الشیعة وقول علی (علیه السلام)للناس بعد مقتل عثمان: دعونی...

ولنتجاوز هذا ونقول : لو نظرنا إلى الأوضاع المزریة والتضییق الذی لحق الشیعة فی تلک الأیّام ، فإنّنا سندرک أنّ الأئمّة المعصومین من أهل البیت(علیهم السلام) قد أُجبروا على تصرّفات معیّنة بهدف الحفاظ على الشیعة وتجنیبهم تلک الویلات وهی تصرّفات ـ قطع

ولنتجاوز هذا ونقول : لو نظرنا إلى الأوضاع المزرية والتضييق الذي لحق الشيعة في تلك الأيّام ، فإنّنا سندرك أنّ الأئمّة المعصومين من أهل البيت(عليهم السلام) قد أُجبروا على تصرّفات معيّنة بهدف الحفاظ على الشيعة وتجنيبهم تلك الويلات وهي تصرّفات ـ قطعاً ـ جائزة شرعاً .
ومن جملة تلك التصرّفات أنّهم(عليهم السلام) قد وضعوا أسماء الخلفاء على أبنائهم ، أو أنّهم قاموا بعقد علاقات عائليّة مع بعض كبار الصحابة عن طريق الزواج ، حتّى يقلّلوا من تلك الضغوطات ، ولئلاّ تتمكّن آلة الظلم الأمويّة والعبّاسيّة من استغلال معارضة الأئمّة(عليهم السلام) للخلفاء الثلاثة للضغط على شيعة أهل البيت والإمعان في قتلهم وسحقهم ، خصوصاً وأنّ المجتمع الإسلامي آنذاك كانت تسيطر البساطة والسذاجة على أفراده .
السؤال 4
بعد قتل عثمان هبّ الناس إلى بيت عليّ وطلبوا مبايعته ، والشيعة يقولون إنّ عليّاً قال لهم : «دعوني والتمسوا غيري» فإذا كان عليّ هو الخليفة فلماذا يأمرهم بالتماس غيره ؟
الجواب : إن خلافة علي للنبي تتصور بالصورتين التاليتين:
1 ـ الخلافة بالنصّ : ويتمّ تعيينها من قِبل الله تعالى ، وهي بهذا المعنى ليست قابلة للفسخ أو الرفض ، وهي كالنبوّة من جهة كونها وظيفة إلهيّة توضع على عاتق الشخص المختار من قبل الله تعالى .
2 ـ الخلافة بالانتخاب : أي انتخاب الخليفة من قِبل الناس.
وإنّ الّذي رفضه الإمام (عليه السلام)هو القسم الثاني، لأنّه (عليه السلام)قد فهم القضية فهماً موضوعياً وعرف أنّ الانحراف الّذي حصل خلال الفترة المنصرمة لابدّ
من التصدّي له وإصلاحه، وهذا التصدي يحتاج إلى مواجهة من النفعيين من جهة وإعداد الأُمّة من جهة ثانية، فلذلك وضع الأُمّة أمام الأمر الواقع مبيناً لهم خطورة الموقف وعظم المهمة التي ستقع على عاتقهم كي يتحملوا هذه المسؤولية عن وعي وفهم، ولكي لا يقال إنّ علياً (عليه السلام)قد خدعنا.
والشاهد على ذلك تعبير الإمام (عليه السلام)حيث قال:
«دَعُونِي وَالْتَمِسُوا غَيْرِي; فَإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَهُ وُجُوهٌ وَأَلْوَانٌ; لاَ تَقُومُ لَهُ الْقُلُوبُ، وَلاَ تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْعُقُولُ. وَإِنَّ الاْفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ، وَالْمَحَجَّةَ قَدْ تَنَكَّرَتْ. وَاعْلَمُوا أَنِّي إِنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ، وَلَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ وَعَتْبِ الْعَاتِبِ، وَإِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ; وَلَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وَأَطْوَعُكُمْ لِمَنْ وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ، وَ أَنَا لَكُمْ وَزِيراً، خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً!».([1])
إذاً إنّ الإمام(عليه السلام) في هذا الكلام بيّن جانباً من الحقائق والأوضاع الحاكمة على ذلك العصر ، كما بيّن أسلوبه ونظرته في إدارة الحكومة ، حيث إنّ جانباً من الأوضاع الحاكمة على حياة الناس في تلك الأيّام ، كانت عبارة عن :
1 ـ الانحراف التدريجي عن سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله) بعد مضيّ 23 سنة على التحاقه بالرفيق الأعلى ، مثل بدعة تفضيل العرب على العجم والموالي على العبيد في العطاء .
2 ـ أسلوب عثمان المتمثِّل في التقسيم غير العادل لأموال بيت المال وتعيين أقاربه من بني أُميّة على المناصب المهمّة في الإمارات ، ممّا جعل المسلمين يثورون عليه ويقتلونه.([2])
3 ـ طمع مجموعة بالحصول على مناصب سياسية دعاهم إلى مبايعة الإمام عليّ(عليه السلام) .
وهذا ما نراه في كلام طلحة والزبير حيث قالا له : نبايعك على أنّا شركاؤك في هذا الأمر ، ]فقال[ : لا ، ولكنّكما شريكان في القوّة والاستعانة ، وعَونان على العجز والأَوْد.([3])
4 ـ إشاعة الأعداء بين الناس أنّ عليّاً(عليه السلام) يحرص على الحكومة.([4])
5 ـ وجود معاوية الذي امتلأ غيظاً وحقداً على الإمام(عليه السلام) بسبب القتل الذي تعرّض له أقاربه على يد الإمام عليّ(عليه السلام) في حروب المشركين على النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، فوجد في قتل عثمان ذريعة للثأر من الإمام(عليه السلام) فاتّهمه بالمشاركة في قتله ، وبحجّة القصاص من قَتَلَة عثمان أطلق لنفسه العنان في الخروج على إمام زمانه ومحاربته.([5])
6 ـ تنبّأ الإمام(عليه السلام) قبل عشر سنوات حينما بُويع عثمان للخلافة بحدوث فتنة([6]) ، والآن بعد مقتل عثمان فإنّ الإمام يصرّح أنّه يرى ذلك بشكل واضح تهتزّ له القلوب والعقول .
وأُمور أُخرى من هذا القبيل أوجبت على الإمام بيان الحقيقة للناس والظروف الخطيرة التي تنتظرهم بدون مجاملة ، حتّى لا يُبقي لهم أيّ ذريعة أو حجّة يحتجّون بها عليه ، بعد مبايعتهم له ، لذلك أكّد على هذه النكتة في ما بعد قائلاً :
«لم تكن بيعتكم إيّاي فلتة . . .»([7]) ; يعني أنّ بيعتهم له لم تكن بدون تفكير وتأمّل منهم حتّى ينقضوها بل كانت بإرادتهم الكاملة .
ولذا ذكر أمير المؤمنين(عليه السلام) سبب سكوته بعد واقعة السقيفة وسبب قبوله للخلافة بعد مقتل عثمان بقوله : «فأمسكت يدي حتّى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمّد ، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم»([8]) .


[1] . نهج البلاغة : 1 / 181، الخطبة 92  .
[2] . راجع نهج البلاغة ، الخطبة 164 ; الملل والنحل للشهرستاني : 32 ـ 33 .
[3] . نهج البلاغة ، الكلمات القصار، برقم 202 .
[4] . نهج البلاغة ، الخطبة 172 .
[5] . لاحظ : نهج البلاغة ، الكتاب رقم 10 و 28 و 64  .
[6] . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1 / 195 .
[7] . نهج البلاغة ، الخطبة 136، والكتاب رقم 54 .
[8] . نهج البلاغة ، الكتاب رقم 62 ، كتابه (عليه السلام)إلى أهل مصر، مع مالك الأشتر لمّا ولاّه إمارتها.
 


| رمز الموضوع: 84075