نداء الامام الخامئني الي حجاج بيت الله الحرام

يمكن للحجّ أن يرفد البشريّة كلّها بالاعتلاء المعنوي و الارتقاء الروحيّ والأخلاقي، وهذه هي الحاجة المصيريّة للبشر اليوم.

في ندائه الي حجاج بيت الله الحرام شدد قائد الثورة الإسلامية على استطاعة الحج أن يدحض جميع مشاريع الاستكبار و الصهيونية الرامية إلى السقوط الأخلاقي للبشرية في اليوم و الغد. يمكن للحج بصفتها نموذجاً مصغّراً لنطاق العالم الإسلامي المتنوّع، أن تكونا في خدمة ارتقاء المجتمع البشري و سلامة الناس جميعاً و أمنهم. يمكن للحجّ أن يرفد البشريّة كلّها بالاعتلاء المعنوي  والارتقاء الروحيّ و الأخلاقي، و هذه هي الحاجة المصيريّة للبشر اليوم. بالتزامن مع تأدية ضيوف الرحمن مراسم الحج لهذا العام، وجّه قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي الخامنئي نداءً إلى حجاج بيت الله الحرام. و فيما يلي نص نداء قائد الثورة الاسلامية الذي قرأة حجة الاسلام سيد عبدالفتاح نواب ممثل الولي الفقيه في شوون الحج و الزيارة في مراسم براءه من المشركين في صحراء عرفات. نداء الي حجاج بيت الله الحرام 6 ذي‌الحجّة 1444 بسم‌اللّه‌الرّحمن‌الرّحيم و الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي الرّسول الاعظم محمّد المصطفي و آله الطّيّبين و صحبه المنتجبين. حج و آثاره للبشرية مرّة أخرى ينطلق النداء الإبراهيمي للحج و دعوته العالميّة من عمق التاريخ مخاطباً أرجاء المعمورة فيلهب القلوب المستعدّة و الذاكرة بالشوق والحماسة. و يخاطب النداء الداعي جميع أفراد البشر: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} (الحج، 27) و الكعبة هي المضيف المبارك و الدليل للبشرية جمعاء: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} (آل عمران، 96). يمكن للكعبة بصفتها النقطة المركزيّة و المحور الرئيس لتوجّهات آحاد المسلمين، وكذلك لشعيرة الحج بصفتها نموذجاً مصغّراً لنطاق العالم الإسلامي المتنوّع، أن تكونا في خدمة ارتقاء المجتمع البشري و سلامة الناس جميعاً و أمنهم. يمكن للحجّ أن يرفد البشريّة كلّها بالاعتلاء المعنوي و الارتقاء الروحيّ و الأخلاقي، و هذه هي الحاجة المصيريّة للبشر اليوم. في استطاعة الحجّ أن يدحض جميع مشاريع الاستكبار و الصهيونيّة الرامية إلى السقوط الأخلاقي للبشريّة في اليوم و الغد، و يبطل مفاعيلها. الشرط اللازم لهذا التأثير على المستوى العالمي أن يسمع المسلمون أنفسهم – كخطوة أولى – الخطاب الباعث على الحياة للحجّ على نحو صحيح، و يسخّروا كلّ ما لديهم من همم من أجل تحقّقه عملياً. إنّ الركيزتين الأساسيّتين لهذا الخطاب هما الوحدة و الروحانيّة. الوحدة و الروحانيّة هما الضامن للارتقاء المادي و المعنوي للعالم الإسلامي و تَشعشع أنواره في أرجاء المعمورة. معنا و تعاليم الوحدة الوحدة و الروحانيّة هما الضامن للارتقاء المادي و المعنوي للعالم الإسلامي و تَشعشع أنواره في أرجاء المعمورة. الوحدة تعني الارتباط الفكري و العملي، أي بمعنى تقارب القلوب و الأفكار والتوجّهات، وكذلك بمعنى التكامل العلمي والتطبيقي، و بمعنى الترابط الاقتصادي بين الدول الإسلاميّة، وكذلك الثقة والتعاون بين الحكومات المسلمة، وأيضاً التعاضد في وجه الأعداء المشتَرَكين والمسلّم بعدائهم. الوحدة تعني ألّا تستطيع خطّة العدوّ المُعدّة جعل مختلف الفرق الإسلاميّة أو الشعوب و الأعراق و اللغات و الثقافات المتنوّعة في العالم الإسلامي تقف في وجه بعضها بعضاً. الوحدة تعني ألّا تتعرّف الشعوب المسلمة إلى بعضها بعضاً عبر التعريف الفتنوي للعدوّ، بل بالتواصل و الحوار و تبادل الزيارات، وأن تطّلع على إمكانات بعضها بعضاً و طاقاتها و تخطّط للانتفاع بها. و الوحدة تعني أن يضع علماء العالم الإسلاميّ و جامعاته أيديهم بأيدي بعضهم بعضاً، و ينظر علماء المذاهب الإسلاميّة إلى بعضهم بعضاً بحُسن الظنّ و المداراة و الإنصاف، و ينصتوا إلى كلام بعضهم بعضاً، و أن يُعرّف النُّخب في كلّ بلد و من كلّ مذهب آحاد الناس على مشتركات بعضهم بعضاً و يشجّعوهم على التعايش و الأخوّة. كما أنّ الوحدة تعني أن يُعِدّ روّاد السياسة و الثقافة في البلدان الإسلاميّة أنفسهم لمواجهة ظروف النظام العالمي المُقبل بتنسيق كامل، و يُحدّدوا بأيديهم و إراداتهم المكانة الجديرة بالأمّة الإسلاميّة في التجربة العالميّة الجديدة الزاخرة بالفرص و التهديدات، و ألّا يسمحوا بتكرار تجربة الهندسة السياسيّة و الجغرافيّة لغربيّ آسيا على يد الحكومات الغربيّة عقب الحرب العالميّة الأولى. المعني و التعاليم الروحانية و الاخلاق أمّا الروحانيّة، فتعني ارتقاء الأخلاق الدينيّة. إنّ أكذوبة الأخلاق دون الدين، التي طالما روّجت المصادر الفكريّة الغربيّة لها مآلها هذا الانهيار الأخلاقي الجامح في الغرب، و الذي يتراءى أمام العالم بأسره. لا بدّ من تعلّم الروحانيّة و الأخلاق من مناسك الحجّ، و من البساطة في الإحرام، و من نبذ الامتيازات الواهية، و من: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير} (الحج، 28)، و من: {لَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (البقرة، 197)، و من طواف الأمّة كافّة حول محور التوحيد، و من رمي الشيطان و البراءة من المشركين. واجبات الحجاج تجاه أنفسهم و تجاه العدو أيّها الإخوة و الأخوات الحجّاج، اغتنموا فرصة الحجّ للتدبّر و التعمّق في أسرار هذه الفريضة الاستثنائيّة و دلالاتها و اجعلوها زاداً لعمركم بأكمله. إنّ الوحدة و الروحانيّة في هذه المرحلة من الزمان تتعرّضان لعداء الاستكبار و الصهيونيّة و عرقلتهما أكثر من السابق. فأمريكا و سائر أقطاب الهيمنة الاستكباريّة يعارضون بشدّة وحدة المسلمين و تفاهم الشعوب و الدول و الحكومات المسلمة، و تديّن الجيل الشاب لهذه الشعوب و التزامه بالشريعة، و هم يواجهونها بأيّ وسيلة ممكنة. إنّ مسؤوليّتنا جميعاً و الشعوب كافّة و حكوماتنا هي الوقوف في وجه هذا المخطط الأمريكي و الصهيوني الخبيث. استعينوا بالله العليم القدير، و عزّزوا روحيّة البراءة من المشركين في أنفسكم، و عُدّوا أنفسكم مكلّفين بنشرها و تعميقها في بيئتكم. أسأل الله العلي التوفيق للجميع و حجّاً مقبولاً ومشكوراً لكم، أيّها الحجّاج الإيرانيّون وغير الإيرانيّين. و أرجو للجميع أن يشملهم الدعاء المستجاب لبقيّة الله الأعظم، أرواحنا فداه. و السّلام عليكم و رحمة الله. السّادس من ذي الحجّة 1444 25 حزيران/يونيو 2023