خلال کلمته فی المؤتمر الدولی السادس لدعم الإنتفاضة الفلسطینیة

الإمام الخامنئی: ستفرض الانتفاضة الثالثة هزیمة أخرى على الکیان الصهیونی الغاصب

شهدت العاصمة الإیرانیة طهران صباح الیوم الثلاثاء 21/2/2017م انطلاق فعالیات المؤتمر الدولی السادس لدعم الانتفاضة الفلسطینیة. حیث افتتح المؤتمر بکلمة لقائد الثورة الإسلامیة الإمام السید علی الخامنئی أکد خلالها على أهمیة خیار المقاومة لإعادة حقوق الشعب الفلسطینی المسلوبة.

و أفاد موقع الحج أنه فیما یلی النّص الکامل لکلمة الإمام الخامنئی فی المؤتمر الدولی السادس لدعم الانتفاضة الفلسطینیة: بسم الله الرحمن الرحیم الحمد لله رب العالمین، وصلوات الله وتحیاته على سیّد الأنام محمّد المصطفى، وآله الطیبین وصحبه المنتجبین قال الله الحکیم فی کتابه المبین: «وَلا تَهِنوا وَلا تَحزَنوا وَأَنتُمُ الأَعلَونَ إِن کُنتُم مُؤمِنینَ» وقال عزّ من قائل: «فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَکُمْ وَلَن یَتِرَکُمْ أَعْمَالَکُمْ» فی البدایة، أرى لزاماً علیّ أن أرحّب بکم جمیعاً أیها الضیوف الأعزّة، رؤساء المجالس المحترمین، وقادة الجماعات الفلسطینیة المتنوّعة، و أصحاب الفکر و الوعی والشخصیات البارزة فی العالم الإسلامی، وسائر الشخصیات التحرّریة، وأن أحیّی حضورکم فی هذا الملتقى القیّم. إن قصّة فلسطین المکتظة بالغصص والحزن الممضّ لمظلومیة هذا الشعب الصابر المثابر المقاوم، لتؤلم بحقٍ، أیّ إنسان تائق إلى الحریة والحق والعدالة، وتملأ قلبه بالأسى الکبیر. إن تاریخ فلسطین زاخر بالمنعطفات والأحداث فی ظل احتلالها الظالم وتشرید الملایین من أبنائها و المقاومة الباسلة التی سطرها هذا الشعب البطل. وإن بحثاً واعیاً فی التاریخ یبیّن أنه لم یواجه شعب من شعوب العالم فی أیّ فترة من فترات التاریخ مثل هذه المحنة والمعاناة والممارسات الظالمة، بأن یتعرض بلد بأکمله للاحتلال بفعل مؤامرة تتجاوز حدود المنطقة، و یشرَّد شعب من دیاره وأرضه، لتحِلّ محله جماعة أخرى تأتی من مناطق شتی من العالم، مما یشکل تجاهلا لوجود حقیقی مع إحلال وجود زائف محله. بید أن هذه تمثل صفحة ملوثة من صفحات التاریخ التی ستطوى کغیرها من الصفحات الملوثة بإذن الله تعالى وعونه، فقد قال تعالی: «إِنَّ الْبَاطِلَ کَانَ زَهُوقًا» وقال: «أَنَّ الْأَرْضَ یَرِثُهَا عِبَادِیَ الصَّالِحُونَ». یقام مؤتمرکم هذا فی ظرف هو من أصعب الظروف العالمیة والإقلیمیة. إن منطقتنا التی طالما کانت دعامة لشعب فلسطین فی کفاحه ضد مؤامرة عالمیة، تعیش هذه الأیام اضطرابات وأزمات متعددة. لقد أدت الأزمات التی تعیشها عدة بلدان إسلامیة فی المنطقة إلى تهمیش موضوع دعم القضیة الفلسطینیة والهدف المقدس فی تحریر القدس الشریف. إن التفطن لنتیجة هذه الأزمات یجعلنا ندرک من هی القوى التی تربح منها. الذین أوجدوا الکیان الصهیونی فی هذه المنطقة لیستطیعوا عن طریق فرض صراع طویل الأمد أن یحولوا دون استقرار المنطقة وتقدمها، یقفون الیوم أیضاً وراء الفتن القائمة، الفتن التی أدت إلى استنزاف طاقات شعوب المنطقة فی نزاعات عبثیة کی تحبط مساعی بعضها البعض، مما یوفر الفرصة لزیادة قوة الکیان الصهیونی الغاصب أکثر فأکثر بعدما أصیب الجمیع بالفشل. کما أننا نشهد مساعی الخیّرین والعقلاء والحکماء فی الأمة الإسلامیة الذین یسعون بإخلاص لحلّ هذه النزاعات. ولکن المؤسف أن مؤامرات الأعداء المعقدة نجحت، من خلال استغلال غفلة بعض الحکومات، فی فرض حروب داخلیة على الشعوب و تحریضها ضد بعضها البعض مما یقلل من تأثیر مساعی هؤلاء الخیّرین للأمة الإسلامیة. الشیء الخطیر فی هذه الغمرة هو محاولات إضعاف مکانة القضیة الفلسطینیة والسعی لإخراجها من دائرة الأولویة. على الرغم مما یوجد بین البلدان الإسلامیة من خلافات یکون بعضها طبیعیة، وبعضها نتیجة لمؤامرات الأعداء، وبعضها ناجم عن الغفلة، إلا أن فلسطین لا زالت تمثل عنوانا من شأنه أن یکون ـ و یجب أن یکون ـ محورا لوحدة کل البلدان الإسلامیة. إن من مکتسبات هذا الملتقى الکریم هو طرح ما یمثل الأولویة الأولى للعالم الإسلامی و لطلاب الحریة فی العالم، ألا وهو موضوع فلسطین، وتوفیر أجواء التعاطف لتحقیق الهدف السامی المتمثل فی دعم شعب فلسطین وکفاحه المطالب بالحق والعدالة. یجب ألاتهمَل أبداً أهمیة الدعم السیاسی لشعب فلسطین و هذا ما یتمتع الیوم بأهمیة خاصة فی العالم. إن الشعوب المسلمة و المتحررة ـ علی اختلاف مسالکهم و اتجاهاتهم ـ یستطیعون أن یجتمعوا حول هدف واحد هو فلسطین وضرورة السعی لتحریرها. بعد ظهور علامات أفول الکیان الصهیونی و ضعف حلفائه الأصلیین وخصوصاً الولایات المتحدة الأمریکیة، یلاحظ أن الأجواء العالمیة تتجه شیئاً فشیئاً نحو التصدی لممارسات الکیان الصهیونی العدائیة واللاقانونیة واللاإنسانیة، و لاشک أن المجتمع العالمی وبلدان المنطقة لم تستطع لحد الآن أن تعمل بمسؤولیاتها تجاه هذه القضیة الإنسانیة. لا یزال القمع الوحشی للشعب الفلسطینی مستمراً، وکذلک الکثیر من المظالم الأخرى التی ترتکب ضده من قبیل الاعتقالات الواسعة النطاق وعملیات القتل والنهب، واغتصاب أراضیه وبناء المستوطنات فیها والسعی لتغییر ملامح وهویة مدینة القدس المقدسة والمسجد الأقصى وسائر الأماکن المقدسة الإسلامیة والمسیحیة فیها، وسلب الحقوق الأساسیة للمواطنین. وهی ممارسات تحظى بدعم شامل من قبل الولایات المتحدة الأمریکیة وبعض الحکومات الغربیة، و للأسف لاتواجه ردود فعل عالمیة مناسبة. إن الشعب الفلسطینی یفتخر بأنْ منّ الله تعالى علیه وحمّله رسالة عظیمة تتمثل فی الدفاع عن هذه الأرض المقدسة والمسجد الأقصى. ولا سبیل أمام هذا الشعب سوى الحفاظ على مشعل الکفاح وهّاجاً بالاتکال على الله تعالى والاعتماد على قدراته الذاتیة، وهذا ما قام به لحد الآن والحقّ یقال. الانتفاضة التی انطلقت الیوم فی الأراضی المحتلة للمرة الثالثة لهی مظلومة أکثر من الانتفاضتین السابقتین، لکنها تسیر متألقة و مفعمة بالأمل، وسترون بإذن الله أن هذه الانتفاضة ستسجل مرحلة مهمة جداً من تاریخ الکفاح و تفرض هزیمة أخرى على الکیان الغاصب. إن هذه الغدة السرطانیة نمت منذ البدایة على شکل مراحل إلى أن تحولت إلى البلاء الحالی، وینبغی أن یکون علاجها أیضاً على شکل مراحل حیث استطاعت عدة انتفاضات ومقاومات متتابعة ومستمرة تحقیق أهداف مرحلیة مهمة جداً، وأن تسیر إلى الأمام مزمجرة نحو تحقیق باقی أهدافها إلى حین تحریر کامل تراب فلسطین. إن الشعب الفلسطینی الکبیر الذی یتحمّل بمفرده الأعباء الثقیلة لمواجهة الصهیونیة العالمیة وحماتها العتاة، منح الفرصة ـ صابراً محتسباً، ولکن قویاً صامداً ـ لکل الأدعیاء لیختبروا ادعاءاتهم ویجرّبوها. یوم طرحت مشاریع الاستسلام بشکل جادّ تحت طائلة الزعم الباطل الذی یدعو إلى الموضوعیة وضرورة قبول الحد الأدنى من الحقوق للحؤول دون تضییعها، منح الشعب الفلسطینی، وحتى کل التیارات التی کان قد ثبت لدیها مسبقاً عدم صحّة هذه الرؤیة، الفرصة لها. طبعاً أکدت الجمهوریة الإسلامیة فی إیران منذ البدایة على خطأ هذا النوع من الأسالیب الاستسلامیة ونبّهت إلى آثارها الضارّة وخسائرها الجسیمة. إن الفرصة التی منحت لمسیرة الاستسلام کان لها آثار مخرّبة على مسار مقاومة الشعب الفلسطینی وکفاحه، بید أن فائدتها الوحیدة هی إثبات عدم صحة فکرة «الموضوعیة» هذه على الصعید العملی. بل إن طریقة ظهور الکیان الصهیونی کانت بالشکل الذی لا یمکنه معها أن یکفّ عن نزعته التوسعیة وقمعه وسحقه لحقوق الفلسطینیین، لأن وجوده وهویته رهن بالقضاء التدریجی على هویة فلسطین ووجودها، ذلک أن الوجود غیر الشرعی للکیان الصهیونی لا یمکنه الاستمرار إلّا على أنقاض هویة فلسطین ووجودها. ولهذا فإن الحفاظ على الهویة الفلسطینیة وحمایة کل ملامح وعلامات هذه الهویة الحقیقیة الطبیعیة کان أمرا واجبا و ضروریا و جهادا مقدسا. و طالما یبقى عالیا صامدا اسم فلسطین وذکر فلسطین والمشعل الوضاء لمقاومة هذا الشعب الشاملة، فلن یکون من الممکن لأرکان الکیان المحتلّ أن تتعزّز. مشکلة مشروع الاستسلام لاتقتصر علی أنه بتنازله عن حق شعب، یمنح الشرعیة للکیان الغاصب، و إن کان هذا بحدّ ذاته خطأ کبیرا لایغتفر، إنما المشکلة فی أنه لا یتلاءم إطلاقاً مع الظروف الحالیة لقضیة فلسطین، ولا یأخذ بنظر الاعتبار النزعات التوسعیة والقمعیة والجشعة للصهاینة. على أن هذا الشعب اغتنم الفرصة واستطاع إثبات خطأ مزاعم دعاة الاستسلام، وبالتالی فقد حصل نوع من الإجماع الوطنی بخصوص الأسالیب الصحیحة للکفاح من أجل استعادة الحقوق المشروعة لشعب فلسطین. والآن فإن الشعب الفلسطینی قد جرّب طوال العقود الثلاثة الماضیة نموذجین متباینین وأدرک مدی ملاءمة کل منهما لظروفه. فهناک مقابل مشروع الاستسلام نموذج المقاومة البطولیة المستمرة للانتفاضة المقدسة الذی أتی بمکتسبات عظیمة لهذا الشعب. ولیس من دون سبب أنْ تقوم جهات مفضوحة الیوم بمهاجمة المقاومة أو إثارة الشکوک حول الانتفاضة، إذ لایتوقع من العدوّ غیر هذا، لأنه یعلم علماً تامّاً بصحّة هذا الدرب و جدوائیته. ولکن نشاهد أحیاناً بعض التیارات وحتى البلدان التی تدعی فی الظاهر مواکبة القضیة الفلسطینیة ولکنها ترید فی الحقیقة حرف المسار الصحیح لهذا الشعب، نشاهدها هی الأخرى تهاجم المقاومة. ذریعة هؤلاء هی أن المقاومة لم تستطع بعد عقود من عمرها تحقیق تحریر فلسطین، و بناء علی ذلک فإن هذا الأسلوب بحاجة إلى إعادة نظر! وینبغی القول فی معرض الرد: صحیح أن المقاومة لم تستطع بعدُ الوصول إلى هدفها الغائی أی تحریر کل فلسطین، بید أن المقاومة استطاعت إبقاء قضیة فلسطین حیّة. لنتصور أنه لو لم تکن هناک مقاومة فما کانت الظروف التی کنا نعیشها الیوم؟ أهم مکتسبات المقاومة إیجاد عقبة أساسیة أمام المشاریع الصهیونیة. لقد تمثل نجاح المقاومة فی فرض حرب استنزافیة على العدو، بمعنى أنها استطاعت إفشال الخطة الأصلیة للکیان الصهیونی وهی السیطرة على کل المنطقة. وفی هذا السیاق ینبغی بحقّ تکریم مبدأ المقاومة والأبطال الذین بادروا إلى المقاومة خلال فترات مختلفة ومنذ بدایة تطبیق مسرحیة تأسیس الکیان الصهیونی، ومن خلال تقدیم أرواحهم حافظوا على رایة المقاومة عالیة خفاقة، ونقلوها من جیل إلى جیل. ولا یخفى على أحد دور المقاومة خلال الفترات التی أعقبت الاحتلال، ومن المتیقن منه أنه لا یمکن تجاهل دور المقاومة حتى فی الانتصار الذی تحقق فی حرب عام 1973 و إن کان انتصارا بسیطا. ومنذ عام 1982 ألقیت أعباء المقاومة عملیاً على عاتق الشعب فی داخل فلسطین، إلّا أن المقاومة الإسلامیة فی لبنان ـ حزب الله ـ ظهرت هی الأخرى لتکون عوناً للفلسطینیین فی دربهم الکفاحی. لو لم تکن المقاومة قد شلّت الکیان الصهیونی لشهدنا الیوم تطاوله مرة أخرى على أراضی المنطقة ابتداء من مصر إلى الأردن والعراق والخلیج الفارسی وغیر ذلک. نعم، هذا مکسب مهم جداً، بید أنه لیس المکسب الوحید للمقاومة، فتحریر جنوب لبنان وتحریر غزة یعدان هدفین مرحلیین مهمّین فی سیاق تحریر فلسطین استطاعا تغییر مسار التوسّع الجغرافی للکیان الصهیونی إلى العکس. منذ بدایات عقد الستینیات هجری شمسی المصادف للثمانینیات من القرن العشرین للمیلاد فصاعداً لم یعد الکیان الصهیونی قادراً على التطاول على أراض جدیدة، ولیس هذا وحسب بل وبدأ تراجعه بالخروج الذلیل من جنوب لبنان، واستمر بخروج ذلیل آخر من غزة. ولا أحد یستطیع إنکار الدور الأساسی والحاسم للمقاومة فی الانتفاضة الأولى. وقد کان دور المقاومة فی الانتفاضة الثانیة أیضاً أساسیاً وبارزاً، تلک الانتفاضة التی اضطرت الکیان الصهیونی فی نهایة المطاف إلى الخروج من غزة. کما أن حرب الثلاثة وثلاثین یوماً فی لبنان، وحرب الإثنین وعشرین یوماً، وحرب الثمانیة أیام، وحرب الواحد وخمسین یوماً فی غزة، کلها صفحات مشرقة فی ملف المقاومة تبعث على فخر واعتزاز کل شعوب المنطقة والعالم الإسلامی وکل إنسان تائق إلى الحریة فی أرجاء المعمورة. فی حرب الثلاثة وثلاثین یوماً تم عملیاً إغلاق کل طرق إمداد الشعب اللبنانی والمقاومة البطلة فی حزب الله، ولکن بعون من الله وبالاعتماد على الطاقة الهائلة لشعب لبنان المقاوم تکبّد الکیان الصهیونی وحامیه الأساسی أعنی الولایات المتحدة الأمریکیة، هزیمة فاضحة بحیث لن یتجرّأ بعدها بسهولة على الهجوم على تلک الدیار. والمقاومات المتتابعة فی غزة التی تحولت الآن إلى حصن منیع للمقاومة، أثبتت عبر عدة حروب متلاحقة أن هذا الکیان أضعف من أن یستطیع الصمود أمام إرادة شعب. البطل الأصلی فی حروب غزة هو الشعب الباسل المقاوم الذی لا یزال یدافع عن هذا الحصن بالاعتماد على قوة الإیمان على الرغم من تحمّله الحصار الاقتصادی لعدة سنین. ومن الجدیر أن یقدَّر عالیا کل جماعات المقاومة الفلسطینیة مثل سرایا القدس من حرکة الجهاد الإسلامی، وکتائب عز الدین القسام من حماس، وکتائب شهداء الأقصى من فتح، وکتائب أبی علی مصطفى من الجبهة الشعبیة لتحریر فلسطین، التی کان لها جمیعا دور قیّم فی هذه الحروب. أیها الضیوف الکرام! ینبغی عدم الغفلة أبداً عن الأخطار الناجمة عن وجود الکیان الصهیونی، ولذلک یجب أن تتوفر المقاومة على جمیع الأدوات اللازمة لمواصلة مهامّها. وفی هذا المسار، من واجب کل الشعوب والحکومات فی المنطقة وجمیع طلاب الحریة فی العالم تأمین الاحتیاجات الأساسیة لهذا الشعب المقاوم، فالأرضیة الأساسیة للمقاومة هی صمود وثبات الشعب الفلسطینی الذی ربّى بنفسه أبناءه الغیارى المقاومین. تأمین احتیاجات شعب فلسطین والمقاومة الفلسطینیة واجب مهم وحیوی ینبغی على الجمیع العمل به. وفی هذا السیاق یجب عدم الغفلة عن الاحتیاجات الأساسیة للمقاومة فی الضفة الغربیة التی تتحمل الآن العبء الأصلی للانتفاضة المظلومة. وعلى المقاومة الفلسطینیة أن تعتبر من ماضیها، و تتنبّه إلى نقطة مهمة هی أن المقاومة وفلسطین أسمى وأهمّ من أن تنشغل هذه المقاومة بالخلافات التی تحدث بین البلدان الإسلامیة والعربیة، أو بالخلافات الداخلیة للبلدان، أو الخلافات الأثنیة و الطائفیة. على الفلسطینیین وخصوصاً الجماعات المقاومة أن تعرف قدر مکانتها القیّمة ولا تنشغل بهذه الخلافات. من واجب البلدان الإسلامیة والعربیة وکل التیارات الإسلامیة والوطنیة أن تعمل لخدمة القضیة الفلسطینیة و أهدافها. فدعم المقاومة واجبنا جمیعاً ولیس من حق أحد أن یتوقع منهم توقعات خاصة مقابل المساعدات. نعم، الشرط الوحید للمساعدة هو أن تصبّ هذه المساعدات باتجاه تعزیز قدرة الشعب الفلسطینی والمقاومة. الالتزام بفکرة الصمود بوجه العدو والمقاومة بکل أبعادها، یضمن استمرار هذه المساعدات. إن موقفنا تجاه المقاومة موقف مبدئی ولا علاقة له بجماعة معینة. أی جماعة تصمد فی هذا الدرب فنحن نواکبها، وأی جماعة تخرج عن هذا المسار ستبتعد عنا. وإن عمق علاقتنا بجماعات المقاومة الإسلامیة لا یرتبط إلّا بدرجة التزامهم بمبدأ المقاومة. النقطة الأخرى التی ینبغی الإشارة لها هو الاختلافات بین الجماعات الفلسطینیة المتعددة، فاختلاف التصورات بسبب تنوع الأذواق بین المجامیع حالة طبیعیة ویمکن تفهّمها، وإذا بقیت عند هذه الحدود فقد تؤدی حتى إلى التآزر والتکامل وإثراء کفاح الشعب الفلسطینی أکثر. بید أن المشکلة تبدأ عندما تتحول هذه الاختلافات إلى نزاع و - لا سمح الله - إلى اشتباک، وفی هذه الحالة سوف تحبط التیارات المتنوعة قدرات بعضها البعض وتسیر عملیاً فی طریق یریده عدوها المشترک. إن إدارة الخلافات والتباین فی التصورات والأذواق فن ینبغی على کل التیارات الأصلیة استخدامه، وأنْ تنظم خططها الکفاحیة المختلفة بحیث لا تضغط إلّا على العدوّ، وتؤدی إلى تقویة العمل الکفاحی. إن الوحدة الوطنیةعلى أساس الخطة الجهادیة ضرورة وطنیة لفلسطین یتوقع من کل التیارات المختلفة السعی لتحقیقها من أجل العمل وفق إرادة کل الشعب الفلسطینی. وتواجه المقاومة هذه الأیام مؤامرة أخرى تتمثل فی مساعی المتلبّسین بثیاب الأصدقاء الرامیة إلى حرف مسار المقاومة وانتفاضة الشعب الفلسطینی ، لیستفیدوا من ذلک فی صفقاتهم السریة مع أعداء الشعب الفلسطینی. والمقاومة أذکى من أن تقع فی هذا الفخ، خصوصاً وأن الشعب الفلسطینی هو القائد الحقیقی للکفاح والمقاومة، والتجارب الماضیة تدلّ على أن هذا الشعب بوعیه الدقیق للظروف یحول دون مثل هذه الانحرافات، وإذا ما سقط - لا سمح الله - تیار من تیارات المقاومة فی هذا الفخ فإن هذا الشعب قادر، کما کان فی الماضی، على إعادة إنتاج مستلزماته. إذا ألقت جماعة رایة المقاومة أرضاً فمن المتیقن منه أن جماعة أخرى ستظهر من صمیم الشعب الفلسطینی لترفع هذه الرایة عالیاً. لا ریب فی أنکم أیها الحضور المحترمون سوف تتطرقون فی هذا الملتقى لفلسطین فقط، فلسطین التی شهدت فی الأعوام الأخیرة للأسف حالات تقصیر فی الاهتمام اللازم والضروری بها. ولا مراء فی أن الأزمات القائمة فی مواطن مختلفة من المنطقة و داخل الأمة الإسلامیة جدیرة بالاهتمام، بید أن الباعث علی عقد هذا الاجتماع هو قضیة فلسطین. ویمکن لهذا الملتقى أن یکون بحد ذاته نموذجاً یقتدى به لیستطیع کل المسلمین وشعوب المنطقة تدریجیاً بالاعتماد على المشترکات فیما بینهم احتواء الخلافات، وأن یعملوا ـ من خلال حلّ کلّ تلک الخلافات واحداً واحداً ـ على تعزیز الأمة المحمدیة أکثر فأکثر. وفی النهایة أرى من الضروری أن أتقدم مرة أخرى بالشکر لکم جمیعاً أیها الضیوف الأجلاء على مشارکتکم القیّمة هذه. کما أشکر رئیس مجلس الشورى الإسلامی المحترم وزملاءه فی الولایة العاشرة للمجلس على الجهود التی بذلوها من أجل إقامة هذا المؤتمر. وأسأل الله المنّان أن یوفقکم جمیعا لخدمة قضیة فلسطین باعتبارها القضیة الأهم فی العالم الإسلامی ومحور وحدة کل المسلمین والأحرار فی العالم. سلام الله و رحمته على الأرواح الطاهرة لکل شهداء الإسلام، وخصوصاً الشهداء العظام الذین قدّمتهم المقاومة فی مواجهتها للکیان الصهیونی، والتحیة کذلک لکل الجنود الصادقین فی جبهة المقاومة، ونبعث التحیة أیضاً إلى الروح الطاهرة لمؤسّس الجمهوریة الإسلامیة الذی بذل أکبر الاهتمام بقضیة فلسطین. نتمنى لکم التوفیق والانتصار. والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته. المصدر : khamenei.ir