احتجاج علی (علیه السلام)بالذین بایعوا أبا بکر وعمر

نجد فی نهج البلاغة رسالة علیّ بن أبی طالب(علیه السلام) إلى معاویة ، جاء فیها «إنّه بایعنی الذین بایعوا أبا بکر وعمر وعثمان على ما بایعوهم علیه ، فلم یکن للشاهد أن یختار ولا للغائب أن یرد...» . وفی هذا دلیل على أُمور :

نجد فی نهج البلاغة رسالة علیّ بن أبی طالب(علیه السلام) إلى معاویة ، جاء فیها «إنّه بایعنی الذین بایعوا أبا بکر وعمر وعثمان على ما بایعوهم علیه ، فلم یکن للشاهد أن یختار ولا للغائب أن یرد...» . وفی هذا دلیل على أُمور : 1 ـ أنّ الإمام یُختار من قبل المهاجرین والأنصار . 2 ـ أنّ علیّاً(علیه السلام) بُویع بنفس الطریقة التی بُویع بها أبو بکر وعمر وعثمان . 3 ـ أنّ الشورى للمهاجرین والأنصار ، وهذا یدلّ على فضلهم . 4 ـ أنّ قبول المهاجرین والأنصار ورضاهم ومبایعتهم لإمام لهم یکون من رضا الله . 5 ـ أنّ الشیعة یلعنون معاویة ولم نجد علیّاً(علیه السلام) یلعنه فی رسالته . الجواب : إنّ القرآن الکریم یعلِّم المسلمین کیفیة مخاطبة مخالفیهم باتّباع إحدى الأسالیب التالیة : 1 ـ إمّا بالبرهان والاستدلال العقلی . 2 ـ أو بالموعظة الحسنة . 3 ـ أو بالجدل ، ومعناه إقامة الدلیل على الخصم اعتماداً على ما یعتقده من مسلّمات ومعتقدات([1]) . وهنا نجد أنّ أمیر المؤمنین علیّاً(علیه السلام) ومن خلال کلامه فی هذه الرسالة قد اعتمد الأُسلوب الثالث مع خصمه اللدود ، وهو الأُسلوب الجدلی ; حیث احتجّ على معاویة بنفس منطقه ومعتقده ، فقال له : إنّ الذین بایعوا الخلفاء الثلاثة ـ الذین تدّعی إیمانک بخلافتهم ـ هم أنفسهم الذین بایعونی ، فلِمَ تقبل بیعة هؤلاء الناس للخلفاء الثلاثة وتمتنع عن قبول بیعتهم لی ؟ فهذا النوع من الخطاب الجدلی لا یدلّ على أنّ الإمام علیّاً (علیه السلام) یقبل منطق معاویة . وإذا أردنا أن نتوسّع قلیلاً فی هذا المطلب ونبیّن أصل الاختلاف فیه ، نقول : إنّ أمیر المؤمنین علیّاً(علیه السلام) قد أمسک بزمام الخلافة بعدما بایعه المهاجرون والأنصار ، وبعد إصرار کبیر منهم ، ولعلمه أنّ معاویة لم یکن رجلاً صالحاً یُؤتَمن على إمارة الشام ، فقد قام(علیه السلام) بعزله عن الإمارة مباشرةً ، على رغم ما اقترحه بعض المسلمین بإمهال معاویة حتّى یتمکّن الإمام (علیه السلام)من السیطرة على شؤون الدولة ، وتستتب له الأُمور ، ثم یعزله بعد ذلک، لکنّه(علیه السلام)رفض هذا الاقتراح وعزل معاویة ولم یدعه فی منصبه یوماً واحداً . وهنا قام معاویة ـ طالب الدُّنیا ـ بالتمرّد على الإمام(علیه السلام) بدعوى المطالبة بدم عثمان ، وحاول اتّهام الإمام(علیه السلام) بالمشارکة فی قتله . هذه هی الظروف التی کتب فیها الإمام(علیه السلام) تلک الرسالة لمعاویة ، لخّص له فیها سبب تمرّده وبیَّن له فیها أنّه على علم بما یدور فی خَلده ، وهو أنّ قیامک وتمرّدک یعود إلى أمرین : الأوّل : أنّک تدّعی أنّ خلافتی غیر مشروعة ، فی حین أنّ خلافتی تتّصف بنفس مواصفات خلافة مَنْ سبقنی من جهة الکمّ والکیف ; فالأشخاص الذین بایعونی هم نفس الأشخاص الذین بایعوا الخلفاء الثلاثة . الثانی : إن کنت تعتمد على اتّهامی بقتل عثمان فأنت تعلم أنّنی بریءٌ من ذلک ولذلک کتب فی ذیل رسالته: «لَئِنْ نَظَرْتَ بِعَقْلِکَ دُونَ هَوَاکَ لَتَجِدَنِّی أَبْرَأَ النَّاسِ مِنْ دَمِ عُثْمانَ » .([2]) من هنا یتبیّن لنا أنّ الإمام علیاً(علیه السلام) لم یکن فی مقام بیان مسألة کلامیّة وعقائدیّة ، بل کان فی مقام قطع الطریق أمام معاویة الذی تمرّد علیه ، وفَضْح دعواه الزائفة عن طریق سلوک الأُسلوب الجدلی المنطقی . وکان هذا دیدنه(علیه السلام) مع کثیرین ، فقد واجه طلحة والزبیر وکذلک الخوارج بنفس ذلک الاُسلوب المنطقی تفادیاً لوقوع الحروب وإراقة الدِّماء . والنتیجة : أنّ کلّ ما استخلصه السائل من نتائج خمسة ، هو استنتاج واه وبلا أساس . وأمّا القول بعدم تعرّض علیّ(علیه السلام) إلى لعن معاویة فی الرسالة ، فلأجل أنّ الإمام یهدف فی هذه الرسالة إلى احتواء معاویة وإعادته إلى جادّة الصواب ، لا إلى مزید من الإبعاد والنفرة، فلم یکن اللّعن منسجماً مع هدفه (علیه السلام). ثم لماذا یتغافل جامع الأسئلة عن مواقف الإمام (علیه السلام) مع معاویة المذکورة فی نفس نهج البلاغة حیث یصفه بالغدر والفجر ومنها: «مَا مُعَاوِیَةُ بِأَدْهَى مِنِّی، وَلکِنَّهُ یَغْدِرُ وَیَفْجُرُ. ..؟!([3])   [1] . قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِیلِ رَبِّکَ بِالْحِکْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّکَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِیلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِینَ) . النحل : 125 . [2] . نهج البلاغة: 3 / 7، الکتاب رقم 6 . [3] . نهج البلاغة: 2 / 180، من کلامه له برقم 200 .


| رمز الموضوع: 12807