الموت یغیّب ذاکرة مصر والعرب لـ 100 عام .. تشییع محمد حسنین هیکل فی مسجد الحسین (ع) وفقاً لوصیته

غیّب الموت الصحافی الکبیر محمد حسنین هیکل ذاکرة مصر والعرب لـ 100 عام ، عن عمر ناهز 93 عاماً أمضى 75 منها صحافیاً وفیاً لمهنته وزملائه ، مطوّراً حضوره المهنی حتى دخل کل غرف القرارات ، و غادر الدنیا فرحاً حائزا ثقة أهم رجالات الدولة فی مصر ودنیا العرب و العالم.

و افاد موقع الحج أنه عندما حياه صحافيون كأكبر العارفين في مجال الصحافة ، خلال معرض تشكيلي في القاهرة لبى الدعوة لحضوره كما يفعل مع كل دعوة يتلقاها من فنان أو مبدع في أي مجال بتواضع وإبتسامة لا تفارق وجهه ، وسلم على كل من يحييه ويبادله السؤال اللطيف بجواب ألطف ، من خلال وجه يرسم علامة الودّ دائماً رغم كثرة من يعرفونه ويريدون التواصل معه ، وقال : "أنا مش أكبر صحافي ولا حاجة، أنا جورنالجي أحب أروي قصص وحكايات ما فيهاش زيادة ولا كذب" . محمد حسنين هيكل .. إسم كبير في تاريخ مصر والعرب، كان حاضراً في اللحظات الحاسمة لإتخاذ القرارات المصيرية ، سمع ما قاله الرئيس جمال عبد الناصر في أهم مفاصل القرارات التي إتخذها عام 67 ، و عرف بقرار أنور السادات خوض الحرب ضد «إسرائيل» عام 73 ، وأدرك أن الرئيس حسني مبارك لن يصمد كثيراً أمام زلزال الجماهير وسيستسلم . و روّج للرئيس عبد الفتاح السيسي و إعتبره رئيس الضرورة لمصر بعد الثورة. هناك أربعة رؤساء مصريين في حياة هيكل مع عدم إستبعاد أول رئيس بعد ثورة الضباط الأحرار محمد نجيب الذي ربطته علاقة وطيدة به، طويت بعد تسلّم الرئيس عبد الناصر زمام المسؤولية . مثل هذا الكبير كان تواضعه آسراً ، وهو يعتبر أن السرّ في نجاحه كان دائماً عدم طموحه للمناصب رغم إلحاحها عليه بالجملة ، و رغبته الجامحة في أن يمارس دوره كصحافي يبحث ينقب يطرق الأبواب، وهو الذي باتت الأخبار تصله من تلقائها، بحكم علاقاته العامة الواسعة التي أسّست لمركز الأبحاث الذي أنشأه ليكون مرجعية حقيقية لكل باحث عن المعلومة الصحيحة في جوانب تاريخ المنطقة، وهو جاهز لخدمة الموضوعات التي يعنى هيكل بها ويريد قول شيء عنها، عندها يكلف عدداً من الباحثين الإستحصال على ما أمكن من معلومات عن هذا الموضوع ، فيتم تلخيصها وتقديمها إليه ليضع روحه النصّية في السياق الخاص بها . قبل أن تعرف المهنة لمعانها من خلال أهم الشروط الموضوعية : المعلوماتية، كانت المعلومات هاجساً له في حياته المهنية فما إشتغل على مقالة أو تحقيق إلاّ بناء على أكبر دور للحيثيات والأخبار الصغيرة المتفرقة ، بحيث يكون الفوز أخيراً من حظ القارئ ، و نتذكر أثر هذا النوع من المقالات عرف رواجاً لبنانياً وعربياً عندما كانت صحيفة الأنوار اللبنانية (دار الصياد) تفرد له مساحة صفحتين متقابلتين تنشران كل أحد، وتحظيان بنسبىة قراءة عالية جداً.. كان يقول "لبنان أحبه جداً، أحب الروح الصحفية عندكم، حرية رائعة لا تقدّر بثمن، لكن البلد دفع ثمنها دماً" . و كانت عبارة : "غير المتوقع يحدث دائماً".. جزءاً من شخصيته ، فيما مظهره الخارجي أناقة مطلقة مع ألوان تدخل القلب وعطر كلاسيكي يفوح من حوله كيفما تحرك . وكان يقول لمن يسأله عن العطرو سر شبابه "هذا سري الكبير، دا بيتركب على مزاج حد بيعرف مزاجي" .. وللعلم فإن هذه الصفة واكبته خلال فترة رئاسته تحرير صحيفة الأهرام على مدى 17 عاماً ، عرف خلالها فترة تصالح مع الناس والأجواء السياسية المتقلبة والحساسة . ونستطيع الركون إلى مؤلفاته للوقوف على خصوصية ما جرى ومن المصادر العليا وعرفنا له: فلسفة الثورة، مدافع آية الله، قصة إيران والثورة، من المنصة إلى الميدان: مبارك وزمانه، زيارة جديدة للتاريخ، الأسطورة والإمبراطورية والدولة اليهودية: المفاوضات السرية بين العرب و«إسرائيل»، ملفات السويس، سنوات الغضب، حرب الخليج: أوهام القوة والنصر، أكتوبر 73: السلاح والسياسة . أكثر من مرة إتُهم الراحل الكبير بأنه أمهر السياسيين كونه ظل محافظاً على توازنه وحظوته مع كل العهود التي تعاقبت على مصر طوال 55 سنة، وكلما حصل إشتباك مصالح طلع هيكل من الصورة، ودخل في مناخ آخر مناقض لعمله السياسي خصوصاً أو الصحافي عموماً، حتى تهدأ الريح . محمد حسنين هيكل ( والد :علي، أحمد، وحسن) يغيب عن 92 عاماً وفي جعبته الكثير مما لم يقله عن القامات المصرية والعربية الكثيرة التي عرفها عن كثب ووقف على قراراتها المصيرية. هذا و شيعت جنازة الصحافي الكبير محمد حسنين هيكل اليوم الأربعاء ، بعد صلاة العصر في مسجد الامام الحسين عليه السلام ، بحسب وصيته و رغبة أسرته ، ثم نقل الى مثواه الاخير في مصر الجديدة . المصدر: تسنيم