مقام السیدة خولة بنت الإمام الحسین علیهما السلام فی لبنان

تعتبر مدینة بعلبک فی لبنان من اشهر المدن السیاحیة اللبنانیة؛ فهی تستقطب سنویاً أعداد هائلة من السیاح العرب والاجانب، وحتى اللبنانیین المقیمین والمغتربین.

و أفاد موقع الحج أن من ممیزات هذه المدینة کثرة الآثار المختلفة التی تتوزع فیها، وأشهرها قلعة بعلبک الرومانیة حیث یوجد فیها معبد باخوس ذی الأعمدة الست المشهورة. ولا تقتصر السیاحة البعلبکیة على السیاحة التاریخیة فحسب، بل هناک معالم دینیة تشکل قبلة للسیاح المسلمین وغیر المسلمین، منها مسجد رأس الإمام الحسین (ع)، والذی شیّد فی العام 681م، تکریماً للمکان الذی وضع فیه رأس الامام (ع) ومقام السیدة خولة بنت الإمام الحسین (ع)، وهو صرح کبیر، شکّل فی الآونة الأخیرة محط أنظار محبی أهل البیت علیهم السلام ممن لا یستطیعون الذهاب إلى سوریا أو العراق، وهو من أهم معالم السیاحة الدینیة فی لبنان والمنطقة. من هی السیدة خولة (ع)؟ هی بنت الإمام الحسین بن علی (ع)، وکانت تبلغ من العمر ثلاث سنوات حین عزم الإمام الحسین على مواجهة یزید بن معاویة سنة (61هـ - 681م) وکانت موقعة کربلاء الشهیرة، التی اجتمع فیها الآلاف من مقاتلی یزید للقضاء على عترة النبی محمد (ص)، وأسفرت عن استشهاد الإمام الحسین (ع) وجمیع من کان معه من الرجال باستثناء الإمام زین العابدین(ع) الذی کان مریضاً، فأُجبر مع جمیع نساء وأطفال أهل البیت (ع) على السیر فی مسیرة السبایا من الکوفة باتجاه دمشق مقرّ حکم یزید، وکان معلوم أن القوافل تختار الطرق التی یکون فیها الماء وافراً، خوفاً من العطش أثناء الرحلة، فاتجهت قافلة السبایا من شمال العراق بمحاذاة نهر الفرات لتدخل سوریا عن طریق معرّة النعمان ومنها إلى حلب وحماه وحمص، ومن ثمّ إلى مدینة بعلبک فی لبنان، وکانت السیدة خولة من بین الأطفال الذین تحمّلوا عناء السفر الطویل من دون أی رحمة أو رأفة، مما جعل قواها تخور، وتسقط عن ظهر الجمل، فی بعلبک، وما لبثت أن فارقت الحیاة فی الیوم التالی، فقام الإمام زین العابدین (ع) بدفنها فی بستان على مشارف المدینة، وغرس إلى جانبها غصناً من شجرة "سرو" لیستطیع التعرف لاحقًا إلى مکان القبر الشریف، إذ ما لبث هذا الغصن أن تحول إلى شجرة کبیرة لا تزال حتى یومنا هذا أی بعد مضی حوالى 1400 عام. یقول الحاج علی مشیک مدیر الوقف فی مقام السیدة خولة (ع): "روایات کثیرة تروى عن وجودها، لکن من أهمها تلک التی صدرت عن أحد العلماء العراقیین وهو الدکتور الشیخ السیماوی، إذ روى فی مجلس عزاء حسینی فی ذکرى استشهاد السیدة خولة(ع) فی مقامها بتاریخ 30/10/2016 عن لسان الإمام الخمینی (قدس) عن استشهاد أحد أطفال الإمام الحسین (ع) البنات بجانب قلعة بعلبک الأثریه والتی تعرف بمدینة الشمس". حکایة المقام هناک عدة روایات تتحدث عن نشأة المقام، إلا أن أبرزها کانت أن أحد مالکی الأراضی فی مدینة بعلبک من عائلة جاری، وهو صاحب البستان الذی دفنت فیه السیدة خولة (ع)، رأى فی منامه فتاةً صغیرة تطلب منه أن یبعد عن قبرها مجرى إحدى سواقی المیاه، فلم یعر اهتماماً للمنام، فجاءته ثانیة وثالثة، وفی الرابعة عرّفته عن نفسها وکررت طلبها لأن المیاه تؤذیها، حینئذٍ ذهب إلى أحد أعیان الشیعة فی المدینة، وهو السید علوان مرتضى، وقص علیه ما رأى فی منامه. لم یتلکأ السید فی الذهاب مباشرة إلى حیث أشارت الفتاة فی المنام مع عدة رجال، لیحد جثتها الشریفة، وکانت لا تزال غضة طریة کأنها ماتت للتو، وقاموا بنقل الجثة إلى مکان آخر وبنوا علیها غرفة صغیرة بعد أن شاع خبرها ووصل إلى الوالی العثمانی، وعرف أنها صاحبة کرامات. ومن حینها أصبح المقام قبلة یحج إلیها محبو أهل البیت (ع). کانت الغرفة التی بناها السید حسین بن علوان ذات جدران سمیکة وقبة صغیرة، یتوسطها صندوق خشبی زُیّن بآیات قرآنیة وضع على القبر. یظهر هذا المقام جلیاً فی الرسم التصویری للمستشرق الانکلیزی روبرت وود فی کتاب بعنوان : "The kuins Of Bualbek". أثناء زیارته مدینة بعلبک عام 1757م إذ رسم المقام الشریف وخلفه قلعة هیاکل وأعمدة قلعة بعلبک، وهو عبارة عن غرفة صغیرة ذات قبة، بجوارها شجرة من السرو. روی کذلک أن هذا المقام قد دُمر نتیجة زلزال ضرب المدینة، وقد أعید بناؤه من جدید. وتوالت التحسینات والإضافات على المقام مع مرور السنین. أما الإضافة الأبز فقد کانت فی العام 1970 حیث انبرى بعض المؤمنین من أهل المدینة إلى جمع التبرعات وتوسعة المقام لیضم مصلى وحسینیة واسعة. بعدها وفی التسعینیات من القرن الماضی بدأ حزب الله حملة تحسینات وتوسیع جدیدة للمقام، واستمرت حتى سنة 2000 حین أخذت الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة على عاتقها بناء المقام بما یتناسب ومقام السیدة خولة (ع)، ولیضاهی مقامات أهل البیت فی البلاد المجاورة، فارتفعت الجدران وشیّدت المبانی الجدیدة التی التصقت بالمبنى القدیم وحضنته، وارتفعت الأعمدة والمآذن، واکتست القبة الجدیدة بالذهب، وأصبح المقام جاهزاً لاستقبال الآلاف من الزوار یومیاً. وصف المقام یقع المقام على قطعة أرض مساحتها حوالی 1500 م2 عند المدخل الجنوبی لمدینة بعلبک ومقابل قلعتها، وهو أول ما یطالعک عند الوصول إلى المدینة، حیث أنه یحیط به أشجار صنوبریة وحرجیة. یتألف المقام من طبقتین، فی الطبقة الأولى حیث الضریح والمزار، والفناء الداخلی الفسیح. أما فی الطابق العلوی، فهناک المصلى والحسینیة اللذان یتسعان لآلاف الزوار. یعتبر المقام من الخارج تحفة فنیة لما یحتویه من زخارف بالآیات القرآنیة، وذوق فنی وهندسی رائع، تکلله القبة المذهبة، والمآذن العملاقة، ویشکل معلماً ممیزا للمنطقة. أما من الداخل، فلا یقل الأمر عن الخارج من الجدران والأعمدة الملفوفة بالکاشی المزین بالزخارف الفارسیة تعلوها آیات قرآنیة. ویعتبر القفص الجدید تحفة فنیة أیضًا، فهو مصنوع من الذهب والفضة الخالصین، طوله اربعة أمتار وعرضه ثلاثة، وبابه من خشب السندیان المعتّق الموشى بالفضة، وفی داخلة القفص القدیم فوق الضریح. تخترق سقف المقام شجرة السرو التی تعتبر بحد ذاتها معجزة من معجزات الخالق؛ إذ ماتت جذورها من سنین طویلة، ولا تزال أغصانها تتمایل خضراء تنبض بالحیاة. کما یوجد مکتب للادارة ومکتب للاستفتاء، وصالون تشریفات، إضافة إلى بعض غرف النوم لاستضافة بعض الوفود. ویُعد أحد أربعة أضرحة نسائیة تحتوی على قباب مذهبة، والتی هی ضریح السیدة زینب(ع) فی سوریا، وضریح المعصومة(ع) فی قم، وضریح السیدة رقیة(ع) فی دمشق، وأخیراً ضریح السیدة خولة فی بعلبک. المقام وتأثیر وجوده على بعلبک یعد وجود المقام فی مدینة بعلبک قیمة دینیة کبیرة، فهو متنفس أهالی المنطقة الذین لا یروی ظمأ اشتیاقهم لآل البیت سوى زیارة مقاماتهم، وهو یعتبر من الأماکن المقدسة الأکثر زیارة فی لبنان، فترى الزوار یتوافدون علیه بالآلف یومیاً، خاصة فی عاشوراء وشهر محرم، حیث یبلغ العدد حوالى 100 ألف زائر، وهو أیضًا من الأماکن التی أصبحت الأکثر إقبالاً بعد الحوادث والحروب التی أصابت البلدان المجاورة حیث کان الشیعة یقصدونها للزیارة، سیما بعد الحرب المفروضة على سوریا من قبل التکفریین ما أعاق عملیة السفر إلیها. فکان المقام رافداً أساسیاً یلجأون إلیه فی مدینة بعلبک، وهو بالاصل ضمن البرامج السیاحیة الدینیة، والیوم تتنامى هذه الحرکة حتى أصبح یصله فی الیوم الواحد ما یقارب 40 او 46 باصاً من الزوار من کل أقطار العالم الاسلامی. أما الفائدة الاقتصادیة من وجوده فی هذه المنطقة فهی کبیرة جداً نظراً للإقبال الکبیر على الزیارة، من قبل اللبنانیین وغیر اللبنانیین ممن یقصدون التبرک من السیدة خولة (ع)، فتنتعش الحرکة الاقتصادیة وتدور عجلة الاقتصاد، وتتنوع الأعمال التی تزدهر من خلال ذلک، من المطاعم، ومحلات التذکارات، ومکاتب الخدمات وغیر ذلک. وهو خیر دلیل على ارتباط هذه المنطقة العریقة بأهل البیت ومحبتهم لهم. یقول الشیخ علی فرحات خطیب المقام: "أصبح یرتاده کل الزوار الشیعة وغیر الشیعة من کل العالم الإسلامی، کما یرتاده المسیحیون عندما یأتون للوفاء بنذورهم". کرامات السیدة خولة (ع) "باسم الله، بإذن الله، وإذن رسوله، وأنبیائه المرسلین، والأئمة المعصومین، وبإذن صاحبة هذا المقام الشریف أدخل هذه الروضة المبارکة، وأدعو الله بفنون الدعوات، وأعترف لله بالعبودیة وللنبی (ص) والأئمة المعصومین (ع) بالطاعة". هکذا یستقبلک المقام الشریف بلوحة رخامیة مثبتة على بابه، فالحاضرون إلى هذا المقام، لا یتوانون عن طلب التبریکات من حضرة السیدة خولة (ع)، یساعد على ذلک جو من الخشوع والرهبة تُحس به فور دخولک المقام، ویعتریک شعور بوجود السیدة الجلیلة فی کل شبر منه، وتسمع من هنا وهناک قصصاً عن أمراض برأ أصحابها، وکرامات کثیرة، فتروی لک امرأة هنا ما حصل مع ابنتها، وکیف طابت بعد زیارتها القبر الشریف، ویتوجه بالحدیث رجل آخر فیخبرک عن معجزة حصلت معه بعد زیارته المقام. أما ما یلفت الانتباه فهو قصة أخبرنا بها خادم المقام، وهی أن امرأة عراقیة، وهی زوجة الدکتور أبو الحسنین ابتلاها الله بمرض خبیث، وهو عبارة عن 14 کتلة سرطانیة فی الرحم، وکانت حامل بفتاة، عرضها زوجها على أهم الأطباء فی بریطانیا دون أمل، جاء بها إلى مستشفى الجامعة الأمیریکیة فی لبنان، وأجرى لها تحالیل تبین خلالها وجود سرطان فی الدم أیضاً، فقرر الأطباء إجراء عملیة لها. جاء زوجها لزیارة السیدة خولة(ع) وسأل عن برکاتها، فطلب من الخادم غصناً من الشجرة الموجودة فی المقام مع زجاجة ماء صغیرة، فأحضرهما الخادم وذهب بها إلى زوجته، وطلب منها أن تأکل من أوراق الغصن وتشرب الماء ففعلت، وفی الصباح أنزلت إلى غرفة العملیات، وبعد شقها تبین أن الکتل یابسة ولا یوجد أی سرطان، فقام الطبیب بنزعها، وبعد أن خرج من غرفة العملیات، طلب إعادة التحالیل، لأنه لا یوجد سرطان والخلایا الخبیثة یابسة، فأخبره زوجها بما فعل، وأعطاه الغصن والمیاه وقال له: "حللوا هذان لأنهما اللذان شفیا زوجتی بإذن الله، وهما من مقام السیدة خولة بنت الإمام الحسین، بعدها تبرع الرجل بمبلغ کبیر للمقام، وجاء برفقة زوجته وابنته لشکر السیدة خولة بعد شفائها. أما الحجة نوف وهی عجوز تکاد لا تبارح المقام فتروی نقلاً عن خادم السیدة خولة من حوالی 20 عاماً، أنه کان یراها تجول فی المقام بین الحین والآخر. دور الدولة الإسلامیة الإیرانیة فی بناء مقام السیدة خولة (ع) وتفعیل دوره منذ أن أخذت الدولة الإسلامیة الإیرانیة على عاتقها بناء المقام وتوسیعه، وتفعیل دوره الریادی فی المنطقة، تحول إلى محج لکل المسلمین من کل أنحاء العالم، وأصبح یضج بالنشاطات الدینیة، من إحیاء لیالی القدر، والصلاة فی یوم الجمعة، حیث یؤم المصلین الشیخ محمد یزبک ممثل مکتب آیة الله السید الإمام على الخامنئی فی البقاع، وإحیاء ذکرى عاشوراء، إذ تمتد هذه الشعائر حتى أربعین الإمام الحسین(ع). ولا تزال الدولة الإسلامیة الإیرانیة تهتم بزخرفة وتوسیع المقام وتطویره حتى الآن، وقد أنشأت فیه مکاتب لمساعدة الناس فی قضایا الدین، کما وتنظم فیه دروس دینیة دوریة للناشئة. ویحظى المقام باهتمام من السید القائد الإمام علی الخامنئی دام ظله، ویولیه عنایة خاصة، ویتضح ذلک من خلال الدعم الکبیر لمشروع البناء المادی والمعنوی. أخیراً ندعو کل الزوار وکل المسلمین بکل أطیافهم إلى المجیءإلى مدینة بعلبک، هذه المدینة المظلومة التی نعتوها بأنها خالیة من الأمن، وهی أکثر المدن أمناً واستقراراً، وهی حاضرة وجاهزة لتستقبلهم.


| رمز الموضوع: 66647




لبنان مقام السيدة خولة