذه الرسالة قد اُرسلت إلى القنصل الإيراني في دمشق عن طريق قنصل سلطان نجد في دمشق، وكانوا قد أوردوا فيها مضمون بيان سلطان نجد بتاريخ 17 شعبان من عام 1344هـ. طُرحت هذه المستجدّات في اجتماع مجلس الوزراء في إيران، وتقرر عدم إرسال الإيرانيين إلى الحج في ذلك العام. وكان نصّ القرار الذي أصدره مجلس الوزراء في إيران: «من اللازم أن نبيّن لعموم أبناء الشعب الإيراني أنّ الحكومة الإيرانية تشعر بالقلق على أمن وراحة الحجاج الإيرانيين، وتدعو أبناء الشعب الإيراني إلى الامتناع عن الذهاب إلى الحج في هذا العام». 21 شعبان 1344هـ (6 آذر 1926م). استمر الوضع على هذا الحال، وأصدرت الحكومة الإيرانية بياناً مفصّلاً بتاريخ 12 ذي الحجّة 1344هـ (5 حزيران 1926م)، أعلنت فيه رسميّاً عن احتجاجها على الأحداث التي وقعت في الحجاز. وقد جاء هذا البيان رداً على الموقف الذي حصل في المدينة المنوّرة وبحكم قاضي هذه المدينة بتاريخ الثامن من شوال، الذي هُدمت بموجبه الأبنية التي كانت فوق قبور الأئمّة عليهم السلام في مقبرة البقيع. كان الغضب الذي اجتاح إيران احتجاجاً على هذا العمل في الحدّ الذي دفع الحكومة الإيرانية والمجلس النيابي إلى مسايرة جماهير الشعب. واستناداً إلى ما جاء في الكثير من الوثائق الكثيرة المحفوظة في منظمة الوثائق الوطنية الإيرانية، أنه انطلقت في معظم المدن الإيرانية تظاهرات وحشود احتجاجاً على ذلك العمل. كانت تلك الاحتجاجات على درجة من الشدّة بحيث انها أرغمت سلطان نجد على تقديم تطمينات إلى الإيرانيين، طالباً منهم عدم تعطيل الحج. وعلى إثر ذلك كتب ممثّل حكومة نجد في دمشق رسالة إلى القنصل الإيراني في دمشق، قال فيها: «إنّ الحكومة الإيرانية المعظمة ورعاياها إذا أرادوا أداء مناسك الحج في هذا العام، من أي موضع ومكان، عليهم أن يعلنوا عن ذلك؛ لأنّ سلطان نجد تحدوه رغبة عارمة وميل فائق لتوفير مستلزمات الرفاهية والراحة لرعايا هذه الدولة السامية وتأمين متطلّبات سفرهم في الحجاز...... وإني أعلن لجميع إخواني المسلمين أنّ جميع العراقيل والمصاعب والمضايقات التي أوجدها الشريف حسين في الأماكن، قد انتهت وأزيلت وأنّ أبواب الحجاز كلّها مفتوحة لكل من يرغب في السفر إليها». مواقف إيران وبحث عقد مؤتمر لممثلي البلدان الإسلامية في مكّة
قبل عدّة أشهر من حلول عام 1344هـ وحتى أواخر حكم الشريف علي، طرحت عدّة مرّات فكرة عقد مؤتمر لممثلي البلدان الإسلامية لمناقشة أوضاع الحجاز وقضية الحكم والخلافة وشؤون الحجاج. هذا الطلب المطروح من قِبل المسلمين كان قد عُرض أثناء بروز الاختلاف بين الشريف علي وسلطان نجد، وقد لقي قبولاً لدى كل واحدٍ منهما، إلاّ أنه عقد مثل هذا المؤتمر بقيت تلفّه هالة من الغموض. في أعقاب تنحّي الشريف علي وذهابه إلى العراق في جمادى الأولى من عام 1344هـ، طرحت مرة أخرى فكرة عقد هذا المجمع (المؤتمر)، وطرحت أيضاً فكرة مشاركة مندوبين من إيران في مجمع يضم مندوبي الدول الإسلامية في الحجاز، إلاّ أنّ زمان انعقاد مثل هذا المجمع لم يتقرر، وهو ما يعني عدم إمكانية قدوم مندوبين عن إيران، وحتى المندوبون الذين قدموا من الهند، وكان من المقرر أن يصلوا إلى جدّة في أيام حكم الشريف علي، لم يقابلوا بالتكريم والاحترام وذلك بسبب مواقفهم المؤيّدة له. التقرير الذي كتبه مندوبو الهند المسلمون حول سوء المعاملة، التي لاقوها هناك حيث اُلقي القبض عليهم وعاملوهم بعنف وشدّة وطُردوا من جدّة، هذا التقرير ترجمته صحيفة المقطّم المصرية (بتاريخ 28 شعبان 1344هـ) واُرسل إلى إيران لكي يطلع عليه المسؤولون الإيرانيون. في أعقاب استتباب الأوضاع بيد حكومة نجد، عقد مؤتمر محدود شارك فيه عدد قليل من المندوبين، وذلك بتاريخ الأول من شهر ذي القعدة 1344هـ، وكانت معظم القضايا التي طُرحت فيه تدور حول شؤون الحج، ولم تُناقش فيه مسألة الخلافة والدولة الحاكمة في الحجاز. القضية التي تحظى بأهمية فائقة في هذا المجال هي أنّ إيران كان موقفها يختلف عن مواقف سائر دول العالم الإسلامي؛ وذلك بسبب اختلاف المنهج المذهبي. ففي مصر والهند كانوا يحاولون ايجاد حلّ لقضية «الخلافة الإسلامية»، في حين أنّ هذه القضية أي قضية الخلافة، لم تكن ذات أهمية بالنسبة إلى إيران؛ وذلك انطلاقاً من النهج الشيعي الذي تسير عليه. ولهذا السبب لم تشارك إيران في المؤتمر الذي عُقد في مصر لمناقشة قضية الخلافة. القضية التي كانت تحظى بأهمية بالغة بالنسبة إلى إيران هي قضية قبور أئمة الشيعة وغيرها من الأماكن الأخرى التي هُدمت في الحجاز بذريعة كونها بدعة. وفضلاً عن ذلك، كان الجوّ العام في إيران يومذاك معبئاً ضد حكومة نجد، وكان سفير إيران في مصر يتخذ موقفاً متشائماً، ويحاول إقناع الحكومة المركزية في إيران لمسايرة مسلمي الهند والبلدان الإسلامية الأخرى في سبيل ممارسة الضغوط على هذه الحكومة وإرغامها على العمل بما عليها من التزامات، غير أنّ الحكومة الإيرانية كانت تعلم أنها لاتستطيع القيام بإجراء مهم في هذا المجال، والشيء الوحيد الذي كان باستطاعة الحكومة الإيرانية فعله هو قضية الحج والاستفادة من معادلة الحجاج. وفي ضوء ذلك فقد كانت وجهة نظر السفير الإيراني في مصر، تتلخص في أنّ أدنى ما يمكن أن تقوم به الحكومة الإيرانية هو وضع شروط لإرسال الحجاج ليكونوا في وضع رفاهي أفضل. جاء في هذه التوصية التي وضعها سفير إيران في مصر والتي وردت في الوثيقة المرقمة 728 والمؤرخة في 17 آذار، مارس 1926م، تأكيد على أنه لا ينبغي بأيّ حال من الأحوال السماح بسفر الحجاج إلى بلاد الحجاز قبل الحصول على هذه الالتزامات والتعهّدات. في التقارير اللاحقة، بدأ الكلام يدور تدريجياً حول الإجراءات الايجابية التي بدأ اتخاذها في مكّة من أجل رفاه الحجاج؛ فمن ذلك مثلاً تخفيض أجرة نقل الحاج من جدّة إلى مكّة من ليرتين إلى نصف ليرة، ولكن في الوقت ذاته جاء كلام حول رغبة السلطان في الحصول على عنوان الخلافة لجميع البلاد العربية. ورد هذا الموضوع في صحيفة المقطّم بتاريخ 26 شعبان 1344هـ. (11 آذار، مارس 1926م) نقلاً عن الدكتور وليم أليس، وهو شخص أمريكي كان يقيم مدّة في جدّة. وقد تُرجم هذا التقرير وأرسل إلى المسؤولين الإيرانيين. وكانت الأخبار التي تنشرها الصحيفة المذكورة تُرسل على الدوام إلي وزارة الخارجية الإيرانية وهي حالياً محفوظة فيها مع وثائق أخري. وجاء في تقرير آخر أنّ أحمد اللاري، القنصل الإيراني في جدّة تكلّم مع السلطان شخصياً حول إلغاء الضرائب التي كانت تؤخذ من الحجاج باسم «الأخوّة»، فوعده بما يلي: «سنعمل قريباً على أن لا تؤخذ من أي حاج رسوم للعرب الصحراويين» والمقصود من ذلك الأموال التي كانت تؤخذ من الحجاج وتُدفع إلى البدو القاطنين على امتداد الطريق. [الوثيقة رقم 28، بتاريخ 15 شعبان 1344هـ]. وقد كتب هذا التقرير لسفير إيران الكبير في مصر. التقرير المذكور يستند إلى خبر نُشر في جريدة أمّ القرى بتاريخ 6 شعبان 1344هـ واُعلن فيه عن لقاء السلطان مع رؤساء القبائل الممتدة على طول الطريق، وتقررت في ذلك اللقاء أربعة تعهّدات بينهم وبين السلطان. وأمّا البحث الخاص الذي أثاره القنصل الإيراني فكان يدور حول مسألة أخذ ضريبة <الأخوّة> من الحجاج الإيرانيين الذين كانوا متّجهين نحو المدينة. وجاء في تقرير القنصل أنّ السلطان وعده بإسقاط تلك الضريبة عنهم. وذكر القنصل في تقريره أنّ هذا الخبر قد نُشر في العدد60 من صحيفة أمّ القرى. وكانت هذه الجريدة قد نشرت في عددها الخمسين قائمة فيها التكاليف المقررة لأي نوع الأعمال العامّة والخدمات التي تقُدّم إلى الحجاج في موسم الحج، ولا يحق لأحد مخالفتها. وفي تقرير تفصيلي آخر، تحدّث سفير إيران في مصر عن لقاءاته المباشرة مع السلطان ابن سعود. حيث كان أحد هذه اللقاءات قد جرى أثناء سفره إلى بلاد الحجاز في شهر تشرين الأول، اكتوبر من عام 1925م. وكان عين الملك برفقة جلال السلطنة غفار. ويذكر في تقريره هذا اسم شخص يُدعى فوزان، كان قد جاءه من قبل السلطان وطلب منه أن يعلم الحكومة الإيرانية بأن لا تتخذ مواقف متشددة. وذكر أنه بقي يسعى لمدّة شهر كامل لإقامة علاقات حسنة، وبقي في صحاري الحجاز في ذلك الجوّ الحار، وأنه «قام بجميع ما يمكن من الجهود الخيالية والسياسية» من أجل بناء علاقات جيّدة. ولكنه قال: «إن ابن سعود لم يلتزم بأي من العهود والمواثيق التحريرية التي قطعها للحكومة الإيرانية». كان هذا التقرير الذي كتب بتاريخ 31 آذار، مارس 1926م، يتحدّث حول إرسال مندوب من قِبل إيران للمشاركة في مجمع مندوبي الدول. وقال القنصل إنه كلما سأل مستشار ابن سعود في مصر وكان اسمه حافظ وهبة «عن تاريخ انعقاد مجمع مندوبي الشعوب الإسلامية لكي يتسنّى إرسال مندوب»، لم يقدّم له جواباً واضحاً. وهذا التقرير يتعلّق بإرسال مندوب عن إيران إلى ذلك المجمع الذي استثنيت إيران لاحقاً عن المشاركة فيه، وربّما تكون قد غضبت بسبب ذلك. في الوقت الذي كانت فيه حكومة نجد تسعى إلى إصلاح علاقاتها مع إيران، كما ذكرنا، فقد توجّه عين الملك هويدا إلى الحجاز للحصول علي معلومات جديدة حول مستجدّات الوضع السياسي الميداني. وفي هذا التقرير كتب السفير: نأمل أن تأتي زيارة عين الملك بنتائج جيّدة وأن يزول هذا الجدل والاختلاف. وكان هذا الموقف سبباً في انخفاض أعداد الحجاج القادمين من البلدان الأخرى بشكل ملحوظ في ذلك العام. أين يكمن جوهر الاختلاف حول عقد هذا المؤتمر؟ يبدو ـ استناداً إلى الوثائق المتوفّرة بين أيدينا ـ أنّ ما كان يدور في خُلد المسلمين هو أن مجمع المندوبين عن الدول الإسلامية ينبغي أن يعقد في مكّة، ويؤيد ملكية السلطان الجديد. وقد كانت هذه القضية هي نقطة الخلاف الجوهرية بين حكومة الحجاز وبين الدول والمؤسسات والمراكز الأخرى التي كانت تريد أن يكون لها رأي في تأييد سلطنة أو خلافة أمير الحجاز. وعندما بعثوا رسائل الدعوة للحضور إلى المؤتمر الذي كان من المزمع أن يُعقد في20 ذي القعدة 1344هـ، قالوا فيها: إنّ هذه الندوة ستُعقد فقط من أجل تحسين ظروف الحج وتوفير الراحة للحجاج، ولا تتدخل في شؤون بلاد الحجاز الحالية أو المستقبلية؛ لأنّ هذه الأمور تخصّ ملك الحجاز وأهالي الحجاز. هذا التقرير كان قد نُشر في صحيفة المقطّم بتاريخ20 رمضان 1344هـ. (3 نيسان، ابريل 1926م). وهذا التعهد في نظر الكثير من الدول جاء على خلاف القضايا التي كانت قد طرحت في بداية الأمر. وهذا هو ما أشارت إليه تقارير القنصل الإيراني في جدّة، وتقارير السفارة الإيرانية في مصر. وفي الواقع أنّ ما كان يرتجيه المسلمون في الهند وغيرها من بلدان العالم الإسلامي هو أن يُعقد مؤتمر لمناقشة قضية الخلافة، غير أنّ النظام الملكي النجدي لم يكن على استعداد لقبول تدخّل الآخرين في هذه القضية. وجاء في تقرير آخر بعثه سفير إيران في مصر إلى طهران (وكان بتاريخ السابع من نيسان، ابريل 1926، وبالرقم 46) وتحدث فيه حول لقائه مع الشيخ رشيد رضا صاحب تفسير المنار، وذكر فيه أنه كان من المقرر أن يعقد في مصر مؤتمر حل قضية الخلافة. فقال له السفير الإيراني: إنّ إيران دولة شيعية وتؤمن بإمامة الإمام المعصوم، فأخبره رشيد رضا أنه على معرفة بهذا الأمر وأكّد له قائلاً: إنّ هذا المؤتمر يُعقد من أجل وحدة الشعوب الإسلامية. يبدو أنّ البحث كان محتدماً يومذاك حول قضية الخلافة ومن الذي ينبغي أن يكون خليفة؟ هذا في وقت قد كان فيه الأتراك قد تخلّوا عن قضية الخلافة ولم يعد لديهم اهتمام بها. لقد فهم السفير الايراني من حواره مع رشيد رضا الذي كان عضواً في لجنة الخلافة في مصر انه كان من المقرر جعل الخلافة الإسلامية في مصر، وأن يتولّى الملك فاروق أداء هذا الدور، وإن كان البلاط الملكي في مصر غير مهتم بهذا الأمر كثيراً. في شهر رمضان من عام 1344هـ (نيسان، ابريل 1926م) بقيت الحكومة الإيرانية مترددة فيما يخصّ القضايا المتعلّقة بمؤتمر الخلافة، وما الموقف الذي ينبغي أن تتخذه إزاء اختلاف الآراء الموجودة في هذا المجال. وهذا ما دفع الحكومة الإيرانية إلى أن تطلب من السفارة الإيرانية في مصر تزويدها بمعلومات أدق حول هذا الموضوع. واستجابة لذلك الطلب كتب عين الملك عدّة أسطر بايجاز، وقد كانت تلك الأسطر مهمة من وجهة نظر السفير الإيراني، وفي ضوء ما هو قائم من اختلافات منهجية ومذهبية. فكتب في تقرير يعود تاريخه إلى 17 نيسان، ابريل 1926م، ما يلي: التقيت مع سعود [الملك عبدالعزيز] وقمت بما ينبغي من المباحثات والإجراءات اللازمة. وقد أرسلت لكم بتاريخ20 ذي القعدة 1344هـ، برقية من أجل حضور مندوب للمشاركة في المؤتمر. ولابدّ أنكم قد طالعتموها. وقد أصبحت حرية المذهب مفقودة في مكّة المكرّمة، ومُنعت قراءة أدعية الاستغاثة والتوسل وزيارة القبور وغير ذلك. وهناك ضغوط تُمارس على أهالي تلك البلاد وعلى الحجاج. وحتى أنّ القنصل البريطاني ساخط على بعض الجوانب. وقبل عودة فدوي هدموا علانية قبر حوّاء في جدّة. السلطان في الظاهر يعبّر عن رغبته في الاستجابة والتعاون، ويقدّم الوعود بأنّ الحجاج الإيرانيين ستكون لهم الحرية في ممارسة الشعائر المذهبية، ولكن لا ينبغي التعويل على وعوده. كان الهاجس الرئيسي لدى حكومة نجد هو أن يكون عدد الحجاج قليلاً في ذلك العام. فقد كان حجم الإعلام المناهض لتلك الحكومة كبيراً. ولهذا السبب ولأسباب سياسية وبناءً على ما كان يُثار من شكوك حول الأمان في الطرق أو حين الإقامة في الحرمين، قد أدى إلى امتناع بعض الدول عن إرسال حجاج. ومن ذلك مثلاً أنّ دولة العراق المسماة في ذاك الوقت بدولة العراق و بين النهرين، أصدرت بياناً دعت فيه الناس إلى عدم التوجّه إلى أداء فريضة الحج. وفي مقابل ذلك، كان كثير من الناس من مناطق مختلفة يسافرون إلى الحج بدون التنسيق مع دولهم. وكانت حكومة الحجاز و نجد، غالباً ما ترحب بهذه المجموعات وتحاول أن تثبت لها عدم صحّة ما كان يُنشر في هذا المجال من دعايات [وثيقة تعود إلى القنصل الإيراني في البصرة، مرقّمة103ومؤرخة في 27 نيسان، ابريل 1926م). ومن إيران ذهبت مجموعة صغيرة إلى الحج، وكان الطريق المهم الذي ذهبوا من خلاله هو طريق البصرة. متابعة إيران اللاحقة لشؤون الحجاز وقضايا الحج إلى ما قبل إقامة علاقات بين البلدين
في شهر ذي القعدة من عام 1344هـ كانت إيران مستمرة في متابعة تلك القضايا. وكان الدافع من وراء ذلك هو أن قضية الحج ـ على كل حال ـ ستُطرح على بساط البحث مرّة أخرى استعداداً للسنة المقبلة. وبالإضافة إلى ذلك فقد كان الجدل الذي استمر محتدماً أيضاً على صعيد الداخل الإيراني وخاصة في مجلس الشورى الوطني، وكان ينبغي على الحكومة أن تقوم بدورها إزاء ذلك. في ذلك الوقت تشكّلت لجنة في مجلس الشورى الوطني باسم لجنة الحرمين الشريفين، وأنيطت بها مهمة متابعة هذه الأمور. وكانت هذه اللجنة تجمع كل ما تقوم به جماهير الشعب، وما يصدر عن علماء النجف، والمدن الإيرانية، وكل قرار يُتخذ وكل كلمة أو بيان يصدر في هذا المجال. إنّ مجموعة الوثائق التي جمعتها هذه اللجنة تعكس الأحوال والمواقف التي اُتّخذت في إيران أثناء تلك المدّة. وتلك الوثائق قيد النشر حالياً. فمن راجع إلي الوثائق الموجودة يفهم بأنّ الأجواء السياسية في إيران صعب جداً، و لذا أصدر دولة إيران بياناً في شهر ذي القعدة من عام 1344هـ وجّه فيه انتقادات لحكومة نجد وما يصدر عنها من أقوال وأفعال ازدواجية. وقد جاء في جانب من ذلك البيان: «قُدّمت من قبل عبد العزيز بن سعود زعيم هذه الجماعة وعود بعدم ارتكاب وتكرار مثل هذه الفجائع والاعتداءات والاستهانة الصريحة بالمعتقدات والشعائر الدينية للعالم الإسلامي. ولكن ما حصل أخيراً على أرض الواقع جاء على خلاف المتوقّع ويتعارض مع ما قطعوه من وعود، وأدّى إلى ايجاد الألم والأسى في قلوب المسلمين». وهذا علي أثر التقارير التي كانت تصل إليها من السفارة‌الإيرانية في مصر، أو من القنصل الإيراني في دمشق أو ممثلها في جدة. ويبدو من ذلك أنّه لم يذهب إلى الحج من إيران في عامي 1344 و1345هـ. سوى عدد قليل يحصى بأصابع اليد.  
ذهاب أحد علماء طهران إلى الحج في سنة 1345 ولقائه بالملك عبدالعزيز والرسالة التي أعطاها إليه الملك
استمر الوضع على هذا الحال طيلة عام 1345هـ. ومع ذلك فقد سافر إلى الحج أحد علماء طهران وهو الشيخ عبد الرحيم صاحب الفصول، برفقة عدّة مئات من الأشخاص، وكان هذا العمل مدعاة لسرور حكومة نجد، وحتى أنّ الملك نفسه عقد معه لقاءً، وقد عبّر الشيخ في هذا اللقاء عن تذمّره لهدم الأضرحة في البقيع؛ فكتب له الملك رسالة، وعده فيها بإجراء إصلاحات في هذا المجال. الشيخ عبدالرحيم حفيد آية الله العظمى الشيخ محمد حسين صاحب كتاب الفصول
وهذه الرسالة لازالت موجودة لدى أسرة العالم المذكور في طهران، وهذا هو نصّها: من عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل إلى حضرة الفاضل المحترم الشيخ عبد الرحيم صاحب الفصول. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فإننا نؤكد لكم أن القبّة النبوية لم يمسّها أحد بسوء، ولم يخطر ببالنا قط أن نمسّها بسوء وأنّ للرسول صلّى الله عليه وسلم حرمة لدينا لا تدانيها حرمة. أما مسائل القبور وما يتعلق بها من البناء فنحن كما أخبرناكم متّبعون لا مبتدعون ونحن مستعدون للنزول على حكم علماء المسلمين من جميع المذاهب. وأما عدا ذلك فننظر فيه فسنأمر بتنظيف القبور وتسوية ما لم يسوّ منها التسوية الشرعية مع إقامة سور عليها لحفظها من الدنس. ونحن نؤكد لكم أيضاً أنّا لا نمنع أحداً من زيارة القبور ما دام الزائر يتبع في زيارته الطريقة الشرعية والآداب الدينية، و قد أمرنا بتحرير هذا لتنشروه على الملإ. هذا ما لزم بيانه والله يحفظكم. موضع الختم
٭ ٭ ٭
  دورة فتور العلاقات بين إيران وسلطنة الحجاز ونجد (السنوات 1345هـ ـ 1347هـ 1926م ـ 1929م) جاء في تقرير بعثه إلى طهران القنصل العام في الشام بتاريخ 22 شوال 1344هـ ما يلي: نظراً إلى أهمية جدة والمكانة الجديدة التي اكتسبتها في هذه البلاد، فقد طلب من طهران ما يلي: «من الآن فصاعداً ينبغي أن لا تكتفي الدولة السامية بإرسال مندوب مرّة واحدة في السنة، أو مرّة واحدة كلّ شهرين أو ثلاثة أشهر، تحت عنوان مشرف على الحجاج الإيرانيين، مع استيفاء ثلاثة تومانات للتذكرة بل إنّ أهمية المكان والزمان تقتضي أن تبادر الدولة السامية الإيرانية على غرار ما تفعله سائر الدول، لتعيين معتمد سياسي دائم لتكون لها مكانة ذات عزّة واقتدار في بلاد الحجاز، ليكون على اطلاع بالشؤون السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية دقيقة بدقيقة، وليتابع الأمور خطوة فخطوة، ويوافي مسؤولي الدولة بما يستجد من وقائع وحقائق، وأن يتولّى في الوقت ذاته مهمة الإشراف على الحجاج، والحفاظ على المصالح المادية والمعنوية للدولة الإيرانية السامية». الوثيقة رقم991 والمؤرخة بتاريخ22 شوال 1344هـ (5 مايو، آيار1926م). هذه الفكرة التي دعت إلى إرسال مبعوث إيراني دائم يتّخذ من جدّة مقراً له، لم تتحقق طيلة الفترة الممتدة من عام 1344 إلى عام 1347هـ وذلك بسبب الأزمات التي سبقتها. في تلك المدّة كانت حكومة نجد بصفتها حكومة فتيّة، تسعى إلى حلّ المشاكل العالقة بينها وبين الحكومة المصرية ودول أخرى. ونحن واثقون أنه كانت تجري مساع‌ٍ أخرى فيما يخصّ إيران أيضاً، إلاّ أنها كانت تتطلب مزيداً من الوقت. على مدى السنوات اللاحقة؛ أي خلال مدّة 1345ـ1347هـ (1927ـ1928م)، أصبحت السلطة في إيران بيد الحكم البهلوي، وتمكن رضا شاه من فرض سلطته حتى على المجلس النيابي، فأنشأ بذلك حكماً مركزياً قوياً قلّما تسمع في ظلّه صوتاً للمعارضين. ولكن هذه الحكومة أخذت تعمل من جانب آخر على تطبيع العلاقات مع دولتي العراق والنجدية. وكانت حصيلة هذه التغييرات، بالتزامن مع استقرار الأوضاع وعودة الهدوء إلى البلاد النجدية و الحجاز، حيث توفّرت يومئذ الظروف لتطبيع العلاقات بين البلدين. اعتراف ايران رسمياً بحكومة نجد‌ والحجاز في عام 1347هـ (1929م) الزيارة الأولى التي قام بها عين الملك برفقة غفار خان القنصل العام الإيراني في الشام في عام 1344هـ (1926م)، لم تنجح في تحسين العلاقات بين البلدين. ولكن بعد ثلاث سنوات توجّه عين الملك إلى الحجاز مرّة أخرى، وجاءت هذه الزيارة في وقت كانت فيه إيران قد اعترفت قبل ذلك بالدولة العراقية، وأصبحت فيه الظروف مؤاتية الآن لكي تعترف إيران بالحكومة الجديدة هناك اعترافاً رسمياً. وكما أشرنا في موضع آخر من بحثنا هذا، كانت علاقات إيران مع الدولة النجدية في هذه المرحلة، تقتصر على مجرّد التنسيق فيما يخص شؤون الحجاج، وحتى أنها لم تكن في الحد الذي يسمح ببحث قضية الخلافة، بل ولم تكن هناك علاقات تجارية بين البلدين. وفي ضوء هذا الواقع صرّح عين الملك في مقابلة اُجريت معه في أعقاب عودته من السعودية قائلاً: «تربطنا مع الحجاز علاقات دينية، وأبناء الشعب الإيراني يعتبرون الذهاب إلى الحجاز لأداء فريضة الحج لزاماً عليهم. وقد سافرت أنا إلى الحجاز لأجل التفاوض معهم لتأمين راحة الحجاج الإيرانيين وضمان حسن معاملتهم». في أعقاب سفر عين الملك إلى الحجاز، قَدِمَ وفد من تلك البلاد إلى إيران. وكان رئيس الوفد عبدالله الفضل، النجل الثاني للسلطان عبد العزيز، وذلك بتاريخ 4 ربيع الأوّل 1348هـ (10آب، اغسطس 1929م). حمل الوفد رسالة من السلطان عبدالعزيز إلى شاه إيران الذي أمر في ذلك اليوم نفسه أن يُعترف رسمياً بحكومة السعودية. بعد تبادل الكتب والرسائل والوثائق الرسمية في هذا المجال، جرى افتتاح السفارة الإيرانية في جدّة في20شوال1348هـ (21 آذار، مارس1930م). سفر ولي العهد السعودي الأمير فيصل إلى إيران
بعد ذلك التاريخ بسنتين، بدأ الأمير فيصل ولي العهد السعودي جولة في عدد من دول المنطقة بهدف توثيق العلاقات بينها وبين السعودية. وفي تلك الجولة زار إيران أيضاً. وقد نشر تقرير مفصّل عن تلك الزيارة في صحيفة اطلاعات بتاريخ الثلاثاء30صفر1351هـ (4 تموز1932م). وأرسلت الحكومة الإيرانية كلاً من السيد غفاري معاون وزير الخارجية وعين الملك إلى ميناء بهلوي [أنزلي] لاستقباله. وقد استمرت هذه الزيارة خمسة أيام (من يوم الأربعاء إلى يوم الثلاثاء المصادف 5 تموز)، وجرت خلالها لقاءات مطوّلة في طهران مع الوزراء ومع رضا شاه شخصياً. وعاد ولي العهد السعودي فيصل إلى بلاده عن طريق عراق العرب. ولدينا وثائق عن هذه السنوات وإن كانت قليلة، وقد أرفقنا نسخة منها في نهاية المقالة، منها وثائق حول تعيين بعض السفراء والممثلين الإيرانيين في المملكة السعودية، ورسالة من رضا شاه إلي السلطان عبدالعزيز، هنّأه فيها على نجاته من محاولة اغتيال كان قد تعرّض لها، وغيرها من الوثائق. ومنذ ذلك الوقت استمرت العلاقات بين إيران والمملكة السعودية على هذا المنوال، إلى عام 1943م، حين وقعت قضية «أبوطالب اليزدي» بعد تلك الواقعة التي كانت بالغة الثمن بالنسبة إلى الحكومة الإيرانية قُطعت العلاقات بين الدولتين لمدّة أربع سنوات، ولم يسافر الإيرانيون في تلك السنوات الأربعة إلى السعودية لأداء فريضة الحج، إلى أن فُتح باب المحادثات من جديد. وكان من ذلك أنّ الملك عبدالعزيز بعث رسالة تفصيلية إلى شاه إيران. ويعود تاريخ هذه الرسالة إلى شهر ذي القعدة من عام 1366هـ (1947م). بعد ذلك التاريخ ولمدّة سنين، كان السفير الإيراني المفوّض في مصر يتولى إدارة شؤون العلاقات بين إيران والسعودية. ولكن في عام1950م أي بعد ثلاث سنوات، افتتح مكتب إيران في جدّة، وعُيّن عبدالحسين صديق اسفندياري سفيراً مفوضاً لإيران في السعودية، وسمحت إيران لمواطنيها بالسفر لأداء فريضة الحج بعد أن كانت قد منعت عليهم ذلك لمدّة ثلاث سنوات.



الوثائق :


رسالة من سلطان نجد إلي قنصل دولة إيران في دمشق في شعبان سنة1344حول رفع مشاكل الحج، في زمن محاصرة عسكر الشريف علي في جدّة رسالة من قنصل إيراني من جدة حول الشريف علي و إرادة إرسال ممثل إلي إيران، لتوضيح موقع دولة‌ شرفاء في الحجاز عند دولة إيران، ورفع الإبهامات من 21ذي‌الحجة‌سنة1342، 24july 1924م إبلاغ رسالة دولة إيران من ناحية معتمد دولة إيران إلي ممثل سلطان نجد في‌دمشق، سليمان العلي مشيكح حتي ينتقل إلي سلطان نجد بتوقف الهجوم علي قبلة المسلمين، في الحرب مع دولة شرفاء في14ربيع‌الأول سنة1343، 13اكتوبر1924م  
رسالة من سلطان نجد بتأريخ3 جمادي‌الأولي‌من‌سنة1343،30 نفمبر1924م‌ فيه أخبار عن وصول ما كتب إليه قنصل إيراني وأخبر إليه أنّ حكومة نجد في‌صدد حلّ كلّ مشاكل عن غير طريق الحرب، ولكن الشريف حسين في صدد دسائس. وفي الرسالة قال سلطان نجد: يجب أن‌يكون مجلس لحلّ مشكلة حجاز ويأمل أن يكون لدولة إيران ممثّل في هذا المجلس. خبر من يومية <فتي‌العرب> المنطبعة في الشام حول وساطة دولة إيران بين سلطان نجد والشريف علي، لتوقف الحرب بينهما من13اكتوبر1924م خبر عن وقائع في زمن محاصرة المدينة المنورة وإصابة قبة حرم النبوي صلي الله عليه و آله في حملة قوي دولة نجد، من السفارة الإيرانية في لندن إلي الوزارة الخارجية الإيرانية في23صفر1344هـ ، 12سبتامبر1925م.
أيضاً إرسال أخبار‌ حول محاصرة المدينة المنورة من قنصل إيران في دمشق إلي الوزارة الخارجية الإيرانية، في12صفر1344هـ ، 1سبتامبر1925م. . ترجمة إعلان من سلطان نجد إلي أهالي جدة حول لزوم مفارقتهم من شريف علي والخروج منها...؛ ومع عدم الخروج، فعليهم قبول مسؤولية أيّ مشكلة من ناحية هجوم قوي النجدية، 24 ربيع الثاني سنة1343هـ رسالة من سلطان نجد إ‌لي قنصل دولة إيران حول إرسال برقية إلي حكومة إيران، فيها إخبار عن وضع الأمن‌ في ‌الحرمين لإقامة الشعائر الإسلامية وزيارة مسجد رسول‌الله صلي الله عليه و آله‌ وتضمين ‌راحة ‌الحجاج في 25 رجب 1344هـ ، 8 فوريه 1926م. تقرير السفارة الإيرانية في مصرحول ‌زيارة العالم الإيراني الشيخ عبدالرحيم صاحب الفصول مع سلطان نجد في الحج من سنة1345هـ ، وأخذ ورقة ‌‌من ‌السلطان حول البقيع. والخبر من تأريخ12محرم1346هـ 12جولاي1927م.
تصوير رسالة السلطان إلى الشيخ عبدالرحيم صاحب الفصول حول البقيع.



الأخبارحول بداية المذكرات الإيرانية و الدولة النجدية الحجازية حول تجديد العلاقات في سنة1348هـ ، 1929م.




ترجمة صفحة من جريدة الوطن المنطبعة في بغداد حول اعتراف دولة إيران لدولة الحجاز، بتأريخ 25 ربيع الأول 1348هـ ، 25 اگوست 1929م.  

خبر تعيين ميرزا حبيب الله خان هويدا كممثل إيراني (شارژدافر) في مملكة نجد والحجاز، في11رمضان 1348هـ ، 10فورية1935م تعيين ميرزا محمدعلي خان مقدم كممثل خاص والوزير المختار الإيراني في السعودية في9شعبان1352هـ ، 27 نفمبر1933م  
تقرير حول قرب زمن زيارة أمير فيصل نايب السلطنة للدولة النجدية الحجازيه إلي إيران في سنة1350هـ ، 1932م خبرتفصيلي من زيارة أمير فيصل من إيران في الجرائد الإيرانية (يومية اطلاعات) في30صفر1351هـ ، 5 جولاي1932م رسالة شاه إيران إلى الملك عبدالعزيز:
رسالة الملك عبدالعزيز إلي شاه إيران :



رسالة السفارة الإيرانية في السعودية إلي الوزارة الخارجية الإيرانية حول لقاء السفير مع السلطان بعد الحج، في‌ 19محرم سنة 1354هـ ، 23آوريل1935م.


خبر ارتحال الملك عبدالعزيز من ناحية السفارة السعودية في طهران، 2ربيع الأول سنة1373هـ ، 9 نوفامبر1953م



خبر دعوة دولة إيران من الأمير سعود لزيارة إيران في16رمضان1372هـ ، 30 May 1953م.






لقاء علماء طهران مع الأمير سعود... ٭ ٭ ٭


| رمز الموضوع: 53676