ویکیلیکس وحقیقة آل سعود

نزلت الوثائق التی سرّبها موقع ویکیلیکس مساء الجمعة تحت مسمی سری جدا ، ناراً وشناراً علی السلطات السعودیة. الوثائق الجدیدة أماطت اللثام عن الکثیر من الحقائق المخفیّة إن من حیث الکم، أو من حیث النوع؛ بل من حیث الأهداف، لترسم بذلک صورة جدیدة تتضح معالمها علی ضفاف ویکیلیکس السعودیة .

و أفاد موقع الحج نقلا عن موقع الوقت أنه لا شك في أن الكشف عن 70 ألف وثيقة إبتداءاً، حيث من المقرّر أن يصل هذا العدد إلي حوالي نصف مليون، تتناول ملفات عدّة، بدءاً من الأمن والسياسة مروراً بالإعلام والاقتصاد وصولاً إلي العلاقات الخارجية، أدخلت سلطات الرياض في نفق مظلم لن تخرج منه حتي يلج الجمل في سمّ الخيط.
ولادة 'ويكيليكس السعودية' للمراسلات السرية بين وزارة الخارجية ومختلف السفارات السعودية حول العالم، في ظل الأجواء الضبابية للسعودية داخلياً وخارجيا تشي بالبحث عن الأسئلة التالي: ما هو جوهر الهالة السعودية في المنطقة والعالم، أو بالأحري ما هي الحقيقة التي تقوم عليها الدبلوماسية السعودية أو آل سعود؟ وما هي تداعيات وثائق 'جوليان أسانج' علي 'مملكة الرمال'؟
تظهر الوثائق مدي إهتمام السعودية بالمظهر بعيداً عن الجوهر، فضلاً عن مقدار السطوة علي الإعلام، ليس علي مستوي الإقليم فحسب بل علي مستوي العالم. فقد نقلت هذه الوثائق الحديث الإعلامي عن 'الهيمنة السعودية' من عالم الشائعات والإتهامات إلي عالم الحقائق والأرقام.
إعلامياً، ينقسم الهمّ الدبلوماسي السعودي إلي فصلين رئيسيين، الأول ركني يختص بالدول التي تحظي فيها الرياض بنفوذ سياسي، والآخر خلفي أو هامشي في تلك الدول التي لا تستحوذ علي الخصوصية السابقة. الهوس السعودي بصورته الخارجية جعل التحويلات المالية تتكدّس في أرشيف سفاراته في دول 'ميّتة' سياسياً بالنسبة للرياض، فما هو إنتفاع آل سعود مما ينشر في بعض الدول النائية من مالي إلي التشاد، ومن النيجر إلي بوروندي، وهل ستتأثر الإستراتيجية السعودية بما ينشر في الإعلام الإندونيسي أو الأسترالي أو حتي الكندي؟
ولكن عندما تختلط القدرة المالية بالنفوذ السياسي، تختلف المعادلة في مقاربة الأمور، فتصبح السفارة وسيطاً بين الإعلام المحلي ومراكز القرار في السعودية، وهناك يصبح الاستثمار المادي بملايين الدولارات لأصحاب الأيادي البيضاء لدي آل سعود، معتمدةً أسلوب العصا والجزرة في التعاطي مع الوسائل الإعلاميّة لاسيّما الفاعلة منها. من لا تنجح السعودية في 'شراء ذمّته'، تحاول تحييده وتهديده إذا لزم الامر، فتلاحق الحكومة السعودية 'الإعلام المعادي' ومن ينتقدها في كلّ مكان، بدءاً من محاربة الأفلام السينمائية التي تتعرض للسعودية عموماً وآل سعود علي وجه الخصوص، كما أظهرت الوثائق حول فيلم 'ملك الرمال' الذي يتعرّض الي حياة جدّهم الأكبر، الملك المؤسس عبد العزيز، أو منع قطر من محاولة ترجمة وثائق بريطانية تسيء لتاريخ آل سعود مروراً بتهديد وسائل الإعلام بالمحاصرة وقطع العائدات الإعلانية، وصولاً إلي تنسيق حملات إعلامية لمنع البث الفضائي كمل حصل مع القنوات الإيرانية.
السعودية تسعي لرسم صورة ناصعة البياض عن واقع قاتم السواد عبر وسائل إعلام 'مدفوعة سلفاً'، بالتزامن مع مواجهة أي نوع من النقد خصوصاً لآل سعود بصرف النظر عن الأسباب والنتائج والحدود الجغرافية. 'الكرم السعودي' علي المئات من المؤسسات والأشخاص الناشطين سياسياً وإعلامياً يكشف سذاجة العقل الدبلوماسي السعودي، سواءً عبر الإبتزاز العلني من لا شيء، أو الفبركة العلنية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فالمهم أن تسمع السعودية تملقاً يناسبها.
تتضح حقيقة السعودية من خلال طائرة وقودها المال بجناحي إعلام 'زوار السفارة' والنفوذ السياسي، لا يتواري عن المحرمات التي تستخدم في غالب الأحيان قاعدة طائفية ومذهبية مقيتة تحت شعار 'الغاية تبرّر الوسيلة'. ولكن في ظل هذه 'الفضائح الإستراتيجية' ما هي التداعيات المفترضة علي سلطات آل سعود؟
لا ريب في أن التسريب يعتبر ضربة قوية للدبلوماسيّة السعودية، الأمر الذي قد يتسبب في مشاكل مع دول عديدة، خاصةً أن الوثائق تطال العديد من الدول الحليفة، لاسيّما في العالم العربي، وبعض دول مجلس التعاون علي وجه الخصوص.
السعودية حاولت أن تقطع الطريق علي أي إرتداد داخلي عبر تهديد المواطنين في حال تصفحوا وثائق تضر بالأمن القومي السعودي، إلا أن سلطات الرياض ماذا ستفعل علي الصعيد الخارجي؟ هل ستمنع الدول الحليفة من الإطلاع علي هذه الوثائق، أم أنها ستسعي لشراء ذمم ويكيليكس حتي تقطع الطريق علي أي فضائح جديدة؟
قد يخدم التطرف الوهابي في المؤسسة الدينية السعودية والذي إنتقلت عدواه إلي المؤسسة الدبلوماسية السلطات في هذا الظرف، فالسعودية عرّابة التطرف في المواقف السياسية لن تجد نفسها محرجة في تقديم إعتذارات للدول التي تتسم العلاقة معها بالتوتر، كما أنها ستعود إلي أسلوب المال والنار عند صدور أي إعتراض من أصحاب الذمم الرخيصة، ولكن ماذا ستفعل السعودية في علاقاتها مع الدول الحليفة؟ ماذا لو ظهرت وثائق جديدة تخص تركيا كما هو حال قطر؟ ألا يعني ذلك ترك السعودية وحيدةً بعد إبتعادها عن مصر؟
فيما يخص مصر، كيف سيتعامل السيسي مع التسريبات التي تتحدث عن تنسيق سعودي مع عدوّه الأكبر جماعة الإخوان المسلمين؟ هل ستبتعد مصر عن الفلك السعودي تحت شعار 'صديق عدوّي عدوي'، أم سيقترب الرئيس السيسي من الرئيس الأسد تحت شعار 'عدو عدوي صديقي'؟
تكثر الأسئلة التي ستكون السعودية مضطرةً للإجابة عليها في الفترة المقبلة، وفي حين ستكون الإجابة علي أغلبها غير شافية، وقد يبقي العديد منها دون إجابة أصلاً، إلا أن الثابت الوحيد في 'ويكيليكس السعودية' أن حقيقة 'مملكة الرمال' تقوم علي المال والنار.


| رمز الموضوع: 53965




ويكيليكس سعودية